المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1086

يلاحظ المتابع للمشهد الإسرائيلي العام أن من أبرز الأحداث والتطورات الحاصلة عليه في الفترة الأخيرة، هو الاتساع والتصاعد المتسارعان في ساحات ولهجات الحرب المنهجية التي يشنها اليمين الإسرائيلي على مؤسسات الدولة ومفاصلها المختلفة، منذ بضع سنوات، في محاولة منه لتخويفها وثنيها عن أية مواقف وآراء تنتقد حكومة اليمين عامة، ورئيسها خاصة، أو حتى مجرد أنها تختلف مع سياسة اليمين وتعارضها، إذ تنهال على أصحابها بالتشكيك الفوري والمباشر بانتمائهم، اليهودي أو الإسرائيلي أو كليهما معا، والتشكيك بـ"وطنيتهم" و"إخلاصهم"، سعياً إلى محاصرة هذه المواقف ثم السيطرة عليها، فعليا ومعنويا، وإخضاعها لإرادته ونزعاته السياسية، كجزء من تطبيقه الشعار المركزي القائل: "اليمين فاز بالحكم، ولليمين أن يحكم"!

 

وتتولى هذه المهمة ـ شن هذه الحرب وإدارتها ـ جملة من الأذرع، السياسية والقانونية والأمنية والأكاديمية والإعلامية، التي يشكل نشاطها المكثف خلال السنوات الأخيرة أحد أبرز السمات المميزة للمشهد الإسرائيلي العام في عهد حكومتيّ اليمين الأخيرتين، الحالية والسابقة، على وجه التحديد.

ويشكل موقع "ميداه" اليميني المحافظ أحد أبرز هذه الأذرع، في المجال الإعلامي، وهو الموقع الذي أنشأه في أيلول 2012، ران بارتس، مسؤول مجال الإعلام السابق في ديوان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بهدف "طرح معلومات، مواقف وتحليلات من وجهة نظر قومية ومحافِظة، غير تلك الشائعة في الخطاب السائد في وسائل الإعلام في إسرائيل"، كما ورد في تعريف الموقع لنفسه، على شبكة الانترنت.

في إطار حربه المتواصلة هذه، نشر موقع "ميداه" الأسبوع الماضي ثلاثة مقالات خصصها للهجوم على ثلاث "بؤر معادية وتآمرية" (بتصوير معارضتها، أو حتى معاداتها، لحكومة اليمين وسياساتها وكأنها معارضة، بل معاداة، لدولة إسرائيل وشعبها!)، يطرح الموقع تساؤلات وتشكيكات حول شرعيتها وشرعية وجودها، لينتقل بالتالي إلى التحريض السافر والمباشر وتأكيد "ضرورة التحرك الفعلي" و"اتخاذ خطوات عملية" ضدها، وهي: التلفزيون الاجتماعي، المستشار القانوني للكنيست وحركة "الليكوديون الجدد".

التلفزيون الاجتماعي ـ "جمعية يسارية متطرفة"!

عنوان المقال عن التلفزيون الاجتماعي، الذي كتبه غلعاد تسفايك (31/10)، قد يقول الكثير، إن لم يكن كل شيء: "التلفزيون الاجتماعي: شرعية للمخربين ودعوة إلى حق العودة، بتمويل حكومة إسرائيل"، موضحاً في العنوان الفرعي: "وزارة الاتصالات تحوّل، كل سنة، مئات آلاف الشواقل إلى التلفزيون الاجتماعي الذي يدعم المخربين والمتهربين. قريبا، ستنظر وزارة الاتصالات بالدعم مرة أخرى".

"التلفزيون الاجتماعي" هو ـ كما يعرّف نفسه بنفسه ـ "منظمة للتغيير الاجتماعي، يعمل كوسيلة إعلام مدنية مستقلة من أجل إعلاء وترويج أجندة اجتماعية في إسرائيل". وهو موقع انترنت تأسس في العام 2006 ويشكل، في الواقع، منصة مشتركة لتشكيلة واسعة من التنظيمات اليسارية، الاجتماعية والسياسية، المختلفة في إسرائيل، يشجع المواطنين على المساهمة الفعالة في إنتاج أشرطة مصورة ذات مضامين اجتماعية ونشرها على الشبكة.

يستهل كاتب المقال باقتباس عن "فتيات وفتيان أبناء 13- 17 عاما يتحدثون عن حق العودة"، مما ورد في أحد الأشرطة المصورة التي أعدّها وبثها التلفزيون الاجتماعي ليثبت الكاتب، من خلالها، أن "هذه الدعاية الفلسطينية ليست مأخوذة من قنوات تابعة لحركة حماس أو لتنظيم حزب الله، ولا حتى من التلفزيون الفلسطيني الرسمي، بل بُثَّت هنا في إسرائيل، ضمن برامج التلفزيون الاجتماعي"، الذي يعرّفه (التلفزيون) بأنه "جمعية يسارية متطرفة". ويضيف أنه "كي تستطيع هذه الجمعية اليسارية المتطرفة بث هذه المضامين، فقد حظيت بدعم حكومي بمبلغ 220 ألف شيكل خلال السنتين الأخيرتين"! وبينما أوضحت وزارة الاتصالات أنها تمنح التلفزيون الاجتماعي هذه الامتيازات من أجل "التعبير عن تشكيلة منوعة من المضامين والنشاط الاجتماعي" ـ كما يقول ـ إلا أن "هذه المنظمة تستخدم هذه الأموال، فعليا، لإسباغ الشرعية على "المخربين"، لإشاعة الكراهية بين المشاهدين ضد المستوطنين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، لدعم المتهربين من تأدية الخدمة العسكرية في الجيش (الإسرائيلي)، لدعم المتسللين (أي: لاجئي العمل الأفارقة) في جنوب تل أبيب وتصوير إسرائيل وكأنها مجرمة حرب"!

يستعرض كاتب المقال بعض التقارير المصورة التي أعدها وبثها "التلفزيون الاجتماعي" والتي تؤكد ـ بحسب رأيه ـ "توفير هذه المنظمة منصةً واسعة جدا للمواقف المتطرفة الأحادية الجانب التي تعكس، فقط، الأطراف الأكثر يسارية على الخارطة السياسية الإسرائيلية" (!)، منوها إلى أن هذه (التقارير) "ليست إلا جزءا بسيطا فقط من المضامين التي تنتجها وتروجها هذه المنظمة"! مع تشديده على أن "نشاط هذه المنظمة يجري في مستويين اثنين: الأول ـ إعداد ونشر أشرطة مصورة كثيرة، بواسطة الانترنت فقط. وهذه لا تحظى بأي دعم من وزارة الاتصالات، "على الورق على الأقل"، كما يسجل! والثاني ـ أشرطة يتم بثها عبر شبكات البث بالكوابل والأقمار الاصطناعية في إسرائيل، وخاصة شركتي "هوت" و"يس" (وهو ما بدأ في العام 2015) ـ وهذه هي المضامين التي يحصل التلفزيون الاجتماعي على المعونات المالية الحكومية لإنتاجها"!

من بين التقارير المصورة التي يستخدمها الكاتب "دليلاً قاطعاً" على ما يذهب إليه بشأن كون التلفزيون الاجتماعي "جمعية يسارية متطرفة"، تقرير بُثّ في شهر تموز الأخير حول "مبادرة شبان عرب من أم الفحم لتحقيق حق العودة"، من خلال "زيارات يقومون بها إلى قرى مدمرة ومهجَّرة وإلى مخيمات للاجئين الفلسطينيين، يدرسون تاريخ نكبة شعبهم، بل ويبنون نماذج لبلدات جديدة تُقام لتطبيق حق العودة، فعليا، لأبناء شعبهم". ويعقب الكاتب فيقول: "صحيح أن هؤلاء الشبان من أم الفحم يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية، لكنهم يبدون كأكثر الفلسطينيين تعصباً وطنياً، ينهضون مثل رجل واحد لإنشاد "النشيد الوطني" الفلسطيني، يبدون موافقة تامة على ما تقوله إحدى الفتيات المشاركات في التقرير عن أن تحقيق حق العودة ليس ممكنا فقط، بل حتمي أيضا"!

تقرير آخر يورده الكاتب ضمن "أدلته الدامغة" على ما يقول هو التقرير الذي خُصص لقراءة رسائل من أسرى سياسيين فلسطينيين ("مخربين"، بوصف الكاتب!) يقبعون في السجون والمعتقلات الفلسطينية. ويقول: "على الرغم من كونهم مخربين مُدانين قضائيا، بعضهم أيديه ملوثة بدماء مواطنين إسرائيليين، إلا أن التلفزيون الاجتماعي اختار أن يطلق عليهم اسم "السجناء السياسيون"، خلال أمسية أقيمت في مسرح يافا، شكلت أحد النشاطات التي أدت إلى الشروع في إجراءات إلغاء ميزانية هذا المسرح، بموجب قانون النكبة"! وأضاف أن "المستشار القانوني لوزارة المالية كان قد أقر بأن "إحدى هذه الرسائل، على الأقل" (من التي قُرئت خلال الأمسية) تتضمن ما يمكن أن يشكل تحريضا على العنف والإرهاب وتأييدا للمقاومة المسلحة أو لأعمال إرهابية ضد دولة إسرائيل"!!
وأورد الكاتب تقريرا آخر من تقارير التلفزيون الاجتماعي خُصص لدعم الشاعرة دارين طاطور، ابنة قرية الرينة الجليلية التي تُحاكَم بتهمة "التحريض على العنف ودعم تنظيم إرهابي"! ويستعين الكاتب، هنا أيضا، برأي المستشار القانوني لوزارة المالية الإسرائيلية الذي يقول إن ما تضمنه هذا التقرير "يمكن أن يُعتبر تحريضا على العنف والإرهاب أو تأييدا للمقاومة المسلحة أو لأعمال إرهابية ضد دولة إسرائيل"!
ويعرض الكاتب مجموعة من التقارير التي بثها التلفزيون الاجتماعي حول رفض ورافضي الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ويعتبرها "مضامين تشجع على رفض الخدمة العسكرية، وهو ما يمكن اعتباره خطا أحمر لا يجوز القبول به أو الصمت حياله"، ثم ينتقل إلى "المضامين المتطرفة التي ينشرها التلفزيون الاجتماعي على موقعه على الانترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ـ وهي مضامين تدعو إلى التجند والمشاركة في مظاهرات عنيفة ضد قوات الأمن (الإسرائيلية)، كتلك التي تجري في النبي صالح، والتي أصيب خلالها جنود جراء رشقهم بالحجارة والزجاجات الحارقة"! ويضيف الكاتب إلى ذلك، أيضا، "سعي هذه المنظمة (التلفزيون الاجتماعي) إلى دعم وتشجيع حركة المقاطعة ضد إسرائيل"، مدللا على ذلك بـ"توقيع التلفزيون الاجتماعي على رسالة المنظمات اليسارية المتطرفة التي دعت المجتمع النرويجي، في العام 2009، إلى مقاطعة إسرائيل... ثم عرض (التلفزيون الاجتماعي)، في 2014، محاضرة للمؤرخ المتطرف إيلان بابه الذي يدعي بأن إسرائيل نفذت "تطهيرا عرقيا" ضد الفلسطينيين إبان حرب الاستقلال، علاوة على كونه (بابه) أحد المؤيدين المتحمسين البارزين لحركة المقاطعة ضد إسرائيل"!

ويشير الكاتب إلى أن جمعية "الصندوق الجديد لإسرائيل" قد أوقفت، خلال السنوات الأخيرة، الدعم المالي الذي كانت تقدمه للتلفزيون الاجتماعي (والذي بلغ نحو 860 ألف شيكل خلال السنوات 2008- 2014)، وذلك جراء موقف التلفزيون الاجتماعي المؤيد للمقاطعة ضد إسرائيل، وهو ما يرفضه حتى الصندوق الجديد لإسرائيل"، كما يؤكد الكاتب.

إمعاناً منه في تأكيد الصورة التي يرسمها للتلفزيون الاجتماعي وفي تصعيد التحريض عليه، يشير الكاتب إلى أن "العضو الأبرز في المجلس الشعبي للتلفزيون الاجتماعي هو البروفسور نوعام تشومسكي" الذي "التقى حسن نصر الله والزعيم الروحي لحزب الله، حسين فضل الله، وأبدى تأييده لحق التنظيم الإرهابي الشيعي في حيازة السلاح"! ثم يضيف: "وعضو بارز آخر في المجلس الشعبي لهذا التنظيم هو البروفسور غادي الغازي من جامعة تل أبيب. قبل نحو سنتين، مع اندلاع موجة إرهاب السكاكين الفلسطينية، ألقى الغازي خطابا في تأييد الفلسطينيين وشيطنة إسرائيل وحكومتها (!)... فقد وصف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه "مهرّج خطير" وبأنه "ألعوبة في أيدي المستوطنين"، كما عارض إخراج الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) خارج القانون واعتبر أن "الصهيونية دمرت أرض إسرائيل" وأن السلام بين اليهود والعرب سيتحقق فقط بـ"عودة اللاجئين" و"إنهاء التفوق اليهودي""!!

سرّ التوقيت

لماذا يوقّت الكاتب مقاله التحريضي هذا الآن، بالذات؟ ولماذا يحرص الموقع (ميداه) على نشره الآن؟ ـ لأن "مجلس البث بالكوابل والأقمار الاصطناعية سينظر، خلال الأيام القريبة، بمنح هذه المنظمة مساعدة إضافية بمبلغ مئات آلاف الشواكل"!
يقول الكاتب: "قريبا سنعرف ما إذا كان وزير الاتصالات أيوب قرا (الليكود) سيواصل إرغام مواطني إسرائيل على تحويل مئات آلاف الشواكل إلى جسم ينقش على رايته شعارات تأييد التهرب ورفض تأدية الخدمة العسكرية، شرعنة الإرهاب وتشجيع حق العودة"!

خصخصة الدائرة القانونية في الكنيست

في الحرب ضد شخص المستشار القانوني للكنيست، إيال يانون، بذريعة "وضْع نفسه، وليس للمرة الأولى فقط، في خدمة منظمات اليسار المتطرف وضد أعضاء الكنيست" (!)، لا يتورع اليمين المحافظ عن الدعوة إلى نسف دائرة الاستشارة القانونية كلها في الكنيست عن طريق خصخصتها، كما أعلن عنوان المقال الذي كتبه زيف ماؤور ونشره موقع "ميداه" (31/10): "آن الأوان لخصخصة الدائرة القانونية في الكنيست"!

القشة الأخيرة التي قصمت ظهر كاتب المقال خاصة، وجناحه اليميني المحافظ إجمالا، هي الرأي الاستشاري المهني الذي قدمه المستشار القانوني للكنيست، يانون، قبل أسبوعين، في مسألة تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق في قضية التبرعات التي تقدمها دول أجنبية "لجمعيات إسرائيلية تنشط ضد جنود الجيش الإسرائيلي"! وهو رأي استشاري "يتفق تماما مع رأي وموقف المنظمات اليسارية، مثل جمعية حقوق المواطن والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية"! إذ يرى كلاهما بأنه "لا ينبغي تشكيل لجنة تحقيق كهذه، لأنها ستمس بحرية هذه الجمعيات وحقها في التعبير، وقد يشكل عمل هذه اللجنة ـ بوجه عام ـ نوعا من الملاحقة السياسية ضدها".

لكن ما يغيظ كاتب هذا المقال أن "هذا الرأي الاستشاري الذي قدمه المستشار القانوني للكنيست، يانون، يفتقر إلى أي أساس، لأن أحدا لم يقترح أو يطلب تشكيل مثل هذه اللجنة أصلاً"! ولذلك، يُطرح السؤال ـ حسب كاتب هذا المقال: هل يجوز للمستشار القانوني تقديم مثل هذا الرأي الاستشاري، دون أن يطلب منه أحد (من الكنيست) تقديمه؟ وهل هو مخول صلاحية تقديم رأي استشاري في مثل هذه الحالة؟ ومنهما، يشتق "السؤال الجوهري" ـ كما يصفه ـ وهو: "لصالح من تعمل أيها المستشار القانوني للكنيست؟"!! في اتهام واضح وصريح، لا تلميحا فقط، بأن المستشار القانوني (الحالي) للكنيست يعمل لصالح هيئات وأطراف خارجية (عن الكنيست) ويخدم أجنداتها، ما يعني أنه يخون الأمانة والثقة ويخرق حدود مهامه ووظيفته!


ويجدها الكاتب فرصة مواتية للتذكير بأنها "ليست المرة الأولى التي يقف فيها يانون، بكل ثقل دائرته ومكانتها، في مواجهة الكنيست خدمة لمواقف اليسار مقابل مواقف اليمين من أعضاء الكنيست"! ثم يذكّر بما يعتبرها "مرات سابقة" كهذه، من بينها: مشروع قانون في مجال العقود قدمه عضو الكنيست (من الليكود) ياريف ليفين في العام 2011 وكان من شأنه أن يؤدي في نتيجته النهائية، في حال سنّه، إلى تقليص حاد وهام جدا في صلاحيات المحكمة العليا في مجال شرح العقود وتفسيرها. لكن مشروع القانون اُحبِط واستبدل بنص قانوني لا يفي بغرض صاحبه ومبادرته، وذلك بسبب موقف يانون ودائرته القانونية.

وفي العام 2012، عاد يانون ودائرته القانونية إلى "تحدي إرادة أعضاء الكنيست"، كما يقول الكاتب، وذلك بتصديه ومعارضته لتعريف "دولة إسرائيل" في سياق مشروع قانون يتيح مقاضاة من يدعو إلى مقاطعة إسرائيل، إذ شمل التعريف هناك "منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، أيضا"، مما دفعه إلى معارضة مشروع القانون بدعوى أنه "يمس بحرية التعبير". وتساءل الكاتب: "ماذا يريد يانون كي لا يمس مشروع القانون بحرية التعبير؟" ويجيب: "أن يقرّ بأن المقاطعة ضد المستوطنين مسموحة"!

لكن الكاتب يفاخر بأن "الكنيست في هذه المرة، وخلافا لما حصل مع مشروع قانون ليفين، لم ينصع لإملاءات المستشار القانوني وسنّ القانون وفق صيغته المقترحة، الأصلية". وحين تقدمت تنظيمات يسارية بالتماس إلى المحكمة العليا ضد هذا القانون "وقف يانون أمام المحكمة مدافعاً عن القانون، لكن التنظيمات صاحبة الالتماس استندت إلى موقف المعارض لمشروع القانون من بدايته، مما وضعه في موقف غريب محرج إذ اضطر لمقارعة نفسه بنفسه ولدحض الرأي الاستشاري الذي كتبه هو بنفسه"!

من هذه العينات الثلاث، يستخلص الكاتب أن المستشار القانوني للكنيست "يعمل لصالح أطراف وأجندات خارجية، تتعارض مع إرادة أعضاء الكنيست وناخبيهم الذين أوصلوهم إلى الكنيست لتمثيلهم والتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم". ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يعتبر "هذا التشخيص" ـ كما وضعه هو ـ "جزءا من الوضع القضائي العام حيث أن نخبة غير منتخَبة تصرّ على السيطرة والتحكّم، بما يتعارض مع رغبة الجمهور وإرادته، كما عبر عنها في صناديق الاقتراع"!

ويوجه كاتب المقال النقد الصريح والمباشر لرئيس الكنيست (من الليكود)، يولي إدلشطاين، الذي ارتأى تمديد فترة ولاية يانون في منصب المستشار القانوني للكنيست "رغم أدائه الإشكالي هذا، في قضايا قانون المقاطعة وقانون العقود"! لكن ما يقلق كاتب المقال أكثر هو أنه "حتى لو اعتزل يانون منصبه، يبقى الأمر إشكاليا في أداء المحامين العاملين في القطاع العام، إجمالا، ذلك أنهم يعوّضون عن رواتبهم المتدنية، قياسا برواتب نظرائهم في القطاع الخاص، بمنح أنفسهم لقب حماة الديمقراطية"!

ومن هنا، يصل الكاتب مباشرة إلى "اقتراحه" بضرورة "إلغاء نموذج حراس الديمقراطية واستبداله بما يفترض بالمحامين أن يفعلوه، عادة: أن يقدموا خدمات"! أما الطريق إلى ذلك، فهي "بسيطة وقصيرة جدا: الخصخصة"! وهو يقترح أن يتم ذلك بتقسيم ميزانية الدائرة القانونية في الكنيست على 120 (عدد أعضاء الكنيست) ووضع هذه الميزانية تحت تصرف كل واحد من أعضاء الكنيست بصورة فردية، على أن يكون من حقه وفي مقدوره صرفها على خدمات استشارة خاصة ـ في شؤون التشريعات ـ يتلقاها من محامين في القطاع الخاص.

"الليكوديون الجدد" ـ أحصنة طروادة!

على صعيد آخر زفّ موقع "ميداه" إلى قرائه بشرى "طرد ثمانية من قادة مجموعة الليكوديين الجدد، وفي مقدمتهم مؤسس التنظيم ليئور مئيري، من صفوف الحزب (الليكود)، إذ لم يعودوا أعضاء فيه بعد اليوم"! وأوضح الموقع، نقلا عن المستشار القانوني للحزب، آفي هليفي، أن قرار الطرد جاء "بعد التأكد من أن انضمام الليكوديين الجدد إلى حزب الليكود تم بطرق الغش والخداع وبناء على بيانات كاذبة".

ويقدر عدد "الليكوديون الجدد" بنحو 1500 عضو، أعلن هليفي أن "الحزب سيتفرغ الآن لمعالجتهم، واحدا واحدا، بحيث لا تبقى لهم أية قدرة للتأثير على انتخاب ممثلي الليكود ومرشحيه للكنيست".

ويعتبر موقع "ميداه"، مثل كثيرين من أعضاء "الليكود" وقادته خاصة، ومن أوساط اليمين الإسرائيلي عامة، أن مجموعة "الليكوديين الجدد" إنما هي "تنظيم يساري، حاول الاستيلاء على حركة الليكود والانقلاب عليها من الداخل بطرق إجرامية وغير مسبوقة خلال السنوات الست الماضية"!

واعتبر موقع "ميداه"، في مقال كتبه غلعاد تسفايك ونشره تحت عنوان "أحصنة طروادة: مؤامرة الليكوديين الجدد تتعرى"، أن "مجموعة الليكوديين الجدد هي الخديعة الأكبر في تاريخ الديمقراطية الإسرائيلية"! ذلك أن شعارها كان، كما ينقل كاتب المقال هنا عن أحد قادة هذه المجموعة: "شعارنا الأول لهذا التنظيم كان، وحتى قبل أن نكون الليكوديين الجدد: نسدّ أنوفنا ونقتحم السياسة"!

يقول كاتب المقال إن ما ورد في الالتماس الذي قُدم إلى محكمة الليكود الداخلية قبل نحو شهرين ضد مجموعة الليكوديين الجدد يبيّن أن "ميرتس هو الحزب الأكثر شعبية بين الليكوديين الجدد"! وأنهم انتظموا "حول فكرة طروادية" واضحة الاستراتيجية: رفع شعار "التغيير من الداخل"، لكن الهدف الفعلي، عمليا، هو شيء آخر تماما ـ الانقلاب من الداخل! "انقلاب تقوم مجموعة الليكوديين الجدد من خلاله بإدخال أحصنة طروادة إلى حزب الليكود سعياً إلى تغيير طابعه وتحويله إلى حزب مختلف تماما، بروح زهافا غالئون، تمار زاندبرغ وعيساوي فريج"! (أعضاء كنيست من ميرتس).

ويقول تسفايك إن مقدم الالتماس، عوفر بينشطوك، الذي يصف نسفه بأنه "ليكودي قديم"، أعدّ "وثيقة سميكة تشمل لا أقل من 400 صفحة من صور المواد، بما فيها مراسلات داخلية بين أعضاء مجموعة الليكوديين الجدد، منذ إقامتها في أواخر 2011 وحتى اليوم". وتثبت "هذه الوثيقة" أن المنتسبين الجدد إلى الليكود "يحتقرون الحزب الذي انضموا إليه" (يصفونه بأنه "حزب المجاري الوطنية") ويحتقرون رئيسه ـ بنيامين نتنياهو (يصفونه بأنه "قواد... يحرق الدولة") ويعترفون، بملء الفم، بأنهم لن يصوتوا لهذا الحزب الذي انضموا إليه في الانتخابات ("الانضمام إلى الحزب شيء، والتصويت له شيء آخر تماما").

وينقل كاتب المقال عن مقدم الالتماس قوله إن "الوثيقة تثبت أن الليكوديين الجدد يؤيدون، في الواقع، أحزابا يسارية مثل حزب العمل، ميرتس، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والقائمة المشتركة"! ولم يكن نشاطهم إلا لخلق "ستار من الدخان، للغش، للتضليل، للكذب، من أجل إشاعة حالة تمرد وتنفيذ انقلاب غير عنيف من الداخل، سعيا إلى الاستيلاء على الليكود، ومن خلاله على مقاليد الحكم أيضا"!

وأكثر من هذا كله، يقول كاتب المقال إنه ضمن "الليكوديين الجدد" هناك "جناح أكثر تطرفا، يتبنى مواقف معادية للصهيونية بصورة واضحة وجلية تماما"!! وللتدليل على ذلك، يقتبس ما يقول إنه "شهادة أحد الليكوديين الجدد عن نفسه في العام 2011"، إذ وصف نفسه بأنه "ما بعد صهيوني يريد إبادة دولة القومية اليهودية"!!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات