المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1177

أسفرت الانتخابات البرلمانية التي جرت في إسرائيل يوم 9 نيسان الجاري، لانتخاب الكنيست الـ 21 منذ تأسيس إسرائيل، عن تحقيق اليمين الإسرائيلي، بقيادة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، نصراً واضحاً يؤهله لتشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، التي ستكون الخامسة التي يرأسها نتنياهو، ابتداء من العام 1996، والرابعة على التوالي منذ العام 2009.

في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة وعشية إقامة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي سيشكلها نتنياهو "من ممثلي الأحزاب اليمينية"، كما تعهد، أصدر معهد "ميتافيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، "تقدير موقف" بعنوان "نتائج الانتخابات للكنيست الـ 21 والسياسات الخارجية الإسرائيلية" ضمّنه "تعقيبات أولية لخبراء المعهد" حول نتائج الانتخابات وانعكاساتها المحتملة على جملة من القضايا المركزية في مجال السياسة الإسرائيلية الخارجية في مقدمتها: فرص السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني؛ العلاقات المتبادلة مع دول الشرق الأوسط ومع دول الاتحاد الأوروبي؛ مكانة وأهمية المكوّن الديمقراطي في منظومة العلاقات الإسرائيلية الخارجية؛ مكانة السلك الدبلوماسي الإسرائيلي؛ دور المواطنين العرب في إسرائيل في القضايا الخارجية والعلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية.

نتنياهو جزء من موجة الشعبوية العالمية

يقول د. إيهود عيران، عضو اللجنة الإدارية في "معهد ميتافيم" والأستاذ في جامعة حيفا، إن نتنياهو حرص، عشية الانتخابات، على إبراز نشاطه على الساحة الدولية في مجال تعزيز علاقات إسرائيل الخارجية، باعتباره قاعدة أساسا لشرعية استمرار سلطته.

في إطار مسعاه هذا، علّق نتنياهو على لوحات الإعلانات الكبيرة في الشوارع صوراً بأحجام كبيرة جداً يظهر فيها بصحبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كما شدد مقربوه على إنجازاته الكبيرة على صعيد السياسة الدولية، بما في ذلك اعتراف الولايات المتحدة بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها من تل أبيب، إلى جانب العلاقات الشخصية الحميمة التي أقامها نتنياهو مع عدد من القادة الدوليين المركزيين. وإلى جانب ذلك، تعمد نتنياهو إجراء عدد من النشاطات والتحركات على الساحة الدولية عشية الانتخابات البرلمانية تماما، بما في ذلك افتتاح ممثلية تجارية هنغارية في القدس، إعلان رئيسة الحكومة الرومانية تأييدها لنقل سفارة بلادها إلى القدس، اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة، زيارة الرئيس البرازيلي إلى إسرائيل، واللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو حول استعادة بقايا رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل (المفقود منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 1982). جميع هذه وغيرها استهدفت تكريس صورة نتنياهو كقائد سياسي ـ دبلوماسي من الدرجة الأولى. وخلافا للسابق، حين لم تكن إنجازات السياسيين الإسرائيليين على الحلبة الدولية تحتل مكانة هامة في معارك الانتخابات المحلية، "يكشف تركيز نتنياهو عليها في هذه الانتخابات حقيقة أن إنجازاته في القضايا المركزية ـ الأمن والاقتصاد كانت متواضعة، بل محدودة جدا"، كما يرى د. عيران ويضيف: "حتى أن نتنياهو صرّح، عشية الانتخابات الإسرائيلية، بأن "ترامب أعطاه الجولان" وكأن الأمر مجرد صفقة بين شخصين وليس إجراء سياسيا بين دولتين. وبهذا ينضم نتنياهو إلى موجة الشعبوية العالمية ويضيف إليها زاوية خاصة به ـ زاوية العلاقات الخارجية".

احتدام التوتر بين إسرائيل والقوى الديمقراطية الرائدة في العالم

يقول د. روعي كيبريك، مدير الأبحاث في "معهد ميتافيم"، إن إسرائيل تعرضت، في عهد حكومة نتنياهو الأخيرة، لانتقادات مختلفة من جانب مؤسسات دولية ودول ديمقراطية. وهي انتقادات بدأت تصدر منذ يوم الانتخابات السابقة، على خلفية حديث نتنياهو التخويفي عن "تدفق العرب إلى صناديق الاقتراع"، ثم استمرت في إثر محاولات طرد اللاجئين الأفارقة، تعميق الاحتلال والضم الزاحف في المناطق الفلسطينية، ثم تشريع "قانون القومية" و"قانون التسوية"، ثم ملاحقة تنظيمات حقوقية مختلفة والحرب المعلنة ضد الجهاز القضائي، ثم التقارب مع أنظمة غير ليبرالية وغير ديمقراطية وغيرها ـ جميع هذه القضايا أثارت انتقادات واسعة ضد إسرائيل بكونها مؤشرات على ابتعادها عن كونها دولة ديمقراطية ـ ليبرالية.

خلال الانتخابات الأخيرة، في نيسان الجاري، استمرت الانتقادات الدولية للديمقراطية الإسرائيلية، على خلفية تنافس نتنياهو على رأس حزب أساس بالرغم من شبهات الفساد الجنائية الخطيرة التي تحوم حوله وعلى خلفية تقربه من أتباع حركة "كاخ" الكهانية العنصرية وإسباغ الشرعية عليهم.

لا يمكن القول إنه ستكون لهذه الانتقادات إسقاطات سياسية جدية في المدى المنظور، إذ أن موجة الشعبوية التي تجتاح العالم والأزمة التي تعصف بالقيم الليبرالية تتيحان لنتنياهو الاستمرار في عقد تحالفات سياسية هامة ومؤثرة، في مقدمتها مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ـ الذي يشكل، بنفسه، تحديا جديا للنظام الليبرالي ـ ناهيك عن حكام دكتاتوريين وزعماء شعبويين آخرين في أنحاء العالم المختلفة.

من الواضح أن إسرائيل تعفى، حتى الآن، من دفع أي ثمن جدي عن ابتعادها عن القيم الديمقراطية ـ الليبرالية، وذلك ـ أساسا ـ لأن النظام العالمي الديمقراطي ـ الليبرالي برمته يتعرض للهجوم من كل الجهات. لكن القوى الديمقراطية ـ الليبرالية الدولية التي توجه الانتقادات لدولة إسرائيل تضم، أيضا، شركاءها الاستراتيجيين الأكثر أهمية: دول أوروبا الغربية، وفي مقدمتها ألمانيا، فرنسا وبريطانيا، الديمقراطيون ـ الليبراليون في الولايات المتحدة والمجتمع اليهودي هناك. كما نلاحظ أن مؤيدين تقليديين لنتنياهو قد بدأوا ينتقدون ابتعاد إسرائيل تحت قيادته عن القيم الديمقراطية ـ الليبرالية.

تشير نتائج الانتخابات الأخيرة إلى أن الحكومة القادمة، ولو في بدايات طريقها على الأقل، ستكون شبيهة جدا بحكومة نتنياهو الحالية، من حيث اعتمادها واعتماد رئيسها على دعم أحزاب اليمين والحريديم بشكل أساس. وحيال هذا الواقع، الذي يشمل حكومة التحالف الأرثوذكسي، حرب نتنياهو ضد الجهاز القضائي وتصريحه العلني بأنه سيعمل على ضم أجزاء من "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) إلى إسرائيل، فمن المتوقع أن تستمر حالة التوتر والأزمة بين إسرائيل والقوى الديمقراطية ـ الليبرالية الرائدة في العالم، بل أن تشهد تفاقما واحتداما كبيرين.

فرص إقليمية ودولية مرهونة باستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين

يؤكد ميخائيل هراري، السفير السابق وزميل السياسة في "معهد ميتافيم"، أن نتائج الانتخابات الأخيرة ترسم المسار المستقبلي الذي سيتقدم فيه المجتمع الإسرائيلي وما ينطوي عليه ذلك من تحديات مستقبلية كبيرة جدا. ومن وجهة نظره، النتيجة الأبرز لهذه الانتخابات هي وجود حزبين كبيرين، متساويي القوة تقريبا ـ الليكود و"أزرق أبيض". الأول هو حزب عريق ذو تجربة طويلة وغنية، بينما الثاني هو حزب جديد وعديم التجربة سيحاول، الآن، تثبيت نفسه كإطار سياسي مستقر للمدى البعيد. وهذا، في حد ذاته، تطور إيجابي وصحي بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي.

من الناحية السياسية، تجعل نتائج الانتخابات السؤال بشأن رد الإسرائيلي على السيرورات والتطورات الدراماتيكية في المنطقة أكثر حدة وراهنية. فالتآكل الحاصل في درجة ومستوى الاهتمام الإقليمي والدولي بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني لا يلغي الحاجة الماسة إلى اتخاذ قرارات إسرائيلية شجاعة بشأن حل الصراع وما تريده إسرائيل ضمن هذا الحل. فالوقت لا يعمل في صالحها، خلافا لموقف الحكومة السابقة، وربما الكنيست أيضا، على ضوء ما أهدرته إسرائيل خلال السنوات الماضية، بدرجة عالية جدا من عدم المسؤولية، من وقت وفرص سواء في الحلبة الإقليمية ـ التقاء المصالح مع دول عربية في إثر الهزة التي عصفت بالمنطقة والتحدي الإيراني؛ أو في الحلبة الدولية ـ إدارة أميركية أتاحت لإسرائيل مساحة واسعة من حرية المناورة لوضع وبلورة شروط مستقبلية مريحة لأية تسوية محتملة مع الفلسطينيين.

لزام على إسرائيل استغلال اللحظة السياسية المواتية، بما في ذلك في منطقة البحر المتوسط التي أقامت فيها علاقات استراتيجية هامة جدا، من أجل الدفع نحو حوار إقليمي ودولي مفتوح وواقعي يمكنه أن يفتح آفاقا جديدة للتعاون والتقدم نحو تسويات تلبي الجزء الأكبر من مصالحها.

من غير الممكن استنفاد الفرص الكبيرة الكامنة في هذا كله من دون السعي إلى تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية. ينبغي وضع استئناف العملية السياسية واستغلال الانطلاقة السياسية التي سيُحدثها ذلك على رأس سلم الأولويات في أجندة الحكومة المقبلة. على إسرائيل أن تتبنى، من جديد، بوصلة أخلاقية غابت عن علاقاتها الخارجية خلال السنوات الأخيرة. ينبغي أن يكون ثمة تواؤم بين الطموح في تشكيل "نور للأغيار" وبين السلوك والعلاقة حيال دول تحكمها حكومات إشكالية وذات رصيد سلبي في مجال حقوق الإنسان. من شأن الموازنة الصحيحة بين المصالح الاستراتيجية والجانب الأخلاقي أن تعزز الأمن القومي ومكانة إسرائيل وصورتها الدوليتين.

جوانب أخرى

من جهتها، تحدثت د. موران زيغا، زميلة السياسة في "معهد ميتافيم" وزميلة البحث في جامعة حيفا، عن نتنياهو كعقبة أساسية أمام تطوير العلاقات مع دول الخليج وعن انعدام استراتيجية إسرائيلية بشأن العلاقات الإسرائيلية ـ العربية عموما.

أما د. إيال رونين، الباحث في "معهد ميتافيم"، فركز على أن الحكومة الجديدة سوف تضطر إلى تعميق التعاون مع الاتحاد الأوروبي، بدلا من مواصلة العمل على تقسيمه وإضعافه.
وأما ياعيل بتير، مديرة "جي ستريت" في إسرائيل وعضو شبكة الخبراء التابعة لمعهد "ميتافيم"، فقد تحدثت عن احتمال تعمق وتفاقم الأزمة ما بين الحكومة الإسرائيلية والحزب الديمقراطي الأميركي وخطر انعكاس هذه الأزمة في الانتخابات المقبلة للرئاسة الأميركية في العام 2020.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات