المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1340

تتعرض منظمة "لنكسر الصمت" الإسرائيلية، منذ بضعة أشهر، إلى حملة سلطوية مركزة تقوم على التشهير بالمنظمة وأعضائها ونشطائها واتهامهم بـ"التسبب أضرار جسيمة لدولة إسرائيل وصورتها في الرأي العام العالمي" وبـ"تقديم خدمة لأعداء إسرائيل والداعين إلى مقاطعتها"، على خلفية النشاطات التي تقوم بها هذه المنظمة في فضح الممارسات الوحشية التي تقوم بها قوات الجيش الإسرائيلي والأذرع الأمنية الأخرى ضد أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وفي إطار هذه الحملة، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها "بصدد اتخاذ إجراءات صارمة" بحق منظمة "لنكسر الصمت" على خلفية المعرض الذي أقامته (المنظمة) في سويسرا في شهر حزيران الأخير وتضمن شهادات لجنود إسرائيليين يكشفون فيها عن جرائم مختلفة ارتكبتها قوات الجيش بحق أبناء الشعب الفلسطيني.

ومساء يوم السبت الأخير (12 الجاري)، نظمت مجموعة من ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي اعتصاماً قبالة مقر رئيس الدولة في القدس للاحتجاج على مشاركة رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، في مؤتمر تعقده صحيفة "هآرتس" في الولايات المتحدة يشارك فيه، أيضا، ممثلون عن منظمة "لنكسر الصمت"!

وقال الضباط إنهم يطلبون من رئيس الدولة "عدم إعطاء شرعية للأكاذيب والافتراءات الدموية التي يروجها نشطاء منظمة لنكسر الصمت وآخرون"، كما يطالبونه أيضا بـ"توجيه رسالة واضحة وحازمة" ضد ما أسموه "حملة نزع الشرعية" التي تشنها منظمة "لنكسر الصمت" ضد دولة إسرائيل!

ورداً على هذه الحملة وهذا الاعتصام، نُشرت أول من أمس، الأحد، عريضة وقع عليها نحو 170 محاضرا وأستاذا جامعيا في مختلف الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في إسرائيل تعلن تأييد منظمة "لنكسر الصمت" ودعم حقها في التعبير عن الرأي وتطالب بـ"تمكين أعضاء المنظمة من أن يكشفوا أمام الجمهور الإسرائيلي حقيقة الواقع القاسي الذي عايشوه خلال خدمتهم العسكرية".

وعبر المحاضرون وأساتذة الجامعات عن تنديدهم بحملة نزع الشرعية التي تتعرض لها منظمة "لنكسر الصمت"، والتي "تندرج ضمن منظومة أوسع من الخطوات المعادية للديمقراطية التي تقودها الحكومة وتثير قلقا بالغا".

يذكر أن منظمة "لنكسر الصمت" أقيمت في العام 2004 في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وذلك بمبادرة من بعض جنود وضباط الجيش الإسرائيلي الذين أدوا الخدمة العسكرية في أنحاء المناطق الفلسطينية المحتلة إبان تلك الانتفاضة. ويعمل أعضاء هذه المنظمة على جمع وتوثيق شهادات من جنود إسرائيليين يخدمون في المناطق الفلسطينية يعرضون من خلالها صورا ونماذج عن الممارسات الوحشية التي تقوم بها قوات الجيش الإسرائيلي والأذرع الأمنية الأخرى ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

وتقول المنظمة، في بطاقة تعريفها على موقعها على الشبكة، إن هدفها هو "رفع منسوب الوعي في المجتمع الإسرائيلي للواقع اليومي في المناطق المحتلة والدفع نحو حوار جماهيري عام حول الثمن الأخلاقي الذي يترتب على استمرار السيطرة العسكرية على سكان مدنيين وعلى الاحتلال المتواصل منذ سنين طويلة".

إقصاء "لنكسر الصمت" عن كليات تحضيرية "يسارية"

يلفت الانتباه في الاعتصام المذكور أمام مقر رئيس الدولة أن أحد منظميه والمتحدثين المركزيين باسمه هو ضابط في الاحتياط يدعى عميت ديري، وهو مدير الكلية العسكرية التحضيرية "تابور"، في مدينة "نتسيرت عيليت". وهذه الكلية هي واحدة من نحو 45 كلية منتشرة في مناطق مختلفة من إسرائيل "أقيمت من أجل تحضير أبناء الشبيية (اليهود)، خريجي جهاز التعليم، وتهيئتهم للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي".

وخلال السنوات الماضية، كانت لهذه الكليات علاقات وثيقة مع منظمة "لنكسر الصمت" تميزت بالتعاون الذي شمل، فيما شمل، استضافة ممثلي هذه المنظمة في هذه الكليات ومشاركتهم في أيام دراسية وفي تقديم محاضرات متنوعة للطلاب في هذه الكليات، الذين هم على وشك التجند لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي وفي أذرع أمنية أخرى. كما كان الطلاب يشاركون في الجولات الميدانية التي تنظمها هذه المنظمة في مدينة الخليل الفلسطينية، تحديدا، من حين إلى آخر.

لكن المراسلات التي تبودلت مؤخرا بين رئيس رابطة هذه الكليات ومدير "كلية القيادة ـ الكلية العسكرية التحضيرية الجليل الأعلى"، يوسي باروخ، وبين مركّز النشاطات التربوية في منظمة "لنكسر الصمت"، عيدو إيفن ـ باز، والتي وصلت إلى مراسلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" (كما ورد في تقرير خاص نشرته الصحيفة يوم 9 كانون الأول الجاري)، تبيّن أن منظمة "لنكسر الصمت" تتعرض للتضييق والإقصاء، أيضا، في كليات مختلفة من هذه، وخاصة تلك القائمة في الكيبوتسات التابعة لما يسمى "اليسار" الإسرائيلي.

و"كلية القيادة" هذه تأسست قبل 18 سنة ولها ثلاثة فروع في ثلاثة كيبوتسات مختلفة، هي: "معيان باروخ"، "كفار هنسي" و"بيرعام". ورغم أن هذه الكليات غير مؤطرة سياسياً وليست لها أية صبغة سياسية وتضم بين صفوفها معلمين وطلابا من مختلف القطاعات والانتماءات الإسرائيلية، بمن فيهم متدينون ومستوطنون (في الضفة الغربية)، إلا أنها معروفة بكونها مؤسسات تربوية أنشأها ورعاها، ولا يزال، ما يعرف بـ"اليسار الصهيوني"، الذي أقام الكيبوتسات في إسرائيل.

وفي السنة الدراسية الحالية، قرر يوسي باروخ قطع أية صلة مع منظمة "لنكسر الصمت" ومنع أعضائها ومندوبيها من زيارة أي من فروع هذه الكلية وتقديم أية محاضرات للطلاب فيها، وذلك بالحجة / التهمة ذاتها: "أصبحتم أداة طيّعة في خدمة جهات أجنبية تشهّر بإسرائيل في أنحاء مختلفة من العالم"، كما كتب باروخ في إحدى رسائله إلى إيفن ـ باز.

وأوضح باروخ، في رسالة أخرى إلى إيفن ـ باز، الأسباب التي دفعت إلى قراره هذا بإقصاء المنظمة ومندوبيها عن الكلية، فأشار إلى أن التعاقد بين الكلية و"لنكسر الصمت" قام، في بدايته قبل بضع سنوات، على أساس "اشتراطنا أن تكون مشاركتكم على قاعدة توجيه رسائل قيمية ونظيفة تتمحور في نقد حالات عينية تشكل الاستثناء في الواقع العام الذي يتميز بالسلوكيات السليمة والقيمية"! وأضاف: "لكننا نسمع من مندوبيكم نقدا وتحريضا ضد الخدمة في الجيش، ضد قياداته وضباطه، مع تجاهل الإيجابي والجيد في دولتنا"!

وقال باروخ، في الرسالة ذاتها: "للأسف الشديد، بدلا من الاستمرار في خدمة وتعزيز الديمقراطية التي تواجه مخاطر عديدة في بلادنا، وبدلا من الالتزام بالمبادئ المذكورة، تحولتم إلى منظمة تشكل أداة طيعة في خدمة عناصر أجنبية وغريبة ترتبط بـ"تحالف كبير" لا همّ له سوى معاداة كل ما يخص دولتنا الغالية". وختم باروخ رسالته هذه بالقول: "يسعدني أن أنهي التعاقد بيننا"!

كم أفواه... ولا نتعامل سوى مع الأصدقاء!

شكّلت رسالة باروخ هذه، بما تضمنته من قرار فض التعاقد، صدمة شديدة لدى منظمة "لنكسر الصمت" التي اعتبرتها "محاولة لكم الأفواه" تأتي بصورة "مفاجـِئة وغير متوقعة، وخاصة من جهة متأصلة في اليسار الإسرائيلي"!

وردّ إيفن ـ باز على هذه الرسالة برسالة اتهم فيها باروخ بأنه "مخطئ ومضلـِّل، إذ تدعي بأننا نتحاور مع أوساط لا سامية تشن معركة ضد دولتنا... وهو منطق يعني أن أي شخص أو تنظيم يتحدث مع دول صديقة هو بمثابة خائن وداعم للاساميين"! وأضاف: "إنه تعميم لا يمكن مواجهته في أي مستوى تربوي تثقيفي، لأنك تمنع الحوار والحديث"، ثم قال: "إن حرمان طلابك من سماع رأي آخر لمجرد أنك غير متفق معه هو غبن تربوي... علاوة على أن اتهامنا بالتعاون مع جهات لاسامية هو كذب وافتراء"!

وفي رسالة أخرى إلى باروخ، أوضح إيفن ـ باز أن "الجزء الأساس من نشاط منظمتنا يجري في داخل إسرائيل وليس بين أوساط دولية". وقال: "منذ إقامة المنظمة بمبادرة من جنود خدموا في الكتيبة رقم 50 التابعة لـ"ناحل" (الشبيبة الطلائعية المحاربة) في العام 2004 وحتى اليوم، نقوم بجمع شهادات من جنود خدموا في المناطق وننشرها على الملأ أمام الجمهور... إننا نوظف الجهد الأساس والأكبر من نشاطنا ومواردنا هنا في داخل إسرائيل ولم نشارك خارج البلاد سوى في الأماكن الصديقة لإسرائيل، الداعمة لوجود دولة إسرائيل والتي تعترف بحقنا في تقرير المصير، خلافا لكل الافتراءات التي تنشر ضدنا"! وأضاف: "في تلك اللقاءات كلها، نقول بصورة واضحة وحازمة إن ثمة في إسرائيل صوتا آخر، يطالب بإنهاء الاحتلال من منطلق حبه للدولة وحرصه على مستقبلها"!

لكن باروخ لم يقتنع بـ"حب الدولة" هذا، كما تعبر عنه منظمة "لنكسر الصمت"، وقال في حديث لمراسلة "يديعوت أحرونوت"، إن أعضاء هذه المنظمة ونشطاءها "يفضلون الأوروبيين والأميركيين على المجتمع الإسرائيلي... إنهم ينشطون بطريقة تؤدي إلى دمار دولة إسرائيل، وأنا لست مستعداً لمد يد العون إلى هذا"!

وادعى باروخ بأن منظمة "لنكسر الصمت" تتجاهل "الجانب الإنساني في الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي" وبأنه "طالما كان نشاطها محصورا في داخل دولة إسرائيل وضمن حدودها، لم تكن لدي أية مشكلة في ذلك، لكن في اللحظة التي بدأوا يتوجهون فيها إلى خارج البلاد، فقد أخطأوا الهدف... ولن أسمح لعناصر غير قومية وتعمل ضد الدولة بأن تكون جزءا من كلّياتنا... وفي رأيي، أن منظمة "لنكسر الصمت" خارجة عن القانون... لا يمكنني التعامل مع منظمة تستعين بوزيرة خارجية السويد من أجل التشهير بدولة إسرائيل والتحريض عليها"!

وردا على سؤال الصحيفة ما إذا كان من الصحيح أن تلجأ مؤسسة تربوية تنادي بالتعددية إلى إغلاق أبوابها أمام الرأي الآخر، قال باروخ: "يجب أن تكون الرسائل المبثوثة إلى الطلاب واضحة وغير مشوشة... إذا كنا نحب دولتنا ونؤمن بالصهيونية، فليس في وسعنا إفساح المجال أمام عناصر تثير البلبلة مثل منظمة لنكسر الصمت. من حقي التمييز بين الأبيض والأسود، بين المسموح والمحظور. إذا كان هدف هذه المنظمة هو تحسين رفع المستوى الأخلاقي بين جنود الجيش الإسرائيلي، فأهلا وسهلا، لكن في اللحظة التي يتضح فيها أن كل همّها هو تشويه سمعة إسرائيل وتلطيخ صورتها في العالم، فواجبنا أن نضع حدا لذلك"!

وأوردت الصحيفة تعقيبا رسميا من منظمة "لنكسر الصمت" على اتهامات باروخ، قالت فيه إن "منظمة لنكسر الصمت تلتقي، منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، مع آلاف الإسرائيليين سنويا، بمن فيهم المئات من أبناء الشبيبة وطلاب المدارس الثانوية والكليات العسكرية التحضيرية، للحديث عن الخدمة العسكرية في المناطق وعن المهام التي يتم إيفادنا لتنفيذها باسم المجتمع الإسرائيلي ونيابة عنه... الجزء الأساس والأكبر من نشاطنا هو بين الجمهور الإسرائيلي، ومع ذلك فإن من واجبنا وحقنا ـ كوطنيين إسرائيليين ـ التصدي لواقع أن الصوت الإسرائيلي الوحيد المسموع خارج البلاد حتى اليوم هو الصوت المؤيد، تأييدا أعمى، لاستمرار الاحتلال والاستيطان".

وأكدت المنظمة، في تعقيبها، أن "ثمة من يحاولون، بالبلطجية والتهديد، تخويفنا وإسكاتنا وتغييب هذا النقاش الهام من المجتمع الإسرائيلي عامة، ومن الكليات العسكرية التحضيرية خاصة، لكننا سنواصل العمل من أجل دولة إسرائيل من خلال اللقاءات مع الجمهور ومحاربة محاولات الإسكات وتغييب الاحتلال"!

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات