لم يحمل التقرير الأخير الصادر عن معهد الكنيست للأبحاث والمعلومات أي بشرى جديدة للمواطنين العرب، حين وجد مثلا وجود ارتفاع دائم في عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي، حيث أن 44% من ضحايا جرائم القتل بين السنوات 2015-2019 هم من المجتمع العربي، بواقع 1198 ضحية، مقابل 56% من المجتمع اليهودي (1499 ضحية)، وذلك بناء على الملفات الرسمية للشرطة.
هذا التقرير كما يقول معدّوه ينشر لأول مرة بيانات المعلومات التي تضعها الشرطة الإسرائيلية وتتضمن معلومات عن المشتبه فيهم وعن الضحايا فيما يتعلق بالملفات التي فتحتها الشرطة بين الأعوام 2015-2019. ويجدر التنويه أنه استمراراً وغوصاً أكثر في سياسة "غسيل الكلام" وعدم الإشارة للعرب باسمهم وتعريفهم وانتمائهم، لا تشير مصادر البيانات الواردة في التقرير إلى المواطنين العرب، بل إلى من تسميهم "السكان غير اليهود". والمفارقة أن من سارع للانتباه والتنبيه إلى هذا هي مواقع محسوبة على اليمين الإسرائيلي، ووجد أحدها من الضروري التشديد على أنه بالرغم من ذكر العرب صراحة فـ "بحسب المكتب المركزي للإحصاء، الغالبية العظمى من غير اليهود الذين يعيشون في إسرائيل هم من العرب" (القناة السابعة).
ويوم الأربعاء الفائت، الفاتح من نيسان، انعقد الاجتماع الأول اللجنة البرلمانية الخاصة لمكافحة العنف والجريمة، "لبحث مظاهر العنف والجريمة في المجتمع العربي خاصة في ظل تفشي وباء كورونا"، كما جاء في بيان للجنة، التي قاد اجتماعها رئيسها النائب عن القائمة المشتركة، د. منصور عباس. اللجنة ركزت على جزء واسع من المعطيات التي حملها التقرير، مشيرة إلى "وجود ارتفاع دائم في عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي في هذه الفترة، مقابل انخفاض في عدد الضحايا اليهود" وتناولت كذلك الاعتداءات الجسدية وتلك المرتكبة ضد ممتلكات، على النحو التالي:
* لم تكن هناك فروق بين نسبة المواطنين العرب واليهود فيما يتعلق بجرائم الاعتداء الجسدي إذ أظهر التقرير ذلك فيما يتعلق بأبناء 15 عاما فما فوق. بلغ عدد جرائم العنف في المجتمع العربي 11000-12000 جريمة بين 2015-2019، مقابل 27000-30000 جريمة في المجتمع اليهودي. التقرير يفصّل أساليب وأشكال الجرائم ضد الأشخاص، وتشمل التهديد بالقتل والقتل الخطأ ومحاولة القتل والقتل. في 2015-2019، كان 1499 (56%) من ضحايا هذا الجرائم بين اليهود و1198 من الضحايا (44%) بين العرب. في تتمة هذا الفصل من التقرير تم تقديم بيانات حول الجرائم الجسدية التي تضمنت إلقاء زجاجات مولوتوف والتسبب بإصابة جسدية خطيرة واقتراف أفعال خطف وإكراه وسجن وهمي.
* 80% من المتهمين بجرائم السلاح – وهذا أخطر المعطيات - هم من المجتمع العربي (9219 ملفاً بين 2015-2019)، حيث تم تسجيل ارتفاع دائم في عدد الملفات في المجتمع العربي طوال هذه الفترة، وقفزت الأرقام الدموية من 1645 ملفاً العام 2015 إلى 2205 ملفات العام 2019، ولكن مقابل ذلك لم يسجل ارتفاع ملحوظ في نسبة جرائم السلاح في المجتمع اليهودي خلال هذه الفترة التي يتناولها التقرير.
* بلغت نسبة المتهمين بالاتجار بالمخدرات بين العرب 28% وذلك من بين 52000 ملف فتحتها الشرطة بين الأعوام 2015-2019. وينوّه التقرير أنه قد طرأ عموماً ارتفاع في عدد الملفات المتعلقة بالاتجار بالمخدرات سواء أكان ذلك في المجتمع العربي أم في المجتمع اليهودي، وذلك بنسبة إجمالية بلغت 33%-34%.
*أما فيما يتعلق بالاعتداءات على الأملاك – وهي جرائم معظمها يقع كجزء من ممارسات الإجرام المنظّم للابتزاز أو التهديد أو الانتقام من دائنين عاجزين عن إرجاع ديون ورافضي دفع "خاوة" وما شابه – فقد تبين من التقرير أنه في الوقت الذي سجل فيه انخفاض لدى المجتمع اليهودي من حيث عدد ضحايا تلك الجرائم بين 2015-2019، فقد تم تسجيل ارتفاع جدّي بنسبة 10% في المجتمع العربي. وهنا بلغ عدد ضحايا الاعتداءات على الأملاك في هذه الفترة 94000 ضحية عربية - 16% من مجمل عدد الضحايا؛ بينما بلغ عدد المتهمين العرب بالقيام بجرائم تتعلق بالأملاك 71000 متهم - 37% من مجمل عدد المتهمين.
* يشير التقرير خصوصاً إلى الارتفاع في عدد ضحايا جرائم إحراق الممتلكات في المجتمع العربي والذي بلغ حداً عبثياً بنسبة 57%، وبالأرقام، فقد ارتفع عدد ضحايا هذه الجرائم التي تُقترف ضمن الممارسات المشار إليها أعلاه من 1002 ضحية العام 2015 إلى 1568 ضحية العام 2019. وبالأرقام الإجمالية بلغ عدد ضحايا جرائم إحراق الممتلكات – بيوت ومصالح ومعدّات عمل ومزروعات - بين 2015-2019 في الدولة 10900 ضحية، وعدد المتهمين 4600 متهم.
* وفقاً لتقرير معهد الكنيست ارتفع عدد حالات العنف المنزلي لدى العرب خلال الفترة التي يتناولها بنسبة 26%، في حين ارتفع عدد الحالات التي كان فيها المشتبه فيه يهودياً بنسبة 6ر2%.
ارتفاع معدل البطالة والأزمة الاقتصادية يؤدي لزيادة آثار العنف والجريمة
كان لافتاً ما كتبه قبل أيام "معهد دراسات الامن القومي" الإسرائيلي في وثيقة جديدة له تناولت وضع البلدات العربية في ظل انتشار وباء الكورونا، حين ربط بين الجريمة وبين سياسة الحكومة. ومما جاء في الوثيقة:
"من الضروري إقرار موارد اقتصادية مخصصة للمجتمع العربي، بما في ذلك السكان البدو في الجنوب، الذين يعتمدون على السياحة. حوالي 60% من العمال العرب هم موظفون يعملون خارج مجتمعاتهم، وجزء كبير منهم عاطل عن العمل بالفعل. من المرجح أن تعاني الشركات الصغيرة في المجتمعات العربية من انهيار ويجب ضمان الدعم المالي لها؛ من الضروري إنشاء آلية سريعة لإتمام الإجراءات والمعاملات مع مؤسسة التأمين الوطني للعمال الذين تم إرسالهم إلى البيت، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع معدل البطالة والأزمة الاقتصادية إلى تعميق الفقر وزيادة آثار العنف والجريمة".
من المهم عدم ترك مسألة انتشار السلاح عالقة في العموميات، لا من حيث توثيقها في الأبحاث ولا من حيث تغطيتها الصحافية. ففي مؤسسة تعرف كيف تراقب أية قطعة سلاح وأية حبّة ذخيرة حين تضعها ضمن التعريفات الأمنية، يجب وضع علامة سؤال مشدّدة على تفشي السلاح كما يتفشى الوباء. وقد أصابت المحامية سمدار بن نتان، وهي مؤسِّسة - شريكة لائتلاف "المسدّس على طاولة المطبخ" الذي أقيم لمواجهة جرائم القتل ومحاولات القتل لنساء بأسلحة رسمية لعناصر أمن وحراسة، إذ كتبت في مقال مؤخراً ("هآرتس") أن انفجار مشكلة السلاح غير المرخّص في المجتمع العربيّ- الفلسطينيّ، "كانت مسألة وقت لا أكثر. لكننا أدركنا في ائتلاف مشروع "المسدس على طاولة المطبخ"، وعبر التعاون المتواصل بين المنظّمات النسويّة الفلسطينية واليهودية، خطورة المسألة منذ عدّة سنوات. فالمظاهرات الجماهيريّة الحاشدة تدلّ على مدى صعوبة وتعقيد المشكلة المذكورة. لكنها تبرهنُ أيضا على استعداد المجتمع الفلسطينيّ ورغبته بالسعي لبذل كلّ جهد في سبيل حلّها. لذا فالسؤال المطروح الان على طاولة البحث كالتالي، هل سيتم طرح حلول تجيب عن حاجات الجمهور الفلسطينيّ وخصوصيته؟".
تتوقف الكاتبة عند دراسة أجرتها بالاشتراك مع ريلا مزالي وميساء إرشيد في شهر كانون الثاني 2019 (كنّا استعرضنا تفاصيلها باستفاضة هنا) تناولت أساليب علاج قضية السلاح غير المرخّص. أبرز الاستنتاجات كانت أنّ الحدّ من كميّات السلاح غير المرخص المنتشرة يوجب تبنّي توجهات واستراتيجيات وقائيّة وليس عقابية من قِبل الدولة. لأن "العقوبة تُعالج المرحلة المرضيّة، أي مرحلة ما بعد ارتكاب مخالفة ما واستعمال السلاح غير المرخص. يُستدلّ من الدراسات التجريبيّة أنّ للعقوبة تأثيرا هامشيّا فقط فيما يتعلق بالردع والوقاية. وفقاً لتقرير مراقب الدولة بشأن هذا الموضوع، فإنّ تطبيق القانون من قِبل الشرطة في هذا المجال غير فعّال بتاتاَ. يتعيّن على الدولة بلورة سياسة شاملة للحدّ من ترخيص حيازة السلاح، كما عليها بالتعاون مع الجهات المجتمعيّة اتّخاذ التدابير لجمع السلاح بالتزامن مع ضمان الحصانة من العقوبة الجنائيّة. تشير تجارب جمع السلاح في كلّ من أستراليا، البرازيل، جنوب أفريقيا، بريطانيا والأرجنتين، إلى أنّ حملات جمع السلاح كانت أداة رئيسيّة لتقليص انتشار السلاح غير المرخّص".
مصدر السلاح غير المرخّص الرئيسي في المجتمع العربيّ – سرقة وبيع الأسلحة التابعة للجيش
لكن تشير بن نتان إلى أنه كي تكون هذه الأداة ناجعة يجب أن تتوفر عدّة شروط أساسيّة لضمان نجاحها: التوقيت، حيث يجب المبادرة لهذه الحملات خلال فترة جهوزية الوعي العامّ لها، أن تجري في إطار تشريع أو تغيير سياسات شامل، كما عليها أن تستمر فترة لا تقلّ عن ستّة أشهر. ويجب أيضاَ توفّير شروط الحصانة من العقاب وتوفير محفّزات مناسبة لتسليم السلاح. الأهم من كل ما ذكر أعلاه، يجب أن تتم هذه العمليّة بالتعاون والتواصل المكثّف مع المجتمع المدني، مسؤوليهِ وقادته. وأنوه هنا أن جزءا لا بأس به من هذه الشروط متوفر بإسرائيل بالوقت الراهن.
إن حملات إعادة السلاح شائعة جدّاً في إسرائيل، تقول الكاتبة، والتي تسترجع الدولة من خلالها معدّات عسكرية مثل: القنابل اليدويّة، البنادق والذخيرة الحيّة. لكن ورغم أن "مصدر السلاح غير المرخّص الرئيسي بالمجتمع العربيّ هو سرقة وبيع الأسلحة التابعة للجيش، فإن هذه الحملات الدوريّة تتجاهل المجتمع العربي كليا. بعد صياغته بشكل ايجابي يكون عنوان هذه الحملات عادة إعادة المعدّات، وليس إعادة السلاح. يساهم ربط هذه الحملات بالنشاط المجتمعي الإيجابيّ، في تقليص الأفكار النمطيّة كما يشجّع على التعاون. تستمرّ هذه الحملات ما يقارب الشهر، في حين أنّ الحملة المخصّصة للجمهور العربيّ استغرقت أسبوعاً واحداً فحسب!".
وتضيف أنه "يجب أخذ العامل الزمني بالحسبان لأنه مصيري جداَ لمالكي السلاح، متخذي القرارات وللجهات المجتمعيّة لخلق تأثير وضغط جماهيري. تستمرّ حملات إعادة السلاح في أستراليا والبرازيل شهراً كاملاً. وعليه فان حملات إعادة السلاح التي تستغرق أسبوعاً واحداَ فقط في إسرائيل، مصيرها الفشل!. ولكن على ما يبدو فإنّ وزير الأمن الداخليّ جلعاد إردان، ليس معنيّاً إطلاقا بإنجاح حملة جمع وإعادة السلاح. حيث قام بنشر فيلم قصير وَجَّه من خلاله تحدياَ للجمهور العربيّ قائلاَ: "فلنرَ الآن إن كنتم معنيّين حقاً بإعادة السلاح؟". يبدو أنّ هدف هذه الحملة ليس جمع السلاح، وإنما إثبات صحة ما قاله الوزير إردان، أنّ المجتمع العربيّ عنيف بطبعه. لو افترضنا أن هذه المقولة صحيحة، فكيف يفسر إردان وأتباعه خروج آلاف المتظاهرين العرب للشارع للتنديد بالعنف المتفشي؟ أقول لوزير الأمن الداخلي ولصناع القرار، يتألف المجتمع العربي ككل مجتمع آخر من قوى متباينة ومتعارضة، لذا فمن الأجدر تعزيز القوى الإيجابيّة".
بحسب معطيات سابقة وردت في تقرير (سابق) لمراقب الدولة، فقد تطور العنف الحالي وانتشرت الأسلحة غير المرخصة تحديداً، خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. "كما أظهرت الأبحاث أن النساء العربيّات بالذات شكلن غالبية ضحايا استعمال الأسلحة النارية، بالذات بعد عام 2007. وأذّكِر أن العنف المسلح ليس ثقافة دائمة، إنّها عمليّة اجتماعيّة ديناميّة يستطيع المجتمع التراجع عنها بل ومكافحتها أيضا. لجأت الحكومة والوزير إردان في السنة الأخيرة بالذات إلى تسهيل شروط الحصول على تراخيص لحيازة السلاح، ممّا أدّى إلى زيادة نسبة حاملي السلاح المرخّص. هذا أيضاً وضع يمكن التراجع عنه. لا يمكن أن تكون الرسالة متناقضة إلى هذا الحد، من جهة سياسات تجيز اقتناء السلاح بسهولة وأخرى تحاول أو تدعي جمعه. يجب تغيير المنظور كله، لا الإبقاء عليه وتنفيذ خطوات عينية عشوائية تعزز استمراره".
الوزير إردان اقتطع 434 مليون شيكل من خطة لتوفير الأمن الشخصي للمواطنين العرب ولاحقاً راح ينسب الجريمة "الى ثقافتهم"!
في استمرار لسياسة التنصّل من المسؤولية، ومراكمة الذرائع، زعمت وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية في ردها على تقرير معهد أبحاث الكنيست، أنه خلال سنوات تنفيذ الخطة رقم 1402 للعام 2016، تم تقليص ميزانية الشرطة الإسرائيلية بشكل كبير ولهذا السبب كانت هناك فجوات بين الخطة والتنفيذ، سواء في بناء مراكز الشرطة أو في الموارد البشرية! ولكن الصورة ليست بمثل هذه الضحويّة التي تحاول الشرطة ووزارتها ووزيرها نسبها لنفسهم.
كتب الصحافي شاحر إيلان في تحقيق نشرته الصحيفة الاقتصادية "كلكاليست" أواخر العام الماضي أن ثلث ميزانية مكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، قد اختفى. وهو يقول إن حالة العنف والجريمة في المجتمع العربي لا تتحسن على الرغم من الجهود الخاصة التي تبذلها الحكومة لمعالجة هذه القضية. على سبيل المثال، في السنوات الأربع الماضية، أضافت وزارة الأمن الداخلي 336 مليون شيكل جديد إلى قاعدة الميزانية للتعامل مع الجريمة في المجتمع العربي، بالإضافة إلى أموال إضافية يبلغ مجموعها أكثر من 200 مليون شيكل سنوي للشرطة.
ويصف كيف أنه بهذه الأموال والميزانيات الخاصة، تم إنشاء 7 مراكز شرطة جديدة في بلدات عربية وإضافة 420 عنصر شرطة عربي. ولكن مراكز الشرطة السبعة الجديدة التي تم إنشاؤها هي نحو نصف المراكز الخمسة عشر المخطط لها. علاوة على ذلك، في العام 2018، تم تخصيص مئات الملايين من الشواكل لخطة لزيادة الأمن الشخصي في هذا القطاع. وفقا لعديد من الأبحاث فإن معدل ضحايا القتل في المجتمع العربي أعلى بخمس مرات من المجتمع اليهودي و57% من المتهمين بالقتل كانوا "من غير اليهود". وهذا، يكتب إيلان، يؤدي إلى استنتاج لا مفر منه أن الاستثمار غير كاف، ولا يصل إلى الأماكن الضرورية وقبل كل شيء - ليس كافياً إعطاء المال، بل تحتاج الحكومة والشرطة إلى صياغة سياسات وإبداء رغبة حقيقية في حل المشاكل في المجتمع العربي، وهي رغبة ستنعكس في إجراءات مقترنة بتخصيص الموارد.
ويشير الكاتب الى أن موجة الاحتجاجات التي قام بها الجمهور العربي ضد العنف والجريمة داخله، كانت غير عادية في اختراق الأجندة العامة في إسرائيل. في المقابل، قال وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان إن أسباب العنف كانت "ثقافية"، الأمر الذي أثار الاحتجاجات أكثر. وهو يقول: ليست تصريحات إردان وحدها هي التي يمكن أن تضر بثقة الجمهور العربي بالشرطة. فقرار موطي كوهين القائم بأعمال المفتش العام للشرطة تشغيل ما يسمى "حرس الحدود" في المجتمع العربي ضد الجريمة، "سيعزز بشكل أكبر صورة الشرطة كجسم يعمل لأهداف قومية"، على حد وصف الصحافي.
يؤكد هذا التحقيق الصحافي أنه على الرغم من إضافات الميزانية ومراكز الشرطة والأجهزة، فإن أحد الأسباب التي تمنع تراجع الجريمة في المجتمع العربي لا يزال الشح الحاد في الموارد، والذي يتفاقم على امتداد سنوات عديدة من الإهمال. خلال فترة الحكومة الأخيرة، حتى لو تم اتخاذ قرارات بتخصيص موارد للمجتمع العربي مع التركيز على الأمن الشخصي، فقد حرص إردان نفسه على ألا يصل ثلث الأموال المخصصة لتعزيز الأمن في المجتمع العربي إلى وجهته. وقد كشف مراقب الدولة السابق يوسف شابيرا في تقريره عن نظام مشتريات الشرطة من آذار 2018 أن إردان حوّل 434 مليون شيكل من أهدافها الأصلية إلى أسباب أخرى. وتم اقتطاع معظم الأموال من خطة الأمن الشخصي المخصصة للمجتمع العربي. ولاقت هذه الخطة نقداً في أوساط الشرطة نفسها، إذ قال مفتش الشرطة حينذاك روني ألشيخ خلال حديثه في الكنيست في تشرين الأول 2018 عن الجريمة في المجتمع العربي: "أنا قلق بشأن المستقبل: لن نقتطع 400 مليون فقط في 2018، بل إن 2019 لا يبدو جيداً، و2020-2021 يلفهما الغموض تماماً". وبالأرقام: كان ينبغي أن يخصص لمحاربة الجريمة في المجتمع العربي 3ر1 مليار شيكل خلال السنوات الأربع الأخيرة للحرب ضد الجريمة، لكنه في الواقع حصل على 900 مليون شيكل فقط. هذا بالتأكيد لا يشير إلى نهج جاد – يقول الكاتب.
في السياق نفسه، فإن هذا الوزير، جلعاد إردان، كان سارع لإجراء "مداولة طارئة مع اللجنة الوزارية لمحاربة العنف برئاسته وذلك من أجل وضع برنامج حكومي شامل لمحاربة الجريمة الزراعية"، كما أعلنت الوزارة على موقعها. ودعا الى الاجتماع كلا من وزير العدل، وزير الزراعة، نائب وزير المالية وممثلين عن الشرطة، وجهاز "الشاباك" وعن المزارعين. دافعه القوي لذلك كان إمكانية استغلال هذه الجرائم تحديدا لأغراض دعائية قومجيّة. فقد قال: "إن محاربة الجريمة الزراعية ترتفع درجة. فهذه حرب على الصهيونية وعلى البلاد ونحن سوف نستعمل أدوات جديدة قوية من أجل المحافظة على جمهور المزارعين". ووجّه الوزير الشرطة و"حرس الحدود" لتخصيص قوات مهمة وموارد إضافية وإقامة هيئة تكنولوجية وتركيب كاميرات وبوابات في المجالس الاقليمية التي تساعد في معالجة الظاهرة "على ضوء الاعتراف أن جزءا من عناصر الجريمة الزراعية يأتي من مناطق السلطة الفلسطينية"!
الحلول ليست أمنية فقط
إن أحد أسباب زيادة الأسلحة غير المرخصة في المجتمع العربي بحسب "كلكاليست"، هو ضعف التعاون بين الشرطة والجيش الإسرائيلي. وتقول "إن مثل هذا التعاون ضروري ليس فقط لإحباط سرقة الجيش الإسرائيلي ولكن أيضاً لمنع تهريب الأسلحة من الضفة الغربية وغزة والأردن. سبب آخر هو العدد الضئيل من لوائح الاتهام لمخالفات إطلاق النار، وهذا معناه الغياب التام للردع". وهي تذكّر بوجوب التوجه إلى خطوات غير أمنيّة فقط في سياسة مواجهة الجريمة، وتورد أقوال مراقب الدولة شابيرا عن أن الانحراف للجريمة في المجتمع العربي يطال شريحة واسعة من الشباب، وأن العامل الرئيس في ذلك هو التسرب الكبير من المدارس في المجتمع العربي. وقد كشفت دراسة حديثة أجراها مركز طاوب أن نسبة التسرب من المدارس الثانوية العربية تبلغ 8%، أي ضعف النسبة في المدارس الثانوية اليهودية. وفي هذا يساهم بلا شك حقيقة أن الميزانية الممنوحة لطالب ثانوي ديني أعلى بنسبة 64% من تلك التي تعطى لطالب عربي ثانوي. لقد أعلن وزير التعليم رافي بيرتس عن وضع خطة طارئة لمكافحة العنف في التعليم العربي، ولكن لم تخصص للبرنامج سوى 5 ملايين شيكل. المشكلة تتفاقم بعد المدرسة الثانوية مع نسبة عالية من الشباب العرب غير العاملين وهو ما يشكل مرتعاً للجرائم. وهناك ظاهرة أخرى تفاقم الجريمة وهي صعوبة الحصول على ائتمان وقروض من البنوك التي تجبر أصحاب الأعمال العرب على اللجوء إلى "السوق الرمادية" والحصول على قروض عالية الفائدة من منظمات بعضها إجرامية.
المصطلحات المستخدمة:
حرس الحدود, مراقب الدولة, شيكل جديد, الصهيونية, التأمين الوطني, هآرتس, القناة السابعة, رافي, الكنيست, نائب وزير