أعد طاقم "معهد سياسة الشعب اليهودي"، عشية مؤتمره السنوي للعام 2017 الحالي الذي عقد أخيرا، ورقة لخص فيها التغيرات في الدول الغربية وخلفيتها وما تعبر عنه هذه التغيرات، واتجاهات تأثيرها المحتملة على مستقبل إسرائيل واليهود في العالم، أي اليهود غير الإسرائيليين. وسعى هذا المؤتمر إلى استشراف الاتجاهات المركزية وتقدير اتجاهاتها المحتملة .
وفي موازاة ذلك، حاول المؤتمر نفسه استشراف تأثير التطورات الحاصلة في إسرائيل على تعامل العالم الغربي تجاه إسرائيل واليهود في العالم.
في هذا الإطار تطرقت الورقة إلى تزايد قوة اليمين ونفوذ القومية الدينية في إسرائيل، وعزت ذلك إلى عدة أسباب أهمها: التغيرات الديمغرافية في إسرائيل وأزمة اليسار الإسرائيلي وعلامات الاستفهام حول النخب القيادية وانهيار أوسلو والادعاء الإسرائيلي بعدم وجود شريك فلسطيني للسلام وأزمة العلمانية الإسرائيلية والهزة التي يتعرض لها الشرق الأوسط.
وأضافت الورقة أن "الأمر المثير للاهتمام في هذا السياق هو التطور بين الوسط الصهيوني- الديني. فقيادة هذا الوسط تركز في السنوات الأخيرة على سعي علني وعدواني من أجل خلق قيادة أخلاقية وسياسية للدولة والمجتمع الإسرائيلي كله. ويتمسك الوسط الصهيوني – الديني برواية قومية متكاملة للصهيونية، لديها عدة ملامح: ترى في غاية العودة إلى صهيون وإقامة دولة يهودية لا بمفاهيم هرتسلية (نسبة إلى هرتسل مؤسس الصهيونية)، وإنما كتجسيد ضروري لمُثل دينية وقومية. وهي تميل إلى النظر إلى دولة إسرائيل على أنها ينبغي أن تعكس المصلحة اليهودية. وتسعى الصهيونية الدينية إلى إعادة بلورة أساس الصلاحية الفكرية- الأخلاقية الذي تم بناء مؤسسة القانون الإسرائيلية عليه، وأن تغرس في هذا الإطار تعبيرا أكبر عن المبادئ المستمدة من عالم الديانة والتراث اليهوديين، بدلا من المبادئ المستمدة من العالم العلماني - الليبرالي - الكوني".
ويسعى التيار الصهيوني – الديني إلى تنفيذ مسعاه هذا من خلال كتلة "البيت اليهودي" وشخصيات دينية بارزة في حزب الليكود، كما أنه يحاول تحقيق نفوذ كبير من خلال التأثير على السلك الحكومي والإعلامي وقيادة الجيش الإسرائيلي، الذي بات الضباط المتدينون فيه أكثر حضورا. وتسعى الصهيونية – الدينية إلى الاستيطان في الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل. كما تسعى إلى السيطرة على وزارتي العدل والتربية والتعليم. ويتولى هاتين الوزارتين وزيران من "البيت اليهودي".
وتوقعت الورقة بأن هذه الديناميكية في إسرائيل قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية لأن الغرب نفسه موجود في عمليات تقاطب شديد. و"بالنسبة لجماهير ليبرالية في الغرب، قد يتم تصوير إسرائيل كمن تبتعد عن القيم المشتركة بينها وبين الغرب. وهذا ليس بالضرورة بالنسبة لجماهير يمينية في الغرب، كتلك التي تؤكد على قوميتها أكثر من القيم الكونية وتزدري النظام الحالي".
كذلك توقعت الورقة أن تنتقد الجماهير الليبرالية في الغرب بشكل متزايد عدم وجود التزام إسرائيلي بتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني من خلال حل الدولتين، وأن تنتقد سن قوانين غير ليبرالية ودمج مضامين دينية يهودية في جهاز التربية والتعليم.
وأضافت الورقة أنه ستتزايد علامات الاستفهام حول إمكان سريان المعتقدات التقليدية حيال القيم اليهودية – المسيحية المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة، والتشكيك بالأساس القيمي للعلاقات الخاصة.
وقالت الورقة إن ميل إسرائيليين كثيرين إلى الدمج بين الثقافتين اليهودية والإسرائيلية من شأنه أن يؤدي إلى انعكاسات متناقضة، وأن يعمق الفجوة بين الثقافة اليهودية الإسرائيلية والثقافة اليهودية غير الإسرائيلية، و"كلما تزايد هذا التوجه يتراجع الرباط والهوية بين إسرائيل ويهود الشتات في عيون الغرب".
تغيرات في مكانة وقوة إسرائيل الإستراتيجية الحالية
قالت الورقة إن "التدقيق في قوة إسرائيل الإستراتيجية الراهنة يثير تقديرات متناقضة. وخلفية ذلك هو انعدام اليقين الإستراتيجي الذي يتميز به العالم والمنطقة"، وذلك بسبب الهزة الإقليمية وأيضا لأن "الحلبة الدولية ذات العلاقة بالشرق الأوسط ومناعة إسرائيل الإستراتيجية تمران بهزات كبيرة وبعيدة عن الاستقرار".
وعددت الورقة "تحديات إستراتيجية هامة" ماثلة أمام إسرائيل، وهي: الاتفاق النووي الإيراني، مخاطر الحرب مع حزب الله وحماس و"داعش" وتنظيمات إسلامية متطرفة أخرى في سورية، استمرار "انتفاضة الأفراد" في الضفة الغربية والقدس، انعدام اليقين حيال اهتمام الولايات المتحدة بأن تكون حاضرة في المنطقة، الدفع باتجاه تغيير نموذج حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، حملات مقاطعة إسرائيل ونزع شرعيتها.
لكن الورقة رأت أن ثمة "فرصا" أمام إسرائيل: فتح "صفحة جديدة" في العلاقات مع الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب، تعميق العلاقات مع "العالم السني المعتدل، المنفتح أكثر تجاه إسرائيل بسبب التهديد الإيراني وجهات إرهابية متطرفة"، و"تطبيق خطة سياسية تلجم خطر فقدان الهوية اليهودية الإسرائيلية في إثر التوجه نحو واقع الدولة الثنائية القومية".
وأشارت الورقة إلى أنه كلما نظر العرب إلى إسرائيل على أنها قوية إستراتيجيا وحليفة قريبة للولايات المتحدة، تتراجع الرغبة في الغرب بإملاء خطوات عليها تتعارض مع إرادتها، في القضية الفلسطينية وقضايا إستراتيجية أخرى. لكن "الابتعاد عن حل الدولتين على خلفية صعود ترامب وزيادة قوة اليمين من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد سياسي وأمني مقابل الفلسطينيين والتأثير سلبا على مكانة إسرائيل الدولية وعلاقاتها مع الدول العربية".
تغيرات ديمغرافية
أشارت الورقة إلى أنه توجد في إسرائيل أكبر جالية يهودية، وبحلول منتصف القرن الحادي والعشرين ستسكن أغلبية اليهود في العالم في إسرائيل. "وخلال التزايد الديمغرافي تتغير تركيبة السكان اليهود في إسرائيل. فغالبية اليهود هم من مواليد إسرائيل. ويعني ذلك أنهم كبروا في بيئة مشتركة، تعلموا في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، يسري عليهم واجب الخدمة العسكرية، وينكشفون طوال دورة حياتهم للتحولات في الدولة من النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية. وفي الوقت نفسه تتغير تركيبة السكان بموجب مستوى التدين. ويزداد عدد الحريديم والمتدينين مقابل ضعف المركز المحافظ وقسم قليل من العلمانيين. وفي الولايات المتحدة، كما في إسرائيل، يزداد ثقل الحريديم بين مجمل السكان اليهود. ويتميز يهود الشتات بنسب عالية من الزواج المختلط، الذي يبعد اليهود عن العلاقة مع المؤسسات اليهودية وما يعبر عن اليهودية في التعداد الشخصي والعائلي. ومن الجهة الثانية، فإن الزواج المختلط يوسّع الدوائر غير اليهودية التي لديها معرفة مع شخص ما يهودي بما يتيح التعرف عن طريقه على اليهودية وشعب إسرائيل".
بعد هذا الاستعراض الديمغرافي، قالت الورقة إن "الغرب يهتم أساسا بالنسب الديمغرافية بين اليهود وغير اليهود في المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، أي بما يعنيه ذلك من دلالة استمرار السيطرة الإسرائيلية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وربما بقرارات إسرائيلية مستقبلية حول ضم المناطق (المحتلة) أو قسم منها، وتأثيرها على الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل".
وأضافت أن لدى الغرب "اهتماما أقل بالتغيرات في التوازن بين الأوساط المختلفة في المجتمع الإسرائيلي. لكن بشكل خاص، هناك مراقبة للزيادة الحاصلة في أوساط الجمهور الديني والحريدي في أعقاب ميل هذا الجمهور غالبا نحو مواقف يمينية. إلى جانب ذلك، ففي أعقاب عدم الفصل بين الدين والدولة، تتطلع هذه الأوساط إلى تقوية الصبغة الدينية في الحياة العامة الإسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يعتبر محل تحفظ لدى أجزاء واسعة في الغرب الليبرالي". وأشارت الورقة، أخيرا، إلى المهاجرين الروس. فهؤلاء غير متدينين من جهة، لكنهم يميلون إلى اليمين السياسي من الجهة الأخرى. واعتبرت الورقة أن المهاجرين الروس في إسرائيل "مؤثرون وبإمكانهم زيادة توثيق العلاقات السياسية بين إسرائيل وروسيا".