تحتفل الأوساط السياسية الإسرائيلية، بصورة لافتة، بالزيارة المرتقبة التي من المقرر ان يقوم بها الأمير وليام، نجل الأمير تشارلز وحفيد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، إلى إسرائيل في نهاية الشهر الجاري، إذ توليها أهمية بالغة وتعتبرها "اختراقا" يمثل "فاتحة عهد جديد" في العلاقات الإسرائيلية ـ البريطانية "سيبدد إحدى الغيوم الأكثر سوادا في هذه العلاقات" منذ انتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين.
وهذه هي المرة الأولى التي يقوم بها ممثل عن العائلة الملكية في بريطانيا بزيارة علنية رسمية إلى إسرائيل، علما بأن محاولات ومساعي إسرائيلية كثيرة جدا قد جرت من قبل لتنظيم مثل هذه الزيارة، لكن جميعها باءت بالفشل جراء معارضة وزارة الخارجية، التزاما بالسياسة المعتمدة في "الامتناع عن زيارات رسمية يقوم بها ممثلون رسميون عن قصر بكنغهام إلى إسرائيل طالما لم يتم تحقيق تقدم جدي في عملية السلام مع الفلسطينيين".
وكان الأمير تشارلز قد زار إسرائيل من قبل للمشاركة في جنازتي إسحاق رابين وشمعون بيريس، كما قام بزيارة سرية إلى قبر جدته، الأميرة أليس فون باتنبرغ في كنيسة مريم المجدلية في جبل الزيتون في القدس، لكن هذه جميعها لم تكن زيارات رسمية. وعليه، ستكون زيارة الأمير وليام الزيارة الرسمية العلنية الأولى التي يقوم بها ممثل عن القصر البريطاني إلى إسرائيل، وسيزور خلالها أيضا كلا من الأردن والمناطق الفلسطينية.
توثيق للعلاقات وآمال سياسية
بالرغم من الصفة الرمزية فقط التي يمثلها الأمير وليام، كبقية أعضاء وممثلي القصر الملكي في بريطانيا، بعيدا عن أية مكانة أو صلاحية سياسية أو تنفيذية، إلا أن الأوساط السياسية الإسرائيلية تنظر إلى هذه الزيارة بأهمية فائقة وتعتبرها "خطوة جدية جدا" في مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين التي شهدت تقاربا وتعزيزا كبيرين خلال السنوات الأخيرة.
ويشير الخبراء والمراقبون الإسرائيليون إلى ما شهدته هذه العلاقات الثنائية من اتساع وتعمق على أصعدة مختلفة، في مقدمتها الاقتصادي والأمني، بما ينعكس على العلاقات السياسية أيضا ويعزز الآمال الإسرائيلية الرسمية بحدوث "تغيير زاحف في أنماط التصويت البريطاني في المؤسسات الدولية المختلفة، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي"، رغم كون بريطانيا "شريكة مركزية في أوروبا" (حتى الآن) التي تعتبرها إسرائيل الرسمية "قوة معادية" على صعيد السياسة الدولية!
ومن بين العوامل التي يقول المراقبون إنها تؤشر على التغيير المنشود في الأداء السياسي البريطاني: خروج بريطانيا المقرر من عضوية الاتحاد الأوروبي، الانتقال من التركيز على الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى التركيز على الحرب ضد الإرهاب الدولي، فضلا عن عودة المحافظين إلى الحكم، والمعروفين بصداقتهم الوثيقة مع إسرائيل ودعمها القوي لها.
على الصعيد الأمني، تمثل توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين في الزيارة التي قامت بها إلى ميناء حيفا، في نهاية العام 2017، حاملة طائرات تابعة للأسطول الملكي البريطاني، وكان على متنها مئات من جنود وضباط سلاح البحرية البريطاني. وكان مصدر رسمي إسرائيلي قد قال للصحافيين آنذاك إن "إسرائيل هي شريك فعال في حلف الناتو وهذه الزيارة هي تعبير عن هذه الشراكة". وكان سبق زيارة السفينة المذكورة، أيضا، نشر توثيق مصور علني لتدريب مشترك أجراه سلاحا الجو البريطاني والإسرائيلي. وقد جاءت تلك الزيارة وذلك النشر بعد سنوات طويلة امتنعت خلالها بريطانيا عن أية مظاهر علنية للتعاون الأمني المتشعب بين البلدين، وفي مقدمته التعاون الاستخباراتي السري. وفي احتفالات إسرائيل بالذكرى السبعين لتأسيها، قبل أكثر من شهر، سجل التعاون العلني الأمني بين البلدين ذروة جديدة حين شاركت طائرات سلاح الجو البريطاني في العرض الجوي الذي أقامته طائرات سلاح الجو الإسرائيلي.
وفي الحديث عن توثيق العلاقات الأمنية الإسرائيلية ـ البريطانية، أيضا، يشير مسؤولون رسميون إسرائيليون باستمرار إلى الأزمة السورية بوصفها "محركا للتغيير"، وخاصة التحول الحاصل في موقف المجتمع الدولي من الشرق الأوسط عموما، والبريطاني خصوصا، من حيث انتقالها من التركيز على الإرهاب الدولي، "الذي تلعب إسرائيل دورا مركزيا في الحرب ضده" (!)، بدلا من التركيز على الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
أما على الصعيد التجاري ـ الاقتصادي، فتعتبر بريطانيا شريكة أساسية لإسرائيل، منذ سنوات طويلة جدا. لكن خروجها من الاتحاد الأوروبي شجع على "توثيق إضافي" لهذه العلاقات التعاونية، تمثل بصورة خاصة في ما وصفته وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه "ليس مفهوما ضمنا"، إذ تم اختيار إسرائيل واحدة من بين الدول العشر الأولى التي تبدي بريطانيا اهتماما بتوسيع الاتفاقيات التجارية الثنائية معها، فتم تشكيل طاقم مهني خاص لإنجاز هذه المهمة. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن "مصادر سياسية رسمية" في إسرائيل قولها إنه "كان على بريطانيا النظر إلى منطقة الشرق الأوسط بنظرة استراتيجية على عتبة خروجها من الاتحاد الأوروبي ولهذا، اختيرت إسرائيل من بين الدول المفضلة بالنسبة لها في المرحلة الأولى". وأضافت المصادر ذاتها: "رغم أن الاقتصاد الإسرائيلي ليس الأكبر في العالم، إلا أن البريطانيين رأوا مساهمتنا في مشروع الأبحاث والتطوير الأوروبي وفي مجال الابتكارات".
وتبين معطيات السفارة البريطانية في إسرائيل، كما أفادت "هآرتس"، أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين في العام 2017 قد سجل رقما قياسيا غير مسبوق إطلاقا وبلغ نحو تسعة مليارات دولار، مقابل نحو سبعة مليارات في العام الذي سبقه، 2016. وتشكل بريطانيا السوق الثانية الأكبر للبضائع والمنتجات الإسرائيلية، بعد السوق الأميركية. وتشير المعطيات إلى ارتفاع كبير في "النشاط الإسرائيلي التجاري في داخل بريطانيا"، إذ ازداد عدد الشركات الإسرائيلية العاملة في بريطانيا من 25 شركة في العام 2016 إلى 32 شركة في العام 2017، كما ازداد هذا العدد بـ 20 شركة إضافية أخرى حتى نهاية شهر آذار الأخير، من العام الجاري. وإلى جانب ذلك، ارتفع حجم الاستثمارات الإسرائيلية في بريطانيا في العام الماضي بنحو 33%، علاوة على الزيادة الكبيرة في المشاريع المشتركة في مجال الهايتك خلال السنتين الأخيرتين. وانعكست الزيادة في هذا المجال، من بين أشياء أخرى، في إطلاق بريطانيا مؤخرا مشروعا لإدخال وتعميم التكنولوجيا الإسرائيلية في الجهاز الصحي العام في الدولة، كما توظف بريطانيا مبالغ طائلة في مشاريع مشتركة في مجال الأبحاث العلمية المختلفة.
"صداقة سياسية وثيقة"
إلى جانب المصالح المشتركة والتعاون المتبادل بين الدولتين في المجالات الأمنية والاقتصادية، تنوه مصادر سياسية رسمية إسرائيلية بالتقارب السياسي أيضا، مشيرين إلى أن رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، تحافظ على علاقات صداقة وثيقة مع الحكومة الإسرائيلية ومع رئيسها، بنيامين نتنياهو، شخصيا، تفوق بكثير ما اعتمدته حكومات بريطانية سابقة.
وفي هذا السياق، غادر نتنياهو إسرائيل أمس في جولة تقوده إلى ثلاث عواصم أوروبية تشمل: برلين (ألمانيا)، باريس (فرنسا) ولندن (بريطانيا)، يلتقي خلالها قادة تلك الدول للبحث، أساسا، في موقف هذه الدول من مستقبل "الاتفاق النووي الإيراني" في أعقاب إعلان دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة منه.
ورغم هذه "الصداقة الوثيقة" والمصالح السياسية والاستراتيجية المشتركة، يلفت المراقبون إلى "نقطتي خلاف مركزيتين" في العلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل في المجال السياسي: إيران والقضية الفلسطينية. في الأولى (إيران)، لا تزال بريطانيا تعتقد بضرورة المحافظة على إطار الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران، خلافا لموقف إسرائيل وحكومتها، وفي الثانية (القضية الفلسطينية)، لا تزال بريطانيا تعتبر المستوطنات غير شرعية وتدعو إلى الانسحاب التام من المناطق المحتلة منذ العام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل، كما ترفض الاعتراف بالقدس الموحدة وبكونها عاصمة إسرائيل. لكن بريطانيا، التي صوتت في الأمم المتحدة ضد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وعارضت نقل السفارة الأميركية إليها، اختارت مثلا موقف الامتناع في التصويت الذي جرى في جنيف على مشروع قرار لتشكيل لجنة تحقيق في المجازر الإسرائيلية ضد أهالي قطاع غزة الذين شاركوا في مسيرات العودة مؤخرا.