خصص رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، قسما من خطابه حول التحديات الماثلة أمام الجيش الإسرائيلي، للساحة الفلسطينية. واعتبر أن "الحلبة الفلسطينية هي الحلبة الأكثر إزعاجا في المدى القصير. فبعد عشر سنوات من الهدوء النسبي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ومن واقع غير هادئ في جنوب دولة إسرائيل وثلاث جولات قتالية في قطاع غزة، بدأت في تشرين الأول من العام 2015 موجة تصعيد جديدة ذات ملامح مختلفة عن الماضي".
وكغيره من معظم المسؤولين الإسرائيليين، امتنع آيزنكوت عن رؤية الواقع في الضفة الغربية والقدس الشرقية والأسباب التي أدت إلى الهبة الشعبية المستمرة منذ عام. ووصف هذه الهبة بأنها عبارة عن "شبان وشابات من دون انتماء تنظيمي يخرجون دون إنذار سابق من أجل تنفيذ عمليات طعن بسكاكين، تجبي أحيانا ثمنا دمويا باهظا. وهذه عمليات إيحائية تتغذى مما يراه الشبان ويسمعونه في محيطهم القريب، وبضمن ذلك في وسائل الميديا الجديدة، حيث يمتصون أفكار داعش وباقي الجهات الإسلامية المتطرفة".
وأضاف أن "التوجه الأولي هو معالجة الأحداث الجديدة بواسطة إدخالها إلى القوالب المعروفة من الماضي. لكن ينبغي أن نعرف أن هذا وضع جديد، ومن أجل التعامل معه ينبغي أن نفهم التيارات العميقة النشطة في المجتمع الفلسطيني. والجيوش وأجهزة الاستخبارات تركز عادة على قطبين. القطب الأول يشمل صناع القرار وأجهزة القيادة للخصم، والقطب الثاني هو قدراتهم. والتيارات العميقة النشطة لدى الجانب الآخر هي موضوع يصعب فهمه، وهي الأكثر إزعاجا".
وتحدث آيزنكوت عن الفرق في تعامل الجيش الإسرائيلي مع الانتفاضة الثانية والتعامل الآن مع الهبة الشعبية. وقال إن "الأمر الذي وجّه الجيش الإسرائيلي بشأن مواجهة الإرهاب الفلسطيني في الماضي كان مفهوم الإحباط الذي اعتمد على تفوق استخباري وقدرة على منع عمليات قبل حدوثها. وهذا المفهوم استند إلى جمع معلومات استخبارية بشكل ممتاز على أيدي الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية وأجهزة أخرى. وظاهرة السكاكين الحالية تتجاوز العنصر الأكثر فاعلية في محاربة الإرهاب، أي الإنذار المبكر. واليوم تقع العملية من دون أي إنذار".
وفيما يتعلق بالمستوطنين، قال آيزنكوت إنه توجد في الضفة الغربية 161 مستوطنة يسكن فيها 400 ألف مستوطن تقريبا، منتشرين بين حوالي مليوني فلسطيني. وأضاف: "هاتان المجموعتان السكانيتان متداخلتان ببعضهما، الأمر الذي ينشئ تحديا عملانيا كبيرا. وواجب الجيش الإسرائيلي هو إحداث الأمن وتوفير الشعور بالأمن لدى سكان يهودا والسامرة" في إشارة إلى المستوطنين.
وادعى آيزنكوت أن "الجيش الإسرائيلي يتبع سياسة مدنية واسعة تجاه السكان الفلسطينيين، من خلال فصل واضح بين الضالعين في الإرهاب وباقي السكان". واعتبر أنه في إطار هذه السياسة تسمح سلطات الاحتلال بخروج 120 ألف فلسطيني للعمل داخل إسرائيل وفي المستوطنات، من أجل إعالة 600 - 700 ألف نسمة. واعتبر أن "هذا الأمر يشكل عامل لجم وهو مصلحة مشتركة لدولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مثل التنسيق الأمني المتبادل بينهما".
واستبعد آيزنكوت حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في السنوات المقبلة، وأكد أن العمليات التي ينفذها فلسطينيون ستستمر: "ظاهرة الإرهاب في يهودا والسامرة مستمرة منذ سنوات طويلة، ولا ينبغي أن يكون المرء خبيرا إستراتيجيا كبيرا أو رجل مخابرات كي يدرك أنها ستستمر لسنوات طويلة أخرى... والتحدي أمام الجيش الإسرائيلي هو جعل الإرهاب ضحلا والانتصار عليه في أي مكان يكون فيه هذا الأمر ممكنا، وتطبيق مسؤوليته بتوفير الأمن والشعور بالأمن، وتمكين المستوى السياسي من العمل بحرية في اتخاذ القرارات من موقع القوة وليس تحت ضغط الأحداث".
وتطرق إلى العدوان على غزة عام 2014، وقال إن "عملية ’الجرف الصامد’، التي استمرت 51 يوما، سببت أضرارا لكلا الجانبين، وخاصة للجانب الفلسطيني. ومنذ هذه العملية العسكرية تسود فترة من الهدوء النسبي في جنوب دولة إسرائيل. ورغم أن حماس تبذل جهدا كبيرا من أجل ترميم قدراتها، بما في ذلك قدرتها الصاروخية، وحفر أنفاق هجومية باتجاه دولة إسرائيل، إلا أن العام 2015 كان الأكثر هدوءا منذ سنوات، ولم يُخدش أي جندي ولم يُصب أي مواطن (في إسرائيل). وسقط 24 صاروخا أطلقت من قطاع غزة باتجاه الأراضي الإسرائيلية في مناطق مفتوحة ولم تحدث أضرار بالأنفس. ورغم ذلك، فإنه في هذه المنطقة أيضا يوجد احتمال لتفجر كبير في الوضع، نابع من المجهود الاستخباري – العملاني – الهندسي الكبير جدا الذي تنفذه حماس ومن المساعدات الإيرانية بعشرات ملايين الدولارات للحركة، وجزء منها فقط يُستثمر في الترميم والجزء الآخر يوجه إلى بناء قدرات ضد دولة إسرائيل".
تهديدات تتصاعد وأخرى تتراجع
وتوقع آيزنكوت تصاعد "تهديدين" في الفترة القريبة المقبلة. الأول هو "التهديد شبه التقليدي وشبه الدولتي من جانب حزب الله وحماس والجهاد العالمي وداعش. وستواصل هذه المنظمات محاولاتها من أجل تطوير صواريخ وجعلها دقيقة، وحفر أنفاق هجومية وتحسينها، وإرسال خلايا إرهابية وأنصارية. وسيكررون جمع أفكار آخرين من أجل تنفيذ هجمات مدوية، ودب الرعب والخوف، وبهذه الطريقة التوصل إلى إنجازات سياسية. والتهديد الثاني الذي سيتصاعد في المدى القريب هو التهديد في الفضاء الالكتروني. وخطر هذا التهديد نابع من إدراك من يمارسونه أن بالإمكان تنفيذه عن البعد والوصول إلى انجازات كبيرة. والتحديات في هذا المجال كبيرة، والجيش الإسرائيلي يعمل من أجل تعزيز الرد عليها".
في موازاة ذلك، رأى آيزنكوت أن هناك تهديدين سيتراجعان. الأول هو التهديد التقليدي من جانب جيوش لدول عدوة لإسرائيل "رغم أن الجيش الإسرائيلي مبني ومستعد لتهديد كهذا في المستقبل أيضا". والتهديد الثاني هو غير التقليدي، وسيتراجع خلال 3 – 5 سنوات لسببين: السبب الأول يتعلق بالاتفاق النووي بين إيران والغرب "الذي يؤدي إلى تراجع القدرة النووية الكامنة لدى إيران، بواسطة تفكيك قدراتها الموجودة ويعمق المراقبة على برنامجها النووي. إضافة إلى أن لإيران كما يبدو مصلحة قوية بالحفاظ على الاتفاق في سنواته الأولى من أجل التمتع بالامتيازات المقرونة به". والسبب الثاني هو إخراج السلاح الكيميائي من سورية "وهو ما أدى إلى أن التهديد الكيميائي على دولة إسرائيل لم يعود موجودا". لكن آيزنكوت لا يستبعد "استخداما محتملا لإرهاب غير تقليدي في إطار الصراع بين الخصوم وخاصة في سورية".