من المفترض أن يبحث ويقر الكنيست الإسرائيلي خلال هذا الأسبوع ما يُعرف باسم "قانون البقالات"، الذي يهدف إلى تشديد أنظمة حظر فتح المصالح التجارية أيام السبت، داخل المدن والأحياء اليهودية، وخاصة تلك التي تبيع المواد الغذائية أو الأطعمة، التي مجرد فتح أبوابها أيام السبت يعني تلقائيا أنها خارج نظام "الحلال اليهودي".
وهذا القانون هو أحد نقاط الأزمة التي يواجهها الائتلاف الحاكم، بسبب موقف حزب "يسرائيل بيتينو" المعارض للقانون، وبذلك يُضعف الائتلاف أمام الهيئة العامة للكنيست. وتضغط الكتل الدينية الثلاث، ومعها حزب "الليكود"، من أجل سن هذا القانون، كي تحفظ سلامة واستمرار عمل الائتلاف، ولكن من ناحية أخرى، فإن هذا القانون يدل على وجهة إسرائيل المستقبلية، إذ إنها مرشحة لتشديد قوانين الإكراه الديني أكثر، وهذا يقلق الجمهور العلماني الواسع.
ورأت ميراف أرلوزوروف، المعلقة البارزة في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية (تابعة لـ"هآرتس")، أن الطوشة الألوهية حول مسألة العمل في أيام السبت وصلت إلى حد فكّر فيه وزير الداخلية آرييه درعي باستنفار واستدعاء عضو الكنيست يهودا غليك (الليكود)، من أيام الحزن الذي هبط عليه بموت زوجته، كي يشارك في التصويت المصيري في الكنيست على "قانون البقالات". واضطر درعي للاعتذار عن هذا لاحقا، ولكن كحجم الغرابة في الصراع حول قانون البقالات، هكذا حجم اللافائدة من هذا القانون.
وأضافت: المعطيات الجديدة للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية تدل على أن القانون لن يزيد ولن ينقص تقريبا أي شيء من كل ما يتعلق بالعمل أيام السبت، تماما كما هي الحال في تعديل قانون ساعات العمل والراحة، الذي لن يترك أي أثر على الوضع القائم. وهذه المعطيات التي جمعها الدكتور شوكي فريدمان، والمحامي غلعاد فاينر، والتي استندت على استطلاع اجتماعي أجراه مكتب الاحصاء المركزي في العام قبل الماضي 2016، تكشف مشهدا مفاجئا حول حجم العمل أيام السبت في إسرائيل. أولا، فإن 4ر16% من الإسرائيليين يعملون أيام السبت، والعدد الاجمالي 620 ألفا، ولكن المفاجأة أن غالبيتهم الكبيرة هم من اليهود- 400 ألف يهودي، يشكلون 13% من القوة العاملة اليهودية.
وخلافا للانطباع السائد، لا يجري الحديث عن عمال مستضعفين، يعملون أيام السبت بشكل استغلالي. على العكس، فإن العمال ينقسمون بشكل متساو تقريبا، بين الشرائح المجتمعية العشرة، من الأضعف حتى الأكثر ثراء. فـ 19% من العاملين الذين يتقاضون راتبا غير صافي أعلى من 14 ألف شيكل، يعملون أيام السبت. ولدى من يتقاضون أكثر من 21 ألف شيكل، فإن نسبتهم هي 18%. بينما تهبط النسبة إلى 17% لدى العاملين الذين معدل راتبهم أقل من 5 آلاف شيكل. وبشكل عام، فإن النسبة مرتفعة لدى العمال في أماكن عمل منظمة وفيها لجان عمال، إذ تصل نسبتهم إلى 18%، بينما لدى العمال غير المنظمين هي 14%، والمستقلين 19%، في حين أن نسبة اجمالي الأجيرين الذين يعملون أيام السبت بلغت 16%.
ولا يجد د. فريدمان والمحامي فاينر تفسيرا لهذه التوزيعة في النسب المئوية، لكنهما يعتقدان أن العمل بين أصحاب الرواتب العالية، هو من طرف الذين لا يحافظون على التقاليد الدينية، ما يساعدهم على العمل أيام السبت. ولربما هناك تفسير آخر، وهو أنه بما أن الراتب أيام السبت أعلى، فإن هذا يساهم في رفع معدلات الرواتب. أضف إلى هذا، أنه بالذات لدى العمال المنظمين، فإن عملهم في أيام السبت نابع من تصاريح خاصة للعمل أيام السبت، أعطيت لقطاعات عمل، مثل الصحة والتمريض وغيرهما.
وعلى هذا الأساس، تتابع المعلقة، وجدنا أن العدد الأكبر للعاملين أيام السبت هم في قطاع الصحة، إذ بلغ عددهم 86 ألفا. ويليهم العاملون في الفندقة والمطاعم ومرافق الطعام والتجارة. فالنسبة الأعلى من العاملين أيام السبت، 5ر47%، هي في قطاع الفنادق والطعام. بينما النسبة في قطاع الفنون والترفيه- 38%، والقطاع الثالث هو قطاع المساعدات وخدمات الطوارئ، إذ تصل النسبة إلى 25%.
ويقسم العمل أيام السبت إلى ثلاثة أنواع، الفرعان الأولان قانونيان، ويعمل فيهما العاملون أيام السبت استنادا إلى تصاريح عامة قدمت لقطاعي عملهم، بقصد قطاعي الصحة والفندقة. أما التصاريح التي قدمت بشكل عام، وليس لمؤسسة خاصة، فهي لأجهزة الأمن على أنواعها، والفنادق والطعام، والعمل مع الحيوانات، والكُنس (جمع كنيس)، ومنقذي السباحة. وبالمجمل، فهم 400 ألف عامل يهودي، من بينهم 250 ألفا يعملون بناء على تصريح عام، والباقي لديهم تصريح فوري عيني، وفي كل الأحوال يتم دفع أجر اضافي على العمل أيام السبت. وللتوضيح، فإن جميع التصاريح للعمل أيام السبت في هذه القطاعات صدرت في سنوات الخمسين. ومنذ العام 1961 لم يتم اصدار أي تصريح عام آخر للعمل أيام السبت، وهذا بطبيعة الحال بسبب القوة المتنامية للمتدينين في السياسة، ما يمنع اصدار تصاريح أكثر للعمل أيام السبت.
وحينما ضاق الأمر أمام الدولة، شرعت في اصدار تصاريح عمل خاصة لشركة محددة، يصدرها وزير العمل والرفاه، استنادا لقانون ساعات العمل والراحة. فالأعمال في شركة الكهرباء، أو الأعمال التي هي موضع خلاف في شبكة القطارات، تتم بناء على تصاريح عينية ومحددة، تحصل عليها الشركتان من وزير العمل. وبلغ عدد العاملين في الشركتين 10700 عامل.
وهذا التصريح لشركة الكهرباء وسلطة القطارات هو موضع خلاف، بالذات بسبب أعمال الصيانة أيام السبت. والتعديل في القانون يحدد أنه منذ الآن، بمقدور وزير العمل أيضا أن يأخذ بالاعتبار الحفاظ على قدسية السبت، حينما سيسحم قراره بشأن منح تصريح أم لا، وليس فقط لاعتبارات اقتصادية وأمنية.
وبحسب تحليل المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإن هذا يظهر وكأنه تعديل ذو شأن، ولكن ليس هذا هو الحال. فتعديل القانون يسري على 11 ألف عامل من أصل 400 ألف عامل يهودي يعملون أيام السبت، وفي كل الأحوال فإن اعتبارات السبت التي سيأخذها وزير العمل بالحسبان لدى اصدار قراره لن تغير الكثير من الوضع القائم، فللجميع واضح أن سلطة القطارات وشركة الكهرباء ملزمتان بالعمل أيام السبت، ولهذا لا يبدو أنه سيطرأ تغيير جوهري في الوضع القائم.
والفئة الثالثة من العمال الذين يعملون في أيام السبت، هي الفئة المتنامية بسرعة في السنوات الأخيرة، وهم العاملون في التجارة وحوانيت البقالة، الذين يعملون أيام السبت بشكل غير قانوني. وبتقديرات المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، يجري الحديث عن 150 ألف عامل، يتجاوزون القانون مرتين، فأولا هم لم يحصلوا على تصاريح عمل، بموجب قانون ساعات العمل والراحة، وثانيا أن المصلحة التجارية التي يعملون فيها لم تحصل هي أيضا على تصريح بالعمل أيام السبت، وبشكل يخرق القانون المساعد البلدي، الذي يحظر العمل إلا إذا صدر قرار يبطل مفعول قرار الحظر.
وتعديل القانون الذي بسببه كان يجب استنفار واستدعاء عضو الكنيست يهودا غليك، متعلق فقط بالمخالفة الثانية، المتعلقة بفتح المصلحة التجارية، ومن أجل منع خرق القوانين البلدية المساعدة، لمنع فتح أبواب المصالح التجارية أيام السبت. ويقضي التعديل المقترح لقانون البقالات أنه منذ الآن لن تستطيع أي بلدية السماح بفتح المحال التجارية أيام السبت، من خلال قوانين بلدية مساعدة، إلا إذا حصل القانون على مصادقة وزير الداخلية، الذي بطبيعة الحال لن يسمح به.
إلا أن هذا اجراء سياسي حزبي، لأنه لا يوجد لأي بلدية في إسرائيل قانون مساعد يتيح فتح المصالح التجارية أيام السبت. والمدينة الوحيدة التي لديها قانون كهذا هي مدينة تل أبيب، والآن، وبالذات بسبب هذا القانون، تسارع مجالس بلدية لسن قوانين مساعدة، تسمح بفتح مصالح تجارية، قبل أن يتم اقرار القانون نهائيا في الكنيست، ويدخل إلى حيز التنفيذ.
إذن لا توجد لأي بلدية قوانين مساعدة تتيح فتح المحال التجارية أيام السبت، فكيف حصل هذا النمو في عدد المصالح التجارية التي تعمل أيام السبت، وأن يصل عدد العاملين في هذه المحال إلى 150 ألف عامل أيام السبت؟ الجواب لأن القوانين المساعدة في البلديات التي تحظر فتح المصالح أيام السبت لا يتم فرضها، بسبب اهمال مقصود في تلك المدن والبلدات.
ويدل بحث أجراه معهد الأبحاث في الكنيست، في العام 2014، على أن ثلثي البلديات فقط لديها قوانين مساعدة تتعلق بالعمل أيام السبت، وفقط نصف هذه البلديات، بمعنى الثلث من اجمالي البلديات، تعمل على تطبيق ومراقبة تطبيق هذه القوانين، ولكن أيضا بتساهل كبير، إذ منذ العام 2008 وحتى العام 2013، صدرت 36 ألف مخالفة، في 12 بلدية، ونصف هذه المخالفات صدرت عن بلدية واحدة، التي هي الوحيدة التي لديها قانون مساعد يتيح فتح بعض المحال التجارية، والقصد بلدية تل أبيب.
وتختم أرلوزوروف: إن هذه المعطيات تدل على أن الحُكم المحلي يفضل كنس مسألة العمل أيام السبت، إلى ما تحت السجادة، إذ لا توجد قوانين بلدية، وإن وجدت فهي لا تطبق بالشكل الكافي، ولذا فإن هذا القانون هو لغايات حزبية، فوزير الداخلية بإمكانه الغاء القوانين البلدية إن وجدت، ولكن لن يكون من يطبق هذا ميدانيا. ولو أرادت الدولة فعل شيء من دون تعديل القانون، لكانت منحت الصلاحيات لوزير العمل. ولكن فحصا أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، بيّن أن وزارة العمل أصدرت في العام 2016 كله، 28 مخالفة بسبب تشغيل عمال أيام السبت، بمعنى ليس بسبب فتح المصالح، التي هي ليست من صلاحية هذه الوزارة. بناء على هذا الوضع، فإن "الطوشة الألوهية" حول العمل أيام السبت تبدو حامية، لكنها ليست أكثر من مناورة حزبية.