المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مبنى في رمات غان قيد التعزيز ضمن خطة "تاما 38" لتعزيز المباني ضد الهزات الأرضية.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 22
  • هشام نفاع

"صورة مقلقة حول غياب الاستعدادات الكافية لوقوع هزات أرضية في إسرائيل"- هذا ما خلصت إليه (مجدداً) لجنة رقابة الدولة التابعة للكنيست، في جلسة متابعة عقدتها قبل نحو أسبوع، بحضور ممثلين لجهات رسمية وأخرى علمية وبحثية ذات صلة.

حضر الجلسة ممثل "مجلس الأمن القومي"، التابع لمكتب رئيس الحكومة والمعروف بوصفه الهيئة المركزية في إسرائيل للتنسيق والتكامل والتحليل والمراقبة في مجال الأمن القومي، ومنتدى الموظفين المعنيين بالأمن القومي. وقدّم ممثل "المجلس" تقريرا حول اللجنة الوزارية بشأن الاقتراح المقدم من لجنة مقرّرين شكلتها لجنة المدراء العامين، ويتضمن ميزانية بنحو مليار شيكل، حيث لم يتم عرض الاقتراح للمصادقة عليه من قبل اللجنة الوزارية حتى الآن. وأكد أنه في ظل غياب قرار حكومي بتمويلها، ورفض وزارة المالية دعم أي بدائل خارج الميزانية، فإن خطط الاستعداد هذه ستظل حبراً على ورق. 

هنا هاجم رئيس اللجنة عضو الكنيست ميكي ليفي ما اعتبره لا مبالاة الجهات الحكومية وقال: "إن ما يجري بشأن هذا الموضوع المهم الذي يحمل قدرات كامنة لأضرار جسيمة وهدامة من ناحية البنى التحتية والقتلى، هو تعبير عن حالة لا مبالاة.  موضوع الهزة الأرضية في إسرائيل ليس مسألة ما إذا كانت ستحدث وإنما متى ستحدث؟ فدولة إسرائيل تقع على الشق السوري- الأفريقي وعلى الرغم من ذلك فإن آلاف المباني، بما في ذلك المؤسسات التعليمية، ليست جاهزة ولا تستوفي معايير الهزات الأرضية".

وتابع أن "الكثير من المدارس التي يتعلم فيها أولادنا بُنيَت قبل عشرات السنين، وبدون الأخذ بعين الاعتبار مخاطر الهزات الأرضية. فهل علينا أن ننتظر وقوع الكارثة كي نتحرك؟ أنا أنظر إلى المكاتب الحكومية وألاحظ اللامبالاة المقلقة. الميزانيات تتأخر، خطط تعزيز المباني تتأجل، والقرارات تبقى على الورق فقط. هذا تصرف غير مسؤول ويعرض حياة الناس للخطر. في تركيا رأينا ما هو الثمن الباهظ لعدم الاستعداد. هل علينا أن نتعلم من مآسي الآخرين؟".

علامة مبكرة لهزّة أكبر... "علينا أن نستفيق قبل فوات الأوان"

نوّهت اللجنة البرلمانية على لسان رئيسها أيضاً إلى انه خلال الفترة الأخيرة وردت تقارير حول هزات أرضية في جزيرة سانتوريني في اليونان والتي من المحتمل أن تكون علامة مبكرة لهزة أرضية أكبر، و"علينا أن نستفيق قبل فوات الأوان"، تابع. ويُشار في هذا الصدد إلى أنه ضربت آلاف الزلازل الصغيرة جزيرة سانتوريني اليونانية، مطلع شهر شباط الجاري، وقد أثارت، القلق في مختلف أنحاء المنطقة، بسبب احتمال أن تؤدي إلى زلزال كبير قد يدفع إلى حدوث تسونامي في البحر الأبيض المتوسط. ووفقاً لخبراء الزلازل في جامعة أثينا، كما نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليونانية "إي. آر. تي"، فقد جرى تسجيل حوالي 21500 زلزال بالقرب من جزيرة سانتوريني اليونانية على مدار ثلاثة أسابيع. في ذلك الحين، دعا مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إلى اجتماع طارئ لتقييم احتمال تعرض البلاد إلى موجة تسونامي. وشدد نائب رئيس المجلس عقب الاجتماع على ضرورة تعزيز إجراءات الاستعداد في حال وقوع تسونامي.

ووفقاً للمصادر الحكومية، يوجد لدى إسرائيل نظام تحذير إقليمي من التسونامي وأجهزة استشعار مثبتة في نقاط مختلفة على طول الساحل للكشف عن الأمواج العملاقة المحتملة، وقد وضعت بعض المدن مثل حيفا خطط إخلاء مع إشارات واضحة لإرشاد السكان إلى المناطق الآمنة، وقدمت السلطات الآن بعض التوصيات الخاصة للسكان، مثل اتباع طرق الإخلاء سيراً على الأقدام، بدلاً من استخدام المركبات، وتطوير خطط طوارئ عائلية، وتحديد طرق الإخلاء والبقاء على اطلاع على أي تنبيهات.

مدير المعهد الجيولوجي: "نحن في سباق مع الهزة الأرضية"

مدير المعهد الجيولوجي، البروفيسور زوهار غفيرتسمان، عرض سيناريو مقلقاً، وبحسبه فإنه من دون تعزيز المباني يُتوقع أن يصل عدد القتلى إلى نحو 5180 قتيلا، وشدّد: "نحن في سباق مع الهزة الأرضية. إذا نجحنا في اجتيازها فإننا سننقذ الأرواح والأملاك". وكان يشير إلى الخطة التي أعلن عنها المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) منذ العام 2018.

وفقاً لما قاله مدير المعهد، فإن هزة أرضية متوسطة بقوة 7 درجات على مقياس ريختر في منطقة كريات شمونة قد تودي بحياة أكثر من 5000 إنسان وتتسبب في أضرار تقدر بـ 50 مليار شيكل. أما إذا تم تنفيذ الخطة الحكومية لتعزيز المباني، خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، فإن هزة أرضية بهذه القوة ستتسبب في مقتل عشرات الأشخاص، وستبلغ الأضرار المادية في حد أقصى 10 مليارات شيكل. وقال محذّراً: "إن الهزة قد تضربنا إما صباح الغد أو بعد 15 عاماً، لا يمكن التنبؤ بذلك، ولكن من خلال استثمار صحيح يمكننا مواجهتها وإنقاذ الأرواح".

غفيرتسمان نفسه كان قال في جلسة للجنة نفسها قبل عام: "نتحدث حول الموضوع منذ عقود. ليس لدى المنظومة العملانية ميزانية متعددة السنوات ومنظمة. قمنا بتخصيص ميزانية للمنظومة ولكن ليس لصيانتها. ولا يمكننا أن نقوم كل عام بالتوسل. ومن خلال التقليصات التي امتدت إلينا هناك أيضا تقليصات في القوى البشرية وأيضا في الميزانية وهذا الأمر يهدد استمرارية المنظومة العملانية".

"تم تهميش موضوع الهزة الأرضية لصالح الحرب في غزة"

بوسع المراقبين رؤية أن مضامين وتحذيرات الجهات الرسمية والعلمية من مخاطر الهزة الأرضية التي يؤكد الجميع أنها قادمة، تتكرر على نحو يكاد يكون حرفياً، من عام إلى عام. فلجنة رقابة الدولة نفسها كانت عقدت جلسة حول الموضوع نفسه قبل عام، في شباط 2024، واستعرضت مخاطر وجود إسرائيل في منطقة معرضة لأنشطة زلزالية، وأنها من المحتمل أن تمر بهزة أرضية قوية في أي وقت. وأن تتسبب هزة أرضية كهذه بمقتل ضحايا على نطاق واسع، وأضرار كبيرة للبنى التحتية والمباني وبأضرار كبيرة قد تلحق بالاقتصاد. ومنذ تلك الجلسة جرى التطرّق إلى حقيقة أنه "تم تهميش التعامل مع موضوع الهزة الأرضية لصالح الحرب في غزة، وأن تمرين الاستعدادات للحماية من هزات أرضية" والذي كان من المفروض أن يجري خلال الفترة التي سبقت ذلك التاريخ "لم يتم بسبب الأوضاع التي تمر بها الدولة". 

كذلك، هذه اللجنة نفسها اجتمعت في آب 2020 وبحثت "استعدادات الدولة لحالة طوارئ وخاصة الهزات الأرضية"، وجاء ذلك على خلفية تقرير خاص أصدره مراقب الدولة حول الموضوع أشار إلى "عيوب خطيرة في صلاحيات الجهة الرقابية بما يخص الموضوع وتنفيذ أعمال تقوية المباني". وفي ذلك الحين أيضاً عبرت اللجنة عن موقف غاضب من: "الاستخفاف المتواصل من قبل الجهات التي يُنتظر منها أن تُجري الاستعدادات للهزات الأرضية، مما يتسبب بفشل على الصعيد الوطني". ولاحظت في حينه أنه "باستثناء منظومة للإنذار المبكر وتطورات في مجال الأمان، لم يتم القيام بأي شيء منذ بضع سنوات إنما على العكس من ذلك: في جزء من الخطوات المصيرية تقهقرنا إلى الوراء كما قالت الجهات المهنية أمام اللجنة".

"سبع سنوات أُهدِرت" بدون تنفيذ خطة تم إقرارها

مدير شعبة الرقابة على مجالات الاقتصاد والبنية التحتية في مكتب مراقب الدولة، وصف الوضع بقوله: "سبع سنوات أُهدِرت". وأضاف: "إن الاستعدادات تتطلب ليس مجرد إصلاحات صغيرة، بل رؤية وطنية شاملة – وهذا لم يتحقق تقريباً". وكان هذا الموظف الكبير قد أعدّ تقريراً حول الاستعداد للهزات الأرضية قُدِّم إلى الكنيست قبل عام، واكتشف أنه حتى نهاية العام 2023، من أصل 186 مليون شيكل تم تخصيصها لتعزيز المباني ضد الزلازل كجزء من خطة "درع الشمال"، لم يُستخدَم سوى 7 ملايين شيكل فقط، أي أقل من 4%.

وفقاً لمراقب الدولة، فإن مشاريع "تاما 38" (خطة تعزيز المباني ضد الهزات الأرضية) في المناطق الطرفية، التي شهدت تعزيز 715 مبنى فقط خلال 18 عاماً، ستعمل على تعزيز أقل من 1% من المباني التي تحتاج إلى تقوية. كما أن 15% فقط من مشاريع الخطة نُفِّذت في المناطق المعرضة للخطر في هذه المناطق. 

وهذا على الرغم من أن الوزارات الحكومية المعنية تتفق على ضرورة تعزيز التحصين من خلال دعم مشاريع التجديد العمراني، وفقاً للمراقب. وقد أوصت وزارة الدفاع بتمويل جزء من الخطة باستخدام أموال "صندوق الأراضي المفتوحة"، المسؤول عن الحفاظ على المساحات الخضراء والتنوع البيولوجي. هذا الصندوق هو كيان خارج الميزانية يُموَّل من عائدات سلطة أراضي إسرائيل. وعلى الرغم من موافقة الوزارات المختلفة على هذا الاقتراح، فقد عارضته وزارة المالية، معتبرةً أنه محاولة لتجاوز الميزانية، حيث تم تخصيص أموال الصندوق لأغراض أخرى. وقال ممثلو وزارة المالية: "إذا أرادت الحكومة الاستثمار، فعليها أن تفعل ذلك من الميزانية المباشرة". 

ولاحظ تقرير في موقع "دفار" أن هذه المعارضة لم تكن الأولى من وزارة المالية لدعم مشاريع التجديد العمراني الممولة جزئياً لمواجهة مخاطر الهزات الأرضية. فقد طرحت وزارة البناء والإسكان خلال السنوات الأخيرة خطة لدعم المناطق الطرفية بمبلغ 200 ألف شيكل لكل وحدة سكنية، باستثمار إجمالي قدره 6.5 مليار شيكل من خلال إعفاءات ضريبية، قروض، ومنح. لكن وزارة المالية وصفت أيضاً هذه الخطة بأنها "تحايل على الميزانية" نظراً لاعتمادها على تخفيضات ضريبية.

"كانت هناك ميزانيات لكنهم أخذوها إلى أماكن أخرى"

يُذكر أن رئيس بلدية طبريا، يوسي نبعا، حضر الجلسة بسبب الخطر الكبير الذي يهدد هذه المدينة لو وقعت هزة أرضية كبيرة. وخاطب اللجنة قائلاً: "وصلنا اليوم بطاقم كبير يشمل جميع الوظائف الإدارية في المدينة، لأننا لسنا هنا من أجل الشعارات والكلمات عن الزلازل في المدينة. فكل نقاش يحدث في المدينة يعود دائماً إلى الحديث عن الكارثة القادمة التي ستحدث في طبريا، وهي قادمة".
وأكد على أن "المسؤولية عن ذلك تقع فقط على الحكومة، وليس على أي شخص آخر. الحلول موجودة. كانت هناك ميزانيات، لكنهم أخذوها إلى أماكن أخرى. في كل نقاش نجريه، نتحدث عن تجديد عمراني سيصب لصالح سكان المدينة. تم الاتفاق على أن 15% من ميزانية التجديد الحضري ستُخصص من أجل تعزيز المباني، ولكن لدينا في المدينة صفر تجديد حضري. إذا لم نقم بشيء الآن، فإن الكارثة القادمة ستحدث في مدينتي، ولا أستطيع أن أشرح بشأن الـ 6000 مبنى التي تحتاج إلى تدخل فوري. حتى مبنى البلدية بحاجة إلى تعزيز، وعندما تحين لحظة الحقيقة، عندما تحدث كارثة، لن تكون لدينا أية إمكانية لتقديم الخدمات إلى المواطنين".

أما ممثل مكتب مراقب الدولة فلخّص المر قائلا إن: "كل استثمار بشيكل واحد اليوم سيوفر 13 شيكلاً في اليوم التالي بعد وقوع الكارثة. نحن بحاجة إلى خطة شاملة، ميزانية طويلة الأجل، وإلى تنفيذ متعدد السنوات. كما أن الحكومة ووزارة المالية بحاجة إلى فهم أن الاستثمار في الاستعداد هو خطوة مربحة". وفي نهاية جلستها الأخيرة قبل أسبوع، قرّرت اللجنة أنها ستبعث برسالة تحذيرية إلى كل من رئيس الحكومة، ووزير الدفاع، ووزير المالية، ووزير الداخلية، تطلب فيها الدفع قدماً بالموضوع بشكل فوري وآني. وستعقد اللجنة جلسة متابعة أخرى بعد 4-5 أشهر.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات