قال حجاي إلعاد، المدير عامّ لمنظّمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إن الانتخابات الإسرائيلية الحالية هي الانتخابات الـ15 منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، ويبدو في هذه المعركة الانتخابية أن حياة الفلسطينيين طُرحت كمسألة للنقاش أقل من أي انتخابات سابقة باستثناء ما ورد ذكرهم في سياق عدّ قتلاهم والتباهي بتدمير حياتهم.
وأضاف إلعاد، في سياق مقال نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" عشية الانتخابات:
في بداية هذه السنة نشر الجنرال بيني غانتس، الذي يقود حالياً حزب "المركز" المناوب وهو المنافس الرئيس لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، شريط فيديو يُبرز فيه كم من "المخربين" الفلسطينيين قُتلوا في غزة في صيف 2014 حين كان قائد هيئة أركان الجيش (وفقاً لتحقيق "بتسيلم" معظم هؤلاء القتلى مدنيون وبضمنهم أكثر من 500 طفل). ومن جانبه وعد نتنياهو باستمرار الاحتلال إذا ما بقي في منصبه: "لن أقسم القدس ولن أقتلع أية مستوطنة وسأكون حريصاً بأن نسيطر على جميع الأراضي غربي نهر الأردن".
وبدلاً من الانشغال بحقوق الفلسطينيين وحرياتهم تمحور موسم الانتخابات حول شبهات الفساد التي تطال نتنياهو والذي يبدو أنه ستقدم ضده لائحة اتهام في هذا الشأن. لكن، هل الأسرة الفلسطينية التي سوف يُقتل ابنها دون أن يحاسَب أحد على ذلك أو التي ستهدم جرافة إسرائيلية منزلها يهمها إن كان رئيس الحكومة نتنياهو المسؤول عن هذه السياسة فاسداً أم ناصع اليدين؟
ومضى إلعاد قائلاً:
ربما سنعرف في وقت ما بعد 9 نيسان ما هي "صفقة القرن" التي سيطرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وعملياً لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل نحن حقّاً لا نرى كيف تتشكل هذه الصفقة على أرض الواقع أمام أنظارنا؟ في أيار الماضي نقلت إدارة ترامب سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس؛ وبعد مضي بضعة أشهر على ذلك جرى تقليص الدعم المقدم للفلسطينيين ولوكالة الأمم المتحدة المنوط بها تقديم الغوث للاجئين الفلسطينيين؛ ومؤخراً أتت خطوة الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان والتي احتفل بها مسؤول إسرائيلي كبير باعتبارها مؤشراً إلى ما يكنه المستقبل في كل ما يتعلق بالضفة الغربية.
من الصعب أن نتخيل "صفقة القرن" إلّا كاستمرار لصفقة نصف قرن من الاحتلال. وذلك هو تقريباً ما قاله ديفيد فريدمان، السفير الأميركي لدى إسرائيل، عندما نوه في مقابلة صحافية بأن الإدارة الأميركية "تريد أن ترى تحسيناً كبيراً في وضع الأوتونوميا الفلسطينية، طالما لا يشكّل ذلك خطراً على أمن إسرائيل". لكن الفلسطينيين يستحقون حرية تامة وليس حكماً ذاتياً محسناً عبر حملة تسويق أميركية لا تعني أكثر من استمرار الاحتلال، أي مستقبل يقوم لا على مبادئ العدالة والقانون الدولي وإنما على مزيد من السيطرة والاضطهاد وعُنف الدولة المنظم.
وأشار الكاتب إلى أن خطط السلام الأميركية ليست أمراً جديداً. فهل هناك من يذكر مثلاً "خطّة روجرز" على اسم مخطّطات السّلام التي أعدّها وزير الخارجية ويليام روجرز في عهد الرئيس نيكسون قبل خمسين سنة؟ في العام 1970 عندما ناقشت الكنيست خطّة روجرز الثانية قدّر أحد النوّاب أنه "خلال وقت ليس ببعيد - ربما سنة أو سنة ونصف السنة وربّما سنتان على الأكثر - سيزول الشيء المسمّى "مناطق مُدارة" وسوف ينسحب الجيش الإسرائيليّ إلى داخل حدود إسرائيل". طبعاً، هذا "الشيء" أبعد ما يكون عن "الزوال". وبينما خطط روجرز طواها النسيان تواصل تغييب واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت المزيد من خطط السلام التي طرحها الرؤساء الأميركيّون المتعاقبون. والاحتلال الإسرائيلي تعمق وتطور: غزة أصبحت سجناً مفتوحاً هو الأكبر في العالم وتُقصف مرّة كل عدة سنوات حتى الإخضاع؛ القدس الشرقية ضُمت رسمياً لإسرائيل؛ والضفة الغربيّة أصبحت أرخبيل بانتوستانات فلسطينية مطوقة بالمستوطنات وجدران العزل والحواجز ومعرضة لعنف مزدوج من قبَل الدولة والمستوطنين معاً. وبعد، هذا ليس كلّ ما حققته إسرائيل: إنجاز إسرائيل الحقيقيّ هو قدرتها على أن تفعل كل ذلك من دون أن تتعرّض لمساءلة أو محاسبة ومن دون أن تدفع جراء ذلك ثمناً دوليّاً والاحتفاظ مع ذلك بلقب "ديمقراطيّة نشطة".
وبرأيه فإن ما خطه التاريخ في السنوات الخمسين الأخيرة هو ما يجب أن نعترف بأنه الصفقة الحقيقية: الصفقة التي ما زالت سارية المفعول وهي صفقة نصف القرن وشروطها كما يلي: ما دامت إسرائيل تطور مشروعها الاحتلالي ضمن الحفاظ على قدْر من الوحشيّة لا يتعدّى العتبة التي تستفزّ ردّ المجتمع الدوليّ يُسمح لها أن تواصل ذلك إلى جانب تمتّعها بامتيازات دوليّة متنوّعة مبرّرة عبر الالتزام النبيل والخاوي في الوقت نفسه بما أسماه مؤخّراً رئيس الحكومة نتنياهو "القيم المشتركة للحرّية والديمقراطيّة".
وإذا لم يُزل المجتمع الدوليّ "صفقة القرن" عن الطاولة ويفرض بذلك أخيراً على إسرائيل أن تختار ما بين مواصلة اضطهاد الفلسطينيين ودفع الثمن المستحقّ فسوف يستمر الاحتلال. وإدارة ترامب لن تفعل ذلك بالتأكيد. من يمكنه أن يفعل ذلك هو هيئة الأمم المتّحدة ومجلس الأمن والدول المركزيّة في الاتحاد الأوروبي، الذي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، والرأي العام العالمي. وعلى الأميركيين الذين يؤمنون بحقوق الإنسان والديمقراطيّة بصدق لا كشعارات خاوية وكمطالب أصيلة لا كورقة مساومة أن يكفّوا عن انتظار الانتخابات الرئاسيّة التي ستجري في 2020 لأجل تفعيل قوتهم السياسيّة.
وختم إلعاد: يعتبر كثير من الإسرائيليّين 9 نيسان عرْساً للديمقراطيّة. لكن المسألة أنّ الأمر ليس كذلك. يوم الانتخابات ليس أكثر من تذكير مؤلم بواقع هو بكلّ وضوح غير ديمقراطيّ، واقع يسرّ إدارة ترامب كثيراً أن تديمه للأبد ويسرّ بقية المجتمع الدولي أن يتيح استمراره إلى أن ينظر ويرى الواقع على حقيقته أخيراً. نحن قربة 14 مليون إنسان يعيشون على هذه الأرض ونحتاج مستقبلاً يستحقّ أن نناضل لأجله؛ مستقبل يقوم على الإنسانيّة المشتركة للفلسطينيين والإسرائيليين إيماناً منهم بواقع عماده العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطيّة لنا جميعاً.