المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صدر قبل أسبوع التقرير رقم 69 لمراقب الدولة في إسرائيل، وهو يتضمن عدداً من القضايا التي تخص المواطنين العرب وعلى وجه الخصوص في مجال السّكن. من هذه الناحية ربما أن المهم في التقرير هو الإشارة الصريحة إلى أن الدولة لم تعمل في القرى والبلدات العربيّة على زيادة تخطيط الأراضي العامة (تسمى "أراضي دولة"!) لغرض تسويق وحدات سكنيّة لحل هذه الضائقة، وكان الحال نفسه سائداً بالنسبة للأراضي الخاصة، التي بملكية الناس، إذ تتعهد الدولة على الدوام بإعادة تخطيطها بحيث يُجاز فيها البناء، لكن لا يتم تطبيق هذه التصريحات.

يقول المراقب إن أزمة السكن التي اندلعت العام 2008 أثّرت بشكل خطير على من يصفهم بـ "الأقليات". التقديرات الرقمية التي يقدمها تقرير مراقب الدولة تفيد بوجود طلب لدى المواطنين العرب تحديداً على ما يقارب 12-13 ألف وحدة سكنيّة في السنة، لكن سلطات الدولة لم تقم بواجبها كالمذكور، والنتيجة هي نقص في حوالي خمسة آلاف وحدة سكنيّة سنوياً.

منذ العام 2000 اتخذت حكومات إسرائيل عدة قرارات لحل مشكلة السكن لدى المواطنين العرب لكن الأدوات التي استُخدمت لم تؤدّ الى أي حل أو ساهمت بشكل محدود جدا. وفي إثر ذلك تقرر في كانون الأول 2014 إقامة طاقم يمثل عدة وزارات كي يبلور خطة عمل خلال 120 يوماً. في تموز 2015 قررت الحكومة تبنّي مبادئ تقرير طاقم الـ120، فتقررت خطة خمسية للسنوات 2016 حتى 2020 للدمج الاقتصادي للمواطنين العرب. في هذا الإطار تقرر تخصيص ميزانية قوامها 2ر1 مليار شيكل لمعالجة ضائقة السكن تحديداً. في العام 2016 وقعت وزارة الإسكان "اتفاقيات تطوير شاملة" مع 13 سلطة محلية عربية بخصوص "تخطيط أراض، تطويرها، تسويقها وإصدار رخص بناء لإقامة أحياء سكنية".

انعدام تمثيل ملائم للمواطنين العرب في لجان التخطيط والبناء

يقول تقرير المراقب إنه تم فحص تطبيق هذه القرارات وهذه الاتفاقيات في عدد من الهيئات الحكومية ذات الصلة ومنها وزارة الإسكان، سلطة أراضي إسرائيل، مديرية التخطيط، قسم الميزانيات في وزارة المالية، قسم تسجيل وتنظيم الأراضي في وزارة العدل وسلطة التطوير الاقتصادي "لقطاع الأقليات" في وزارة المساواة الاجتماعية.

الوضع مرتبط بعدة مسببات، وفقاً للتقرير، أحدها عدم وجود تمثيل ملائم للمواطنين العرب في لجان التخطيط والبناء.
فقد وجد تقرير مراقب الدولة أن نسبة الممثلين العرب في اللجنة القطريّة للتخطيط والبناء لا تتجاوز 6% وفي لجان التخطيط اللوائية في كل من حيفا، المركز والشمال لا تتعدى 7%. وفي منطقة الشمال خصوصا تظهر بشاعة التمييز: فعلى الرغم من أن نسبة المواطنين العرب في الشمال تصل الى 54% من السكان انحصر تمثيلهم في لجنة التخطيط اللوائية بممثل واحد من أصل 17! كذلك فقد تم تجاهل توصية بإقامة لجان تخطيط محليّة في قرى عربيّة مختلفة، على الرغم من مضيّ عقد على إعلانها!

المشكلة الأساسية في هذه الناحية، كما تقول مؤسسات عربية تتابع هذه القضايا، هي اشتراط أي زيادة في وحدات السكن والأراضي المخصصة لها بما تسميه السلطات "تسوية" أوضاع دور سكنية غير مرخصة، حيث أن التفسير والتأويل الضمني هو هدم مئات البيوت إن لم يكن أكثر، كمقدمة للبدء بتطبيق ما تم التعهد به أو الاتفاق عليه!

يقول التقرير: لقد صادرت الدولة أراضي في تلة طنطور منذ سبعينيات القرن الماضي، لغرض إقامة موقع بلدي جديد. لكن تخطيطه استمر لسنوات طويلة، وفقط بحلول أيلول 2018 قررت اللجنة القطرية للتخطيط والبناء إيداع خطة بهذا الشأن. وهي تشمل إضافة 15 ألف وحدة سكنية وكذلك مساحات تشغيلية وتجارية ومبان عامة مختلفة. ويجزم المراقب: التقديرات تشير إلى أنه ستنقضي سنوات طويلة حتى يتم إسكان هذا الموقع!

المخطط في طنطور يهدف إلى بناء "غيتو" جديد للعرب

لكن أهالي الجديدة المكر يواصلون النضال ضد المخطط في طنطور، والذي يهدف لبناء "غيتو" جديد يزيد عدد سكان جديدة- المكر من 20 ألفاً إلى 100 ألف، كما يقول مركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل. ويضيف في هذا الشأن: يخوض أهالي قرية الجديدة- المكر نضالاً لإلغاء مخطط مدينة طنطور، على ضوء عرضه على لجان التخطيط للمصادقة عليه بسرعة. ودعا المجلس المحلي واللجنة الشعبية ولجنة المتابعة العليا والأهالي إلى مظاهرة حاشدة بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض لإسقاط المخطط الذي وصفوه بالـ"هدام".

ويقوم المخطط ببناء 15 ألف وحدة سكنية ستضم نحو 80 ألف شخص محولاً بذلك الجديدة- المكر الى أكبر مدينة عربية داخل الخط الأخضر من ناحية عدد السكان ومحولاً إياها لحي سكني مكتظ وفقير (غيتو).

ويلفت مركز "عدالة" وجمعية "بمكوم – مخططون من أجل حقوق الإنسان" في الاعتراض على كون المخطط فعلياً مخططاً لإقامة مدينة جديدة. وعليه، فإن محاولات سلطات التخطيط تغليفه على أنه مخطط لإقامة حارات جديدة باطل، ومحاولة لاستغلال إجراءات التخطيط المستعجلة للمصادقة على المخطط بسرعة ودون صلاحية. وشدد الاعتراض على أنّ المخطط لم يفحص احتياجات سكان الجديدة- المكر وتجاهل تطلعاتهم المستقبلية، فارضاً عليهم سياسات التمدين القسري. حيث أنّ الكثافة السكانية المتوسطة بالمخطط المقترح تضاهي الـ14 وحدة سكانية للدونم وهي أعلى من الكثافة المتوسطة في كل المدن بالمنطقة وتقارب خمسة أضعاف الكثافة المتوسطة اليوم في الجديدة- المكر (4ر2 وحدة سكنية للدونم). بالإضافة لذلك، لم يفحص المخطط تأثيره على الجديدة المكر وعلى سائر البلدات في المنطقة.

"عدالة" و"بمكوم" قدما اعتراضاً على المخطط باسم 200 مواطن من قريتي الجديدة والمكر، وسيمثلان المعترضين أمام اللجنة الخاصة للمخططات.

وحول علاقة المخطط بيوم الأرض، قال مركز عدالة إنه "عوضاً عن أن تقدم الدولة حلاً لأزمة السكن في القرى العربية من خلال زيادة المسطحات ومناطق النفوذ وملاءمة التخطيطات المستقبلية لاحتياجات كل قرية ونمط الحياة فيها، تقوم بفرض البناء الكثيف متعدد الطوابق بكميات غير مسبوقة على الأراضي التابعة للجديدة- المكر. المخطط يشكل خطوة إضافية على طريق سياسة التضييق على الفلسطينيين في الجليل وهو يهدف، ضمن العديد من الأمور الأخرى، إلى وقف انتقال الفلسطينيين في الداخل للسكن في المدن التي يشكل اليهود غالبية السكان فيها. وهذا المخطط جزء من سياسات الفصل العنصري والتمييز ضد الفلسطينيين في الداخل، ويتوافق مع عدد من القوانين العنصرية التي سنتها الحكومات الإسرائيلية، وأبرزها قانون القومية وقانون كامينتس وقانون لجان القبول".

"يقولون إن الهدف بناء مدينة عربية جديدة وهذا كله كذب بكذب"

أحد نشطاء اللجنة الشعبية ضد المخطط، محمد ملحم، رأى أن هناك علاقة وطيدة بين يوم الأرض والنضال ضد مخطط طنطور الذي يجتمع الجميع على وصفه بأنه "غيتو العرب في الجليل". ويرى أن الأسباب التي آلت إلى إضراب يوم الأرض، هي ذاتها الأسباب التي خرج فيها المواطنون بنضال ضد مخطط طنطور في يومنا هذا. ويقول "السبب الرئيس ليوم الأرض كان الدفاع عن الأراضي، وطنطور التي ندافع عنها صودرت أراضيها العام 76، واليوم تتم مصادرات جديدة. يقولون إن الهدف بناء مدينة عربية جديدة وهذا كله كذب بكذب بكذب. إنه مخطط صهيوني بحت! وهدفهم اخلاء الأرض من السكان العرب، كيف؟ فهذا لا يعنيهم البتة".

يتساءل ملحم كيف لهم أن يوّزعوا القسائم؟ ستتم مصادرة أكثر من 2000 دونم من الأراضي الخاصة، التي يفترض أن تخصص لأبناء البلدة بهدف إسكان الآلاف من خارجها، والتعويض؟ يرى أنه لن يكون الا عبارة عن "شقة 100-150 مترا على قسيمة 400 متراً يتقاسمها مع 4-5 آخرين، حسب ما يريدون ولا يُعرف الجار، ولا يُعرف الحجر، ستخلق الكثير من الخلافات" ويخشى من أن تتطوّر الى خلافات كبيرة "يريدون التحكم بنا وزجنا في حارات صغيرة ليأكل أحدنا الآخر". الخلافات تشكل عملياً ورطة وذريعة للمصادرة. هناك قانون يهدف الى مصادرة الأراضي بطريقة غير مباشرة، يقول، ويشير الى أنه إذا لم يستغل المواطن القسيمة المخصصة له في غضون 3 سنوات للبناء عليها بحسب المخطط، أي عمارات شاهقة، في ظل أن كل قسيمة ستخصص كشراكة بين عدد من الجيران أو أبناء البلد، قد تضيع حقوقهم في حال فشل أحدهم بتخصيص الأموال اللازمة ليؤتي بحصته من البناء للعمارة التي صادقوا على بنائها. وهذا سيخلق الكثير من المشاكل، وبالتالي لا يكفي أنهم صادروا الأرض، بل "إذا لم يكن يملك من المال ما يكفي، سيضيع حقه في الشقة حتى"!

خروقات وإخفاقات في جهاز التعليم

تقرير مراقب الدولة كشف خروقات وإخفاقات في جهاز التعليم بما يشمل ظواهر خطيرة تهدد عملية التعليم السليمة منها قيام معلمين بتدريس مواضيع غير تلك التي تلقوا التأهيل لتعليمها، ووجود معلمين مؤقتين لم يكتسبوا التجربة اللازمة بعد بالإضافة الى عاملين في سلك التربية تمّت إدانتهم بتهم جنسيّة.

وفقاً للتقرير 40% فقط من معلمي الرياضيات في المدارس الابتدائية والإعدادية تلقّوا التأهيل اللازم لتعليم الموضوع الأمر الذي يمسّ بشكل كبير بالطلاب وبتعليمهم في المراحل المتقدمة. ومع وجود خطط لتقوية تعليم الرياضيات بمستوى أربع وخمس وحدات بقي مستوى 3 وحدات والتعليم الابتدائي بدون خطط مستقبليّة.

تقرير مراقب الدولة ينبّه الى فشل مشابه في تعليم اللغة الانكليزيّة حيث أن ما يربو عن 40% من 13 ألف معلّم للغة الانكليزيّة في المدارس الابتدائيّة، لم يتلقّوا التدريب اللازم لتعليم الموضوع وأن الخطّة لتدريب معلمي اللغة الانكليزيّة في سلك التعليم في العام 2016 طبّقت بشكل جزئي فقط. وهناك إخفاق كبير في كل ما يتعلّق بتشغيل المعلمين المؤقتين حيث أكد التقرير أن الوزارة لم تحدد أية شروط لتشغيل هذه الفئة من المدرسين ولم تحدد أي مستوى من التعليم أو التجربة في المجال حيث ذكر المراقب أنه: "في بعض الأحيان تستوعب المدارس معلمين مؤقتين بدون أي خبرة في التدريس وبدون وجود أي علاقة بينهم وبين مجال التدريس وأحيانا بدون أي لقب في هذا المجال".

قضية خطيرة أخرى يتوقف عندها التقرير، هي ظاهرة تشغيل مدرسين تمّت إدانتهم بتهم جنسيّة وأصحاب ملفات جنائيّة حيث يشير التقرير إلى أنّ وزارة التعليم شغّلت 36 معلماً مؤقتاً من أصحاب الملفات الجنائيّة، بالإضافة إلى تشغيل تسعة مدرسين على الأقل في العام 2017 قد تمّت إدانتهم بتهم جنسيّة.

رصدت الدولة بحسب التقرير موارد ضخمة وصلت حتى 7ر1 مليار شيكل جديد للسنوات 2012-2022 لخطط إتاحة التعليم العالي لمجتمع اليهود المتزمتين دينياً (الحريديم). بيّنت الرقابة أنّ الخطط تعاني من نواقص وليست فعّالة بما فيه الكفاية. نسبة تسرّب الطلّاب الحريديم من التعليم أكثر بمرتين منها لدى سائر اليهود، وربع الحريديم الرجال الذين يتعلّمون في المؤسّسات التحضيريّة فقط يحصلون على اللقب الأكاديميّ. الجزء الأكبر من الحريديم الذين حصلوا على اللقب الأكاديميّ في إطار هذه البرامج هو من النساء اللاتي حصلن على اللقب الأكاديميّ العامّ في مجال التدريس. لكن في هذا المجال هناك فائض كبير من المعلّمات الحريديّات، ومعظمهنّ (حوالي 88%) لا يعملن في هذا المجال. على الرغم من ذلك، فإنّ اللجنة التوجيهيّة للبرنامج، ولجنة التخطيط والميزانيّات في مجلس التعليم العالي، قرّرتا الاستمرار في ذلك ومنح الأفضليّة لدراسة موضوع التدريس. ويبدو أنّ قراراتهما في هذا الموضوع تتعارض مع الاتّفاق مع وزارة الماليّة، وهي تؤدّي إلى استثمار موارد لن تعود بالفائدة على المرافق الاقتصاديّة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات