المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1595

يستدل من التقرير السنوي لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي" التابع للوكالة اليهودية- الصهيونية، أن الزيادة في أعداد اليهود في إسرائيل لم تعد تغطي حالة تناقص أعداد اليهود في العالم بفعل الزواج المختلط، إذ يبلغ عددهم في العام الجاري 1ر14 مليون نسمة، بزيادة مئة ألف فقط عن العام الذي سبق، وهذا يشمل زيادة في تقديرات مختلف حولها بشأن أعداد اليهود في الولايات المتحدة. والزيادة الحاصلة هي أقل من الزيادة في أعداد اليهود الإسرائيليين من دون الهجرة. ويعرض التقرير معطيات جديدة عن أعداد اليهود المهاجرين من إسرائيل بناء على عدة مصادر، ويتوقع أن يكون عددهم في حدود 575 ألف نسمة حتى العام 2015.

وتغيب عن تقرير هذا العام، ولأول مرة، تقديرات مستقبلية لأعداد اليهود في العالم، ولذا عدنا إلى تقرير "المعهد" ذاته في العام الماضي، إذ تبين أن التوقعات تشير إلى تراجع أعداد اليهود إلى نحو 82ر13 مليون نسمة، وكما يبدو استنادا إلى تقديرات تعتمد على نسب الزواج المختلط بين اليهود، وابناء ديانات أخرى. ونشير هنا إلى أنه في السنوات الأخيرة، بدأت تصدر أبحاث تسعى إلى نقض الاحصائيات القائمة منذ سنوات طويلة، وبضمنها احصائيات مكتب الاحصاء المركزي، وتدعي أن أعداد الأميركان اليهود أعلى مما ينشر. وهذا الأمر ظهر في تقرير "المعهد" قبل عامين، حين استعرض أبحاث معهدين أميركيين، رفعا بقدر كبير أعداد الأميركان اليهود، وذلك استنادا لتعريف الشخص لنفسه، وليس بموجب ما تعترف به المؤسسة الدينية، لذا فإننا نرى أنه في التقرير الحالي تثبتت زيادة 300 ألف يهودي في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يقدر التقرير عددهم في حدود 7ر5 مليون نسمة، بينما العدد المتداول على مدى السنين، يتراوح ما بين 25ر5 مليون إلى 4ر5 مليون نسمة، من اليهود المعترف بيهوديتهم لدى المؤسسة الدينية الإسرائيلية.

وكما هو الوضع منذ عشر سنوات، فإن عدد اليهود الأكبر في العالم موجود في إسرائيل، إذ يبلغ عددهم 5ر6 مليون نسمة. والتجمع الثاني من حيث الكبر في الولايات المتحدة الأميركية، إذ بلغ عددهم 7ر5 مليون نسمة، بينما المعترف به إسرائيليا هو 425ر5 مليون أميركي يهودي، وفق ما يطرحه المختص البارز في الديمغرافيا وأعداد اليهود في العالم سيرجيو دي بيرغولا، الذي اعترض قبل عام على التقديرات الجديدة، وقال إن عدد اليهود في الولايات المتحدة الأميركية 425ر5 مليون أميركي، بزيادة نحو 200 ألف عما كان ينشر حتى قبل أربع سنوات.

ويبلغ عدد اليهود في كندا 388 الفا، وهذا العدد أعلى بنحو ألفي يهودي، عما كان في التقرير السابق قبل عام. وتتميز كندا كالبرازيل في أنها تحافظ على نفسها مع زيادة طفيفة سنويا، خلافا لباقي دول العالم. كما من المتوقع أن تكون في الزيادة الحاصلة في كندا، هجرة من دول أوروبية أو حتى من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.

ويقول التقرير إن عدد اليهود في أميركا اللاتينية تجاوز 381 الفا، وهذا يقل بنحو 4 آلاف عما كان قبل عام. والتجمع الأكبر لهم في الأرجنتين، التي فيها أقل من 181 ألف يهودي، ثم البرازيل- 94 ألفا، والمكسيك- 40 ألفا، فيما يتوزع 3ر66 ألف على باقي دول القارة الأميركية الجنوبية.

والتجمع الثاني لليهود نجده في أوروبا، من دون دول الاتحاد السوفييتي السابق، إذ بلغ عددهم 113ر1 مليون نسمة. والتجمع الأكبر في فرنسا التي فيها 460 ألفا، وهذا أقل بنحو 18 ألفا عما كان في تقرير قبل عامين، والغالبية الساحقة من هذا التراجع ناجمة عن الهجرة إلى إسرائيل، التي سجلت في العام الماضي 2015، ذروة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، من فرنسا بالذات، إذ بلغ عدد المهاجرين 7 آلاف فرنسي، في حين تقول تقارير إن الهجرة من فرنسا في العامين الماضي والجاري مخيبة لآمال الوكالة الصهيونية وهي تسجل تراجعا حادا.

والتجمع الثاني لليهود في أوروبا نجده في المملكة البريطانية المتحدة، إذ بلغ عددهم 290 ألفا. ثم ألمانيا حيث يوجد أكثر من 117 ألفا. وتليها هنغاريا- قرابة 48 ألفا، ثم رومانيا- أكثر من 9 آلاف، وبلغاريا - ألفا يهودي، فيما ينتشر قرابة 190 ألفا في دول أوروبية، في الاتحاد الأوروبي وخارجه. وكما يبدو فهذا العدد تقديري لدول يصعب اجراء تقديرات أو احصائيات فيها لأبناء الديانة اليهودية.

أما في دول الاتحاد السوفييتي السابق، فقد بلغ عدد اليهود فيها مجتمعة قرابة 277 الفا، وهذا أقل بـ 16 ألف نسمة، مما كان عليه الأمر قبل عامين، وجزء من هذا التراجع ناجم عن الهجرة إلى إسرائيل. وأكبر تجمع في تلك الدول، في روسيا التي فيها 180 ألفا، تليها أوكرانيا- 56 ألفا. وتعد أوكرانيا هدفا كفرنسا لاستقدام اليهود منها، إذ تستغل الصهيونية حالة الاضطراب القائمة بين أوكرانيا وروسيا، وانعكاس هذا أيضا على الأوضاع الاقتصادية هناك. وينتشر في باقي الجمهوريات السوفييتية السابقة 43 ألف يهودي.

كما ينتشر في عدة دول آسيا أكثر من 19 ألف يهودي، غالبيتهم في إيران. وفي القارة الأفريقية ما يقارب 75 ألفا، أقل من 70 ألفا منهم في جنوب أفريقيا، مقابل 2400 في المملكة المغربية، وعدد مماثل ينتشرون في عدة دول. أما في القارة الأسترالية، ففيها ما يزيد عن 120 ألف يهودي، قرابة 113 ألفا منهم في أستراليا، و7600 نسمة في نيوزيلندا ودول أخرى.

ونشير هنا إلى أن التقرير يشير إلى نسبة الزواج المختلط بين اليهود وابناء الديانات الأخيرة، إذ تبدأ في محيط 35% في دول أوروبية، وحتى 58% في الولايات المتحدة، وتصل إلى 80% في دول الاتحاد السوفييتي السابق. وكما ذكر في سلسلة تقارير، فإن الزواج المختلط هو عامل أساس في تناقص أعداد اليهود، إلى جانب نسبة التكاثر الضئيلة لدى يهود العالم، وهي في حدود 3ر1%، مقابل 9ر1% في إسرائيل.

وكما هو معروف فإن اليهودي المعترف بيهوديته هو من أمه يهودية، بغض النظر عن ديانة والده. وفي هذه الحالة فإن الأبناء عادة يتبعون آباءهم، وفي حالة أن الأب يهودي والأم من ديانة أخرى، فإن المؤسسة لا تعترف بيهوديتهم. وهذه نقطة خلاف كبرى بين الليبراليين والمؤسسة الدينية اليهودية.

 الإسرائيليون المهاجرون

 وكما ذكر، ففي هذا التقرير السنوي لمعهد سياسة الشعب اليهودي، تم تخصيص حيّز للهجرة الإسرائيلية المعاكسة، وتتعلق بحملة الجنسية الإسرائيلية اليهود وحدهم، إذ أن بضع عشرات آلاف قليلة من فلسطينيي 48 هم أيضا في عداد المهاجرين. وبحسب التقرير، فإنه حتى العام 2015، كان عدد اليهود حملة الجنسية الإسرائيلية، أو الذين تنازلوا عنها حيث هم، بلغ 575 ألف يهودي، ويقول التقرير إن هذا استنادا لعدة مصادر، من بينها مكتب الاحصاء المركزي الإسرائيلي، وأيضا استنادا لبحث في مركز الأبحاث في الكنيست صادر في العام 2012.

ويقول التقرير ذاته إن عدد هؤلاء المهاجرين بلغ في العام 1989 حوالي 300 ألف، وارتفع في العام 1999 إلى 480 ألفا، وفي العام 2009، إلى 542 ألفا. وهذه احصائيات تخالف تقديرات سابقة، ظهرت في السنوات الأخيرة، كانت تتحدث عما بين 730 الفا إلى مليون شخص مقيمين في الخارج في عداد المهاجرين. وحسب محادثة هاتفية سابقة، مع الخبير الديمغرافي سرجيو دي بيرغولا، فإن السجل السكاني الإسرائيلي، يبقي على الأسماء، طالما لم يتم التبليغ عن وفاة الشخص، وأن هناك عشرات آلاف غادروا منذ سنوات طويلة، وليس معروفا أين هم، أو إذا ما زالوا على قيد الحياة.

لكن ما هو لافت، أنه في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة، التي جرت في العام 2015، قال مكتب الاحصاء المركزي إن نحو 510 آلاف شخص، من المشمولين في سجل ذوي حق الانتخاب، هم في عداد المهاجرين، وإن قلة قليلة جدا منهم تأتي إلى البلاد لممارسة حقها، إذ أن القانون القائم لا يجيز التصويت لمن هم في الخارج، باستثناء أعضاء السلك الدبلوماسي والجيش على مختلف تشكيلاته، ومن هم في مهمات رسمية، في يوم الانتخابات. ومنذ سنوات طويلة، هناك محاولة لسن قانون يجيز للمهاجرين التصويت، وتلقى هذه المبادرة معارضة سياسية من منطلق أنها تشجع على الهجرة من إسرائيل.

وفي المعطيات التي ينشرها التقرير، استنادا إلى تقارير مكتب الاحصاء المركزي، يلاحظ ازدياد في أعداد المهاجرين سنويا، أو ممن يغادروا مع مؤشرات مكوث طويل الأمد، مثل شراء بطاقة سفر في اتجاه واحد، أو غيرها من المؤشرات. فمثلا في الأعوام 2005 إلى 2007، غادر البلاد ما بين 21 ألفا إلى 22 ألفا، وعاد بعد غياب طويل ما بين 11 ألفا إلى 12 ألفا، ما يعني أن أعداد المهاجرين سنويا ارتفعت في السنوات الثلاث تلك، بنحو 10 آلاف شخص. ولاحقا، ابتداء من العام 2009، كان عدد المغادرين يتأرجح سنويا في محيط 16 ألفا، ، بينما أعداد العائدين هبطت تدريجيا من 11 ألفا إلى أقل من 9 آلاف شخص.
وبالإمكان الاستنتاج أن الأزمة الاقتصادية العالمية في العامين 2008 و2009، على وجه الخصوص، لعبت دورا في الهجرة إلى إسرائيل، ومنها بفعل أن الاقتصاد الإسرائيلي عبر الأزمة العالمية بسرعة فائقة، وعاد إلى مسار النمو والانخفاض السريع في نسب البطالة.

ويستدل من التقرير أنه بناء على معطيات من العام 2011، فإن الغالبية العظمى من المهاجرين يتوجهون إلى شمال القارة الأميركية، أكثر من النصف في الولايات المتحدة، وقرابة 8% في كندا. إلا أن هذه الاحصائيات تتعلق فقط بمن ولدوا في إسرائيل وهاجروا، وهؤلاء قد يكونون أبناء لآباء هاجروا من قبل إلى إسرائيل وقرروا العودة إلى أوطانهم الأصلية.

إلا أنه بناء على تقارير سابقة، إذا ما تم استعراض كل المهاجرين وأماكن انتشارهم فإن النسب ستنقلب كثيرا، إذ أن ما بين 120 ألفا إلى 130 ألفا من الذين هاجروا في سنوات التسعين والألفين من دول الاتحاد السوفييتي السابق وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية، عادوا إلى أوطانهم الأصلية، ونسبة جدية منهم قررت التخلي عن الجنسية الإسرائيلية. كما أنه وفق التقارير السابقة، فإن عشرات الآلاف من الذين هاجروا إلى إسرائيل من تلك الدول ما زالوا يتنقلون بشكل دائم بين وطنهم الاصلي وإسرائيل، ولهذا فهم ليسوا في عداد المهاجرين، الذين تعريفهم يتلخص بأن يكونوا خارج البلاد لعام كامل، دون أن يزوروا لبلاد لفترة ما.

وجاء في التقرير أن الغالبية الساحقة من المهاجرين من إسرائيل هم من الأجيال الشابة، إذ أن 41% منهم هم أبناء 20 إلى 39 عاما. كما أن الدافع الأكبر للهجرة هو البحث عن حياة هادئة ومستقبل مهني ومستوى معيشة أعلى، لذا فإن النسبة الأعلى للمهاجرين هي من أصحاب المؤهلات العالية. وهذا برز في تقرير خاص أصدره مكتب الاحصاء المركزي في شهر تموز الماضي. وقال إن نسبة "هجرة العقول من إسرائيل" في تزايد مستمر، وإن السنوات الثلاث الماضية شهدت تراجعا بنسبة 23% في عدد الأكاديميين الذين عادوا بعد أن أمضوا سنوات عديدة في الخارج.

ويصدر مكتب الاحصاء المركزي الرسمي منذ سنوات تقريرا سنويا حول أعداد حملة الجنسية الإسرائيلية ذوي الالقاب الجامعية الذين هم في عداد المهاجرين الدائمين. ويتضح من التقرير الأخير أن نسبة أصحاب اللقب الثالث (الدكتوراة)، الذين هم في عداد المهاجرين، بلغت في العام الماضي أكثر بقليل من 11%، بعد أن كانت النسبة 3ر10%، قبل خمس سنوات. وفي المجمل فإن 6ر5% من أصحاب الألقاب الجامعية هم في عداد المهاجرين، بينما هذه النسبة كانت تقل عن 5% حتى قبل ثلاث سنوات.

ويستدل أيضا أن نسبة الهجرة ترتفع لدى المتخصصين في مواضيع مثل الهندسة والعلوم العصرية، وبشكل خاص علم الحاسوب والتقنية العالية، على الرغم من ازدهار هذا القطاع بشكل خاص في الاقتصاد الإسرائيلي. فكما ذكر في عداد المهاجرين 1ر24% من حملة لقب الدكتوراة في الرياضيات، و19% من حملة شهادة الدكتوراة في علم الحاسوب، و5ر18% من حملة الدكتوراة في هندسة المواد، و17% في هندسة الفضاء. كما تبين أن 6ر13% من حملة شهادة الدكتوراة في الطب هم في عداد المهاجرين، في حين أن جهاز الطب الإسرائيلي، وعلى الرغم من أنه يُعد من الأجهزة المتطورة في العالم، يواجه نقصا في الأطباء، خاصة في المناطق البعيدة عن مركز البلاد.

ومما جاء في التقرير أيضا أن حوالي 25% من الذين لا تعترف المؤسسة الدينية اليهودية الإسرائيلية بيهوديتهم هم في عداد المهاجرين، بينما هؤلاء نسبتهم من بين السكان عامة في حدود 4%، وقسم منهم ليسوا يهودا ولكن يتيح لهم قانون العودة الإسرائيلي الهجرة إلى إسرائيل كونهم من عائلات يهودية.

يُشار إلى أن الأمر الذي يتوخاه "معهد سياسة الشعب اليهودي" هو أن تستثمر إسرائيل أكثر في المهاجرين منها من خلال اقامة أطر دائمة لهم في أوطانهم كي يكون هذا مدخلا لإبقاء التواصل على "أمل" الهجرة مجددا إلى إسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, دورا, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات