أبرزت نتائج استطلاعين متوازيين، أجريا في إسرائيل وبين أوساط اليهود في الولايات المتحدة، تباينا جذريا في شؤون الدين اليهودي، وكذلك في المحاور السياسية التي تشغل بال الجميع حاليا.
وفيما يتعلق بالشؤون الدينية، أظهر الاستطلاعان أن 80% من يهود الولايات المتحدة يؤيدون الزواج المدني، بينما أعلن 55% من يهود إسرائيل أنهم يؤيدون مثل هذا الزواج.
ومن نتائج الاستطلاعين أن 80% من اليهود الإسرائيليين يدعمون سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إدارة العلاقات الأميركية مع إسرائيل علاوة على أن 85% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في حين أن 57% من اليهود الأميركيين فقط يؤيدون طريقة ترامب في إدارة العلاقات الأميركية مع إسرائيل، فيما عارض 46% منهم نقل السفارة الأميركية. وبينما يؤيد 44% من اليهود الإسرائيليين حل الدولتين، فإن 59% من اليهود الأميركيين يؤيدون هذا الحل.
ويرى 68% من اليهود الإسرائيليين أن على يهود الولايات المتحدة الكف عن التأثير على سياسة إسرائيل.
ويعتقد 15% من اليهود الإسرائيليين و19% من اليهود الأميركيين أن العلاقات بين يهود كلتا الدولتين ستتراجع في الأعوام الخمسة المقبلة.
ووفقا لنتائج الاستطلاعين كذلك، يرى 80% من اليهود الإسرائيليين أن العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين ستبقى على حالها الحالي أو قد تشهد تراجعا أكثر خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وأجري هذان الاستطلاعان المتوازيان عشية افتتاح المؤتمر السنوي للجنة اليهودية - الأميركية AJC الذي عقد في أواسط حزيران الحالي في القدس.
وأجري الاستطلاع الأول في إسرائيل من طرف معهد "جيوكارتوغرافيا" هاتفيا خلال شهر أيار وسط مجموعة مؤلفة من 1000 يهودي إسرائيلي بالغ من كل الفئات. وأجري الاستطلاع الموازي وسط يهود الولايات المتحدة من طرف معهد SSRS هاتفيا كذلك في شهر أيار وسط مجموعة مؤلفة من 1001 شخص بالغ.
وقال معدو الاستطلاعين إنه في الوقت الذي تتعزز فيه العلاقات بين زعيمي الدولتين، يبدو أن الشرخ بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل آخذ بالازدياد. وأضافوا أن نتائج الاستطلاعين أظهرت أنه على الرغم من الاحتضان الحار من جهة ترامب لإسرائيل، ما أدى إلى انطباع بأن العلاقات بين الدولتين أصبحت أفضل من الماضي، فإن يهود الولايات المتحدة يبتعدون عن إسرائيل تحديدا.
وقالت أفيتال ليبوفيتش، المديرة العامة للمنظمة اليهودية- الأميركية AJC في إسرائيل، إن نتيجة الاستطلاعين واضحة، وتشير إلى أن هناك عدم إجماع بين اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بعدد من القضايا الأساسية. وأضافت "هناك جزء كبير آخذ بالازدياد بين أوساط الجيل الشاب في الولايات المتحدة يشعر أن دولة إسرائيل لا تمثل قيمه. ويشهد هذا الوضع على أن مستقبل الدعم اليهودي الأميركي لإسرائيل بات معرضا للخطر".
هنا تجدر الإشارة إلى أن "لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية" (إيباك) سيطرت، طوال عقود، على النشاط السياسي لليهود الأميركيين في الولايات المتحدة، بمواقفها المؤيدة بالكامل لإسرائيل وسياسات حكوماتها، خصوصا فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكن في موازاة استمرار هذا الصراع وتعميق الاحتلال والاستيطان وتفاقم القمع للفلسطينيين وانتهاك حقوقهم، في ظل ترسخ حكم اليمين في إسرائيل، بدأت صورة إسرائيل بنظر الأميركيين وخصوصا بين اليهود الأميركيين سلبية قياسا بما كانت عليه في الماضي. واستدعى هذا التغيير قبل عدة أعوام تأسيس لوبي يهودي - أميركي جديد باسم "جي ستريت".
ويعتبر لوبي "جي ستريت" في إسرائيل منظمة يسارية، من الناحية السياسية والموقف من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لكونه يؤيد حل الدولتين، ويدعو إسرائيل إلى التوصل إلى اتفاقيات سلام مع الدول العربية، والانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967. كذلك عبر هذا اللوبي عن معارضته لمواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حيال الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، مثلما عبر عن استيائه من الأزمة التي أثارها نتنياهو مع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، حول الصراع والاتفاق النووي.
وقبل فترة وجيزة قالت مديرة "جي ستريت" في إسرائيل، ياعيل باتير، في سياق مقابلة معها نشرتها صحيفة "ذي ماركر"، إن الخلافات الكبرى بين الجمهور اليهودي الأميركي وحكومة إسرائيل، "تدور حول إنهاء الصراع، دفع فكرة الدولتين والميل إلى تفضيل الحل الدبلوماسي دائما. فاليهود الأميركيون هم مجتمع تسود فيه الأفكار الليبرالية – الديمقراطية، النابعة من عالم قيم يهودية تتحدث عن تصحيح العالم والعدالة الاجتماعية والمساواة، وهذه هي روحهم".
وتحدثت باتير عن قطيعة بين يهود أميركا واليهود في إسرائيل، لأن الجمهور اليهودي في إسرائيل يتجه نحو اليمين، وخاصة خلال الهبة الشعبية الفلسطينية الأخيرة. لكنها أضافت "صحيح أنه توجد هنا توجهات معاكسة تماما، لكن إسرائيل ما زالت تحظى بتأييد كبير في الولايات المتحدة بسبب قصة شعور بالتشابه. فكلتا الدولتين هما دولتا مهاجرين، وكلتاهما ديمقراطيتان، وهناك أيضا العلاقة اليهودية – المسيحية ذات الصلة بأجزاء كبيرة بين السكان الأميركيين، وشكلت دائما ارتباطا بالأرض المقدسة والتوراة وشعب الكتاب. وهذه الأمور صانت هذا النسيج دائما. وتوجد مصالح مشتركة طبعا بأن يسود الاستقرار في الشرق الأوسط. العلاقة متينة من هذه الناحية، لكن الأمور تتغير. فالولايات المتحدة باتت أقل اهتماما بالشرق الأوسط، وتراجعت حاجتها إلى النفط، والطبيعة السكانية تتغير، فالأقليات تصبح أغلبية، وهذه مجموعات تتعاطف مع النضال الفلسطيني، أي مع من يعتبر ضحية".
ولفتت باتير كذلك إلى تراجع العلاقة بين اليهود الأميركيين وإسرائيل فقالت: "يعيش في الولايات المتحدة ستة ملايين يهودي. ولم تعد إسرائيل عنصرا هاما في حياة قسم منهم، والفجوة آخذة بالاتساع، خاصة لدى الشبان. لكن لا تزال إسرائيل مهمة لدى معظمهم وخصوصا الكبار في السن. فهي بيتهم القومي وهي الدولة الملجأ. وهناك الفانتازيا بأن إسرائيل تجسد مشروع السيادة اليهودية".
وشددت باتير على أنه تجري تحولات بين اليهود الأميركيين، "إسرائيل تحولت إلى شيء أقل راحة، وديمقراطيتها لم تعد قوية كثيرا، وهناك علامات استفهام حيال الدين والدولة، ومن هو اليهودي، أي بمن تعترف إسرائيل بيهوديته وتوافق على تقبل حاخاماته وطقوسه وطريقة إجراء ممارساته اليهودية. وبالطبع هناك موضوع الاحتلال. وكلما أصبح هذا الأمر مريحا أقل، يسألون أنفسهم ما إذا كانت إسرائيل بحاجة إلى أن تكون عاملا مركزيا في التربية اليهودية الأميركية. وتوجد فجوة بين الأجيال ويتحدثون كثيرا عنها ويدركونها أكثر هنا أيضا، ويتزايد انعدام الارتياح تجاه إسرائيل لدى الشبان. ولأسفي، فإن هذا مندمج مع انعدام الارتياح حيال الصهيونية. ومعظم الشبان يعزلون أنفسهم عن هذا الأمر ويفضلون ألا يتعاملوا معه، بينما القسم الذي ما زال يريد أن يكون ملتزما يجد في جي ستريت بيتا لأن هذا يسمح له بأن يكون جزءا من التغيير، ويسهم بأن تكون إسرائيل مكانا يعتزون به. وهذا الوضع يعني عمليا كسر ديناميكية سادت سنوات طويلة ومفادها أن دور الأميركيين أن يدعموننا من دون طرح أسئلة ومن دون صدامات، ودورنا هو تلقي شيكاتهم والدفاع عن إسرائيل. فلم يعد هذا قائما".
وأضافت أن شبانا يهودا أميركيين في سن 19 عاما "يقولون لي إن لديهم مشكلة مع الصهيونية"، وذلك في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل أنها "الدولة القومية لليهود". وتابعت باتير أنه "عندما تحدث نتنياهو عن الدولتين، وعندما ذهب إلى مفاوضات سياسية، وعندما أيد تسوية حول حائط المبكى (البراق)، أيدناه في هذه الأمور. لكن يوجد عدم توافق حول الاتفاق مع إيران والمستوطنات. وعلينا أن نتذكر أن قسما من الإسرائيليين انتخب يائير لبيد وموشيه كحلون والمعسكر الصهيوني، كما أنه ليس الجميع في الليكود يفكرون بشكل متطابق. على سبيل المثال، سمعنا من جهاز الأمن أن ثمة أفضليات في الاتفاق مع إيران. وجي ستريت مرتبط بالإجماع الأمني والشعبي في إسرائيل. وهذا لا ينعكس في حكومة إسرائيل بسبب طريقة الحكم الائتلافية".
يشار إلى أن باتير كانت تعمل في "مركز بيريس للسلام" قبل أن تعمل في "جي ستريت". وفي ردها على سؤال حول المنصب الجديد الذي تطمح له، قالت "سأكون مسرورة بالعمل في وزارة الخارجية في أحد الأيام. وحلمي هو أن أكون سفيرة إسرائيل في فلسطين".
كما أن باتير سبق أن كتبت ورقة بعنوان "المفهوم الإسرائيلي لعدم وجود شريك في عملية السلام (نظرة في العقلية السياسية الإسرائيلية)"، صدرت ترجمة عربية لها عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية" (العدد رقم 57).
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, باراك, الليكود, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, يائير لبيد