حكمت محكمة إسرائيلية في الناصرة مؤخراً على الشاعرة دارين طاطور (36 عاماً) من قرية الرينة بالسجن خمسة أشهر، بعد أن أدانتها في أيار الفائت بـ"التحريض على العنف ودعم منظمة إرهابية"، من خلال قصيدة نشرتها في مواقع التواصل الاجتماعي في تشرين الأول 2015 بعنوان "قاوم يا شعبي، قاومهم". وكان هذا كافياً كي تعتقلها الشرطة وكي تقول إحدى القاضيات إن "القصيدة ليست قصيدة احتجاج فقط، وإنما تدعو إلى الإرهاب"، وذلك بعد أن عُرضت أمامها ترجمة مخطوءة للقصيدة، كما أكدت غابي لاسكي، محامية الشاعرة.
ومن المفترض أن تكون طاطور بدأت بتنفيذ عقوبة السجن.
وكتبت عوفرا يشوعا- لايت في موقع "اللسعة"، تحت عنوان "لا توجد محكمة للنتاجات الأدبية"! أنه "لا مكان لإدانة أي شاعر بسب نص كتبه، حتى إذا كان هذا النص مليئاً بالتصريحات الإشكالية". وتصف الكاتبة كيف أن "المحاكمة الرنانة والعبثية التي تديرها دولة إسرائيل ضد الشاعرة دارين طاطور وصلت قبل صدور قرار الحكم لمرحلة شهود الدفاع. وجاء أخصائيان أكاديميان من مركز البلاد لكي يشرحا للمدعية العامة والقاضية في محكمة الصلح بالناصرة بأن لائحة الاتهام التي حرمت طاطور من حريتها منذ تشرين الأول 2015، منقطعة عن الواقع من أساسها".
وكتب البروفسور في مجال الأدب نيسيم كلدرون في ورقة الرأي التي قدمت للمحكمة أنه لا مكان لإدانة أي شاعر بسب نص كتبه، حتى إذا كان هذا النص مليئاً بالتصريحات الإشكالية.
أما د. يونتان مندل، وهو مختص باللغة العربية وصاحب تجربة كبيرة في الترجمة ومن معهد فان لير، فأكد في وثيقة قدمها هو الآخر للمحكمة أن القصيدة التي قرر شرطي إسرائيلي أنها تنطوي على "تحريض للعنف" هي قصيدة قومية حماسية كما هو متبع دون أي نداء لحيازة السلاح أو سفك الدماء.
وأوضح مندل أن كل الضحايا الذين تحدثت عنهم طاطور في منشوراتها هم مدنيون. وقال: عندما أنظر إلى أسماء الضحايا الذين تذكرهم في القصيدة، فالولد الذي أحرق هو كما يبدو محمد أبو خضير، وعلي هو علي دوابشة، وأيضاً هديل كانت حالة استثنائية جداّ حتى أن صحيفة هآرتس وصفت قتلها بـ"الإعدام".
والمقصود هديل الهشلمون التي قتلت في الخليل برصاص جندي اشتبه خطأً، بحسب كل الشهادات، بأنها كانت تنوي القيام بعملية، كما تنوّه الكاتبة.
وأكدت بعض التحليلات أنه في واقع إسرائيلي يحرّض فيه سياسيّو اليمين الحاكم بشكل عادي ويومي على الفلسطينيين وعلى العرب عموما، فإن الحكم السياسي بالسجن على طاطور بتهمة التحريض، يطرح أسئلة عن دور جهاز القضاء والمحاكم حين يختار في عدد غير قليل من الحالات تبني الخطاب السياسي المهيمن في سياق القضية الفلسطينية. فكم من وزير ونائب وزعيم صهيوني محلي وجماهيري دعا الى قصف مدنيي غزة بالطائرة والدبابة؟ وكم من هؤلاء برر الإعدامات الميدانية لمن زعمت الشرطة أو الجيش قيامهم بمحاولات طعن؟ وكم من أولئك السياسيين برر الحصار والقمع والقتل والتجويع والاغتيالات؟ وهذا تحريض، مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى، على القتل.
وأكد قسم من هذه التحليلات أن طاطور سجّلت في متن قصيدتها وسياقها موقفا مناصرا لحق الرازحين تحت الاحتلال بالرفض والمقاومة، لكن القضاء يلعب هنا دورا سياسيا ومسيّسا. وفي حالة الاحتلال الإسرائيلي الطويل تنقلب المعايير والمقاييس كلها. فيصبح من حق القامع المحتل فارض الواقع بالقوة، أن يحرّض بشكل عادي. أما حين يرتفع صوت المقموع المصادَرة حقوقه وحرياته حاملا ذلك الحق بالمقاومة أو مدافعا عنه، فإن الطريق الى تجريمه تتسارع بسلاسة واندفاع. وهذا يحدث لأن الحكم والمرجعية ليس الحق والقيمة والشرعية الدولية الشهيرة، بل القوة العنيفة.