المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كانت آخر المحطات القضائية في قضية الملاحقة السياسية التي تعرضت لها الشاعرة دارين طاطور (36 عاماً) من قرية الرينة بالقرب من الناصرة، هي الحكم عليها بالسجن خمسة أشهر.


وكانت محكمة صلح إسرائيلية في الناصرة قد أدانتها في أيار الفائت بـ"التحريض على العنف ودعم منظمة إرهابية".
وسجنت طاطور 97 يوماً سيتم تخفيضها من فترة الحكم المشار إليها.

ونشرت طاطور في تشرين الأول 2015 قصيدة بعنوان "قاوم يا شعبي، قاومهم"، ومنشورين على موقع التواصل الاجتماعي. فكان هذا كافياً كي تعتقلها الشرطة وكي تقول إحدى القاضيات إن "القصيدة ليست قصيدة احتجاج فقط، وإنما تدعو إلى الإرهاب"، وذلك بعد أن عُرضت أمامها ترجمة مخطوءة للقصيدة، كما أكدت غابي لاسكي، محامية الشاعرة. وأسهبت المحكمة بالادعاء أن "طاطور تجاوزت بوضوح حدود حرية التعبير المشروعة، وقوّضت القيم الاجتماعية الوازنة التي تفوق حرية التعبير". وهنا أشارت كالمعتاد إلى أمن الدولة.

وعلقت طاطور بالقول: "لم أكن أتوقع العدالة، الدعوى سياسية منذ البداية، لأنني فلسطينية، ولأنها تتعلق بحرية التعبير". وقالت محاميتها إنها تنوي الاستئناف على الحكم. وأضافت أن "الأنظمة المستبدة فقط هي التي تلاحق الشعراء".

لاسكي قالت أيضاً في تصريحات صحافية: "من المخجل محاكمة شاعرة على قصيدة كتبتها اعتمادا على ترجمة شفهية وثقافية غير صحيحة. في حالة دارين المؤسفة، تتحدث دارين خلال القصيدة عن عائلة دوابشة وعن آخرين تضرروا من اليهود، والشرطي الذي ترجم القصيدة بطريقة غير مهنية أخرج أقوالها من سياقها الصحيح".

غطت الصحافة العبرية القضية على المستوى الإخباري التقريري، لكن غابت تقريباً المعالجات الصحافية المعمقة للقضية، لقضية سجن على خلفية كتابة قصيدة، وهي وفقا لجميع المقاييس مسألة ليست اعتيادية (مثلاً تخيّلوا أن القضية حدثت في مكان غير إسرائيل!). وهذه التغطية التقريرية أبرزت موقف الدولة ممثلة بالنيابة العامة، فكان "الإرهاب" سيّد الموقف ومركز التشديد.. في المقابل ظهرت مقالات ونصوص احتجاجية قليلة رافضة للخطوة، وصدرت بمعظمها عن شخصيات وجهات من خارج ما يسمى "الاتجاه السائد" الإسرائيلي، ما عدا بضع حالات.

"هذا مثالٌ على أن ما يحق ليهودي إسرائيلي فعله لا يحق للعربي"

برز ضمن الصحافة اليومية ما كتبه في "هآرتس" البروفسور مردخاي كريمنتسر، المحاضر في كلية الحقوق في الجامعة العبرية، إذ اتهم جهاز المحاكم بالتمييز بين العرب واليهود مشيراً الى أن الحُكم الصادر بحق طاطور يُعتبر مثالاً على أن ما يحق ليهودي إسرائيلي فعله، لا يحق للعربي. فالسلطات الإسرائيلية، وفقاً للكاتب، مزدوجة المعايير، وقارن بين الحكم على شاعرة عربية بسبب قصيدة بتهمة التحريض على العنف والإرهاب، في مقابل الصمت والتسامح مع كتب واحتفالات التمجيد للمستوطن باروخ غولدشتاين ونعته بأنه "البطل القومي" وليس بأنه "إرهابي"، بعدما قتل 29 مصلياً فلسطينياً في عملية قتل جماعية عام 1994 داخل الحرم الإبراهيمي، في مدينة الخليل.
هنا لفت الكاتب الى قرار المستشار القانوني السابق للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، الذي ألغى عام 2012 أي اتهام ضد مؤلفي كتاب عنوانه "توراة الملك" يبث أفكاراً عنصرية ضد العرب تصل إلى حد قتلهم. ومما جاء في الكتاب وفقاً للكاتب "يمكن الأخذ بعين الاعتبار قتل الرُضّع (من غير اليهود) بسبب الخطر المستقبلي الذي قد يشكلونه إن كانوا سينشأون ليصبحوا أشراراً مثل والديهم". وعلّق كريمنتسر: "لم تكن وحشية هذا التعليق كافية لإيصال الحاخامين إلى المحكمة بتهم جنائية، على الرغم من تأثير هؤلاء الحاخامين على قطيعهم أكثر بكثير قياساً بتأثير شاعرة عربية كانت حدود تأثيرها في الفضاء العام - قبل محاكمتها- محدودة جداً". ويضيف: "هل المعيار نفسه يجري استخدامه مع الحاخامين؟ هل يمكن لنظام يدعي العدالة أن ينظر إلى طاطور في عينيها ثم يقرّر مقاضاتها تاركاً أولئك الحاخامين؟"

ولخّص الأستاذ الجامعي بأنه: لا بد من القول إن لا عدالة في الأحكام الصادرة بالمقارنة بين اليهود والعرب، حيث يتم إرسال العرب إلى السجون لفترات طويلة، وبالمقابل، نادراً ما يُرسل اليهود إلى السجون، على خلفية تهمة التحريض. ويختتم: "يجب أن تكون الأحكام عادلة، وليست متعلقة بالعرق أو الديانة، بغض النظر إن كان ما فعلته طاطور محرضاً على العنف والإرهاب أم لا".

وبادرت منظمة "زازيم" (حراك)، الناشطة في قضايا خاصة بحقوق الإنسان والمواطن، إلى جمع نحو 3 آلاف توقيع على عريضة وجهتها إلى وزيرة العدل والمدعي العامّ والمستشار القانوني للحكومة، بعنوان "نداء للإفراج الفوري عن الشاعرة دارين طاطور" وافتتحه بالقول: "نطالب بالإفراج الفوريّ عن دارين طاطور وإسقاط جميع التّهم الموجّهة إليها".

وسأل واضعو العريضة: "لماذا هذا مهمّ؟"، مضيفين: "منذ تشرين الأوّل عام 2015 تقبع الشاعرة دارين طاطور، من الرينة في الجليل، رهن الاعتقال عقب قصيدة كتبتها. فقد قضت دارين جزءاً من فترة اعتقالها في السجن، وقضت جزءاً آخر في الاعتقال المنزلي بقيود صارمة، في حين ما تزال محاكمتها مستمرّة. إنّها محاكمة استعراضية سخيفة، غايتها تحويل شاعرة شابّة تكتب ما يجول في خاطرها إلى محرّضة خطيرة، تكمن داخلها إرهابيّة. إنّهم لا يكتفون بمحاولة كمّ الأفواه وتقييد حرّية الإبداع. إضافة إلى ذلك هم يوسّعون حدود تعريف التحريض بشكل هائل، بحيث يمكن اعتقال أيّ فنان/ة أو مواطن/ة في أعقاب تعبيره عن الغضب أو توجيه النقد الفنّي ضدّ ممارسات الحكومة".

وتتوقف المنظمة بدورها عند مسألة الترجمة المخطوءة أو المشوهة لما كتبته طاطور، فتقول في نص العريضة: "إضافة إلى ذلك، ففي قضيّة دارين طاطور تطفو إلى السطح مسألة الترجمة. مداولات القضية خلال جلسات المحكمة أظهرت كيف تنطوي عملية الترجمة القانونية من العربية إلى العبرية على تشويهات خطيرة، حيث يستند الاتّهام برمّته إلى ترجمة أجراها ضابط في محطّة الشرطة. وتُظهر المداولات مرّة تلوَ أخرى حقيقة أنّ عمليّات الترجمة ليست كالعمليّات الرياضيّة الحسابية، وأنّه نتيجة لجهل المجتمع الذي نشأت فيه الشاعرة والجهل الناجم عن العنصرية والخوف، تختار المحكمة مراراً وتكراراً تبنّي الترجمة التي تسعى إلى التجريم وتستنج أنّ الشاعرة تشكّل خطراً على الجمهور. أطلقوا سراح دارين طاطور! إنّها بريئة. السبب الوحيد لاعتقالها أنّها ليست يهودية.. العديد من الرجال والنساء اليهود نشروا نقداً أكثر تشدّداً وها هُم يتجوّلون أحراراً. أخذتم سنتين من حياة دارين! أخرِجوها من القفص، أطلِقوا سراحَها!".

عرائض موقعة بأقلام بارزة معظمها في الخارج

التأثير الأهم للعرائض ربما ظهر حين وقعتها شخصيات ثقافية تحمل أسماء عالمية. فقد تم اعتقال طاطور لمدة ثلاثة أشهر، ثم جرى حبسها المنزلي خارج قريتها، في تل أبيب، لستة أشهر أخرى قبل قرار للمحكمة مكّن من متابعة السجن المنزلي في بيت عائلتها في الرينة. وقدّرت أوساط صحافية وحقوقية أن القرار الأخير جاء بعد أن وقعت 250 شخصية، بينها أدباء معروفون، فنانون وشخصيات ثقافية أخرى، رسالة مفتوحة تطالب بإطلاق سراح طاطور. وكان بين الموقعين: نوعم تشومسكي، نعومي كلاين، دايف إيجرز، كلوديا رانكين وعشرة من الحائزين على جائزة "بوليتزر" وبينهم الأديبة المعروفة أليس ووكر والصحافية كاترين شولتس. ووصل عدد الموقعين لاحقاً على الرسالة الى أكثر من 7000 شخص.

كذلك، وبعد مرور عام على اعتقال طاطور، وقع 170 كاتبا وشاعرا على عريضة باللغة العبرية تطالب بالإفراج عنها وإلغاء التهم الموجهة لها. وبين الموقعين على العريضة: أبراهام ب. يهوشوع، طوفيا رفنر، أفيشاي مرغليت، تسيبي غيفع ودافيد غروسمان.

في مرحلة متقدمة تبنّت منظمة "نادي القلم الدولي" (Pen International) قضية دارين طاطور كمثال للملاحقة التي يتعرض لها كتاب وفنانون ولقمع حرية التعبير. فعقد "نادي القلم الدولي" مؤتمره السنوي الـ82 في غاليسيا، إسبانيا، بمشاركة أكثر من 150 ممثلا مما لا يقل عن 63 مركزاً ثقافيا وأدبيا. وعبر المشاركون عن تضامنهم مع طاطور من خلال قراءة شعرها وترجمة قصيدتها "شاعرة من وراء القضبان" إلى أكثر من عشر لغات.

وكتب بن نورتون في موقع "اللّسعة"، وهو موقع عبري غير ربحيّ، أن الملاحقات السياسية والاعتقالات وتقييد حرّية التعبير هي من أعراض الأزمة التي تعاني منها إسرائيل، فكلّما زادت السلطات الصهيونية من القمع وصعّدت من حملات التحريض ضد الفلسطينيين كلما أحست أكثر بالضعف وقلّة الحيلة. ويصف الكاتب خلفية القضية بأن دارين طاطور، فلسطينية من مواطني إسرائيل، اعتقلت بسبب كتابات شاركت بها عبر الشبكات الاجتماعية. وفي شهر تشرين الأول 2015 اقتحمت الشرطة بيتها بمنتصف الليل، كبلت يدي الشاعرة ابنة الـ35 عاماً وأخذتها. وقال لها أحد المحققين "منظرك يوحي بأنك استشهادية"!.

ويقول إن قصة طاطور هي واحدة من بين قصص كثيرة. فمنذ تشرين الأول 2015 وحتى تموز 2016، اعتقلت حكومة إسرائيل حوالي 400 فلسطيني بسبب كتابات على الشبكات الاجتماعية، بحسب منظمات حقوقية محلية. مع ذلك فقد أثارت قضيتها اهتماماً دولياً خاصاً مع الأخذ بعين الاعتبار انعكاساتها المخيفة على حقوق المواطن للفلسطينيين في إسرائيل، الحليفة الأقرب لحكومة الولايات المتحدة. ونشرت مجموعة "الصوت اليهودي للسلام"، وهي مجموعة تعمل في الولايات المتحدة من أجل العدل الاجتماعي، مقابلة مصورة مع طاطور من سجنها المنزلي.

 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات