قالت تحليلات إسرائيلية متطابقة إن حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة المنتهية ولايتها تركت لوريثتها حكومة نتنياهو الخامسة وضعاً أمنياً يعتبر مريحاً نسبياً، لكن أيضاً تركت بعض المشكلات والمسائل التي لا يمكن تأجيلها، وتتطلب حالياً معالجة وردّاً مركّزين. وأكدت أن هذين الأمرين سيتقرران إلى حدّ كبير أيضاً وفق هوية وزير الدفاع الذي سيُعيَّن، على افتراض معقول أنه سيكون من الصعب على نتنياهو، لأسباب ائتلافية وحزبية، الاستمرار في الاحتفاظ بحقيبة الدفاع، وأن مدى استقلالية وزير الدفاع الجديد سينعكس مباشرة على صورة الجيش وعلى الطريقة التي سيواجه فيها التحديات الأمنية في المنطقة.
وفيما يلي خريطة هذه التحديات الأمنية كما ارتسمت في عدد من التحليلات التي نُشرت في وسائل إعلام إسرائيلية بعد انتهاء الانتخابات:
قطاع غزة
بعد سنة عاصفة، وقبل لحظة من الانفجار، جرى التوصل قبل نحو ثلاثة أسابيع إلى تهدئة في غزة. وحدث هذا بعد إطلاق صواريخ على منطقة غوش دان (وسط إسرائيل) وعلى موشاف مشميرت، واستنزاف يومي لمستوطنات غلاف غزة، ما استلزم تدخلاً أجنبياً مكثفاً مصرياً في الأساس، وأيضاً من جانب الأمم المتحدة وقطر.
لكن ما تم التوصل إليه هو عبارة عن دواء تخديري فقط. فمشكلات غزة عميقة ومتجذرة؛ البطالة مرتفعة جداً، والبنى التحتية تنهار، واليأس في ذروته. وتخاف حركة "حماس" من وقوع مواجهة، لكنها تخاف أكثر من شعبها الذي يبدي علامات متزايدة تدل على الضيق والضائقة. وفي ظل غياب القدرة على إيجاد حلول، من المعقول أن تعود الحركة مجدداً إلى تحدي إسرائيل، في محاولة للدفع قدماً بتسوية واسعة تشمل إعادة إعمار عميقة للقطاع.
وقال المحلل العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور إن إسرائيل وافقت على مثل هذه التسوية شرط أن تتضمن نزعاً للسلاح، وهي خطوة من المشكوك فيه أن توافق "حماس" عليها. والبديل سيكون العودة إلى القتال، وهي خطوة حاول الطرفان الامتناع عنها، لكن ثمة شك في أنهما يستطيعان الاستمرار فيها وقتاً طويلاً. فلقد نال نتنياهو أغلبية ساحقة في مختلف المدن القريبة من غزة - سديروت، أشكلون، نتيفوت، أوفاكيم؛ والآن ستطلب منه هذه المدن تحقيق الأمن.
ومضى المحلل نفسه قائلاً: "قبل حدوث ذلك من الأفضل أن تبلور الحكومة الجديدة لأول مرة استراتيجيا شاملة للقطاع الأمر الذي سيضمن تحقيق الأهداف، وعلى رأسها قرار يتعلق بحماس وهل هي سلطة شرعية أم هدف يجب إسقاطه".
إيران
أشارت تحليلات إلى أن إعلان الولايات المتحدة أخيراً أن الحرس الثوري الإيراني هو تنظيم إرهابي يزيد الضغط على طهران. ورأت أن هذه محاولة أُخرى لعزل إيران، ودفْعها إلى نقطة الحسم، إذ سيكون المطلوب منها أن تختار إمّا البقاء وحيدة ومنبوذة، وإمّا أن تتنازل ليس فقط عن المشروع النووي، بل أيضاً عن مشروع الصواريخ البعيدة المدى، وعن نشاطها المكثف لـ"نشر الإرهاب" في منطقة الشرق الأوسط.
وبحسب التحليلات في هذه الأثناء، وعلى الرغم من الضغط، ما تزال إيران صامدة. ويبرز نشاطها بحجوم متعددة في اليمن، والعراق، وسورية، ولبنان، وقطاع غزة. وفي السنوات الأخيرة استغلت إسرائيل الحرب الأهلية في سورية لمحاربة مساعي إيران للتمركز فيها وإقامة قاعدة متقدمة، لكنها اليوم مضطرة إلى فحص سياستها من جديد بطريقة تسمح لها، من جهة، بالمحافظة على حرية نشاطها العملاني، ومن جهة أُخرى، بمنع حدوث تعقيدات لا ضرورة لها في الأساس مع روسيا، وطبعاً مع حزب الله في لبنان. وهذا خط دقيق يمكن أحياناً أن ينزلق إلى اشتباكات علنية. وكما في الماضي، نتائج اللعبة سيحددها تضافر الاستخبارات والقدرة العسكرية، مع غطاء استخباراتي- اقتصادي - إعلامي.
ويعتقد عدد من المحللين أن ثمة شكا في نجاح إسرائيل في إبعاد إيران تماماً عن القطاع الشمالي، لكن التحدي هو أن تبقى إيران في المستقبل أيضاً ضعيفة، من دون قواعد وقدرات، بعيداً عن الحدود مع إسرائيل.
الضفة الغربية
تشير التحليلات إلى أن الضفة الغربية حافظت في السنوات الأخيرة على "هدوء نسبي" على الرغم من حدوث عدد غير قليل من الأحداث التي هددت بإشعالها من جديد (نقل السفارة الأميركية إلى القدس، الوضع في قطاع غزة وسعي "حماس" الدائم لشن هجمات انطلاقاً منها). وتدعّي أن الجمهور الفلسطيني أظهر اهتماماً قليلاً بالموضوع السياسي عامة، وأنه مشغول بالحياة نفسها، وفي الأساس بمصدر الرزق.
ويعتقد عدد من المحللين أن "صفقة القرن" للرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي من المفترض أن تُعرض قريباً، يمكن أن تغيّر الوضع.
وأشار بعضهم إلى أن الرهان في إسرائيل هو أن تكون الصفقة تلك بمثابة نهاية لعهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن من المنتظر أن يقسّم الصراع على وراثته الشارع الفلسطيني. وفي الجانب الإسرائيلي، سيكون المطلوب بعد سنوات من الجمود نقاش حقيقي لمسائل الحل المرغوب فيه في الضفة الغربية، على خلفية وعد نتنياهو في الانتخابات بضم المستوطنات اليهودية الواقعة وراء الخط الأخضر.
أما التحدي الأمني فسيكون اجتياز هذا كله من دون ارتفاع حاد في حجم الهجمات ومن دون ثورة شعبية، وهذه مهمة غير بسيطة إذا ما ضعفت السلطة الفلسطينية. وبموجب ما يؤكد البعض سيكون المطلوب من إسرائيل المحافظة على التنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وفي الأساس تقديم أفق اقتصادي للمواطنين، لإبقاء أغلبيتهم خارج دائرة العنف.
الميزانية الأمنية
أشار المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" إلى أن الحكومة المنتهية ولايتها منحت استقراراً غير مألوف للجيش وللمؤسسة الأمنية، بعد سنوات طويلة عمل خلالها الجيش من خلال ميزانية ثابتة، سمحت له بتحقيق الخطة المتعددة السنوات (خطة جدعون) بالكامل. وكانت النتيجة مزيداً من المشاريع، ومن المخزون والتدريبات، وارتجالاً أقل.
ويعمل الجيش الآن على وضع خطة جديدة متعددة السنوات للأعوام الخمسة المقبلة، يجب أن تبدأ في السنة القادمة. وتحقيقها مرتبط بإطار الميزانية التي ستتطلب التوصل إلى اتفاقيات جديدة مع وزارة المالية، وهذا سيتقرر بناء على القوة السياسية لوزيري الدفاع والمالية، والوضع الاقتصادي.
وبالاستناد إلى الأرقام، وعلى خلفية العجز الكبير الذي تركته الحكومة المنتهية ولايتها، ستضطر الحكومة الجديدة إلى القيام بتقليصات مؤلمة في الميزانية بما فيها الأمن. وذلك سيعقّد حياة الجيش، ويمكن أن يعيد الوضع الذي كان موجوداً عشية عملية "الجرف الصامد" (الحرب ضد غزة في العام 2014)، أي الحاجة إلى وقف التدريبات، أو وقف زيادة القوة. وبرأي هذا المحلل من الأفضل أن تمتنع الحكومة عن وضع الحلول المؤقتة، وأن تقوم مُسبقاً بوضع المؤسسة الأمنية داخل إطار واضح حتى لو كان مقلصاً، للسماح لها بالتصرف بطريقة منظمة وبمنع الارتجال.