أظهر تقرير جديد لمركز "ماكرو" الاقتصادي الإسرائيلي أن الصرف الحكومي الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين، في كافة مجالات الحياة، يتجاوز ضعفي نسبتهم من بين اجمالي السكان في إسرائيل. وهذا يبرز بشكل خاص في البناء الحكومي في المستوطنات، إذ كانت حصتها في العام الماضي 2ر10% من اجمالي البناء الحكومي، بينما نسبة المستوطنين 5ر4% من اجمالي السكان في إسرائيل، وهذه النسبة لا تشمل المستوطنين في الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة.
وحسب احصائيات نشرت مؤخرا، فإن عدد المستوطنين في الضفة المحتلة بات يلامس 400 ألف مستوطن، ويضاف اليهم 210 آلاف مستوطن في القدس المحتلة منذ العام 1967، وبذلك يكون عدد المستوطنين الاجمالي 610 آلاف مستوطن.
وقد أصدر مركز "ماكرو" هذا الأسبوع تقريره السنوي عن الصرف الحكومي الرسمي على المستوطنات، استنادا لمعطيات العام الماضي 2016، وتبين كما ذكر أن حصة المستوطنات من اجمالي البناء الشعبي الحكومي، بلغت 2ر10% من اجمالي البناء في العام الماضي، وأنه منذ العام 1998 وحتى العام الماضي كانت حصة المستوطنات 5ر23% من اجمالي البناء.
كما توظف حكومة الاحتلال ميزانيات وموارد أكثر لبناء "مبان عامة" في المستوطنات، فمنذ العام 1995 وحتى العام الماضي كان 36% من البناء الحكومي في المستوطنات "مبان عامة"، بينما النسبة في جنوب البلاد، التي تعاني من ظروف اقتصادية اجتماعية أسوأ من باقي المناطق، 5ر28%، وهذا يدل على التفضيل الكبير للمستوطنات والمشروع الاستيطاني بشكل عام في توزيع الموارد العامة.
ويتضح أيضا أن مشروع البناء الشعبي، الذي أطلقه وزير المالية موشيه كحلون، ويتضمن بناء عشرات آلاف البيوت بأسعار أقل لحد ما من أسعار السوق، يشمل ثلاث مستوطنات كبيرة، هي "معاليه أدوميم" الجاثمة في شرقي القدس المحتلة، وغفعات زئيف شمالي القدس، و"بيتار عيليت" غربي مدينة بيت لحم والتي تضم مستوطنين من التيار الديني المتزمت "الحريديم".
كما يتضح من التقرير أن حجم البناء السكني في مستوطنات الضفة من دون القدس، تضخّم منذ العام 1998 وحتى نهاية العام الماضي بنسبة 120%، وارتفع حجم "المباني العامة" في الفترة ذاتها بنسبة 37%، والأبنية الاقتصادية بنسبة 23%.
ويقول مدير عام مركز "ماكرو" د. روبي روبينزون إن النشاط الاقتصادي والتشغيلي للغالبية الساحقة من المستوطنين في مستوطنات الضفة هو بالأساس داخل الخط الأخضر، وإن الحكومة تقيم بنى تحتية، أي شبكات شوارع ومواصلات، من أجل ربط المستوطنين بمركز البلاد، أي منطقة تل أبيب الكبرى.
ويعتقد روبينزون أن القيود التي تفرضها أوروبا على الصادرات ووضع علامات على إنتاج المستوطنات، تنعكس على حجم الاستثمارات الاقتصادية داخل المستوطنات، بمعنى نقل نشاط اقتصادي حيوي إلى داخل إسرائيل. ويشدد روبينزون على أن معطيات التقرير تؤكد أن الصرف على مستوطنات الضفة لم يتغير جوهريا، وأن الفجوات بين حجم الصرف على المستوطنين والمستوطنات وبين حجم الصرف على الجمهور العام والبلدات في إسرائيل تتسع باستمرار، وقال "إن هذا يجب أن يضيء ضوءا أحمر لمن يسعى إلى توزيع عادل للموارد بين جميع السكان في كافة المناطق".
وفحص التقرير حجم الصرف الحكومي على المجالس البلدية والقروية بشكل عام ليتأكد مجددا أن الصرف على المستوطنات هو الأعلى. إذ يتبين أن الصرف بالمعدل على المستوطن الواحد أعلى بنحو 340 شيكلا (96 دولارا) مما يصرف على المواطن في بلدات صحراء النقب، وهي المنطقة التي فيها اعلى نسب الفقر وأسوأ الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، مقارنة مع باقي المناطق. كما أن الصرف على المستوطن أعلى بنحو 740 شيكلا (210 دولارات)، مما يصرف على المواطن في منطقة الجليل شمالا، والتي تبعد أكثر عن وسط البلاد، ما يستوجب صرفا أكثر عليها.
ويتضح في هذا الشأن أن الصرف على مستوطنات التيار الديني الصهيوني كان بحجم 44% من اجمالي موازنة كل مجلس مستوطنة، بينما في مستوطنات الحريديم كانت النسبة 30%، وفي الحالتين الصرف أعلى من باقي المناطق، إلا أن تفضيل التيار الديني الصهيوني واضح، وهو التيار المهيمن على المستوطنين ككل وعلى حكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة بالذات.
ويشير تقرير "ماكرو" إلى تقرير المحاسب العام للدولة، الذي أشار إلى أن الصرف على المستوطن الواحد هو ضعفا الصرف على المواطن في إسرائيل. أما الصرف على ما يسمى "المستوطنات الصغيرة النائية"، والقصد الواقعة شرقي جدار الاحتلال، فتصل إلى ثلاثة أضعاف ما يصرف على المواطن في إسرائيل.
وتؤكد التقارير الصادرة تباعاً على أن حكومات بنيامين نتنياهو الثلاث الأخيرة دأبت وما تزال على توسيع وتكثيف المستوطنات الصغيرة والتي تعد "نائية" كونها تقع شرقي جدار الاحتلال في الضفة، على الرغم من مزاعم الحكومات الإسرائيلية على مر السنين أنها مستوطنات مُعدّة للإخلاء في مرحلة الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني.
وكانت دراسة أميركية صدرت في شهر أيلول الماضي قالت إن أعداد المستوطنين في المستوطنات "الصغيرة" القائمة شرقي جدار الاحتلال قد ارتفعت في السنوات الثماني الأخيرة بنسبة 30%، وبات عددهم حاليا يزيد عن 94 ألف مستوطن. وتستنتج الدراسة أن أعداد المستوطنين في تلك المستوطنات ما زال من الممكن السيطرة عليها وأن 94 ألفا لن يكونوا عائقا أمام اقامة كيان فلسطيني.
ورأى تقرير "ماكرو" أيضا أن المستوطنات حصلت في العام الماضي 2016، على نسبة 3ر12% من اجمالي ميزانيات الدعم للمواصلات العامة. في حين أنه في العام الماضي تم ضم 30 مستوطنة لتسهيلات ضريبية اضافية غير القائمة، وهي التسهيلات المخصصة لبلدات شمال البلاد، أو ما يسمى "بلدات عند خط المواجهة"، والقصد حدودية.
وأظهر التقرير أن ميزانيات الدعم لجهاز التعليم، وخاصة جهاز التعليم الديني، ارتفعت في العام الماضي 2016، بنسبة 14%، مقارنة مع ما تم صرفه في العام 2015، وهذه ميزانيات اضافية عدا الصرف العام على جهاز التعليم. وفي هذا السياق أظهر التقرير أن 45% من طلاب مدارس المستوطنات في العام الماضي كانوا من "الحريديم"، و39% من التيار الديني الصهيوني، ما يدل على تنامي اعداد المستوطنين من الحريديم".
ويتزامن هذا التقرير مع أنباء صدرت هذا الأسبوع تؤكد أن حكومة الاحتلال بدأت في الأيام الأخيرة بإجراءات تهدف إلى مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية في الضفة لغرض شق شوارع جديدة نحو 13 بؤرة استيطانية، بهدف تثبيتها وتحويلها إلى مستوطنات دائمة. وهذه الإجراءات تستند إلى قرار في المحكمة العليا صدر في الأيام الأخيرة، ومن شأنه أن يمهد لتبرير وتثبيت قانون سلب ونهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة.
وبدأت الاجراءات بـ "وجهة نظر قضائية" أصدرها المستشار القانوني لحكومة الاحتلال أفيحاي مندلبليت، تقضي بأنه يسمح بمصادرة اراضي فلسطينية لما يسمى "الاحتياجات العامة في المستوطنات"، ومن شأن القرار أن يدفع نحو تثبيت 13 بؤرة استيطانية في الضفة. ويستند مندلبليت في موقفه إلى قرار أصدره قبل ثلاثة أسابيع القاضي سليم جبران، في المحكمة العليا الإسرائيلية، واعتبر المستوطنين "مواطنين محليين في الضفة"، وعليه يجوز لحكومة الاحتلال مصادرة أراض لصالحهم.
ويقول المختص الإسرائيلي بشؤون الاستيطان درور إتكيس، من الجمعية السلامية "كرم نبوت"، إن "شرعنة" مصادرة الاراضي لصالح البؤر الاستيطانية، من شأنها أن تقود إلى "شرعنة" مئات البيوت الاستيطانية، التي أقيمت على أراض فلسطينية بملكية خاصة. وقال إن "محاولة مندلبليت الناجحة لشرعنة نظام سرقة الأراضي المتشعب تكشف مثلما هي الحال في قانون التسوية، عن أبعاد سرقة الاراضي التي يقف مشروع الاستيطان عليها. وبصورة طبيعية بعد خمسين سنة على مشروع السرقة هذا فإن إسرائيل الرسمية كفت عن الخجل منه وأصبحت تتبناه تدريجيا كسياسة رسمية".