المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1651

تزامناً مع الذكرى الخمسين لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وإخضاعهما للحكم العسكري الإسرائيلي، أصدر مركز "مولاد - لتجديد الديمقراطية" الإسرائيلي نتائج بحث غير مسبوق في إسرائيل تنقض الفكرة السائدة في المجتمع الإسرائيلي عن أن المستوطنات اليهودية في المناطق الفلسطينية "تسهم في تعزيز الأمن القومي الإسرائيلي". ويخلص هذا البحث، في المقابل، إلى الاستنتاج بأن "المستوطنات المدنية في الضفة الغربية ليس أنها لا تضيف للأمن فقط، بل تشكل عبئاً أمنياً ثقيلا على دولة إسرائيل، أيضا".

 

صدر هذا البحث، بداية حزيران الجاري، في تقرير تحت عنوان "الأمن القومي والمستوطنات"، ويمتد على 40 صفحة توزعت على الأبواب التالية: 1. مقدمة وأهم الخلاصات؛ 2. الفصل الأول ـ من الاستراتيجية إلى التبرير: تاريخ الحجة الأمنية؛ 3. الفصل الثاني ـ المستوطنات كعبء أمني؛ 4. الفصل الثالث ـ لأمن بدون المستوطنات؛ 5. تلخيص ـ المعركة على الأمن؛ 6. ملحق ـ تحليل الحجج التي طرحها اللواء (احتياط) غرشون هكوهين.

بداية هذه الوثيقة ـ كما يوضح أصحابها ـ كانت في أطروحة بحثية أعدها أفيشاي بن ساسون ـ غورديس، وهو باحث زميل في مركز "مولاد"، ضابط احتياط (برتبة رائد) في شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") وطالب لدرجة الدكتوراه في قسم الدراسات الحكومية في جامعة هارفارد.

تشير مقدمة التقرير إلى أن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يشكل التحدي الأمني المركزي الذي يواجه دولة إسرائيل ولا يمكن فصل مركّب الأرض فيه عن مسألة المستوطنات. ومع ذلك، يغيب في إسرائيل أي بحث عميق أو نقاش جدي ومسؤول في موضوعة تأثير المستوطنات على الأمن القومي. ولهذا يأتي هذا البحث، الفريد من نوعه، "لتقديم تقييم شامل، استناداً إلى معطيات وحقائق ومن خلال التشاور مع جهات مهنية مختصة حول الآثار والانعكاسات الأمنية المترتبة على الاستيطان والمستوطنات".

الأغلبية لا تزال تتشبث بالخرافة بعكس العسكريين!

تحظى "الخرافة" ـ كما يسميها التقرير ـ القائلة بأن المستوطنات تشكل "السترة الواقية التي تحمي (منطقة) غوش دان" (في وسط إسرائيل) بانتشار واسع ورواج كبير بين الجمهور الإسرائيلي عامة، حتى أن أكثر من نصف الإسرائيليين يعتقدون بأن "للاستيطان في ما وراء الخط الأخضر قيمة أمنيّة هامّة". غير أن هذا التصور ناتج عن "خلط خاطئ لاثنين، منفصلين، من مقوّمات الوجود الإسرائيلي في المناطق (الفلسطينية): الوجود العسكري والوجود المدني". ويلفت التقرير إلى أن لدى مؤيدي الاستيطان والمستوطنات "مصلحة واضحة" في طمس إخفاء هذا التمييز بين نوعيّ "الوجود" المذكورين، غير أنه بدون هذا التمييز يستحيل إجراء أي نقاش أو بحث جدي حول الدلالات والإسقاطات الأمنية للوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وحول إسقاطات تكريس هذا الوجود (بضم الضفة الغربية) أو إنهائه (سواء بانسحاب أحادي الجانب أو ضمن اتفاق ثنائي). ولهذا فإن تأكيد هذا التمييز وإبرازه هو "أحد الأهداف الرئيسة لهذه الوثيقة"، كما يكتب معدّوها. ويضيفون أن البحث الجديد يثبت أن هذا "الوجود المدني" (أي: الاستيطان والمستوطنات والمستوطنون) "ليس أنه لا يسهم في تعزيز الأمن، ولا في أي شكل من الأشكال، فقط، وإنما يشكل عبئا أمنيا ثقيلا على دولة إسرائيل".

موقف الإسرائيليين من المستوطنات و"خرافة" فائدتها الأمنية ـ العسكرية، كما يشير إليه بحث "مولاد"، ظهر جلياً في النتائج التي توصل إليها استطلاع "مؤشر السلام" الأخير الذي أجرته البروفسور تمار هيرمان من "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" والبروفسور إفرايم يعري من جامعة تل أبيب، بواسطة معهد "مدغام" (عيّنة) لاستطلاعات الرأي. وهو استطلاع أجري في شهر أيار الأخير (يومي 28 و 29 منه) وشمل عينة من 600 شخص، منهم 500 يهودي و100 عربي، يشكلون عينة ممثلة للمجتمع الإسرائيلي.


أظهرت نتائج استطلاع "مؤشر السلام" أن أغلبية الجمهور اليهودي في إسرائيل تعتقد بأنه لا ينبغي تعريف سياسة إسرائيل في المناطق الفلسطينية بأنها "احتلال"، بينما يعتقد 91% من العرب مواطني إسرائيل بوجوب ذلك. وبينما يعتقد 8ر50% من اليهود الإسرائيليين بأن "إنشاء المستوطنات كان خطوة صحيحة من منظور المصلحة القومية الإسرائيلية"، يرى 65% منهم أن السيطرة الإسرائيلية على "مناطق يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) "تعود بالفائدة على إسرائيل، في المجال الأمني ـ العسكري"، لكنها لا تعود عليها بالفائدة في مجالات أخرى، مثل مكانتها الدبلوماسية الدولية، الوضع الاقتصادي والمناعة الديمقراطية.


أما بين العسكريين الإسرائيليين، وخاصة من قيادات الصفين الأول والثاني، فثمة "إجماع شبه كلّي وتام" ـ كما يقول تقرير "مولاد" ـ على أنه: "حتى لو كانت فكرة قيمة وأهمية المستوطنات للأمن القومي قد حظيت باهتمام وتأييد كبيرين في السابق، إلا أن هذه الفكرة لم تعد نافذة اليوم، بل فقدت كل صحتها وأهميتها". ذلك أن "الوجود المدني" (الاستيطاني) الإسرائيلي الموزع في أنحاء الضفة الغربية "لا يسهم، إطلاقاً، في حماية دولة إسرائيل، بل يثقل على قوات الأمن وأجهزته المختلفة، يبتلع جزءا كبيرا من مواردها وقواها، يضيف عددا لا نهائي من نقاط الاحتكاك ويطيل الخطوط الدفاعية بصورة كبيرة". فالحماية المطلوب من قوات الأمن الإسرائيلية المختلفة توفيرها للمستوطنين ومستوطناتهم في قلب المناطق الفلسطينية "تزيد، بصورة كبيرة جدا، من حجم وثقل التحدي الأمني الذي يتعين على الجيش الإسرائيلي مواجهته، الأمر الذي يمسّ في نهاية المطاف بقدرة الأجهزة الأمنية المختصة على توفير الحماية للمواطنين في داخل إسرائيل، من خطر "الإرهاب الفلسطيني" وتهديداته"!

يضيف تقرير "مولاد" إنه بإمكان الجمهور الإسرائيلي، إذن، اختيار تحمل العبء الأمني المترتب على وجود المستوطنات والمستوطنين، غير أن هذا الاختيار "ينبغي أن يكون نتاج قرار متعقل، إثر نقاش وبحث جديين مبنيين على تحليل، عميق وجدّي، للمعطيات التي ينبغي، أيضا، عرضها كما هي على حقيقتها".

أبرز خلاصات البحث
تفضي المعطيات الواردة في طيات البحث، ثم تحليلها، إلى جملة من الاستنتاجات، أبرزها:

1. هنالك حاجة ماسة لإجراء تمييز واضح بين "الوجود المدني" الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية (المستوطنات والمستوطنون) وبين "الوجود الأمني" الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية (الجيش وجهاز الأمن العام ـ الشاباك). اللوبي الاستيطاني يسعى إلى خلق حالة من البلبلة والخلط المتعمد بين هذين النوعين من الوجود، وهو ما يولّد صورة مشوهة وتحريفية وكأنّ ثمة علاقة إجبارية بين "نشاطات الحراسة والإحباط التي تقوم بها الأذرع الأمنية المختلفة في المناطق، من جهة، وبين المستوطنين والاستيطان المدني في ما وراء الخط الأخضر من جهة ثانية. لكن العلاقة، في الواقع، معكوسة تماما: المستوطنات لا تخدم الأمن، بل الأمن هو الذي يخدم المستوطنات".

2. جميع الفرضيات الأساس التي قامت عليها "خطة ألون" (خطة الوزير السابق يغئال ألون، من العام 1967) فقدت أهميتها الاستراتيجية منذ نحو 15 سنة، على الأقل. وحتى لو كان ثمة صواب في المنطق الأمني الذي استندت إليه تلك الخطة، في نهاية الستينيات، إلا أن هذا المنطق قد فقد مصداقيته ونافذيته، تماما، اليوم، حيال التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، تعاظم قوة الجيش الإسرائيلي والتغيرات التي طرأت على مكانة ووظيفة التجمعات السكنية المدنية وقت الحرب.

3. تمسّ المستوطنات بقدرة الأجهزة الأمنية على توفير الأمن والحماية للمواطنين في داخل إسرائيل، من مغبة "الإرهاب الفلسطيني".

4. تطيل المستوطنات، بصورة كبيرة، الخطوط الدفاعية التي ينبغي على الجيش الإسرائيلي الانتشار على طولها. وتبين التقديرات الأكثر تحفظاً أن طول الخط الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية يعادل خمسة أضعاف، على الأقل، طول الخط الفاصل المطلوب لو لم تكن هنالك مستوطنات. ومن هنا، فإن الحاجة إلى توفير الأمن والحماية لمواطنين يقيمون في قلب مناطق مأهولة بالفلسطينيين يثقل، بصورة كبيرة وجدية، على قدرة الجيش توفير الأمن والحماية للمواطنين المقيمين إلى الغرب من "الخط الأخضر" (أي في داخل إسرائيل).

5. حجم القوات التي يضطر الجيش الإسرائيلي إلى نشرها والإبقاء عليها في الضفة الغربية يعادل نصف ـ وأحيانا ثلثيّ ـ إجمالي القوة المقاتلة التي في حوزة الجيش. أي أن هذه القوات أكبر حتى من تلك المعدة للدفاع عن كل الجبهات الأخرى مجتمعة (لبنان، سورية، قطاع غزة والعراباه في الجنوب). ويعود كون حجم القوات اللازمة للدفاع عن المستوطنات بصورة فعالة وناجعة كبيرة بشكل خاص إلى طابع المهمة الاستثنائي: حراسة وتأمين مواطنين مدنيين في قلب منطقة معادية.

6. الأغلبية الساحقة من القوات المنتشرة في الضفة الغربية لا تعمل في مجال إحباط "العمليات الإرهابية" التي تستهدف مواطنين في داخل إسرائيل، وإنما في الدفاع عن المستوطنين وحماية مستوطناتهم. وطبقا للتقديرات، فإن 80% من قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية تعمل في مجال حراسة المستوطنات وحمايتها، بينما الـ 20% المتبقية فقط هي التي تتكفل بمهمات الدفاع عن دولة إسرائيل ومواطنيها في حدود 1967.

7. على الرغم من الفائدة الأمنية المثبتة للجدار الفاصل، إلا أن قيادات المستوطنين تمنع استكمال بنائه "لأسباب ودوافع سياسية". وهذا هو السبب وراء حقيقة أن نحو 40% من الجدار لم يستكمل بعد، رغم مضي 15 سنة منذ البدء بإنشائه.

8. وبالإضافة إلى هذا كله، تمس المستوطنات بمدى جاهزية الجيش الإسرائيلي لمواجهة ومعالجة حالات الطوارئ؛ تثقل كاهل الموارد المتاحة للأجهزة الأمنية وتستنزف قدراتها؛ تولد صداماً دائما بين مصالح قادة المستوطنين وموقف المستوى المهني المختص؛ تضطر الجيش إلى صرف طاقات وموارد في محاولات مواجهة ومعالجة أمال تخريبية تنفذها عناصر إرهابية يهودية ("تاغ محير") وتمسّ بالتضامن والتماسك الاجتماعيين.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات