المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلن في إسرائيل، أول أمس الأحد، عن إطلاق المهاجرين الأفارقة المحتجزين في منشأة "سهرونيم" في جنوب إسرائيل بعد أن فوتت الحكومة الموعد النهائي الذي حددته المحكمة العليا لإنهاء خطة ترحيل طالبي اللجوء الإريتريين والسودانيين.

 

وأبلغت الدولة المحكمة العليا أن المفاوضات مع بلد ثالث، التي تحدثت تقارير عدة أنها أوغندا، لقبول المهاجرين المُرحلين من إسرائيل ما تزال جارية.

وأكدت سلطة السكان والهجرة والحدود، في بيان لها، إطلاق سراح المحتجزين، والذين يصل عددهم إلى نحو 200 شخص. وقبيل الموعد النهائي أبلغ المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت المحكمة أنه سيتم الإفراج عن المحتجزين مع استمرار المحادثات مع بلد آخر.

وكانت المحكمة منحت الدولة، في الأسبوع الماضي، مهلة حتى منتصف يوم الأحد لعرض خطة ترحيل لإعادة توطين المهاجرين في بلد ثالث بشكل آمن، أو إطلاق سراحهم من الاحتجاز.
وفي هذه الأثناء أعلن أن إسرائيل تجري محادثات مع أوغندا وقالت إنه من المرجح للغاية التوصل إلى اتفاق.

وأقر وزير أوغندي رفيع، هو وزير الدولة لشؤون المهاجرين والتأهب للكوارث موسى إيكويرو، للمرة الأولى، يوم الجمعة الفائت، بأن بلاده تدرس بإيجابية طلبا من إسرائيل لقبول 500 طالب لجوء إفريقي.

وحتى يوم الجمعة، نفت أوغندا باستمرار وجود صفقة ترحيل مع إسرائيل، على الرغم من التقارير التي تحدثت عن استقبالها لمهاجرين تم ترحيلهم من إسرائيل.

وكانت رواندا، وهي دولة طرف ثالث أخرى ذكرت تقارير أنها وافقت على استقبال طالبي لجوء من إسرائيل، نفت وجود أي اتفاق وقالت إنها لن تستوعب أي مهاجر يتم طرده من إسرائيل.
وتأتي هذه التطورات بعد أن أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في وقت سابق من الشهر الحالي، عن التوصل إلى اتفاق جديد مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وقام نتنياهو بتجميد الاتفاق بعد وقت قصير من إعلانه عنه، في أعقاب انتقادات حادّة واجهها من سياسيين في أحزاب اليمين ومجموعات مناهضة للمهاجرين.

وتحول وجود المهاجرين، الذين هم بمعظمهم من إريتريا والسودان، إلى موضوع سياسي رئيسي في إسرائيل. ولاقت سياسة ترحيل سابقة اتبعتها الحكومة الإسرائيلية، وعرضت من خلالها على المهاجرين مبلغ 3500 دولار وبطاقة سفر إلى بلدان إفريقية، تنديدات من نشطاء إسرائيليين ومن الأمم المتحدة، الذين اعتبروها فوضوية وغير آمنة بالإضافة إلى تنفيذها بصورة سيئة.

وتم ترحيل نحو 1700 طالب لجوء طواعية إلى أوغندا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، لكن الحكومة تسعى لأن تتم عمليات الترحيل المستقبلية بصورة أسرع، بمعدل حوالي 600 مهاجر في الشهر، بدلا من 600 في العام الواحد. لكن من أجل حدوث ذلك، تحتاج إلى دولة توافق على استقبال طالبي لجوء تم ترحيلهم بشكل قسري.

وتحدث طالبو لجوء تم ترحيلهم طواعية إلى أوغندا ورواندا في الماضي عن مواجهتهم لمخاطر حقيقية وحتى تعرضهم للسجن بعد وصولهم إلى أفريقيا من دون الوثائق الملائمة، ولم يُسمح لهم بالبقاء في رواندا، وإنما أجبروا على اجتياز الحدود بصورة غير شرعية إلى بلدان أخرى.

وقامت المحكمة العليا بتجميد عمليات الترحيل في منتصف شهر آذار الماضي استجابة لالتماس تم التقدم به إليها.

الخطة الجديدة التي لم تعمّر طويلاً!

في أعقاب الاحتجاج المحلي والدولي ونفي الدول الأفريقية وجود تفاهمات مع إسرائيل في شأن استقبالها للأفارقة، عمل نتنياهو ووزير الداخلية آرييه درعي على خطة بديلة بالتعاون مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وقد عمل عليها نتنياهو بشكل سري بالرغم من أن الحكومة كانت تدافع عن الخطة القديمة في المحكمة العليا، وفي نفس الوقت تقوم بصياغة خطة بديلة تكون مقبولة دوليا، مما أعطى الانطباع أن الحكومة ماضية في خطة الطرد القسري السابقة. وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن كافة طالبي اللجوء من دارفور في السودان، وعددهم 3 آلاف شخص، سيكونون أول من يحصل على مكانة مؤقتة في إطار الخطة التي تستبدل خطة طرد جميع طالبي اللجوء. وفي إطار هذه الخطة سوف يتوقف طالبو اللجوء من إريتريا والسودان عن تقديم طلبات شخصية، حيث أن الأمم المتحدة وإسرائيل ستقومان بتقسيمهم إلى مجموعات لتحديد مكانتهم. وجاء أنه لم يصدر قرار بعد بشأن 3 آلاف طالب لجوء آخرين سيحصلون على مكانة في إسرائيل في المرحلة الأولى من الخطة التي تستمر سنة ونصف السنة. وخلال السنوات الخمس القادمة من المفترض أن يحصل 16250 طالب لجوء آخرين على مكانة لجوء، وعدد مماثل سوف يغادر البلاد إلى دول غربية.

وأعلن نتنياهو عن هذه الخطة في مؤتمر صحافي فاجأ الجميع، خصومه ومؤيديه. فقد تفاجأ خصومه من كون نتنياهو تراجع عن خطة الطرد لصالح تسوية مع مفوضية اللاجئين، وأعلنوا عن تأييدهم لهذه الخطة التي اعتبرت نجاحا لنضالهم ضد خطة الطرد. في المقابل تفاجأ مؤيدوه الذين اعتبروا أنه تراجع عن الوعود التي قطعها لسنوات لقواعده الانتخابية المؤيدة للطرد، فضلا عن أن الخطة لم تعرض على الحكومة حيث فاجأت أيضا وزراء الليكود.

بعد الإعلان عن الخطة بدأت تثور موجات من الغضب داخل اليمين، عبر عنها وزراء في الليكود، وأحزاب اليمين لا سيما حزب "البيت اليهودي" ورئيسه وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت. كما ثارت شبكات التواصل الاجتماعي من قواعد اليمين التي عارضت الخطة واعتبرت أن نتنياهو خانها وخدعها، لا سيما وأن الحكومة كانت تخوض صراعا في المحكمة العليا تدافع فيه عن خطة الطرد، في الوقت الذي كان نتنياهو يبلور خطته الجديدة مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. في أعقاب هذا الاحتجاج الذي ظهر فيه وزراء وأعضاء كنيست من الليكود ينتقدون نتنياهو بشكل مباشر، أعلن نتنياهو بعد بضع ساعات عن تراجعه عن الاتفاق الجديد، مبررا ذلك بأنه يريد الاجتماع أولا مع سكان جنوب تل أبيب ليسمع آراءهم، وهم الذين قادوا احتجاجات فاشية ضد الأفارقة في تل أبيب، وعلاوة على ذلك اتهم نتنياهو الصندوق الجديد لإسرائيل بأنه كان وراء معارضة دول أفريقية استقبال المطرودين من إسرائيل، حيث برر ذهابه إلى الخطة الجديدة بأن الدول الأفريقية لم توافق على استقبال المطرودين بسبب الضغوط التي مارسها هذا الصندوق عليهم.

وردا على الخطوات الإسرائيلية وتصريحات نتنياهو، قال نائب وزير الخارجية الرواندى إن بلاده ليس لديها اتفاق مع إسرائيل ليتم قبول أو رفض هذا الاتفاق، وأشار إلى تغريده نشرها نتنياهو على صفحته على "تويتر" وقال: "لم يكن هناك أبدا اتفاق مع إسرائيل، لا كتابة ولا شفوياً". ووفقاً للمسؤول الرواندي، فإن اتهامات نتنياهو بانسحاب رواندا من اتفاق أبرمته مع إسرائيل بسبب ضغط من جهات مدنية وعناصر الاتحاد الأوروبي عارية عن الصحة. وأعرب نائب الوزير عن غضبه من التقارير التي تفيد بأن سبب الانفجار في الاتصالات بين البلدين هو مسألة وضع المفتشين الإسرائيليين في رواندا. وأكد "لا يوجد سبب لأن يكون المفتشون الإسرائيليون في بلادنا، وإن رواندا هي منطقة سيادية لرواندا وليس لإسرائيل."..

ووصلت العاصفة السياسية إلى أوجها، عندما هدد عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب "البيت اليهودي"، بتسلئيل سموتريتش، المعروف بمواقفه العنصرية، بأن حزبه سيعمل على إسقاط حكومة نتنياهو في حال أبقت على الاتفاق.

وكما ذكرنا، اضطر نتنياهو إلى الإعلان عن تجميد الاتفاق مع الأمم المتحدة، بحجة دراسة الموضوع وعرضه على الحكومة، بعد أن شن اليمين الإسرائيلي ووزراء من حزب الليكود حملة شعواء اتهموه فيها بعدم الثبات على موقف، والتراجع عن سياسة طرد اللاجئين الأفارقة.

وحلل الكثير من الكتاب تصرف نتنياهو المناور والضعيف في هذه المسألة، حيث أرجع المحلل الاقتصادي في صحيفة "هآرتس" نحميا شطرسلر، المعروف بتوجهاته الاقتصادية الليبرالية، ذلك إلى شخصية نتنياهو نفسه، معتبرا إياه قائدا مترددا ضعيفا. كما اعتبر أن إنجاز نتنياهو في بناء الجدار على الحدود المصرية، والذي منع بشكل كلي دخول لاجئين أفارقة جدد إلى إسرائيل، لم يأت نتيجة قلقه على سكان جنوب تل أبيب الذين يتمركز عندهم الأفارقة، حيث تم تأجيل بناء الجدار لسنوات رغم وعود نتنياهو ببنائه، وجاء البناء بحسب شطرسلر فقط بعد أن شنت جماعات مسلحة من سيناء هجمة على إسرائيل قتل خلالها عدد من الإسرائيليين، مما دفع المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى ممارسة الضغط لبناء الجدار، وهذا ما قام به نتنياهو. والقصد من وراء ذلك أن نتنياهو، الذي تفاخر بأنه بنى الجدار لإيقاف وصول الأفارقة إلى إسرائيل، تأخر سنوات في إقامة الجدار برغم إقراره في الحكومة، وفقط بعد حدوث عملية قتل فيها إسرائيليون قام ببناء الجدار، وهو ما يؤكد غياب قيادته وتردده وخوفه من قواعده الاجتماعية، فهو يتحرك ويقرر بحسب قواعده الانتخابية وليس بحسب مصلحة الدولة، وهذه برأي المحلّل صفات مناقضة للقيادة.

أما الصحافي غدعون ليفي فقد اعتبر أن المشكلة لا تكمن في نتنياهو بل في الشعب الذي يؤيد طرد الأفارقة كما يؤيد قتل الفلسطينيين في قطاع غزة، ونتنياهو هو أسير هذا الشعب ويفهم ما يريد ويتصرف بناء على ذلك.

ويعبر هذان الموقفان عن التوجهات العامة التي أعرب عنها الكتاب الإسرائيليون المعارضون لطرد الأفارقة، فمنهم من قال إن إسرائيل تعيش فترة الرعاع الذين باتوا يحددون سياسات الحكومة، بينما يعتبر البعض الآخر أن المشكلة كامنة في نتنياهو الذي يعيد إنتاج الرعاع لأنهم يحملونه على أكفهم، برغم كل ما يحيط به من فساد مالي وسياسي وعداء للديمقراطية.

وبعد أن تراجع نتنياهو عن خطته باستيعاب نصف المهاجرين الأفارقة، وعودته إلى خطة الطرد من جديد، توجه إلى تبني اقتراح القانون الذي يحاول منع المحكمة العليا من إلغاء قوانين تسنها الحكومة في الكنيست. وحاول حزب "البيت اليهودي"، في إثر قيام المحكمة العليا بإبطال قوانين طرد الأفارقة، عرض اقتراح قانون يسمح للكنيست بسن قانون جديد بعد إلغائه من المحكمة العليا، وجاء هذا القانون ضمن التوجه العام لحزب "البيت اليهودي" في إعادة إنتاج السلطة القضائية، بما ينسجم مع التوجهات الاستيطانية الكولونيالية للحزب. بيد أن نتنياهو فاجأ الجميع هذا الأسبوع بتبنيه قانونا أكثر راديكالية، يمنع المحكمة العليا كلياً من إلغاء قوانين يسنها الكنيست. ويهدف نتنياهو من وراء هذا الأمر إلى مصارعة حزب "البيت اليهودي" من اليمين، لا سيما وأن هذا الحزب تحدّى نتنياهو في موضوع تراجعه عن طرد الأفارقة، وأظهره بأنه تخلى عن مبادئه فجاء اقتراحه بشأن سن قانون يتجاوز إلغاء المحكمة العليا لقانون طرد الأفارقة. أما الهدف الثاني، برأي محللين إسرائيليين، فيعود إلى رغبة نتنياهو بإجراء انتخابات مبكرة، حيث أن اقتراحه لقانون راديكالي يسحب من المحكمة العليا صلاحية إلغاء قوانين للكنيست سوف يلقى معارضة من حزب "كلنا" برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، والذي يعتبره كحلون قانونا متطرفا لا يستطيع الموافقة عليه وهو من يعرض نفسه بأنه مدافع عن المحكمة العليا. وإذا رفض كحلون التصويت على القانون فإن ذلك يعني سقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، وهذا ما يريده نتنياهو ولذا فإنه يزج بالجميع إلى هذه الزاوية.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات