المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1512

تظهر تقارير ومعطيات نُشرت على مدار السنوات الأخيرة الماضية، أن هناك تراجعا طرديا يحدث في مجال الخدمات في إسرائيل.

وأكد تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة "شورش" للأبحاث الاقتصادية - الاجتماعية، التي أسسها الخبير الاقتصادي البروفسور دان بن دافيد، أنه خلال الأربعين عاما الأخيرة طرأ تراجع في العديد من المجالات المركزية في المجتمع والاقتصاد في إسرائيل.

وشدد التقرير، الذي صدر الأسبوع الماضي، على أنه من أجل ضمان مستقبل أفضل لسكان إسرائيل، ينبغي إجراء تغييرات فورية في سلم أولويات الدولة وإعطاء أولوية لمجالات البنى التحتية البشرية والمادية.

تراجع التعليم

تؤكد الإحصائيات أن أكبر تزايد طبيعي في إسرائيل موجود في المجتمع الحريدي.

ووفقا لبن دافيد، فإنه خلافا للرأي السائد، ارتفع عدد الرجال الحريديم الذين تعلموا ثماني سنوات فقط مع مرور السنين، بحيث أن أكثر من نصفهم لم يصلوا في دراستهم إلى أكثر من الصف الثامن، إذ أن الدراسة في الييشيفاه، أي المعهد الديني اليهودي الذي تُدرّس فيه التوراة والعلوم الدينية فقط، لا تعتبر تعليما رسميا.

ورأى بن دافيد أن هذا الوضع نابع من القوة السياسية للحريديم، وليس بسبب قيود دينية. وحذر من أن الأولاد الحريديم سيواجهون صعوبة في اقتناء ثقافة أكاديمية لدى بلوغهم، حتى لو أنهم أرادوا الحصول على ثقافة كهذه.

وبصورة عامة، أشار بن دافيد إلى أن مستوى متوسط تحصيل الأولاد الإسرائيليين في مواضيع الرياضيات والعلوم والقراءة يقترب من حضيض تدريج دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، وذلك بموجب معطيات لا تشمل تلاميذ جهاز التعليم الحريدي. ولو أن الإحصائيات شملت الحريديم، لكان مستوى متوسط تحصيل الأولاد الإسرائيليين منخفضا أكثر. وأكد التقرير أن مستوى التعليم الذي تمنحه إسرائيل للتلاميذ العرب يؤدي إلى نتائج متدنية أكثر من تلك الموجودة في دول نامية كثيرة.

وتبين معطيات مؤسسة "شورش" أنه يوجد لدى أكثر من نصف الرجال الحريديم ثماني سنوات تعليمية في جهاز التعليم الرسمي أو أقل من ذلك. ولا يتماشى هذا المعطى مع ارتفاع نسبة الرجال الحريديم الموجودين في الأكاديميا، وهذا أمر ينسبه الباحثون في "شورش" إلى الزيادة السكانية الحريدية بشكل عام.

وحذر التقرير من أن "المعطيات المتعلقة بالرجال الحريديم في العقد الأخير تتناقض بالكامل مع الاحتياجات المستقبلية لهذه المجموعة ولاحتياجات المجتمع الإسرائيلي".

وتفيد المعطيات بأن نسبة الرجال الحريديم ذوي ثقافة تعليمية رسمية تقل عن تسع سنوات ارتفع في العام 2013 إلى 6ر52% بينما كانت هذه النسبة 8ر43% في العام 2002، علما أن هذه النسبة كانت 8ر56% في العام 2012.

وأضافت المعطيات أن 4ر2% فقط من الرجال الحريديم في الفئة العمرية 20 – 34 عاما لديهم ثقافة أكاديمية، و6ر10% لدى النساء الحريديات في الفئة العمرية نفسها.

وفي المقابل، فإن 8ر16% من الرجال الحريديم و3ر18% من النساء الحريديات في الفئة العمرية 35 – 54 عاما لديهم ثقافة أكاديمية، وكانت هذه النسبة 2ر15% للجنسين في العام 2012، بينما بلغت هذه النسبة لدى الرجال اليهود غير الحريديم 1ر39% و8ر44% لدى النساء اليهوديات غير الحريديات.

ولفت تقرير مؤسسة "شورش" إلى أن أحد العوامل التي تتوقع حصول الفرد على راتب مرتفع هو عدد الوحدات الدراسية في موضوع الرياضيات. فالعاملون الذين تعلموا الرياضيات بمستوى خمس وحدات دراسية يتلقون راتبا أعلى خلال حياتهم، قياسا بعاملين تعلموا هذا الموضوع بمستوى ثلاث أو أربع وحدات. وفي العام 2012، تقدم 2ر9% فقط من تلاميذ الثواني عشر لامتحان بجروت (توجيهي) الرياضيات بمستوى خمس وحدات. وأعلنت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية مؤخرا عن برنامج دراسي يرمي إلى زيادة عدد التلاميذ المتقدمين لامتحان بجروت الرياضيات بمستوى خمس وحدات.

كذلك أظهرت إحصائيات أن الأجر للساعة الذي يحصل عليه مستخدمون تعلموا موضوع الرياضيات بمستوى ثلاث وحدات أعلى بحوالي 19% من أجر العاملين الذين لم يتقدموا لامتحان بالرياضيات أبدا أو درسوا هذا الموضوع بمستوى أدنى. وكان أجر الذين تقدموا لامتحان بمستوى أربع وحدات أعلى بـ36% من أولئك الذين لم يتقدموا لامتحان بجروت في الرياضيات. ورغم ذلك، ذكر التقرير أنه "من الواضح أن الرياضيات ليست الموضوع الأساس الوحيد الذي يؤهل لوظيفة جيدة في المستقبل".

تقليصات في الأكاديميا

أشار بن دافيد إلى حدوث تراجع في المجال الأكاديمي خلال الأربعين عاما الماضية. وبينت المعطيات أن عدد الوظائف في السلك الأكاديمي في الجامعات أقل بـ20% مما كان عليه قبل أربعين عاما، وذلك على الرغم من أن عدد سكان إسرائيل تضاعف، كما أن عدد طلاب الجامعات ازداد بنسبة 350%. كذلك فإن عدد العاملين في مجال الأبحاث ارتفع خلال الأربعين عاما الأخيرة بنسبة 14% فقط. وفيما يتعلق بالكليات، التي تم فتح العشرات منها خلال العقود الأخيرة، وارتفع عدد طلابها بنسبة 500، فإن عدد أعضاء السلك التعليمي ازداد بنسبة 40%.

وأوضح التقرير أن الانخفاض في عدد أعضاء السلك الأكاديمي، المرتبط بظاهرة هروب الأدمغة أيضا، نابع من الإخفاقات الإدارية في الجامعات ومن تراجع ميزانية التعليم العالي منذ العام 2000، وأدى إلى نقص في الوظائف في مؤسسات التعليم العالي. ولم تحقق محاولات مجلس التعليم العالي من أجل زيادة عدد الوظائف في السلك الأكاديمي الرفيع في الجامعات سوى نجاحات جزئية.

وأشار التقرير إلى العلاقة بين التعليم العالي ونسبة التشغيل. وفي هذا السياق، فإن نسبة تشغيل النساء العربيات اللاتي يحمل لقبا أكاديميا بلغت 70% في العام 2011، بينما نسبة اللاتي لم يكملن 12 سنة تعليمية كانت 11% فقط. كذلك فإن نسبة تشغيل الرجال اليهود غير الحريديم بلغت 91% بين حاملي الألقاب الأكاديمية و71% بين أولئك الذين لم يكملوا 12 سنة دراسية.

الصحة

أكد التقرير أن حال المجال الصحي في إسرائيل مخيب للأمل. ففي منظمة OECD توجد 33 دولة إضافة إلى إسرائيل، وفي 31 من هذه الدول عدد الأسرة في المستشفيات مرتفع قياسا بعدد السكان. بينما في إسرائيل يوجد أطباء من أفضل الأطباء في العالم، بحسب التقرير، لكن في الوقت نفسه فإن هناك مرضى ينامون في أروقة المستشفيات، الأمر الذي يذكر بحال المستشفيات في دول العالم الثالث.

ويحذر خبراء في مجال الصحة منذ سنوات طويلة من أن جهاز الصحة الإسرائيلي ليس مستعدا للنمو الطبيعي للسكان ولارتفاع نسبة المسنين بينهم، وأنه من دون إضافة مئات الأسرة في كل عام، فإن الوضع سيزداد خطورة. ورغم ذلك فإنه باستثناء إضافة ألف سرير في أعقاب إضراب الأطباء في العام 2011، وهذه زيادة لا تعبر أبدا عن الحاجة الحقيقية، لا يوجد أي تقدم في هذا الموضوع.

وأشار التقرير إلى أن نتيجة هذا الوضع لا تنحصر في الاكتظاظ الذي يمكن أن يؤدي إلى التلوث وإلى مس شديد بخصوصية المرضى، وإنما تكون مدة رقود المرضى في المستشفيات أقصر بكثير من المعدل في الدول الغربية، وهذا يعني في أحيان كثيرة تسريح مبكر للمرضى من دون إتمام علاجهم. وثمة أمر هام آخر، وهو أن كمية الأسرة بحسب المواصفات، يحدد حجم القوى العاملة الطبية، ولذلك فإن نقص الأسرة يدل أيضا على علاقة متدنية بين الطاقم الطبي والمرضى.

ورغم أن تدريج إسرائيل في منتصف سلم الدول الأعضاء في OECD من حيث عدد الأطباء، إلا أن التقرير أشار إلى أن إسرائيل لا تستثمر بشكل كاف في العقود الأخيرة في تأهيل أطباء. ونتيجة لذلك، يتزايد عدد الأطباء المسنين. فقبل 35 عاما كان 5ر8% من الأطباء في سن 65 عاما فما فوق، بينما اليوم تبلغ هذه النسبة 25%، وهي أعلى نسبة في OECD. وكانت أعمار ثلث الأطباء في إسرائيل أقل من 35 عاما في العام 1980، بينما اليوم 10% تقل أعمارهم عن 35 عاما، والوضع بين الممرضات أسوأ بكثير.

وينبع هذا الوضع من تزايد نسبة المسنين بين سكان إسرائيل، وأيضا من شيخوخة مئات وآلاف الأطباء، الذين انضموا إلى جهاز الصحة الإسرائيلي في أعقاب الهجرة الروسية في التسعينيات. لكن في السنوات الأخيرة ازداد عدد المقاعد في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية بشكل كبير، كما تم افتتاح كلية طب جديدة في صفد، يدرس فيها حوالي 600 طالب. وتم بذل جهود في مجال التمريض بهدف زيادة عدد الطلاب في هذا المجال، لكن التقرير أشار إلى أن هذه الخطوات ليست كافية وثمة حاجة إلى خطوات أخرى من أجل الاستجابة لمتطلبات الزيادة السكانية وارتفاع نسبة المسنين.

المواصلات

أكد التقرير أن البنية التحتية في مجال المواصلات في إسرائيل متخلفة وأنها تمس بإنتاجية العمل والصناعة وتعزز انعدام المساواة بين السكان. ففي العام 1970، كان الازدحام في شوارع إسرائيل، الذي يقاس بعدد السيارات في الكيلومتر الواحد، مشابها لما هو سائد في الدول الأوروبية الصغيرة. لكن في السنوات الأربعين الماضية ازداد الازدحام في الشوارع الإسرائيلية بحوالي 350% عن المعدل في الدول الأوروبية.

كذلك فإن أسعار السيارات وتكلفة استخدامها في إسرائيل مرتفعان، خاصة إذا قورن ذلك بمعدل الدخل. وأدى هذا الأمر إلى أن عدد السيارات للفرد في إسرائيل أقل مما هو عليه في 30 دولة من بين الدول الـ33 الأعضاء في OECD. ورغم ذلك، فإن الازدحام في الشوارع الإسرائيلية أعلى منه في 30 من 33 دول هذه المنظمة.

ولفت التقرير إلى أنه خلال الأربعين عاما الماضية لم يتم شق شوارع في مناطق تسكنها أغلبية السكان في إسرائيل. ورغم حدوث تحسن في شق شوارع جديدة وتوسيع أخرى قائمة خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن عدد السيارات قياسا بمساحة الشوارع ارتفع بين العامين 2015 و2013 بنسبة 16%
وشدد التقرير على أن السنوات التي أعقبت حرب تشرين/ أكتوبر العام 1973 تتميز بنسب منخفضة في إنتاجية العمل، التي باتت في أدنى المستويات في الدول المتطورة، وهذا الوضع آخذ بالتراجع أكثر في إسرائيل.

وكتب بن دافيد بهذا الشأن في سياق التقرير، أن "جزءا واحدا في الدولة هو جزء من اقتصاد المعرفة العالمي، وهو الهاي- تك والجامعات والطب وما شابه ذلك. وهناك جزء آخر، آخذ بالاتساع، لا يحصل على الأدوات أو الشروط المطلوبة من أجل الانخراط في الاقتصاد العالمي والعصري والتنافسي. وهذا الجزء بمثابة كتلة ثقيلة على كاهل الجزء الآخر، وتزداد ثقلا بمرور الوقت. وليس عجيبا أن أعدادا متزايدة من الشبان المؤهلين والمتعلمين يغادرون البلاد".

وأضاف أنه منذ منتصف سنوات السبعين ازدادت الفجوة في إنتاجية العمل بين الدول المتقدمة وإسرائيل خمس مرات.

وأوضح بن دافيد أن الحفاظ على صمود إسرائيل لأمد طويل يستوجب تغيير مفهوم الأمن القومي، والتعامل مع الأمن ليس فقط بأنه نتاج للطائرات والدبابات وكتائب الجنود، وإنما كنتاج للتعليم أيضا. واضاف "بإمكان الأولاد الذين يحصلون على تعليم في مستوى العالم الثالث أن يصنعوا اقتصاد عالم ثالث فقط، وهو اقتصاد غير قادر على دعم جيش في العالم الأول، هو المطلوب من أجل بقاء إسرائيل".

"أهملنا العرب فانفجروا في وجهنا"

اعتبر بن دافيد أنه "إذا لم نعالج الأمور في الأمد البعيد، فإنها ستنفجر في وجوهنا تماما مثل المشاهد التي نراها الآن في الشوارع"، ويشير بذلك إلى المستوى المتدني في تطبيق القانون في إسرائيل. وأضاف أن "هناك موضوع تطبيق القانون وهذا يسري على جميع المجالات. ونحن نشاهد هذا الأمر الآن، فقد أهملنا المجتمع العربي (يقصد في القدس الشرقية أيضا)، وسمحنا بأن يقتل الواحد منهم الآخر طوال السنة، وفي نهاية المطاف انفجر هذا الوضع في وجهنا".

وأشار بن دافيد إلى أن المثال الأبرز لغياب تطبيق القانون موجود في مجال الضرائب. ووفقا للمعطيات التي يوردها فإن حجم الاقتصاد الأسود في إسرائيل يصل إلى 22% من الناتج السنوي. "وهذا الأمر لا يتعلق بالعدالة الاجتماعية فقط، وإنما هو مرتبط بأننا نريد هذا المال (من الضرائب) من أجل استخدامه لتنفيذ أمور كثيرة".

وأضاف "نريد أن نمول أمورا لكن لدينا عبء أمني كبير ولذلك توجد لدينا مستويات أقل من الحرية. فمن أين تأتي بالمال؟ الضرائب غير المباشرة مرتفعة وتمس بالضعفاء بالأساس. وفيما يتعلق بضريبة الدخل فإن نصف الأجيرين اليوم لا يدفعون ضريبة دخل لأن أجرهم منخفض جدا. وقرابة 20% من الأجيرين يدفعون 90% من الضرائب وهذه مجموعة آخذة بالتقلص وحسب بمرور السنين ولن تتمكن من تحمل العبء إلى الأبد".

وانتقد بن دافيد ميزانية الدولة والإنفاق، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه الكنيست، الأسبوع الماضي، بمناقشة الميزانية العامة وقانون التسويات المرافق لها، وهو ما وصفه بن دافيد بأنه "عمل تضليلي".

وأوضح هذا الخبير الاقتصادي أنه "ليس بالإمكان قراءة الميزانية. ولا أحد يعرف حقا ما هي الأفضليات القومية لإسرائيل. وعلى سبيل المثال، نحن لا نعرف كم ننفق على التربية والتعليم، إذ ليس كل ما يتم إنفاقه على التعليم يخرج من وزارة التربية والتعليم، وليس كل ما تنفقه وزارة التربية والتعليم يكون على التعليم".

وأورد بن دافيد مثالا آخر: "كم تكلفنا المناطق (المحتلة)؟ لا أحد يعرف، وبضمنهم أولئك الذين يعدّون الميزانية. كم ننفق على الحريديم؟ ليس معروفا. وحتى في موضوع ليس سياسيا، ما هو حجم الإنفاق على التلميذ في جهاز التعليم الرسمي مقابل جهاز التعليم الرسمي – الديني؟ إننا نعرف عن جزء من الإنفاق فقط لكننا لا نعرف غاية كل المبالغ. ونحن لا نعرف أمورا أساسية ولذلك لا يمكننا اتخاذ قرارات سياسية صحيحة".

المصطلحات المستخدمة:

القانون في إسرائيل, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات