المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1856

طرأت في نهاية الأسبوع الماضي تطورات هامة على قضية شراء إسرائيل غواصات ألمانية الصنع، وهي القضية التي تطلق عليها الشرطة الإسرائيلية اسم "القضية 3000" أو "قضية الغواصات"، وتشتبه في إطار التحقيق فيها بوجود مخالفات فساد ودفع رشاوى، وبأن مسؤولين إسرائيليين تولوا مناصب رفيعة في الماضي متورطون في هذه المخالفات.

 

وأهم تطور حدث في هذه القضية مؤخراً هو توقيع المشتبه الرئيسي فيها، رجل الأعمال الإسرائيلي ميكي غانور، على اتفاقية "شاهد ملك" مع النيابة العامة. وغانور هو الوسيط في صفقة الغواصات بين إسرائيل وشركة حوض بناء السفن "تيسنكروب" الألمانية. وبحسب الاتفاقية، فإن غانور سيدخل إلى السجن لمدة سنة واحدة ويدفع غرامة بمبلغ عشرة ملايين شيكل.

ويدور الحديث في هذه القضية حول قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، شراء ثلاث غواصات من صنع "تيسنكروب" وأربعة زوارق حربية لحماية حقول الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط وزورقين حربيين آخرين ضد الغواصات. ويأتي القرار بشراء الغواصات الثلاث بعد أن تلقت إسرائيل ست غواصات في السنوات الماضية وشاركت في تمويلها الحكومة الألمانية. واتخذ نتنياهو القرار بشأن الغواصات الثلاث الأخرى من دون موافقة قيادة الجيش الإسرائيلي. وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون، أنه لم يشارك في المداولات حول شراء الغواصات الثلاث، فيما وصف رئيس حزب "يش عتيد"، يائير لبيد، الذي تولى منصب وزير المالية في حكومة نتنياهو السابقة، هذه القضية بأنها "أخطر قضية فساد في تاريخ إسرائيل".

وتعهد غانور في اتفاقية "شاهد الملك" بأن يكشف عن عملية اختياره مندوبا للشركة الألمانية. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، أول من أمس الأحد، بأن غانور قال للمحققين إنه حصل على امتياز تمثيل "تيسنكروب" في إسرائيل في أعقاب تدخل مسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي لصالحه مقابل رشوة. وقالت مصادر في جهاز تطبيق القانون إن غانور خلق وضعا تحولت فيه الرشاوى إلى جزء من الصفقات الأكثر حساسية التي أبرمها الجيش الإسرائيلي. ووفقا لاتفاق "شاهد الملك" فإن غانور سيدلي بمعلومات حول صفقات مدنية أيضا كان ضالعا فيها وليس حول صفقات عسكرية فقط.

وذكرت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، يوم الجمعة الماضي، استنادا إلى وثيقة لدى الشرطة، أن غانور دفع رشاوى لمسؤولين حكوميين طوال سنوات. وجاء في هذه الوثيقة حول غانور أن "المشتبه به هو مندوب حوض بناء سفن ألماني منذ العام 2009. وتم تعيين المشتبه به كمندوب بواسطة تدخل غير قانوني من جانب موظف دولة رفيع المستوى. وحول المشتبه به أموال رشاوى مقابل تعيينه كمندوب لحوض بناء السفن. وقدم رشى لموظفي دولة رفيعي المستوى طوال سنين. وارتبط المشتبه به بشخص آخر، بواسطة استئجار خدماته، من أجل دفع أعماله التجارية بصورة غير قانونية".

والشخص الذي استأجر غانور خدماته هو المحامي دافيد شيمرون. وهذا الأخير هو أكثر الأشخاص قربا من نتنياهو. فهو قريب رئيس الحكومة ومستشاره ومحاميه الخاص. إضافة إلى ذلك، فإن شيمرون هو شريك المحامي إسحق مولخو، مبعوث نتنياهو الخاص لمهمات سياسية حساسة. وكانت الشرطة قد أوقفت شيمرون، كمشتبه به في القضية، وحولته إلى الاعتقال المنزلي. وبعد انتهاء مدة هذا الاعتقال سمحت الشرطة لشيمرون بالسفر إلى خارج البلاد، وبعد عودته سيستدعى للتحقيق مجددا، وفقا للشرطة. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، أول من أمس، بأن الشرطة ستجري مواجهة بين غانور ومحاميه شيمرون.

ويتوقع أن يكون غانور قد بدأ أمس، الاثنين، بالإدلاء بإفادات أمام محققي الشرطة يكشف من خلالها عن المعلومات التي بحوزته. وفي أعقاب ذلك، يتوقع أن تستدعي الشرطة مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن وموظفي دولة، وسيتم التحقيق مع بعضهم تحت التحذير من أن أقوالهم قد تستخدم ضدهم أمام المحكمة. ولا تستبعد الشرطة أن تطالب باعتقال قسم من هؤلاء من أجل منع تشويش مجرى التحقيق.

"ثقافة رشاوى متجذرة"

نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر رفيع ضالع في التحقيق في قضية الغواصات قوله إنه "على الرغم من أنه صعب علينا في هذه المرحلة القول إلى أين ستقود هذه القضية، لكن منذ الآن نملك أساسا معقولا للاعتقاد أنها ستكشف عن ثقافة رشاوى في الأماكن الأكثر حساسية في أمن الدولة. وتظهر صورة لوجود ثقافة رشاوى متجذرة جرت طوال سنين، وثمة من جعلها، على ما يبدو، أسلوبا مقبولا على شخصيات عامة رأت مصلحتها الشخصية وليس مصلحة الجمهور".

يشار إلى أن أحد المشتبهين في القضية هو قائد سلاح البحرية السابق، إليعازر ماروم. وهو مشتبه بأنه سعى إلى تعيين غانور مندوبا لشركة "تيسنكروب" ووسيطا في صفقات القطع البحرية، الغواصات والزوارق الحربية، مقابل تحويل أموال إلى حسابات مصرفية باسمه في قبرص. وينفي ماروم هذه الشبهة ويدعي أن المال في هذه الحسابات مصدرها صفقات أخرى.

وثمة مشتبه به مركزي آخر في القضية هو النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي، أفريئيل بار يوسف. وبار يوسف مقرب من نتنياهو، الذي سعى إلى تعيينه رئيسا لمجلس الأمن القومي. وهو مشتبه بأنه أعدّ تقرير الذي تم اعتماده في اتخاذ قرار شراء الغواصات الثلاث، من دون أخذ رأي الجيش أو سلاح البحرية.

وعلى خلفية أن عددا من المشتبه بهم في قضية الغواصات، مثل شيمرون وبار يوسف، مقربون من نتنياهو، تساءل محللون إسرائيليون حول ما يعرفه رئيس الحكومة عن أدائهم فيها، خاصة وأنه وافق على صفقة الغواصات والزوارق الحربية، أم أن هذه المخالفات جرت من حوله من دون علمه.

ونفى نتنياهو تورطه في قضية الغواصات. وقال خلال لقاء مع صحافيين إسرائيليين رافقوه في زيارته إلى هنغاريا، الأسبوع الماضي، إنه "قلت لكم إنني لست ضالعا في الغواصات والقطع البحرية. وهذا يتضح الآن. وستتضح الأمور وأنا مقتنع بأن الصفقة ستخرج إلى حيز التنفيذ. وهم (الألمان) ينتظرون كي يروا كيف سينتهي التحقيق. وبعد أن ينتهي التحقيق سيتم التوقيع (على الصفقة). والآن دعوا المحققين يقومون بعملهم".

وفي إطار هذه القضية، جرى توجيه اتهامات إلى نتنياهو بأنه في مقابل صفقة الغواصات الجديدة وافق على بيع "تيسنكروب" غواصات مشابهة إلى مصر. لكن نتنياهو قال للصحافيين إن بيع الغواصات لمصر "لم يكن قرارا إسرائيليا وإنما ألماني. ولم نقرر أن نصادق أو لا نصادق على بيع غواصات لمصر. لقد عبّرنا عن موقفنا وأي شيء آخر يتحدثون عنه علنا عديم المسؤولية. وأنا مسؤول عن أمن إسرائيل. والرغبة بالمس بي تجاوزت كافة الحدود وباتت تتعلق الآن بأمن إسرائيل وهذا عديم المسؤولية".

وحول الشبهات ضد شيمرون، قال نتنياهو إنه "لم تكن لدي أي فكرة عن ضلوع شيمرون، وعندما ينتهي التحقيق سأقول رأيي، بعد أن يتضح مدى تمثيله وكم تقاضى". وأضاف "أنا لا أعرف ما هو الفساد وما هو ليس فسادا في قضية الغواصات. والقرارات داخل جهاز الأمن كانت شفافة وموضوعية. وأنا لا أحكم على الناس، وهم ما زالوا أبرياء. ولا أعرف ما إذا كان سينتج عن هذه القضية شيء. من قال لكم إنه يوجد فساد؟ هل يوجد أحد تمت إدانته؟ عم تتحدثون؟ سيتضح أن الشبهات ضد شيمرون لا أساس لها. لقد بنت وسائل الإعلام فرية وهي تغوص إلى الأعماق".

وفي هذه الأثناء، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس، أن محاميا يدعى شاحر بن مئير، توجه إلى المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، مطالبا إياه بإلزام نتنياهو بوقف تشغيل مولخو بسبب وجود تناقض مصالح. وهدد بن مئير بالالتماس إلى المحكمة العليا في حال عدم استجابة مندلبليت لمطلبه.

يعلون يتهم نتنياهو

لكن يعلون، الذي أقاله نتنياهو من منصبه كوزير للدفاع، العام الماضي، يتهم نتنياهو بالتورط في هذه القضية. كما أنه أدلى بإفادة في الشرطة حول قضية الغواصات.

وقال يعلون للقناة العاشرة إن "على نتنياهو الاستقالة" وإنه "لا يعقل أنه ليس ضالعا في القضية. لا أعرف ما إذا كانت الشرطة ستنجح في تجريمه بمخالفات جنائية، لكن هذا لا يهمني. ما رأيته في هذا الموضوع يجعلني أتحدث بصورة واضحة جدا. رئيس الحكومة فاسد، وأنا أقول هذا ليس عن القضية 3000 فقط. وأستغرب عدم دعوته للإدلاء بإفادة" في الشرطة.

وأضاف يعلون أن "الانفجار الكبير بدأ عندما اتضح لي أن رئيس الحكومة سافر إلى ألمانيا من أجل التوقيع مع المستشارة (الألمانية أنجيلا ميركل) على ثلاث غواصات أخرى وزورقين حربيين مضادين للغواصات. وانتهى هذا الأمر بأنه خلال الزيارة لألمانيا لم يوقع على مذكرة تفاهم لشراء الغواصات وإنما على شيء ستعطينا إياه الحكومة الألمانية وفق الحاجة في المستقبل".

وأردف يعلون أنه "من هنا جرت الأمور بهدوء وفي نهاية المطاف أدركت أنه تعين على نتنياهو أن يحصل على رأيي. لم أعرف أن دافيد شيمرون ضالع في الموضوع حتى النشر في القناة العاشرة. لم أعرف أنه يمثل حوض بناء السفن الألماني ويمثل ميكي غانور. ومنذ شباط (2016) شعرت أنهم يريدون التخلص مني. وبعد ذلك بثلاثة أشهر أدركت أنهم يريدون استبدالي في وزارة الدفاع".

وتابع يعلون أنه "منذ سنة ونصف السنة لا أنام جيدا. وأنا أرى بكل تأكيد أنه تقع مسؤولية على رئيس الحكومة في هذه القضية. وهو منته بالنسبة للجمهور. وأعتقد أنه يوجد هنا توجه خطير".


من جهة ثانية، كشفت هذه القضية عن طبيعة إبرام صفقات أسلحة في إسرائيل، وضلوع ضباط كبار سابقين في الجيش الإسرائيلي في هذه الصفقات. ونقلت صحيفة "ذي ماركر"، يوم الجمعة الماضي، عن مصدر مطلع على هذه الصفقات قوله إن "أشخاصا يعملون في الحياة المدنية كمندوبين لشركة تنافس على مناقصة لمشروع معين، يصيغون المناقصة المتعلقة بالمشروع نفسه من قبل الجيش أثناء خدمتهم في قوات الاحتياط. وتحت ضغوط مكثفة يمارسها الجيش وبمساعدة ضباط احتياط برتبة لواء يحصدون المال. هكذا تجري المقتنيات العسكرية في دولة إسرائيل".

وقال مسؤول سابق في جهاز الأمن الإسرائيلي إن "الشركات الكبرى التي تستأجر خدمات مستشارين تتوقع منهم أن يكونوا مرتبطين بضباط، مهندسين وضباط العمليات الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، والذين كانوا قبل عدة سنوات يخدمون تحت قيادة هؤلاء المستشارين في إطار الخدمة العسكرية. وهذا لا يحدث في إسرائيل فقط وإنما في العالم كله".

وأضاف المسؤول نفسه أن "المشكلة هي أن "هؤلاء الضباط السابقين يسعون إلى إقناع الضباط الحاليين بمواصفات المنتج الذي يريدون بيعه. والصناعات الجوية العسكرية على سبيل المثال، تستأجر خدمات ضباط سابقين في سلاح الجو الأميركي، من أجل معرفة ما الذي سيحاولون استعراضه أمام الجيش هناك في كل ما يتعلق بصيانة الطائرات المقاتلة. كيف ستعرف ’تيسنكروب’ ما الذي يحتاجه سلاح البحرية الإسرائيلي فيما يتعلق بالغواصات؟ تعرف ذلك لأنها موجودة في اتصال مع سلاح البحرية. وبما أن هذه منظومة معقدة وشائكة، فإنه في حالات كثيرة يفضل صاحب الشركة أن العمل مع مندوب له يكون أسهل".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات