رأت دراسة جديدة أن على إسرائيل إعادة النظر في إستراتيجيتها السياسية والأمنية، على ضوء الزلزال الذي لا يزال يضرب الشرق الأوسط، في أعقاب ثورات "الربيع العربي"، منذ خمسة أعوام ونيّف، ولا تظهر نهايته في المستقبل المنظور. فهذا الزلزال، بحسب الدراسة، قوّض المنطق الجيو – سياسي الذي كان سائدا
في الحيّز العربي، واستند إلى دول كانت قائمة بموجب نموذج الدولة القومية، التي تشمل حكما مركزيا استبداديا وحدودا واضحة.
ووفقا لهذه الدراسة، التي صدرت مؤخرا في كتاب بعنوان "الحيّز العربي في مسار الفشل الدولتي" عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، وأعدها الباحثان كوبي ميخائيل ويوئيل غوجانسكي، فإن "للتحولات في الحيز العربي تبعات تتجاوز حدود الشرق الأوسط. فأوروبا مغمورة بملايين اللاجئين، ونشأت أزمة خطيرة وضعت صلابة الاتحاد الأوروبي أمام امتحان كبير، واشتدت المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، وبات الإرهاب، الذي مصدره في الشرق الأوسط، يشكل تهديدا خطيرا على الدول الغربية، وبضمنها دول أميركا الشمالية".
وتوقعت الدراسة بأن يتصاعد انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط، في الأعوام الخمسة المقبلة، وأن الدول العربية، مثل الأردن والمغرب والسعودية ودول الخليج، التي "ما زالت اليوم تعمل بشكل معقول ستتحول هي أيضا إلى دول فاشلة وحلبة مواجهات متصاعدة"، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على اقتصاد المنطقة كلها.
وكتب رئيس "معهد أبحاث الأمن القومي"، عاموس يدلين، وهو الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، في تقديم الكتاب، أن "هدف هذا الكتاب هو استعراض صورة الواقع في الشرق الأوسط من زاوية ظاهرة ’الدول الفاشلة’، والوقوف عند أسباب ومميزات هذه الظاهرة في كل واحدة من الدول العربية وانتشارها في الحيز. ويحاول المؤلفان تقييم دلالات وتبعات هذه الظاهرة في السياق الإقليمي والدولي عموما وفي سياق تسوية محتملة تقوم بها إسرائيل مع الفلسطينيين خصوصا".
وشددت الدراسة على أنه "يوجد لظاهرة الدول الفاشلة في الشرق الأوسط تأثير مباشر على طبيعة التهديدات الإقليمية التي يتعين على إسرائيل مواجهتها". والأمر الأبرز في الوضع الجديد في المنطقة بالنسبة لإسرائيل، هو أنها لم تعد تواجه دولا أو جيوشا نظامية، وإنما منظمات غير دولتية. وقد عبرت عن ذلك وثيقة "إستراتيجية الجيش الإسرائيلي"، التي نُشرت في شهر آب من العام الماضي: "التهديدات على دولة إسرائيل هي التالية: دول بعيدة، أي إيران، وقريبة، أي لبنان، ودول فاشلة وفي مسار تفكك، أي سورية، ومنظمات غير دولتية، مثل حزب الله وحماس، أو منظمات إرهابية لا علاقة لها بدولة أو مجتمع معين، أي الجهاد العالمي والجهاد الإسلامي الفلسطيني وداعش وغيرها".
وأشارت الدراسة إلى توجهات "متفائلة" في إسرائيل، ترى أن ثمة فرصا لإسرائيل في الوضع الجديد، مثل بناء علاقات مع أقليات في المنطقة يمكن أن تحصل على استقلال أو حكم ذاتي في المستقبل. لكن الدراسة أشارت إلى صعوبة تحقق ذلك، لأن الدروز في سورية يدعمون النظام في دمشق، وإقامة علاقات قوية مع الأكراد في العراق وسورية تهدد علاقات إسرائيل مع تركيا. من جهة ثانية، أشارت الدراسة إلى إمكانية تحسين العلاقات مع "الدول السنية المعتدلة"، أي السعودية ودول الخليج، إضافة إلى مصر والأردن، وذلك على خلفية تقاطع مصالح ووجود "أعداء مشتركين"، هم إيران والحركات الجهادية وحتى الإخوان المسلمين.
ما هي "الدولة الفاشلة"؟
ثمة عدة تسميات وتعريفات ومميزات وضعها خبراء في العلوم السياسية لظاهرة "الدولة الفاشلة". وإضافة إلى هذا المصطلح هناك مصطلحات "دولة هشة"، "دولة منهارة"، "فشل دولتي"، "دولة الأزمة" و"دولة هشة نتيجة صراع".
ويتم تعريف دولة بأنها "فاشلة" عندما تظهر فيها قدرة متدنية أو حتى معدومة على توفير الأمن لمواطنيها، كأفراد ومجموعة. وتتميز دولة كهذه بقدرة حكم متدنية من جانب الحكم المركزي نتيجة لضعفه. وحكم ضعيف هو حكم تكون شرعيته محدودة أو أنه فاقد للشرعية وليس قادرا على احتكار ممارسة وسائل قوة لتطبيق حكمه. والدولة تصبح فاشلة عندما تصاب مؤسساتها وصلاحياتها تجاه الداخل والخارج بفشل مطلق وتنهار.
ولفتت الدراسة إلى أن "شرطا ضروريا من أجل ممارسة الحكم في مجتمعات ديمقراطية هو الشرعية. وبغياب الشرعية، النابعة من ثقة الشعب بالمؤسسات والقيادة، فإنه لا يمكن تحقيق القدرة على الحكم. وسبب ذلك هو أن القدرة على الحكم تستوجب في أحيان كثيرة تعريف أهداف واستخدام وسائل تمس بحقوق المواطنين وحريتهم وجودة حياتهم. ومس كهذا يستوجب موافقة المواطنين مسبقا أو لاحقا. وفي الدول الاستبدادية بالإمكان السيطرة من دون الحصول على ثقة الجمهور وبواسطة ممارسة وسائل إكراه وقمع واستبداد. ويثير الحكم الدكتاتوري إحباطا واغترابا، وهذا يُترجم، عندما تسنح الظروف، إلى احتجاجات ومقاومة وعنف من جانب مجموعات اجتماعية تشعر أنها مسلوبة ومستبعدة عن مراكز القوة والتأثير".
وتتميز دولة تتجه نحو الانهيار بشلل مراكز صناعة القرار وبتفتت التماسك الاجتماعي، ولا تعود قادرة على ممارسة سيادة أمنية وسلطوية في مناطق سيادتها. وفي ظروف كهذه تتوقف الدولة، في نظر سكانها، عن كونها ذات علاقة بالنواحي الاجتماعية – الاقتصادية. وغالبا ما تتحول دولة إلى فاشلة بصورة تدريجية ومتواصلة وليس كحدث فجائي. ويمكن أن تتحول دول تعاني من تجزئة داخلية، على خلفية دينية أو طائفية أو عرقية، وتتميز بمؤسسات ضعيفة أو مشلولة عن العمل، إلى دول فاشلة. وتجري الأمور في دول كهذه من خلال دائرة سحرية، بحيث يصعّد ضعف المؤسسات تجزئة الدولة، وهذه التجزئة تضعف المؤسسات وشرعيتها. ولكن بشكل ينطوي على تناقض، فإن دائرة سحرية كهذه يمكن أن تساهم في تقوية أنظمة استبدادية، حتى لو كانت تعاني من فشل مزمن.
وأشارت الدراسة إلى أن "الفشل الدولتي" موجود في محور يربط بين وضعين أساسيين. الوضع الأول يعكس أزمة متصاعدة، والثاني تكون فيه الدولة في حالة انهيار، أي في ذروة أزمتها. ويميز الوضع الأول الدول التي تكون مؤسسات الحكم فيها غير قادرة على منع أزمة داخلية وحتى أنها تسهم في استفحالها بواسطة سياسة تؤدي إلى عدم مساواة اجتماعية واقتصادية وسياسية متطرفة بين مواطني الدولة. "وتتميز دول كهذه بمستويات متدنية من التطور البشري والاجتماعي، وبقدرة متدنية على الحكم وصراعات داخلية تقلل من قدرة السلطة المركزية على تزويد خدمات أساسية للمواطنين. ومثال لدول كهذه هي العراق ولبنان والسلطة الفلسطينية". ومثال على الدول في حالة انهيار هي سورية وليبيا واليمن، حيث ليس باستطاعة السلطات فيها توفير الأمن والخدمات الأساسية للمواطنين، ولا تكون قادرة على السيطرة بشكل فعلي في أراضي الدولة.
وتوجد لكافة "الدول الفاشلة" ثلاثة مميزات بارزة ومشتركة، وهي حكم ضعيف وفاقد للشرعية، وفقر عميق، وصراع داخلي متواصل. ووفقا للدراسة، فإنه "كلما كان مستوى أداء مؤسسات الدولة متدنيا أكثر وكلما كان مستوى الشرعية التي يمنحها الجمهور لمؤسسات الحكم متدنيا أكثر وكلما كانت الضائقة وقوة الصراعات الداخلية والخارجية أعلى، يتدهور مكان الدولة على المحور الذي يمثل مستوى الفشل الدولتي".
وأضافت الدراسة أن الجانب الآخر لهذه المعادلة، هو أنه "كلما كانت الدولة أقرب إلى الطرف السلبي لمحور الفشل، يزداد احتمال انتشار وسيطرة جهات غير دولتية وأخرى من التي تسعى إلى أن تكون بديلا للدولة. وغالبا ما تكون هذه مجموعات متنوعة تتميز بأيديولوجية ثورية ودينية ومتطرفة، تحاول السيطرة على الحكم أو على الأقل التأثير عليه وبلورته بوسائل عنيفة. وأحيانا تستعين هذه الجهات، التي تسعى للسيطرة على الحكم، بأوصياء خارجيين. ويسرّع تدخل خارجي كهذا، في غالب الأحيان، تدهور الدولة على محور الفشل الدولتي باتجاه انهيار مطلق".
يشار إلى أن المعايير التي تستخدم لتحديد موقع أي دولة في مؤشر الدول الفاشلة، هي أيضا بمثابة مؤشرات تحذير لتشخيص مسبق لعملية الفشل الدولتي. ويرى خبراء في العلوم السياسية أنه بالإمكان استغلال مؤشرات تحذير كهذه من أجل تنفيذ عمليات وقاية مسبقة على شكل مساعدات دولية من أجل إعادة الدولة المتدهورة إلى مسار سليم. وأحد مؤشرات التحذير الهامة هو ضعف السلطة المركزية وتزايد قوة جهات كثيرة تستولي على صلاحياتها. ومؤشر آخر هو بدء أذرع استخدام القوة التابعة للدولة بأخذ القانون في أيديها والعمل وفق مشيئتها.
من جهة أخرى، أكدت الدراسة على أن "الدولة الفاشلة تتحول من مشكلة محلية إلى مشكلة عالمية. فالإرهاب لا يبقى أبدا في حدود الدولة الفاشلة فقط، كما أن حشود اللاجئين النازحين يتوزعون في نهاية الأمر في دول عديدة. وبكلمات أخرى، فإن أية دولة فاشلة تمس عمليا بالنظام العالمي بهذا القدر أو ذاك".
وتسهم العولمة، خاصة في العقدين الأخيرين، في تدهور دول العالم الثالث في مؤشر الأداء إلى أدنى درجات الدول الفاشلة. كذلك تتميز الدول الفاشلة بالفساد. والأخطر من ذلك هو فقدان الأمن الشخصي في دول كهذه. ونتيجة لعدم قدرة الدولة على تزويد مواطنيها باحتياجات أساسية، تظهر منظمات وحركات تأخذ على عاتقها قسما من مهام الدولة. لكن غالبا ما تكون هذه جهات لديها مصالح اقتصادية وسياسية ودينية وما إلى ذلك، ورغم أنها تزود خدمات للمواطنين لكنها تهتم أكثر بمصالحها الذاتية. كما أن الدول الفاشلة "تشكل أرضا خصبة لمنظمات إرهابية وإجرامية تنشط دون عائق".
وتوقعت الدراسة ألا تغيب ظاهرة الدول الفاشلة عن العالم في المستقبل المنظور، وأن الصدام بين الدول المستقرة والدول الفاشلة حتمي ولا يمكن منعه. وأحد أسباب صدام كهذا هو "التهديد الأمني من جانب الدول الفاشلة. ففي أراضيها تنشط، ومنها تنطلق، منظمات إرهابية تنجح في تصدير الإرهاب إلى دول مستقرة، حتى عندما لا توجد حدود مشتركة بينها".
الدولة الفلسطينية
اعتبرت الدراسة أن إسرائيل لا يمكنها الموافقة على قيام دولة فلسطينية في ظل هذه التطورات. وجاء فيها "إذا قامت دولة فلسطينية فاشلة، في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية)، يمكن أن تتحول أراضيها أيضا إلى قاعدة نشاط لجهات تنتمي للدولة الإسلامية. وفي قطاع غزة تنشط جهات كهذه بصورة علنية، بينما هي موجودة في مناطق يهودا والسامرة، لكن نشاطها ما زال ملجوما بسبب وجود الجيش الإسرائيلي. ودولة فلسطينية تكون فاشلة مثل سورية أو العراق ستشكل خطرا على جميع جيرانها. فهي ستشكل خطرا على إسرائيل بسبب قربها من مراكز التجمعات السكانية في إسرائيل وبسبب وجود أقلية فلسطينية كبيرة داخل الخط الأخضر، وهي أقلية يوجد في هامشها تأييد للدولة الإسلامية. وهي ستشكل خطرا على الأردن، الذي أغلبية سكانه هم فلسطينيون ويوجد فيه اليوم نواة تأييد كبيرة لداعش. وهي ستزيد من شدة مشاكل مصر، التي تواجه اليوم نشاط منظمات إرهابية في سيناء والتي تحصل على مساعدة كبيرة من حماس".
وأوضحت الدراسة أنه "توجد لإسرائيل مصلحة بالغة الأهمية في استقرار مصر والأردن، إذ أن اتفاقيتي السلام بينها وبينهما هي مرساتها الإستراتيجية في الحيز".
اللافت في الدراسة لدى تناولها الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، أنها تتعامل بنوع من الديماغوغية مع موضوع الدولة الفلسطينية.
فالباحثان لا يتطرقان إلى تقارير دولية حول أهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة من أجل المساهمة في تهدئة التوترات في المنطقة. كذلك تعتبر الدراسة أن الأسباب الأهم للتأخر في الأداء الفلسطيني هي عوامل فلسطينية داخلية، وتتجاهل استقواء إسرائيل مقابل الضعف الفلسطيني، سواء كان ذلك من خلال التوسع الاستيطاني الرهيب في الضفة والقدس أو من خلال القوة المفرطة المرعبة التي تستخدمها إسرائيل ضد قطاع غزة وتشديد الخناق على سكانه بواسطة الحصار. وعموما لم تتطرق الدراسة إلى الاحتلال وممارساته على مدار 50 عاما، والمؤامرات التي حاكتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، كأفراد ومجموعة وسلطة وطنية.
وفي مقابل ذلك، اقتبست الدراسة من أقوال المستشرق أهرون ميلر، بأنه "هل العالم بحاجة إلى دولة فلسطينية ضعيفة أو فاشلة؟". كذلك اقتبست أقوال وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كسينجر، وتساؤله عن "المنطق في إقامة دولة عربية فاشلة في فلسطين، ستنضم إلى الدول العربية الفاشلة الأخرى. إن هذه خطوة خطيرة على ضوء تزايد قوة إيران والدولة الإسلامية التي تتغلغل إلى كل دولة عربية فاشلة من أجل توسيع مناطق نفوذها".
وقالت الدراسة إنه كان واضحا لإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، أن السلطة الفلسطينية لا يمكن أن تُبنى وتتطور من دون مساعدة دولية، وأن المجتمع الدولي ضخ مساعدات واسعة النطاق منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، في أيار العام 1994. وادعت الدراسة أنه "طوال سنوات حكم (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات واجه المجتمع الدولي صعوبة في إجراء مراقبة نوعية حول شكل استخدام أموال المساعدات، إذ أن عرفات تمسك بالثقافة السياسية الثورية ورفض الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. وحرص عرفات على وجود أجهزة متنافسة كثيرة، وخاصة أجهزة أمنية، من أجل منع وضع تزداد فيه قوة جهاز ما ويهدد مكانته... وعمل على وجود عزل بين المنظمات والأجهزة التي أقامها. وبواسطة تنمية الخصومة بين هذه الأجهزة، نجح في ضمان سيطرته المطلقة عليها وعلى مواردها".
وبحسب الدراسة فإن "عرفات رسخ بطريقة أدائه الفساد وانعدام النجاعة والشفافية وزاد من شعور المواطنين بالاغتراب حيال السلطة الفلسطينية وقيادتها". وأضافت أن انتخاب الرئيس محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية "لم يؤد إلى حدوث تغيير جوهري في طريقة أداء السلطة".
لكن الدراسة أشارت إلى "بروز براعم تغيير لدى تعيين سلام فياض في منصب وزير المالية، وتحولت إلى أمل حقيقي بعد تعيينه رئيسا للحكومة". لكن سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، في العام 2007، والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة في أعقاب ذلك، "عرقل بالكامل قدرة تأثير حكومة فياض على ما يحدث في القطاع... ورغم ذلك، رأى المجتمع الدولي في فياض شريكا وفيا لكل ما يتعلق باستغلال السلطة لأموال المساعدات، إذ أنه خلال ولاية فياض في رئاسة الحكومة جرى بذل جهد حقيقي في بناء مؤسسات الدولة التي في الطريق، وتأهيل قوات الأمن، وتحسين أجهزة تطبيق النظام وسلة القانون وتحسين جباية الضرائب".
وتابعت الدراسة: "لكن جهود فياض هذه أبعدت قياديي فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عن امتيازات الحكم ومواقع التأثير، وأصبح فياض عدوهم، ولم يهدأ لهم بال حتى تمكنوا من تصفيته سياسيا ودفعه إلى الاستقالة".
واعتبرت الدراسة أنه "لا توجد أية نية لدى حماس للتنازل عن سيطرتها على قطاع غزة، لأنها تشكل الذخر الإستراتيجي الأهم بحوزتها. وبنظر حماس، السيطرة على غزة هي خشبة القفز لسيطرة مستقبلية على السلطة الفلسطينية... واحتمالات توصل الفلسطينيين إلى إجماع من أي نوع وتحقيق قدر معين من التكتل الاجتماعي ضئيلة. وبغياب هذه الأمور ستكون هناك صعوبة أمام الفلسطينيين، وفي المستقبل أيضا، في إقامة كيان سياسي يؤدي مهامه".
ووفقا للدراسة، فإنه من أجل منع تحول دولة ما إلى دولة فاشلة، تؤكد الأدبيات التي تتناول هذه الظاهرة على وجود أهمية بالغة لبناء المؤسسات وترسيخ القدرة على الحكم، وخاصة الحرص على الحفاظ على القانون. ومن أجل تحقيق ذلك، يتعين على الدولة التأكد من أن ممارسة القوة تكون حكرا بيديها فقط. إلى جانب ذلك، تولي هذه الأدبيات أهمية كبيرة لخطوات ديمقراطية، لكي يتمكن جميع المواطنين من المشاركة في العملية السياسية، ولصياغة دستور يضع البنية التحتية لانتخابات حرة.
وبحسب الدراسة، فإنه إضافة إلى الانقسام الحاصل بين الضفة والقطاع، "تنشط في الضفة الغربية أيضا منظمات مسلحة تتحدى السلطة الفلسطينية وتنجح في إدارة مناطق بأكملها لا تتمكن أجهزة الأمن الفلسطينية من الدخول إليها. وعلى الأرجح أنه من دون عمليات الإحباط المتواصلة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي والشاباك لتحولت الضفة الغربية إلى قاعدة نشاط لتنظيمات إرهابية تخرج منها عمليات دائمة ضد إسرائيل... وعمليا، أثبتت السلطة الفلسطينية بصورة منهجية عدم رغبة أو عدم قدرة على تأسيس احتكار ممارسة شرعية للقوة، وهو عنصر أساس في تعريف الدولة الناجحة".
استخلاصات الدراسة
اعتبرت الدراسة أن "الدول الفاشلة في الشرق الأوسط تشكل خطرا على مكانة إسرائيل السياسية أيضا". وفسر الباحثان هذا الادعاء بأن المواطنين المسلمين في أوروبا وأميركا ينضمون إلى المنظمات الجهادية المتطرفة التي تحارب في سورية والعراق وليبيا. وبعودتهم إلى دولهم، في الغرب، يكونون قد أصبحوا "إرهابيين مدربين" ومليئين بمشاعر الكراهية للغرب. و"تصاعد الإرهاب الجهادي في أوروبا يدفع على الأقل قسما من زعماء الدول هناك إلى إبداء موقف صارم أكثر تجاه إسرائيل. وينبع هذا الموقف من الرغبة في مصالحة المجتمعات المسلمة التي يتزايد حجمها في أوروبا، وأيضا بسبب المفهوم الخاطئ بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو أحد أسباب التدهور في الشرق الأوسط وأن تسوية إسرائيلية – فلسطينية ستؤدي إلى تهدئة وتراجع ضغوط الهجرة والمخاطر الأمنية".
وأضافت الدراسة أن الفشل الدولتي الحاصل في العديد من دول المنطقة "تحول إلى تحد إستراتيجي هام بالنسبة لإسرائيل. ويحتم هذا التحدي الإستراتيجي على إسرائيل أن تعيد تعريف مصالحها الإستراتيجية في مقابل كل واحدة من جبهات الحيز الإقليمي وتحسين صندوق الأدوات الذي بحوزتها لغرض تطوير إستراتيجيات تسمح بردود ملائمة... وقد يصبح التحدي الإستراتيجي معقدا وخطيرا أكثر إذا تحولت السلطة الفلسطينية إلى دولة فاشلة".
ولفتت الدراسة إلى أنه في ظل الوضع الناشئ في المنطقة، وخاصة في دول الدائرة الأولى والأقرب، أي لبنان وسورية وسيناء، "تنشط جهات عديدة، ولا يشكل أي منها ’عنوانا’ بالإمكان ردعه أو معاقبته أو إجراء نوع من الحوار معه. وعندما لا يوجد من يمكن ردعه، تفقد إسرائيل قدرتها على الردع، التي هي أحد أسس مفهومها للأمن القومي".
وأخيرا، فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، قالت الدراسة إنه "يبدو أنه نضجت الظروف الآن لإطلاق مبادرة إسرائيلية لاستئناف العملية السياسية على أساس فكرة عملية مسؤولة لبناء دولة فلسطينية مستقلة... وينبغي أن نتذكر أن استمرار الوضع القائم قد تكون له عواقب شديدة على اتفاقيتي السلام (مع مصر والأردن) وعلى احتمال التوصل إلى تسويات سياسية أخرى مع جيراننا".