دعت دراسة أعدها الباحثان في "معهد أبحاث الأمن القومي"، أودي ديكل وعومير عيناف، ونُشرت قبل أسبوعين تقريبا، إلى وضع مفهوم أمن قومي إسرائيلي جديد.
ووجه الباحثان انتقادا مبطنا للحكومة الإسرائيلية، وكتبا أن "حكومة إسرائيل لم تعثر حتى الآن على مسار صحيح لتعديل مفهوم الأمن القومي التقليدي المتأثر من التهديدات العسكرية التي تضاءلت بشكل ملموس، ولملاءمته مع التحديات الراهنة والمستقبلية التي تمثل الدولة أمامها".
وأشارا إلى أنه على ضوء التغيرات الجوهرية في المنطقة، فإن "أسس المفهوم الأمني التقليدي لم تعد توفر ردا كاملا وفعالا على التحديات والتهديدات الآخذة بالتطور". فمن ناحية الردع، الذي "يهدف إلى إبعاد جولة المواجهة المقبلة وتحديد قواعد اللعبة"، فإنه في "عالم اللاعبين الذين لا يشكلون دولا (أي المنظمات والمليشيات المسلحة) تتزايد صعوبة العثور على مراكز ثِقل لضرب العدو وتهديده لفترة طويلة، وكذلك بالنسبة لتقييم نقاط الضعف، التي توقف الردع فيها عن كونه فعالا وبات الأمر يتطلب عمليات عسكرية هجومية، من أجل ترميم الردع".
والنقطة الثانية تتعلق بالإنذار الذي توفره الاستخبارات. ولفت الباحثان إلى اتساع وتنوع عمل الاستخبارات في السنوات الماضية بحيث تجاوزت كونها جهة توفر إنذارا من الحرب. "والمطلوب اليوم هو إنذار استخباراتي إستراتيجي حول تغير اتجاهات في المنطقة، بما في ذلك فرص لعلاقات سلام وتعاون. وإلى جانب ذلك لا تزال هناك حاجة للإنذار من أجل بناء جهوزية وقدرات واستنفاد القوة العسكرية في مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية والإرهاب".
النقطة الثالثة لمفهوم الأمن التقليدي تتعلق بحسم الحرب. وفي الحروب ضد منظمات أو مليشيات مسلحة "لا يسعى الهدف الإستراتيجي إلى الحسم، انطلاقا من الإدراك أنه ليس بالإمكان نزع إرادة وقدرة هذه المنظمات على شن هجمات ضد إسرائيل". كذلك فإنه "ليس بالإمكان إخضاع الأعداء بوسائل عسكرية فقط، سواء بسبب تحديد هدف سياسي بالحد الأدنى أو نتيجة لقيود ممارسة القوة، الراسخة في القانون الدولي والنابعة من الشرعية الدولية الضئيلة لممارسة قوة عسكرية في بيئة مدنية، إلى جانب التخوف من أن تقع مسؤولية العناية بالجمهور الخصم على كاهل إسرائيل".
والنقطة الرابعة هي "الدفاع" الذي "تحول إلى أساس، تزايدت مركزيته في عصر المواجهات الراهنة وتحول الجبهة الداخلية إلى الجبهة المركزية بسبب تركيز الأعداء على القدرة في إلحاق الأذى بالسكان والجبهة الداخلية الإستراتيجية بواسطة قذائف صاروخية بأنواعها وهجمات إرهابية". ورأى الباحثان أنه كلما أصبحت الطبقات الدفاعية مليئة أكثر بمنظومات مضادة للقذائف والصواريخ، "يتسع حيز الليونة في اتخاذ القرارات (لدى صناع القرار الإسرائيليين)، وفيما يتعلق بمسألة هل ينبغي استخدام القوة العسكرية ومتى".
ولفت الباحثان إلى أن هذا الوضع، الذي تواجه إسرائيل فيه منظمات وليس دولا، يضع تساؤلات كبيرة أمامها إزاء حفاظها على مكانتها الإقليمية ومنع تراجع قوتها وردعها تجاه خصومها. فـ"المواجهات العسكرية الواسعة النطاق بين جيوش نظامية باتت أقل صلة بالواقع بسبب تغير ميدان القتال وتوازن القوى الإقليمي، ونشأت صعوبة ليس فقط في تحقيق مكاسب سياسية بمواجهات عسكرية وإنما في تقليص الضرر السياسي والضرر اللاحق بصورة إسرائيل جراء استخدام القوة العسكرية".
وأضافا أن "النتائج غير الواضحة لجولات القتال في السنوات العشر الأخيرة ضد حزب الله وحماس والإرهاب، وكذلك تبعاتها المتأخرة وغير المتعمدة، دفعت إسرائيل إلى تطوير مفهوم ’المعركة بين الحروب’، وهدفه الحفاظ على فروق القوة العسكرية وردع أعدائها. وتشمل ’المعركة بين الحروب’ صندوق أدوات، غايته تعزيز وصيانة الردع الإسرائيلي لفترة طويلة بواسطة ثلاثة مستويات: إحباط وتشويش جهود تسلح الأعداء؛ إثبات التفوق العسكري الإسرائيلي من خلال عمليات متنوعة، سرية ومفاجئة؛ إعداد قاعدة لشن عملية عسكرية وقت الحاجة".
وإلى جانب ذلك "الحفاظ على مكان هام لمدى حزم إسرائيل على العمل (عسكريا) عندما تطالب بذلك، من أجل تعزيز مصداقية الردع تجاه الأعداء. و’المعركة بين الحروب’ توفر ردا معينا على الفجوات بين مصالح إسرائيل والضرورات الإستراتيجية، التي تعمل في إطارها. وهي تستند إلى ميل إسرائيل إلى تفضيل المركبات العسكرية في قدراتها، بموجب المفهوم الذي يعتبر أن المنطقة التي نعيش فيها تفهم لغة القوة فقط. إضافة إلى ذلك، فإنه في المجال العسكري تقدر حكومة إسرائيل، أنه توجد تحت تصرفها مؤسسة محترفة لديها قدرة عسكرية مثبتة وتعمل بموجب خطوات منتظمة في مجالات التخطيط، ممارسة القوة والتعلم".
واعتبر الباحثان أنه ينبغي تعديل مفهوم الأمن القومي من أجل "دفع المصالح والغايات السياسية – الأمنية لدولة إسرائيل، وهي إنشاء تأثير في الحيز الواقع خارج حدود الدولة، بواسطة سياسة تستند إلى منطق تفعيل جهود متعددة المجالات. والهدف الذي ينبغي العمل من أجله، هو تحقيق أكبر قدر من التأثير على المحيط الإستراتيجي بواسطة استخدام أدوات متنوعة بمستويات مختلفة، مثل: أولا، توجه مباشر نحو الجمهور الخصم بواسطة دبلوماسية جماهيرية، وبمساعدة الإعلام الجديد، وبتزويد مساعدات إنسانية حتى مستوى المجتمعات المحلية؛ ثانيا، استخدام وسائل ناعمة مثل حرب المعلومات، رافعات اقتصادية، وسائل قضائية، أدوات تآمر سياسي، اتفاقيات مياه، طاقة، مساعدات أمنية وتكنولوجية، ومبادرات السوق الخاصة والمدنية؛ ثالثا، تعاون مع لاعبين (دول وهيئات)، تتطابق مصالحها مع مصالح إسرائيل؛ رابعا، حرب السايبر (في الفضاء الافتراضي)، من أجل تحييد قدرات الأعداء وإنشاء تأثير؛ خامسا، بناء منظومة قانونية إعلامية، هدفها تقليص حالة عزلة إسرائيل في الحلبة الدولية".
واعتبر الباحثان أن "هذه هي المبادئ الهامة، التي من شأنها توجيه بلورة الاتجاه المتعدد المجالات، المتعلقة بالحفاظ على ليونة في التفكير وتطوير دراسة صناع القرار، من أجل توفير رد على التغيرات المتتالية والفرص الناشئة، من خلال الحرص على عدم ’تضخيم’ المخاطر والتهديدات، كي لا يتم إحباط أية مبادرة سياسية أو مدنية. وترجيح الرأي والتنفيذ بشكل ملائم للتوجه المتعدد المجالات سيسهم في نهاية الأمر في تطوير ردود عملية أكثر مقابل التحديات الآخذة بالتطور".