أقرت الحكومة الإسرائيلية، في جلستها يوم الأحد قبل الأخير، 19 حزيران الجاري، تحويل ما مجموعه 82 مليون شيكل جديد إلى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، هبات إضافية أخرى تُضاف إلى "الميزانيات الجارية" للمستوطنات ويبدأ تحويلها بصورة فورية. وينص القرار الحكومي، الذي جاء بناء على اقتراح رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وبتوصية منه، على أن تتحمل غالبية الوزارات الحكومية المختلفة عبء هذه الهبات الإضافية للمستوطنات، باقتطاعها من ميزانياتها (الوزارات) العادية الجارية، وفي مقدمتها بالطبع وزارات المالية، التعليم، الصحة، الرفاه الاجتماعي، الداخلية، الزراعة والصناعة وغيرها!
ويقضي قرار الحكومة بأن تقوم وزارة الداخلية، على الفور، برصد "هبة لمرة واحدة" بمبلغ 15 مليون شيكل للسلطات المحلية في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وذلك "لتغطية مصروفاتها الخاصة الناجمة عن الوضع الأمني"! كما تقوم وزارة الزراعة بتحويل "هبة لمرة واحدة" مبلغها الإجمالي 10 ملايين شيكل لهذه السلطات نفسها "لغرض تحويل مبانٍ مؤقتة في المستوطنات إلى مبان ثابتة دائمة ولغرض ترميم مبان عامة"!
وتتكفل وزارة الصحة باقتطاع مبلغ 6 ملايين شيكل من ميزانيتها العادية لتحويله إلى المستوطنات في الضفة الغربية، موزعا على ثلاث سنوات، من أجل "تفعيل مراكز مناعية في المستوطنات، من أجل تعزيز استعداد المستوطنات وجاهزيتها لأي وضع طارئ ولتقديم ردود نفسية ـ اجتماعية للسكان في المستوطنات"! وترصد وزارة التعليم لهذه المستوطنات مبلغا مماثلا (6 ملايين شيكل) تخصصه "لمعالجة أبناء الشبيبة في حالات الخطر"، بينما تقتطع وزارة الداخلية من ميزانيتها مبلغ 5ر1 مليون شيكل يُرصد لـ"برنامج خاص لمنع العنف بين أبناء الشبيبة"!
أما وزارة الرفاه الاجتماعي فقد تقرر أن تقتطع من ميزانيتها مبلغ 6 ملايين شيكل لتحويله إلى المستوطنات في الضفة الغربية لغرض "توسيع وتعميق أعمال الرفاه الاجتماعي بين السكان"! وتساهم "وزارة المساواة الاجتماعية" بمبلغ مليونيّ شيكل ترصدهما "لتوسيع وتعزيز النشاطات العامة لصالح الجمهور" في المستوطنات! وتساهم وزارة العلوم بمبلغ مليون شيكل من ميزانيتها لتعزيز وتوسيع نشاطاتها في المستوطنات، بينما تقدم وزارة الاقتصاد مليون شيكل لدعم المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة في المستوطنات. وتقدم وزارة المالية مليونيّ شيكل لمساعدة صندوق القروض الخاصة، بكفالة الدولة، للمصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة في المستوطنات. وتساهم وزارة السياحة بمبلغ 5ر5 مليون شيكل لتطوير وتوسيع القطاع السياحي ومرافقه في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
وإذا كانت الحكومة قد تذرعت، في قرارها تحويل هذه المبالغ الإضافية إلى المستوطنات، بما تسميه "الوضع الأمني" الذي تعيشه المستوطنات في الضفة الغربية وما يحيط بها من "تهديدات" و"مخاطر"، فإن التحقيق الذي أعدّه "مولاد ـ مركز تجديد الديمقراطية" الإسرائيلي يثبت أن هذه الأموال سترصد للمستوطنات لتمويل النشاطات والفعاليات التالية على وجه الخصوص: مخيمات علمية، تعزيز النساء وتطوير السياحة في المستوطنات. ويكشف هذا التقرير أن هذه "الهبات لمرة واحدة" تضاف إلى "هبة لمرة واحدة" أخرى بمبلغ 340 مليون شيكل كانت الحكومة قد قدمتها للمستوطنات على هيئة "إكرامية" لحزب "البيت اليهودي" (بقيادة نفتالي بينيت) لقاء قبوله بتولي حقائب وزارية في الحكومة، تضاف أيضا إلى "هبة لمرة واحدة" أخرى بمبلغ 70 مليون شيكل قدمتها الحكومة سابقاً لتمويل "ترميم مراكز وقاعات عامة، بناء وإقامة متنزّهات عامة في المستوطنات"! بما يعني أن "لا شيء بينها وبين المسائل الأمنية حقا"!
ومن نافل القول التذكير بأن هذه "الهبات لمرة واحدة" بمبالغها الكبيرة هذه إنما تأتي زيادة على الميزانيات الحكومية العادية المرصودة لهذه المستوطنات في إطار الميزانية العامة للدولة وإضافة، أيضا، إلى ما تدرّه عليها "الهستدروت الصهيونية" وأذرعها المختلفة، وخاصة "وحدة الاستيطان" فيها، فضلا عما تجنده من دعم وتبرعات مالية طائلة من اليهود في شتى أنحاء العالم!
ويؤكد تحقيق "مركز مولاد"، ضمن مشروع "61" لإعداد التحقيقات الاستقصائية، أن "هذا هو سلم الأولويات القومية لدى حكومة نتنياهو: المستوطنات فوق كل شيء! فوق أمن مواطني إسرائيل، فوق حماية وتأمين البلدات الإسرائيلية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، فوق تعزيز وتطوير الأطراف النائية، فوق التعليم في داخل حدود الخط الأخضر... فوق كل شيء"!
تمييز حكومي منهجي ودائم لصالح المستوطنات!
هذا النهج الحكومي الواضح في التمييز الدائم لصالح المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية كانت قد كشف تفاصيله أيضا، بالأرقام والمعطيات، تقرير شامل أعده مركز "ماكرو لدراسات الاقتصاد السياسي" ونشرت صحيفة "ذي ماركر" الإسرائيلية نتائجه يوم 7 نيسان الأخير.
ويقول تحقيق "مولاد" إنه "منذ سيطرة اللوبي الاستيطاني، الممثل في حزبي الليكود والبيت اليهودي، على كعكة الميزانية، أصبح سكان يهودا والسامرة (أي: المستوطنون اليهود في الضفة الغربية) ينعمون بتمييز للأفضل في جميع مجالات الحياة، تقريبا ـ على حساب سكان الأطراف في إسرائيل، طبعا ـ بينما لا يرتدع ممثلوهم في الكنيست والحكومة عن استخدام أية وسيلة، بما فيها الكذب والتهديد، لابتزاز المزيد من أجلهم"!
ولفت تحقيق "مولاد" إلى أن رؤساء السلطات المحلية في المستوطنات شاركوا، الأسبوع قبل الماضي، في "مسيرة المساواة" التي احتج منظموها والمشاركون فيها على التمييز في الميزانيات الحكومية ضد مدن وبلدات الأطراف في إسرائيل. وقال التحقيق: "التلون الذي أبداه هؤلاء مذهل ولا حدود له: فهم يعلمون جيدا أن الأموال اللازمة للأطراف، لزوم الهواء للرئتين، تتدفق إلى أيديهم هم منذ سنوات. ففي العام الماضي، 2015، بلغت مخصصات الدولة (الحكومة) لكل فرد من سكان المستوطنات ما يعادل 128% من مخصصاتها للفرد الواحد من سكان منطقة الجليل و 200% (ضعفان!) من مخصصاتها للفرد الواحد من سكان منطقة وسط البلاد. ولا شك في أن رؤساء السلطات في المستوطنات يعرفون هذه الحقيقة، لأن هذه الأموال تُحوَّل إلى المواطنين من خلال السلطات المحلية وبواسطتها"!
التمييز لصالح المستوطنات ـ بعض الأرقام!
يعرض تحقيق "مولاد" صورة مفصلة، بالمعطيات والأرقام، عن سياسة التمييز الحكومية المنهجية لصالح المستوطنات وتفضيلها على أية بلدات أو مدن (يهودية!) في داخل إسرائيل وتفضيل المستوطنين هناك على أي قطاع من المواطنين (اليهود!) في داخل إسرائيل. ونقتطف هنا بعضا بارزا ودالّاً من هذه المعطيات، مع الإشارة الضرورية إلى أن الأرقام حول المخصصات للمواطنين في داخل إسرائيل هي أرقام المتوسط التي تعكس الصورة لدى المواطنين اليهود، إجمالا وبشكل أساس. وهذا يعني أن المبالغ التي يحصل عليها المواطنون العرب ـ في أي من المجالات المذكورة هنا ـ هي أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها "المواطنون في داخل إسرائيل"!
• المدارس: تستثمر الدولة (أي: تخصص الحكومة!) لكل طالب في أي من المستوطنات التي تعرَّف بأنها "معزولة" مبلغاً يعادل ضعفيّ (200%) ما تستثمره في أي طالب من سكان بلدات ومدن الأطراف في داخل إسرائيل. فبينما تخصص وزارة التربية والتعليم للطالب الأول (في المستوطنات "المعزولة") مبلغاً يصل، بالمتوسط، إلى 12899 شيكلا في السنة، يحصل الطالب في منطقة النقب، مثلا، على 6761 شيكلا في السنة، فقط!
وعلاوة على هذا كله، ترصد وزارة التربية والتعليم مبلغاً سنوياً إضافيا (إضافة إلى ميزانياتها "العادية") للمستوطنات في الضفة الغربية يصل إلى 1ر81 مليون شيكل في السنة!
• حضانات الأطفال: تحصل حضانات الأطفال في المستوطنات من وزارة التربية والتعليم على مبالغ تزيد بآلاف الشواكل عما تحصل عليه حضانات الأطفال في وسط البلاد وضواحيها. فالطفل في إحدى مستوطنات منطقة الخليل، مثلا، يحصل على ميزانية تزيد بـ 30% عن الميزانية التي يحصل عليها الطفل في مدينة عسقلان (أشكلون) أو أسدود (أشدود). وبينما تبلغ الميزانية المخصصة لكل طفل في مستوطنة "كارني شومرون" نحو 14 ألف شيكل في السنة، تبلغ ميزانية الوزارة/ الدولة المخصصة للطفل في مدينة عراد (في الجنوب) نحو 2ر10 آلاف شيكل!
• الحضانات اليومية (في ساعات النهار، للأزواج العاملين): أكثر من ثُلث ميزانية الحضانات اليومية في إسرائيل تم تحويله إلى المستوطنات! فمن أصل 73 مليون شيكل تم تخصيصها بداية للحضانات النهارية في "كل أنحاء إسرائيل"، تم اقتطاع 26 مليون شيكل وتحويلها إلى سلطة محلية واحدة هي ـ "المجلس الإقليمي شومرون"، الذي يجمع تحت سقفه عددا من المستوطنات (الصغيرة، نسبيا). ومعنى هذا أن 35% من ميزانية الوزارة المخصصة للحضانات النهارية في البلاد كلها تم تحويلها لصالح ما يعادل 5% فقط من السكان!
• هبات التطوير: تقدم وزارة الداخلية للسلطات المحلية المختلفة هبات للتطوير حسب مفتاح/ مقياس واحد موحد: عدد السكان الذين يقيمون في نطاق كل سلطة محلية. وبينما تبلغ "هبة التطوير" المخصصة للمواطن الواحد في داخل إسرائيل (في الوسط اليهودي) 335 شيكل، تبلغ هذه الهبة نفسها للمستوطن الواحد في مستوطنات الضفة الغربية ألف شيكل!
• هبة موازنة: هبة الموازنة هي مبالغ "دعم" ترصدها الدولة للسلطات المحلية، كجزء من ميزانياتها، وفق المفتاح التالي: 650 شيكل، بالمتوسط، لكل مواطن من سكان السلطة المحلية المعنية. أما في المستوطنات في الضفة الغربية، فيقفز مبلغ "هبة الموازنة" إلى 1700 شيكل لكل فرد من سكانها!
• هبات في حالات الطوارئ: في العام 2014، وهو العام الذي شنت إسرائيل خلاله حرب "الجرف الصامد" العدوانية على قطاع غزة، دفع "قسم الاستيطان" ما نسبته 10% فقط من ميزانيته للبلدات اليهودية في جنوب البلاد (عند الحدود مع قطاع غزة). وبلغ حجم مخصصات "قسم الاستيطان" للمواطن اليهودي في الجنوب 26 شيكل فقط، بينما بلغ حجم مخصصاته للمستوطنين في "جبل الخليل" 1496 شيكلا للمستوطن الواحد! وكذلك في ميزانية "المناعة الاجتماعية": حصل كل فرد من سكان المستوطنات على مبلغ يعادل 10 أضعاف (!!) ما حصل عليه كل فرد كم سكان جنوب إسرائيل (اليهود).
• البناء: يبلغ حجم البناء الحكومي الإجمالي في مستوطنات الضفة الغربية أكثر من ضعفيّ حجمه في داخل إسرائيل، وهو مبلغ يزداد باستمرار كل عام، حتى أصبحت ميزانية البناء الحكومي الجديد في المستوطنات في العام 2016 أكثر بـ 95% عما كانت عليه في العام السابق، 2015.
ميزانية المستوطن ـ أكثر بـ 66% من ميزانية الإسرائيلي!
ويشمل تقرير مركز "ماكرو لدراسات الاقتصاد السياسي" المذكور آنفا معطيات أخرى تؤكد ما ورد أعلاه وتلقي مزيدا من الضوء على تفاصيل السياسة الحكومية المنهجية والمتواصلة في ما يتعلق بتمييز المستوطنات وسكانها على البلدات والمدن وسكانها في داخل إسرائيل.
وتبين معطيات هذا التقرير أن المتوسط العام لميزانية الفرد الواحد التي حصلت عليها المستوطنات من الدولة خلال العام 2015 كانت أكبر بـ 66% من ميزانية الفرد التي حصل عليها الفرد الواحد من المواطنين في داخل إسرائيل، بالمتوسط العام (المواطن العربي يحصل على أقل من المتوسط العام بكثير!). وفوق هذا، يحصل المستوطنون اليهود في مستوطنات الضفة الغربية على مبالغ ومخصصات حكومية مختلفة تزيد، بالإجمال، بنسبة 160% عما يحصل عليه سكان إسرائيل، المقيمين في داخلها.
فعلى سبيل المثال، متوسط الميزانية الحكومية للمستوطن الواحد في مستوطنات الضفة الغربية يزيد بـ 500 شيكل في السنة عن متوسط الميزانية الحكومية للمواطن في منطقة النقب وبـ 900 شيكل عن متوسط الميزانية الحكومية للمواطن في منطقة الشمال/ الجليل وبـ 1400 شيكل عن متوسط الميزانية الحكومية للمواطن في منطقة الجنوب (بدون منطقة النقب، حيث تركيز المواطنين العرب البدو).
وطبقا لمركز "ماكرو لدراسات الاقتصاد السياسي"، فإن حسابا معينا (ضرب الزيادة في الميزانيات الحكومية للمستوطنات بعدد السكان في كل مستوطنة) يُظهر أن الدولة (الحكومة) تخصص لسكان المستوطنات زيادة سنوية تبلغ 570 مليون شيكل (كل سنة)، بينما لا يحظى السكان في داخل إسرائيل بأي قرش من هذه الزيادة أو ما يماثلها!
كما يشير التقرير إلى أنه بينما يبلغ متوسط الدعم الحكومي للسلطات المحلية في داخل إسرائيل ما نسبته 29% من ميزانيات هذه السلطات (وهي هبات وميزانيات تعليمية، بالأساس)، يبلغ متوسط الدعم الحكومي للمستوطنات في الضفة الغربية ما يعادل 8ر46% من ميزانيتها ـ وهو ما يعني وجود فجوة في هذا "الدعم" نسبتها 61%!
المصطلحات المستخدمة:
شيكل جديد, الصهيونية, الخط الأخضر, الهستدروت, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, نفتالي بينيت