المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1322
  • سليم سلامة

بهدوء، بهدوء، ودون أية مقاومة أو معارضة تُذكر، يمضي اليمين الإسرائيلي الإيديولوجي، والديني منه بشكل خاص ممثلاً بحزب "البيت اليهودي"، بثقة ومثابرة، في تطبيق رؤاه الفكرية وتنفيذ مخططاته وبرامجه العملية، سواء في تعزيز وإحكام قبضته، الإيديولوجية والشخصية، على مفاتيح القول والفعل في مؤسسات الحكم المختلفة في الدولة (في

الجهازين التعليمي والقضائي، بشكل خاص) أو في سيل التشريعات الرامي إلى إحداث تغيير جوهري، عميق جدا وبعيد الأثر في منظومة القوانين الإسرائيلية، بما يحقق له "الانقلاب المضاد" المنشود لإعادة ترميم وإصلاح ما أفسدته، بل دمرته برأيه، "الثورة الدستورية" التي حصلت في إسرائيل ابتداء من العام 1992.

ويبدو من العَصيّ حتى على المراقبين المهتمين والمتابعين مواكبة ورصد كل ما يقوم به هذا اليمين، ممثلاً بصورة أساسية بالوزيرين الأبرز في حزب "البيت اليهودي" ـ وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت (رئيس الحزب)، ووزيرة العدل، أييلت شاكيد ـ حتى أن بعض الضجة التي تثيرها قطاعات معنية هنا وهناك، سياسية ـ حزبية أو أكاديمية أو إعلامية بوجه خاص، حول إجراءات وقرارات هامة جدا وعميقة الأثر يتخذها هذان الوزيران في كل ما يتعلق بمجاليّ مسؤولياتهما (التعليم والقضاء) سرعان ما تتلاشى وتتبدد فلا تعدو كونها صرخات في واد لا تعيق في شيء تقدم القافلة اليمينية، بأقصى ما أوتيت من زخم وتأثير.

خطوة أخرى في مسيرة الضمّ

الحلقة الأخيرة، حاليا، في سلسلة القرارات والإجراءات التي لا يتوقف وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، عن اتخاذها وتكريسها بوتائر مذهلة في كل ما يتعلق بجهاز التعليم، بكل مراحله ومستوياته ومؤسساته ومضامينه، تجاوزت "نطاق التعليم" هذه المرة لتصب، مباشرة، في ما يشكل "درة تاج" برنامج هذا الحزب ونشاطه السياسي على وجه الخصوص، أي ـ الضمّ الفعلي (وإن كان "زاحفا"!) للمناطق الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. إنه مشروع قانون إخضاع "المؤسسات الأكاديمية" في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لمسؤولية "مجلس التعليم العالي" في إسرائيل (الذي يرأسه الوزير بينيت نفسه)، الذي يجري العمل على إقراره وتكريسه وسط صمت وتأييد متواطئين من جانب هذا المجلس وأعضائه ومن جانب "لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية" ـ هذا الصمت والتأييد اللذان اعتبرهما بعض الأساتذة الجامعيين الإسرائيليين "خيانة فاضحة ومشينة للقيم الأكاديمية ولمسؤوليات هؤلاء الرؤساء المباشرة" (اقرأ عن ذلك في مكان آخر من هذه الصفحة).

هذا القانون هو واحد فقط من سلسلة قوانين أخرى يعمل الائتلاف اليميني الحاكم على سنّها في الكنيست تباعاً، لتحقيق برنامجه بشأن "ضم المناطق الفلسطينية" من خلال فرض القانون الإسرائيلي عليها، بكل ما يتعلق بالمستوطنين ومستوطناتهم بوجه خاص. وهذا ما أكدته صاحبة المبادرة لمشروع القانون الجديد، عضو الكنيست شولي معلّم ـ رفائيلي (حزب "البيت اليهودي")، التي تبجحت، بصريح العبارة، بـ"إنها خطوة أخرى في مسيرة بسط السيادة الإسرائيلية على المناطق"، تعقيبا على قول عضو الكنيست نحمان شاي (المعسكر الصهيوني) إن "الحكومة قد نزعت جميع الأقنعة ـ الضم أصبح واقعا"! وأكدت معلم ـ رفائيلي: "لا نتحدث هنا عن إجراء تقني إداري، وإنما ثمة هنا إجراء عملي واضح نحو بسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على المناطق". أما الوزير زئيف إلكين (الليكود) فقال إن هذا القانون يشكل "مقدمة لفرض السيادة الإسرائيلية على البلدات (المستوطنات) في يهودا والسامرة".

بسنّ القانون الجديد، تصبح "جامعة أريئيل"، بحكم الواقع، جزءا من دولة إسرائيل وتمّحي الفوارق ما بين جامعة أنشئت أساسا بقصد تكريس الاحتلال وتأبيده، من جهة، وبين المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل. ويؤكد البرفسور يوفال شاني، أستاذ القانون الدولي في "الجامعة العبرية" في القدس، أن سن هذا القانون وتطبيقه يعني فرض القانون الإسرائيلي على المناطق (المحتلة) بصورة مباشرة، على غرار ما حصل في "قانون التسوية".

في الأسبوع الماضي، أقرت "لجنة التربية والتعليم" التابعة للكنيست مشروع "قانون مجلس التعليم العالي" وقررت تحويله إلى الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليه بالقراءة الأولى، بعد أن كانت الهيئة العامة قد أقرته بالقراءة التمهيدية، في إثر تحويله إليها من اللجنة الوزارية لشؤون التشريع (التي ترأسها الوزيرة أييلت شاكيد) التي كانت أقرته بدورها، قبل أكثر من شهر، بناء على اقتراح شولي معلّم، بتأييد ودعم معلَنين من الوزير نفتالي بينيت، الذي استغل تورط رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في عدد من الشبهات الجنائية الخطيرة. ولم يتوقف بينيت عند التلويح بعصا رئاسة "اللجنة الوزارية لشؤون التشريع" مهدداً بعدم إقرار أي مشروع قانون جديد قبل إقرار مشروع قانون مجلس التعليم العالي هذا، بل استخدمها بصورة فعلية أيضا.

فقد أصدر بينيت تعليماته إلى الوزيرة أييلت شاكيد، رئيسة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، بعدم عقد جلسات هذه اللجنة، وذلك تنفيذا لتهديد كان أطلقه في وجه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مؤداه: لن يجري دفع أي مشروع قانون والتقدم به قبل إقرار مشروع "قانون مجلس التعليم العالي". وبالفعل، أجهض بينيت اجتماعات هذه اللجنة الوزارية وأدى إلى انفضاض أحدها، في منتصف كانون الثاني الماضي، دون التصويت على أية مشاريع قوانين جديدة! وكان التهديد المذكور سبباً في مشاحنة كلامية دارت بين نتنياهو وبينيت في مستهل جلسة للحكومة الإسرائيلية مؤخرا، قال نتنياهو خلالها، مخاطبا بينيت: "إذا كنتم تريدون فض الشراكة وحل الحكومة بسبب هذا الموضوع، فليكن، تفضلوا"! هذا، مع العلم بأن الخلاف بين نتنياهو وبينيت في هذا الموضوع يدور على محورين اثنين فقط هما: التوقيت وقصب السبق (على "الإنجاز" الذي يحققه هذا القانون).

مؤسسات "أكاديمية" لتكريس الاحتلال

ينص مشروع القانون الجديد على إلغاء "مجلس التعليم العالي في يهودا والسامرة" وفرض القانون الإسرائيلي على "المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية" في الضفة الغربية، بما يعني إتباع تلك "المؤسسات الأكاديمية" إلى عضوية ومسؤولية "مجلس التعليم العالي" في داخل إسرائيل.

كما ينص على إلزام "مجلس التعليم العالي" في إسرائيل بالاعتراف الفوري بثلاث مؤسسات "أكاديمية" استيطانية هي: "جامعة أريئيل" في مستوطنة أريئيل، "كلية أوروت للتربية" في مستوطنة ألكناه و"كلية هيرتسوغ للتربية" في مستوطنة ألون شفوت. ويثير هذا البند من القانون موجة من النقد والمعارضة لدى بعض الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، نظرا لعدم استيفاء هذه المؤسسات الثلاث الشروط والمعايير الأكاديمية المعمول بها في داخل إسرائيل، مما "سيعود بضرر جسيم على مكانة الأكاديميا الإسرائيلية وسمعتها"، ناهيك عن الضرر الذي سيلحق بمكانة "مجلس التعليم العالي" واستقلاليته، المهنية والسياسية.

يذكر أن "مجلس التعليم العالي في يهودا والسامرة" هو هيئة أنشئت في العام 1992، بأمر عسكري أصدره قائد المنطقة الوسطى العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أي بأمر الحاكم العسكري في المنطقة)، وذلك للتغلب على الإشكال القانوني الذي نشأ آنذاك بشأن المصادقة على الألقاب والشهادات الجامعية التي كانت تمنحها "كلية أريئيل". وقد أقيم هذا المجلس كهيئة مستقلة، منفصلة تماما عن "مجلس التعليم العالي" الإسرائيلي، ثم أصبح مسؤولا فيما بعد عن "المؤسسات الأكاديمية" الثلاث المذكورة جميعها.

أقيمت "كلية أريئيل" في العام 1982 تحت اسم "الكلية الأكاديمية يهودا والسامرة"، تحت رعاية ووصاية ومراقبة "جامعة بار إيلان" في رامات غان (وهي جامعة التيار الديني الصهيوني الذي يمثله حزب "البيت اليهودي"). وابتداء من العام 2005، بدأت هذه الكلية تعمل بصورة مستقلة تماما تحت اسم "المركز الجامعي أريئيل في السامرة"، حتى قرر "مجلس التعليم العالي في يهودا والسامرة"، في تموز 2012، تحويلها إلى "جامعة"، أطلق عليها رسميا اسم "جامعة أريئيل في السامرة". وفي كانون الأول من العام نفسه، صادق قائد المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الإسرائيلي على هذا القرار وثبت مكانة هذه "الجامعة".

ورغم كونها الأحدث سناً من بين الجامعات الإسرائيلية كلها (كانت "كلية" حتى ما قبل أقل من 8 سنوات، كما ذكرنا) إلا إن "جامعة أريئيل" تحصل على المبالغ المالية الأكبر من الدولة، في إطار "إعفاءات من المناقصات"، أكثر من الجامعات الإسرائيلية الأخرى كلها، وذلك من خلال اعتمادها "مزود خدمات" لوزارة التربية والتعليم أساسا، برئاسة بينيت الآن وغدعون ساعر (الليكود) قبله. وقد بلغت قيمة المردود المالي الذي حصدته هذه الجامعة لقاء هذه الخدمات خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط أكثر من 132 مليون شيكل. وهذا إضافة إلى ميزانيتها السنوية العادية، التي تحصل عليها من الدولة مباشرة، وتبلغ 260 مليون شيكل في السنة. للمقارنة: بلغ مدخول معهد الهندسة التطبيقية في حيفا (التخنيون) من هذه الخدمات للدولة (لوزارات مختلفة) خلال السنوات الخمس الماضية نفسها 101 مليون شيكل.

في موازاة ذلك، يدفع الوزير بينيت حاليا قدماً بمشروعين كبيرين سيتم تنفيذهما في "جامعة أريئيل" خلال الفترة القريبة: الأول ـ إقامة 12 بناية جديدة "تخصص للبحث والتعليم"، بتكلفة تبلغ 400 مليون شيكل، بتمويل حكومي كامل. ويعني تنفيذ هذا المشروع مضاعفة مساحة الأرض الفلسطينية التي تقوم عليها هذه الجامعة الاستيطانية، تقريبا، من 60 ألف متر مربع اليوم إلى 104 آلاف متر مربع؛ والثاني ـ إقامة كلية لتدريس الطب (ستكون كلية الطب السادسة في الجامعات الإسرائيلية)، وذلك بتكلفة تبلغ 20 مليون شيكل، تبرع من شيلدون إدلسون، رجل الأعمال اليهودي ومالك صحيفة "يسرائيل هيوم"، الصديق المقرب من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولقاء ذلك، ستحمل هذه الكلية الجديدة اسم إدلسون وزوجته، مريم.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات