المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 983
  • هشام نفاع

مسألة الهوية، المرتبطة بالضجة على لافتات باللغة العربية، تناولتها الكاتبة إينس الياس في صحيفة "هآرتس" حيث رأت أن الخوف من العرب هو عمليا خوف من الشرقيين. واعتبرت أن "فضيحة اللافتات باللغة العربية قد كشفت عنصرية ليست موجهة نحو الجمهور العربي فقط".

 

وتشرح: إن الكثيرين منا (اليهود) ولدوا ناطقين باللغة العبرية ولكن من جهة أخرى ما حدث للشرقيين في إسرائيل مع اللغة العربية هو تصويرها كلغة غير مقبولة واعتبارها لغة أدنى بل محظورة ومهددة. وتقول إن المؤسسة الحاكمة ووكلاءها في إسرائيل عملوا على مدى عقود لجعل اليهود الشرقيين ينسون اللغة العربية من خلال إقصائها والتهكم عليها وخلق خوف منها إلى أن تحولت إلى لغة تمثل الإرهاب فقط. وما فعل الدعائيون جاء انطلاقا من هذه المعرفة واستغلالها. وهي تشير - بالإضافة إلى الوضع العام من حيث التعامل مع اللغة العربية - إلى أن هذه العدائية لا تقتصر على العرب، بل تطال اليهود الشرقيين أيضا. وتشير إلى أن من ظهروا كعنصريين وعدوانيين هم بالذات الشرقيون من المناطق الطرفية، في حين أن واضعي حملة الدعاية من منطقة مركز البلاد هم من استخدم اللغة في سياق الإرهاب والتخويف، لكنهم يتساذجون ويتحدثون بلهجة التعايش.

ترى الكاتبة أن الأمر يشبه شكل رؤية زعماء الدولة عند إقامتها ونظرتهم إلى اللغة العربية كلغة عدو فقط، انطلاقا من الصبوّ إلى عدم الاقتراب من الشرق الأوسط بل الذهاب نحو أوروبا والولايات المتحدة. وهي تقتبس يوسف الياهو الذي هاجر من العراق حين كان عمره 11 سنة، فيقول: "اللغة العربية هي لغة الأم، اللغة المحبوبة والمقبولة أكثر من غيرها، ولكن حين هاجرنا الى البلاد تعرضنا لغسيل دماغ لكي نتوقف عن التحدث باللغة العربية، ونتحدث باللغة العبرية فقط. لقد أرادوا أن نتحول إلى إسرائيليين، وردّا على ذلك التصق قسم من الناس باللغة العربية أكثر فأكثر، بينما اختار قسم كبير وضع كل شيء جانبا وعدم التماثل بالمرة مع اللغة العربية. لقد ادخلوا إلى رؤوسهم بأن العربية لغة عدو ولكن هذا خطأ".
وترى الكاتبة أن من ولدوا وتربوا داخل اللغة العربية باتوا مجبرين على نسيانها وإسكاتها والكف عن حبها لكي يكفوا عن حب العروبة والثقافة التي جاؤوا منها، والنتيجة هي أن أجيالا كاملة من الشرقيين لا يعرفون اللغة بل حتى يخافونها. وتشير الى أن الشرقيين اعتادوا في الماضي التواصل مع العرب في محيطهم باللغة العربية، ولكن بمرور الزمن ومع تعاظم القمع السلطوي والاجتماعي، اختفت اللغة العربية من الحيز العام. وتقتبس من الياهو أيضا: "لقد واصلنا التحدث باللغة العربية فيما بيننا إلى أن تعلمنا اللغة العبرية. كنا 30 او 35 طالبا في الصف، وكان بيننا اثنان أو ثلاثة فقط لا يتحدثون العربية. ولكن حين بدأت أتحدث العبرية تحدثت بالعبرية فقط، في البيت والمدرسة وفي كل مكان. نحن أنفسنا أردنا أن نتحول الى إسرائيليين ولذلك حاولنا أن نتحدث باللغة العبرية والتصقنا بها".

وهو يقول إنه حين وصل إلى الجيش فهم بأن اللغة العربية وأصوله العراقية مسألة إشكالية. ويذكر أن كثيرين كانوا يخجلون بأصلهم كشرقيين وامتنعوا عن التعريف بهذه الهوية. وكانت الفكرة السائدة أن من لا يتحدث الييديش أو العبرية فهو ليس يهوديا، و"لقد أخذوا النموذج الأوروبي وفرضوه علينا هنا".

الكاتبة تلخص بأن الحملة الصهيونية المسماة "أيها اليهودي تحدث بالعبرية" قد نجحت بما يفوق التوقعات. فالمحو التام للغة هو محو ثقافة كاملة وينتِج بالضرورة شعورا من الغربة نحو الثقافة واللغة، ومحاولات متكررة للإثبات بأن الشرقيين ليسوا آخرين، ليسوا عربا. لكن الياهو مقتنع بأنه يجب تعلم اللغة العربية في المدارس مثل اللغة العبرية ويقول: "نحن نعيش في هذا المكان، في الشرق الأوسط. والجميع حولنا يتحدث بهذه اللغة. يجب برأيي تعليم اللغة العربية كلغة ثانية والإنجليزية كلغة ثالثة. إن معنى اللغة هو أن يفهم أحدنا الآخر. في اللغة هناك كل شيء: العقلية المشابهة والثقافة. أنا اشعر بأننا نحن والعرب مرتبطون بهذه الثقافة وبهذه اللغة". وتقول الكاتبة من جهتها: العبرة الأساسية من هذه الحادثة هي أن ما يجب وضعه على الطاولة هو شكل التعامل والنظرة للغة العربية على أنها لغة عدو فقط. وهذا ما يجب تغييره قبل أي شيء آخر.

وزارة التعليم لا تعمل على تدريس العربية بتوجهات مدنية وثقافية

وفقاً لمعطيات وزارة التعليم من العام 2014 تم تطبيق واجب تدريس العربية في الصف العاشر، على 37 مدرسة فقط في أنحاء البلاد. عدد الطلاب الذين تقدموا لتأدية امتحان التخرّج (البجروت) في وحدة واحدة في نهاية 2012، كان 3947 طالبا فقط. أما في المدارس الإعدادية، فإن تدريس اللغة العربية غير موجود، ولا في المدارس الرسمية الدينية. ويمكن في عدد من المدارس الرسمية الاختيار بين العربية والفرنسية. في العام 2013 تقدم لتأدية امتحان الشهادة الثانوية العامة في خمس وحدات باللغة العربية، 2234 طالبا فقط، وهو عدد يكاد يساوي عدد الذين تقدموا في 2012.

يقول الباحث د. محمد أمارة في مقال بعنوان "تدريس اللغة العربية بين الطلاب اليهود في إسرائيل: من البعد الأمني إلى البعد المدني" (منشور على "موقع معهد فان لير") إن وزارة التعليم الإسرائيلية أنشأت الكثير من اللجان التي فحصت موضوع تدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية. ويضيف: نتائج عمل هذه اللجان، إضافة إلى عمل الأجهزة المهنية المختلفة ذات الصلة، تشير إلى أربعة عوامل أثَّرت ولا تزال على مسألة تدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية: أولاً: النقاش المحتدم بين مختصي التربية واللغويّين حول أية لغة عربية من الأفضل تدريسها، العامية أم الفصحى، ولا يزال هذا النقاش محتدماً إلى يومنا؛ ثانياً: مكانة اللغة العربية وصورتها السلبية في وعي الطلاب والمجتمع اليهودي ومواقفهم تجاهها؛ ثالثاً: الصراع العربي- الإسرائيلي وتأثيره على تعلّم اللغة العربية؛ رابعاً: الهوّة الكبيرة القائمة بين مكانة اللغة العربية الرسمية من جهة، والتعبير عن هذه المكانة في الحيّز العام من جهة أخرى، وفي الحالتين فإنَّ وضع اللغة العربية ضعيف جداً.

وهو يشير الى أنه "يمكن القول إنَّ هدف المؤسّسة الإسرائيلية من تدريس اللغة العربية ينبع بالأساس من اعتبارات أمنية وليس مدنية أو ثقافية، ليس للتعرّف على ثقافة الآخر، بل للتعرُّف على العدو. قال مفتّش للغة العربية صراحة في العام 1961 إنَّ دوافع تدريس اللغة في المدارس اليهودية نابعة من دوافع أمنية بالأساس. ولهذا السبب فقد دُرِّست العربية بشكل محدود جداً في المدارس اليهودية، كما أنَّ تدريسها كان اختيارياً حتى العام 1986، والمفارقة في الأمر هو أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحديداً هي التي لعبت الدور الرئيس في الدفع باتجاه ضرورة تدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية لحاجتها للكوادر المهنية التي تقرأ وتفهم اللغة العربية. أما وزارة التربية والتعليم فإنّها لم تولِ أهمية إلى تدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية ولا إلى تدريسها بصورة مناسبة وإيجابيّة".

ويلخّص أنه "بالمجمل، ليس هنالك مناخ مدني في إسرائيل يتيح المجال للحديث عن العرب أو الثقافة العربية أو حتى اللغة العربية بصورة إيجابية، بل يهيمن المنظور الأمني على هذا المناخ والخطاب والتوجّهات، الأمر الذي ينعكس سلباً كذلك على تصوّر وتوجّه الطلاب اليهود. لهذا فإنَّ مساعي وزارة التعليم الإسرائيلية من أجل تحسين تدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية، عبر استغلال الأدوات الإدارية أو إدخال إصلاحات بنيوية أو تنظيمية، لن تجدي نفعاً في ظلّ هيمنة المناخ المعادي السائد للثقافة العربية. فالمسألة ليست مجرد إصلاحات بنيوية أو إدخال لوائح جديدة، بل يتعلّق الأمر بالثقافة الأمنية التي تسيطر على جلّ تناول المجتمع الإسرائيلي برمّته حيال اللغة العربية".

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, معهد فان لير, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات