المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1417
  • ميراف أرلوزوروف
  • برهوم جرايسي

قد يكون موشيه ليئون، الذي انتخب في الأسبوع الماضي لرئاسة بلدية القدس، رئيس البلدية الأكثر كلفة في تاريخ الدولة. بحسب التقديرات، فإن ليئون قد يكون سببا في دهورة عشرات آلاف العائلات الأخرى إلى ما تحت خط الفقر حتى العام 2060، وستكون نسبة الفقر بين الحريديم أعلى بنسبة 25% مما هي عليه اليوم (45%)، والنمو الاقتصادي للفرد سيكون أقل بـ 15% من معدل النمو الفرد في هذه المرحلة، والدين القومي سيتضاعف تقريبا ثلاث مرات، ويصل إلى 170% من اجمالي الناتج القومي، وهذه ذروة تعني أن الدولة تسير بثبات نحو الإفلاس.

إن مسؤولية ليئون في أن تكون إسرائيل أقرب إلى الإفلاس نابعة من خياره، أو عمليا، من الصفقة التي أبرمها من أجل ضمان انتخابه. ففي هذه الصفقة، فإن الحريديم سيدعمون ليئون لرئاسة البلدية، وفي المقابل، فإن عرّاب ليئون كي يصل لرئاسة البلدية، وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، سيخفف من صيغة قانون التجنيد الخاص بشبان الحريديم. وتطبيق هذه الصفقة تم نفيها من قبل الطرفين.

لكن إن كانت صفقة كهذه أم لا لأجل انتخاب ليئون، أو بسبب الضغط على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لحل قضية تجنيد الحريديم، على خلفية التهديد بتقديم موعد الانتخابات، في كل الأحوال فإن مستقبل الدولة اليوم مطروح على الطاولة. فإذا تم سن القانون كما هو بنصّه الحرفي القائم اليوم، فإن كل التوقعات ستكون رهيبة: ارتفاع حاد في نسب الفقر، وتوسع ظاهرة اللامساواة، وضربة قاصمة للنمو الاقتصادي، وتدهور الدين العام لإسرائيل، إلى مستويات تصل إلى حافة الإفلاس، وكلها توقعات من المتوقع أن تتم.

وهذه توقعات قسم الخبير الاقتصادي الرئيسي في وزارة المالية، في حال بقيت نسب تشغيل الحريديم، ومستويات تحصيلهم العلمي العالي، على ما هي اليوم. في هذه الحالة، ولأن نسبة الحريديم بين الجمهور من المتوقع أن تتضاعف ثلاث مرات، من 11% اليوم إلى 32% في العام 2060، فإن هذا يعني أن ثلث جمهور إسرائيل سيكون جمهورا عاطلا عن العمل، ولا يتعلم علوما عامة، ولا يعمل. ودولة إسرائيل ليس بإمكانها أن تصمد وتبقى في سيناريو كهذا.

والآن تقف إسرائيل عند المفترق الذي ستتخذ فيه القرار، بشأن ما إذا ستصل إلى العام 2060 كدولة مفلسة، أو دولة ذات نمو اقتصادي وازدهار. والأبحاث الجارية في اللجنة الخاصة لصياغة قانون التجنيد، برئاسة النائب عن حزب الليكود دافيد أمسالم، هي التي ستقرر بهذا الشأن، لأن هناك علاقة وثيقة جدا بين تجنيد الحريديم في الجيش، وبين دمجهم في سوق العمل. والتنازل عن التجنيد التدريجي التصاعدي، والتنازل عن العقوبات التي ستفرض على من يرفض التجند، يعني التنازل عن دمج الحريديم في سوق العمل، وهذا من شأنه أن يدفن مستقبل دولة إسرائيل.

إن اقتراح قانون التجنيد، الذي يستند إلى مسار حل وسط، صاغه الجيش في محاولة لإرضاء السياسيين، وما يزال ينجح في تجنيد بضعة حريديم، ما زال مرشحا، كما يبدو، لتخفيف صيغته، خلال مداولات اللجنة. فمنذ البداية حدد الجيش أهدافا للتجنيد، وهي ليست بمستويات عالية متوخاة، بل أقل من معدلات التكاثر الطبيعي للحريديم السنوية. وليس هذا فقط، بل إن الجيش وضع أنظمة عقوبات خفيفة متساهلة، في حال لم تتحقق أهداف التجنيد، مثل تقليص ميزانيات المعاهد الدينية، ما يعني أن التأثير على معهد ديني عيني لا يتجه طلابه إلى الجيش سيكون هامشيا. ويضاف إلى هذا خطيئة أخرى، أن اقتراح الجيش لن يكون بهذا القدر، الذي سيجعل الحريديم يتوجهون إلى سوق العمل.

إن المعادلة القائلة "إن من لا يتجه إلى الجيش، لن يتجه إلى سوق العمل"، هي معادلة علمانية، وولدت في رحم "قانون طال"، في محاولة لمعاقبة الحريديم الذين لا يتجندون. ولكن من عوقب عمليا هم الجمهور العلماني، الذي يمول اليوم 11% من جمهور إسرائيل، الذين لا يخدمون في الجيش، ولا ينخرطون في سوق العمل. ونحن ربينا الحريديم على حياة البطالة، والجلوس في المعاهد الدينية، وبهذا عاقبنا أنفسنا مرتين: لا يوجد تجنيد فعلي في الجيش، وأيضا مستقبل إسرائيل الاقتصادي ماثل أمام أخطار الانهيار، بسبب ثقافة عدم العمل، المنتشرة لدى جمهور سيصبح قريبا ثلث السكان.

يجب إنهاء هذه المعادلة الهدّامة، التي تهدف إلى تشويش ضمير العلمانيين، بمقولة: "لم نتنازل عن تجنيد الحريديم في الجيش، وجبينا منهم ثمنا". وبدلا منها، يجب وضع صياغات واضحة وملزمة أكثر. ففي صيغة القانون المتداولة الآن، فإن عمر الإعفاء من الجيش، هو 24 عاما، ومن لا يتجند قبل هذا العمر، سيبقى محتجزا في المعهد الديني، وفقط بعد هذا العمر، سيتجه للتعليم وللانخراط في سوق العمل.

وهذه الصيغة تعني الحفاظ على الوضع القائم، بمعنى الإبقاء على نسبة انخراط الرجال الحريديم في سوق العمل بحوالي 50%، وهي نسبة في تراجع مستمر. ولغرض المقارنة، فإن نسبة انخراط الرجال اليهود من غير الحريديم في سوق العمل هي 88%. وفي وضع كهذا يُطرح السؤال: من هم الرجال الحريديم الذين سينخرطون في هذا الجيل في سوق العمل، في حين أن مؤهلاتهم وإنتاجياتهم منخفضة بشكل خاص؟.

وكما ذكر، فإن إسرائيل بهذا تدفن مستقبلها الاقتصادي، بسبب خلق رابط بين عدم الخدمة العسكرية، وعدم الانخراط في العمل، ثم بثمن باخس مضحك. ففي تحليل أجراه يوحنان بلاسنر، ود. غلعاد ملآخ، والبروفسور عميحاي كوهين، في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، تبين أن الدولة تحبس 14 ألف رجل من الحريديم في معاهد دينية في أعمار 22 إلى 24 عاما، فقط من أجل أن تربح تجنيد 417 شابا منهم سنويا، وهو مطابق لعدد الحريديم المجندين في العام 2017، في أعمار 22 إلى 24 عاما. وما من شك في أننا أمام سياسة لامعة: فمن أجل تجنيد 417 شابا، ندفن مستقبل دولة بأكملها.

إن الصفقة الحزبية، إن كانت صفقة على مستوى انتخابات بلدية القدس، أو صفقة لخدمة مصالح بنيامين نتنياهو الشخصية والحزبية، ستجعل المداولات حول قانون التجنيد مكثفة وسريعة، دون أن يجري فحص انعكاسات الصيغة النهائية للقانون على المدى البعيد. فمنذ الآن يبدو أن الصيغة النهائية ستتضمن تخفيفات في أهداف التجنيد العددية سنويا، استنادا لعرض الجيش، الذي كان متساهلاً أصلاً.

وما تبقى حتى الآن، هو على الأقل، الاستمرار في الكفاح من أجل انقاذ سوق العمل المستقبلية: بفسح المجال أمام الحريديم ليتعلموا مواضيع دراسية عامة، كسائر المجتمع، من أجل أن يكونوا على الأقل مؤهلين للانخراط في سوق العمل، وأن لا يبدأوا تعلم الأحرف الإنكليزية في عمر 24 عاما.

إن من يرفعون راية توزيع متساو للعبء يعارضون جعل الإعفاء من الجيش قبل عمر 24، لأنهم يعتبرون هذا مكافأة للحريديم المتهربين من الخدمة العسكرية. وهذا توجه خاطئ من ثلاثة جوانب: الأول، هو أن الحريديم يحبسون أنفسهم أربع سنوات في المعاهد الدينية، وهذا عقاب كاف. وثانيا، أنه من المفضل معاقبة الحريديم بدرجة أقل، لكن من أجل إنقاذ مستقبل إسرائيل الاقتصادي. وثالثا، وربما هو الأهم، هو أنه يوجد تقدير سائد بأن زيادة أعداد الحريديم في سوق العمل، سيعود بالفائدة على الجيش، فكلما انخرطوا في العمل أكثر، فإن معارضة انخراطهم في الخدمة العسكرية ستكون أقل.

وطالما أن الحديث عن مستقبل إسرائيل الاقتصادي، فمن المجدي المحاولة أكثر لتحسين صيغة القانون قبل أن يتم إقراره نهائيا.
__________________________

(*) محللة اقتصادية إسرائيلية. ترجمة بتصرف عن "ذي ماركر".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات