المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1372

افتتح الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي دورته الشتوية وستستمر ستة أشهر، وعلى رأس جدول أعمالها في المرحلة الأولى، اقرار الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل 2016. ومن المتوقع أن تنجز الحكومة هذه المهمة حتى منتصف الشهر المقبل، لينتقل الكنيست إلى مسار التشريعات الأوسع، التي من المفترض أن تكشف عن تصدعات في الائتلاف الذي يقوده نتنياهو. إلا أن تدهور الأوضاع الأمنية، الذي طغى على الخطاب البرلماني في الأسبوع الأول، غيّب الفوارق بين الائتلاف والمعارضة الصهيونية، ما شجّع نتنياهو للدعوة إلى توسيع ائتلافه، على الأقل بضم كتلة "المعسكر الصهيوني"، وليس مضمونا أن تتم خطوة كهذه، ولكن نتنياهو ضمن من جرّاء تدهور الأوضاع الأمنية تأجيلا لسلسلة من الأزمات المفترضة في ائتلافه الحاكم.

ويذكر أن ائتلاف نتنياهو ما زال يرتكز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا، وهذه الأغلبية الهشة تجعل الائتلاف مع كامل وزرائه ونوابه في حالة طوارئ، في التصويت على المواضيع الخلافية، وتلزم الوزراء بأن يبقوا مجندين لدخول الهيئة العامة للكنيست في كل لحظة. ومثل هذه الوضعية، برغم أنها ليست الأولى في تاريخ الكنيست، فإنها مُتعبة لأي حكومة، ولم تصمد أي من الحكومات طويلا بأغلبية كهذه.

وسعت حكومة نتنياهو للتحرر قليلا من هذا العبء البرلماني، إذ دخل حيز التنفيذ القانون الذي أقر في شهر تموز الماضي، وسُمي "القانون النرويجي جزئيا"، وحسب القانون النرويجي، يحق لكل وزير أن يستقيل من عضوية البرلمان، ويدخل مكانه التالي في القائمة الانتخابية. وفي حال استقال الوزير أو أنهى عمله لأي سبب آخر، يحق له العودة إلى البرلمان، مقابل خروج النائب الذي دخل مكانه. وقد أقر الكنيست مثل هذا القانون، ولكنه يطبّق على وزير واحد فقط من كل كتلة مشاركة في الائتلاف، عدد أعضائها حتى 12 نائبا، كي لا يشمل القانون كتلة مثل حزب الليكود. والهدف هو اختصار الانتقاد لهذا القانون، الذي سيكلف عند تطبيقه كليا ملايين الدولارات في الولاية البرلمانية.

والهدف من تطبيق القانون ضمان أربعة نواب ائتلاف يكونون محررين من المهمات الوزارية، ويتفرغون للعمل البرلماني الداخلي. وحتى الأسبوع الماضي، استقال من عضوية الكنيست وزير التربية والتعليم، رئيس تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت. ومن المتوقع أن يتخذ الخطوة ذاتها ثلاثة وزراء آخرون من كتل "شاس" و"كولانو (كلنا)" و"يهدوت هتوراة".

وكما قلنا هنا، عند اختتام الدورة الصيفية، فإنه بعد الانتهاء من اقرار الموازنة العامة، سيبدأ الكنيست عمله التشريعي العام، وهنا ستبدأ لعبة شد الحبل بين المعارضة والائتلاف بوتيرة أقوى مما كانت في الدورة الصيفية. وفي تلك المرحلة، وكما علّمت التجربة، ستبدأ في الظهور الخلافات الداخلية بين مركّبات الائتلاف، فالتناقضات بين أطراف الائتلاف ليست سهلة، خاصة في موضوعين مركزيين: أولاً، سلسلة قوانين تتعلق بعلاقة الدين بالدولة، ومسعى كتلتي "الحريديم" إلى ضمان قيود دينية أشد في موضوع "الحلال"، ومكانة المؤسسة الدينية العليا. وثانيا، محاولة نتنياهو تقويض جهاز القضاء من خلال قانون يحد من صلاحيات المحكمة العليا في نقض قوانين.

وفي كلا الموضوعين، تقف كتلة "كولانو" بزعامة موشيه كحلون بموقف مناقض لكتل الائتلاف الأربع الباقية، إذ أن "كولانو" يمثل موقف اليمين الأيديولوجي القديم، الذي يسعى للحفاظ على "أسس الدولة التقليدية"، مثل استقلالية جهاز القضاء، وابقاء حيز حركة للعلمانيين والتيار الديني الليبرالي.

كذلك فإن كتلة "البيت اليهودي" الاستيطانية هي أيضا كما يبدو لم تسلّم بواقع استبعاد قانون "دولة القومية اليهودية" عن أجندة الكنيست في الدورة الحالية، إرضاء لكتلتي "الحريديم" ولكتلة "كولانو" التي تتخذ موقفا يمينيا تقليديا من هذا القانون إذ تعتبره قانونا زائدا وأنه سيثير قلاقل في علاقات إسرائيل مع يهود العالم. ورأينا مع افتتاح الدورة الشتوية محاولة رئيس لجنة القانون والدستور البرلمانية، نيسان سلوميانسكي، من كتلة "البيت اليهودي"، أن يطلب من الحكومة دعم قانون "التشريع العبري"، الذي يطلب من الجهاز القضائي اعتماد الشرائع الدينية اليهودية، في حال ظهرت أي ثغرة في أحد القوانين، أو غياب قوانين وأحكام لقضايا ما. وهذا هو أحد بنود قانون "دولة القومية اليهودية"، كما أن هذا البند هو أحد أبرز البنود الخلافية الداخلية بين الاحزاب الصهيونية والدينية.

ويعرف نتنياهو، واعتمادا على تجارب الماضي، أنه في حال لم ينجح في توسيع قاعدة حكومته الائتلافية، فإنه سينهي الدورة الشتوية بتعب، وظهور شرخ واضح في الائتلاف الحكومي، الذي سيبدأ في حينه بالاستعداد لإقرار موازنة العام 2017، إن لم يكن لعامين، وهنا ستتأجج الخلافات في الائتلاف أكثر، وعلى أساس هذا السيناريو تكثر التوقعات بأن حكومة نتنياهو الحالية، وفي حال بقيت على شكلها الحالي، فمن الصعب عليها أن تنهي العام المقبل- 2016- من دون الإعلان عن انتخابات مبكرة.

الهبّة الفلسطينية والائتلاف

إذا اعتمدنا ما يقوله عدد من المحللين الإسرائيليين، فإن الهبّة الفلسطينية من المفروض أنها لم تفاجئ كثيرا المؤسسة الإسرائيلية بأذرعها السياسية والعسكرية، فقد كان لهذا الكثير من المؤشرات التي بادرت لها إسرائيل بنفسها، وعلى رأسها الاجراءات والتقييدات في الحرم القدسي الشريف، ولكن ليس وحدها بل تضييق الخناق أكثر على أهالي القدس المحتلة، زاد من منسوب الاحتقان في الشارع الفلسطيني.

ويقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إن نتنياهو سمع تحذيرات في الكثير من الأبحاث، ولكنه لم يفعل شيئا، لمعالجة المتوقع قبل حدوثه، وبشكل خاص مطلب تقييد حركة اليهود في جبل الهيكل (الحرم القدسي). لكن من المؤكد أن حجم الهبّة فاجأ إسرائيل، خاصة العمليات الفردية.

السؤال الذي يخيف نتنياهو أكثر من أي سؤال آخر، هو مساءلة الجمهور الإسرائيلي له: "بعد ست سنوات من حكمك، أي أمان حققه لنا التطرف اليميني؟". وأمام سؤال افتراضي كهذا، نستطيع القول إن نتنياهو وحكومته حصلا على دعم ليس متوقعا "بهذه الدرجة من السخاء"، من رئيس أكبر حزب معارض، رئيس حزب "العمل" إسحق هيرتسوغ، الذي يرأس أيضا تحالف "المعسكر الصهيوني" مع حزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني. ومثله أيضا رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد المعارض.

فقد أطلق هيرتسوغ سلسلة من التصريحات، التي ظهر فيها أنه يلتف على نتنياهو يمينا، رغم كل ما قاله عن ضرورة استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. فقد دعا هيرتسوغ إلى اتخاذ اجراءات في غاية التطرف، وعلى رأسها فرض اغلاق كامل على الضفة المحتلة إلى حين تهدأ الهبّة الفلسطينية. وهو مطلب رفضته الأجهزة العسكرية على مختلف تسمياتها. وكذا أيضا رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، الذي شجع الاعدامات الميدانية.

أما زعيم كتلة المعارضة "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)" أفيغدور ليبرمان، فقد هاجم نتنياهو وحكومته، في اقصى زوايا اليمين تطرفا، فقد دعا إلى شن عدوان عسكري واسع النطاق على الضفة وقطاع غزة، ودعا اليهود إلى مقاطعة أسواق فلسطينيي الداخل، الأمر الذي رفع شعبيته من 3% إلى 4% في أجواء الانتخابات البرلمانية إلى 22% في استطلاعين للرأي نشرا في الاسبوع الماضي.

دعوة نتنياهو والواقع

في المنظور الإسرائيلي الداخلي، فإن إسحق هيرتسوغ أراد الظهور بمظهر "المسؤول الذي ينافس على الحكم"، بصيغة "إسرائيل موحّدة في وجه الأعداء"، إلا أنه لم يقرأ الواقع الميداني الإسرائيلي بما يتعلق بالتيار الذي يمثله، حسب التعريف الإسرائيلي "وسط- يسار صهيوني"، الذي حسب استطلاع صحيفة "معاريف" في نهاية الأسبوع الماضي، يرفض بأغلبيته انضمام كتلة "المعسكر الصهيوني" إلى الحكومة. وكانت "معاريف" قد أشارت في عرضها للاستطلاع، إلى أنه أجري في أكثر الأيام توترا، ولهذا فإن التوتر قد انعكس أيضا على أجوبة المستطلعين، بمعنى أنه في السياق الإسرائيلي تكون الأجوبة أكثر يمينية، ورغم هذا، فإن الغالبية من جمهور "وسط- يسار صهيوني"، 56%، رفضت انضمام "المعسكر الصهيوني" إلى حكومة نتنياهو، في حين أن 46% من اجمالي المستطلعين أيدوا انضماما كهذا.

وليس هذا فحسب، بل إن هيرتسوغ رأى نفسه متخلفا في الرد على سؤال: من هو الأكثر ملاءمة لقيادة حزب "العمل"، وجاءت نتائج الاستطلاع، على مستوى جمهور "وسط- يسار" كالتالي: 24% رئيسة حزب "العمل" السابقة النائبة شيلي يحيموفيتش، 23% هيرتسوغ، 16% رئيس أركان الجيش الأسبق غابي أشكنازي الذي يُطرح اسمه كمن سيدخل السياسة، وخاصة إلى حزب "العمل"، و6% لرئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي.

وفي الواقع، فإن رفض فكرة نتنياهو جاءت على لسان هيرتسوغ، قبل ظهور نتائج الاستطلاع، إذ رفض هيرتسوغ دعوة نتنياهو، ومثله فعلت شخصيات أخرى في حزبه، من بينهم شيلي يحيموفيتش. ولكن من ناحية أخرى، فإن شريك نتنياهو في الحكومة، زعيم تحالف المستوطنين، نفتالي بينيت، هو أيضا أعرب عن معارضته لضم "المعسكر الصهيوني". وقال بينيت في حديث لإذاعة الجيش في الأسبوع الماضي، إن برنامج الحكومة الحالية يرفض اقامة دولة فلسطينية، وإذا ما قرر هيرتسوغ القبول بهذا، فإنه يستطيع أن يكون شريكا، لأن كتلة "البيت اليهودي" (بزعامة بينيت) ترفض تغيير برنامج الحكومة.

وعلى الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية، فإن الحسابات الحزبية بين ربح وخسارة من توسيع الائتلاف الحاكم ما تزال قائمة، وهي كما يلي:

"المعسكر الصهيوني": وهو التحالف المعارض الأكبر، من 24 مقعدا، ويضم حزبي "العمل" و"الحركة"، فدخوله إلى الحكومة سيقضي على احتمال أن يكون منافسا على الحكم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أنه سيُحدث شرخا في داخل حزب "العمل". زد على هذا، فإن نتنياهو لا يستطيع ضم "المعسكر الصهيوني"، والحفاظ على التركيبة الحكومية الحالية، بما فيه توزيع الحقائب المركزية. وكما قال بينيت فإن كتلته ستكون خارج ائتلاف كهذا، في حال دخل "المعسكر الصهيوني".

لكن خروج "البيت اليهودي" لا يعني استبعاد الصراع الداخلي في حكومة "الليكود"- "العمل" الافتراضية، لأن الصراع سيكون حادا بين هذين الحزبين، ويعرف "العمل" بأنه لا يستطيع التعايش مع كتلة "الليكود" في وضعيتها اليمينية المتطرفة حاليا، في قضايا إسرائيلية داخلية.

"يوجد مستقبل": رغم كل التصريحات اليمينية التي يطرحها زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، ورغم أنه أثبت توافقه مع تحالف المستوطنين في حكومة نتنياهو السابقة، إلا أن دخوله إلى الحكومة يواجه "فيتو" كتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم"، على ضوء سلسلة الاجراءات التي بادر لها لبيد في الحكومة السابقة، لتقليص ميزانيات هذا الجمهور ومؤسساته، وأيضا لكونه هو بذاته فرض "فيتو" على انضمام كتلتي "الحريديم" إلى الحكومة.

وعلى الرغم من توق لبيد، الذي لا يجاهر به، لدخول الحكومة، فهو يعرف أن انضمامه إلى حكومة فيها كتلتا "الحريديم"، سيجعله أضعف في الشارع مما هو الآن حاليا. وبالنسبة لنتنياهو، فإنه في مقياس الإخلاص سيكون أفضل له الحفاظ على الحريديم، مقابل "يوجد مستقبل".

"يسرائيل بيتينو": في السياق الطبيعي لمنسوب التطرف في حكومة نتنياهو الحالية، لا بُد من أن يكون "يسرائيل بيتينو" وزعيمه الأوحد أفيغدور ليبرمان في داخل الحكومة، وحتى أن حقيبة "الخارجية" في انتظاره، وهي في عهدة نتنياهو حتى الآن. ولكن حسابات ليبرمان تتعلق بمستقبل بقاء حزبه على الساحة بعد الانتخابات المقبلة. فتمثيله البرلماني هبط من 11 نائبا إلى 6 نواب، وقبل دورتين كانت كتلته من 15 نائبا. وبشخصيته المعروفة، كمن يعلن أنه سيأتي ذات يوم ويكون رئيس حكومة، فإن ليبرمان لا يقبل أن يكون هامشيا في أي حكومة يدخل اليها، ونظرا لحجم كتلته رأى ليبرمان أن تأثيره لن يكون بنفس القدر الذي كان في حكومات سابقة، ولهذا اختار أن يبقى في المعارضة، تحت شعار معارضته للاتفاقيات التي أبرمت بين حزب "الليكود" وكتلتي "الحريديم"، التي أعادت الميزانيات الضخمة لمؤسساتهم، والأهم من ناحية ليبرمان الغاء القانون الذي يلزم شبان "الحريديم" بالخدمة العسكرية الالزامية.

وكما ذكر في معالجة خاصة في "المشهد الإسرائيلي"، فإن ليبرمان وبعد أن فقد غالبية جمهور المهاجرين "الجدد"، وواجه انهيارا أكبر في المستوطنات، فإنه بات يسعى للوصل إلى شريحة يمينية متشددة، ترفض مشاركة "الحريديم" في الحكم، لتكون قاعدة جديدة له في الانتخابات المقبلة.

وفي الظروف القائمة، وإذا ما اشتد تدهور الأوضاع الأمنية، فربما يقرر ليبرمان تغيير حساباته، خاصة حينما رأى استطلاعين يبشرانه بارتفاع شعبيته كمن هو "قادر على حل القضايا الأمنية"، وأن يدخل للائتلاف الحاكم، ولكن ليبرمان سيكون "الولد العاق" في حكومة كهذه، وسيسعى إلى اثارة الخلافات في الكثير من الجوانب، وفرض شروط لإقرار أشرس القوانين العنصرية، التي قد تلقى معارضة من كتل "الحريديم" و"كولانو".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات