وسط أزمة في جهاز الصحة الإسرائيلي، لم تزدها الحرب المتواصلة منذ عام إلا تفاقما، يحذر مديرو المستشفيات من أن سياسة وزارة المالية تجاه شركات العيادات المعروفة بـ صناديق المرضى، سوف تتسبب في إفلاس المستشفيات، وقد تؤدي إلى تأجيل افتتاح مركز جديد لإعادة التأهيل الطبي في المركز الطبي "الشمال" (بوريا، سابقا) بسبب أزمة مالية ستزداد تعقيدا.
وكانت لجنة الصحة التابعة للكنيست قد عقدت اجتماعا بمنتصف تشرين الأول بحثت فيه اقتراح تمديد الأمر القاضي بتنظيم المحاسبة بين صناديق المرضى والمستشفيات بشأن تقديم العلاج للمؤمّنين. وأكدت رئاسة اللجنة على أهمية الاستقرار الاقتصادي للمستشفيات، وهو الذي يعتمد، فيما يعتمد عليه، على المحاسبة المنتظمة والاعتيادية مع المستهلكين الرئيسيين، أي صناديق المرضى، وهذا إلى جانب الفحص المدقق المطلوب في ترتيبات الأجور الجديدة، بهدف تجنب زعزعة الاستقرار الاقتصادي.
وتحدث مديرو المستشفيات خلال الاجتماع عن طريقة المحاسبة، وموعد صرف الأموال للمستشفيات من قبل صناديق المرضى (في مدة تصل شهرين كأقصى حد) في مقابل دفع المستشفيات الأجور لطواقم الموظفين فيها ولمزودي المواد والتجهيزات أو الخدمات في الموعد المحدد لذلك، والزيادات المتوقعة في أجور الأطباء في ظل انعدام التعويضات من خزينة الدولة، والتزام المستشفيات بمنح خصم لصناديق المرضى على أنواع العلاج وأيام الاستشفاء. وحذر مديرو المستشفيات من أن هذه القيود ستؤدي إلى إفلاس المستشفيات.
مركّزة المحاسبة في وزارة الصحة تناولت أنواع المحاسبة المختلفة المتعلقة بالأدوية والعلاجات، وترتيبات الخصم المطلوبة، فيما أكدت مديرة القطاع المالي في الوزارة على أهمية الاستقرار الاقتصادي للمستشفيات، مشيرة إلى أن إيرادات المستشفيات ما زالت تقل عن نفقاتها الجارية ونفقاتها المستقبلية المتوقعة. وقالت "من الواضح أن منظومة الاستشفاء تفتقر إلى ميزانية إضافية ونحن نجري مفاوضات مع وزارة المالية".
أما مركزة الصحة في جناح الميزانيات في وزارة المالية، فقالت إن أسعار العلاج يجب أن تعكس التكلفة الفعلية تقريباً، وسيتم تقليل الخصم الممنوح للمستشفيات قدر الإمكان. ووفقا لها يجري العمل حاليا على تحديد أسعار أنواع العلاج.
مديرو المستشفيات يحذرون من انهيار اقتصادي فيها
البروفسور يورام فايس، المدير العام لمركز هداسا الطبي، شدد على وجود فجوة بمقدار مئات ملايين الشواكل في نفقات المركز الطبي مقارنة مع الإيرادات التي يحصل عليها من صناديق المرضى وخزينة الدولة.
وكما قال فإن: "المالية تعتبر هداسا مستشفى خاصا، إلا أنها تطلب منه أن يتصرف على مستوى الجمهور والمنطقة، ولا تأخذ في الاعتبار هذه النفقات". وحذر نائب المدير العام يوفال أدار من أنه يتم تخفيض نحو 10% بالمتوسط من تعويضات الميزانية كل عام.
أسمعت في لجنة الصحة خلال الاجتماع مواقف انتقادات كثيرة، منها أنه من الضروري إطلاع الكنيست على توقعات زيادة الأسعار في مواجهة تعديلات الأجور، فيما احتج أعضاء كنيست بمن فيهم أعضاء الائتلاف الحاكم على تعامل وزارة المالية مع المستشفيات العامة، على الرغم من الصعوبات التي واجهتها المستشفيات العامة خلال فترة تفشي كورونا، وما زالت تواجهها في ظل الحرب، بينما حذر آخرون من أن أي اتفاق مع المالية في الموضوع سيتم التوصل إليه فقط نتيجة تفعيل القوة.
وقال روعي بن موشيه، مدير القسم الاقتصادي في المركز الطبي "الشمال"، إنه سيتم في شهر تشرين الثاني وفقا لقرار الحكومة افتتاح مركز إعادة تأهيل طبي يضم 162 سريرا تأهيليا و30 سريرا نهاريا، وأضاف أن هذا سيكون مركز إعادة التأهيل الوحيد في الشمال، ومن شأنه أن يخدم حوالي مليون ونصف المليون مواطن في منطقة شمال البلاد، وأن تكلفة التشغيل الكامل لمركز إعادة التأهيل تبلغ حوالي 140 مليون شيكل، إلا أن هذا المشروع الجديد لا يتم احتسابه في الحد الأقصى لأسعار خدمات المستشفى في القانون من العام 2021، وهو قانون تطلب الحكومة تمديده حتى العام 2025.
وبموجب القانون المطروح على بساط اللجنة، فإنه بالنسبة لأنشطة إعادة التأهيل التي تتجاوز الحد الأقصى لأسعار خدمات المستشفى، لا يجوز للمستشفى أن يتقاضى أكثر من 30% من السعر الثابت في قائمة الأسعار. ويقدر النشاط الكامل لمركز إعادة التأهيل بمبلغ 140 مليون شيكل، وبموجب القانون المطروح على بساط اللجنة، سيتم إلزام المستشفى بتقديم خصم بنسبة 70%، أي 98 مليون شيكل، على هذا النشاط. وحذر بن موشيه من أن المستشفى الذي يبلغ حجم دورته المالية 640 مليون شيكل بضمنها "ميزانية ثابتة" بموجب القانون المذكور، لا يمكنه تحمّل خصم آخر بهذا الحجم، وبالتالي فإن تمديد الأمر مفاده تأجيل افتتاح مركز إعادة التأهيل.
بدء فرض عقوبات على المستشفيات رغم الأزمة الخانقة
بدأت الحكومة فعلا بتطبيق عقوبات على المستشفيات، إذ أبلغ المدير العام لوزارة الصحة موشيه بار سيمان طوف، ومفوض الميزانيات يوغيف غيردوس، 4 مستشفيات حكومية - شامير آساف هروفيه، وولفسون، هيلل يافيه وبني تسيون - أنه بعد تجاوز إطار الميزانية المخصصة لهم ستتم معاقبتهم وفق الأنظمة الجديدة المنصوص عليها في قانون ملحق الميزانية العامة للعام 2022.
وبين العقوبات المفروضة على المستشفيات: عدم السماح للجنة المشاريع والوحدات في وزارة الصحة ببحث طلباتها للمشاريع والوحدات الجديدة التي لم تتم الموافقة عليها بعد؛ ولن يسمح للمستشفى بإجراء عمليات شراء بقيمة تزيد عن نصف مليون شيكل للطلب الواحد بدون الحصول على موافقة مسبقة من لجنة الاستثناءات، ما عدا شراء الأدوية، ولن يسمح له بالموافقة على أوامر التطوير بدون موافقة لجنة الاستثناءات ولجنة التنمية؛ ولن يسمح للمستشفى باستقبال موظفين جدد، إلا إذا كان الأمر يتعلق باستقبال موظف جديد يحل محل موظف قد ترك العمل، وبراتب لا يتجاوز راتبه، أو زيادة الراتب، باستثناء زيادة الرواتب بموجب قانون أو اتفاقية جماعية، بدون الحصول على موافقة لجنة الاستثناءات الخاصة بالموظفين؛ ويقوم المستشفى بزيادة النفقات العامة التي يتلقاها من الشركات التابعة أو من المؤسسة الصحية التي إلى جانبه بنسبة 5%.
وبحسب الرسالة، التي نشرتها صحيفة "كالكاليست"، بدأت لجان الاستثناءات المكونة من ممثلين عن وزارتي الصحة والمالية، عملها. ويوجد لدى المستشفيات خيار تصحيح الخروج عن إطار الموازنة (حذف العجز) وإزالة القيود. ولكن بموجب الأنظمة، إذا انتهى الأمر بالمستشفى إلى الوقوع في عجز كبير - يمكن لوزارة الصحة أن تعين محاسباً للمرافقة وإذا كان العجز كبيراً جداً، يجوز للمحاسب العام لوزارة المالية تعيين محاسب مرافق.
يذكر أنه في إطار قانون التسويات المتعلق بالميزانية العامة للعام 2022، تم إقرار أحد الإصلاحات الهيكلية البعيدة المدى في جهاز الصحة في السنوات الأخيرة، والذي أطلق عليه اسم "الميزانية الموحدة". ويسعى الإصلاح إلى موازنة أموال المساعدات التي تمنحها الحكومة سنوياً للمستشفيات وفقاً لمعايير محددة وقابلة للقياس وليس وفقاً لهوية مقدم الطلب. يشار إلى أنه في الماضي، حصلت المستشفيات الحكومية على ميزانية أكثر سخاء مقارنة بالمستشفيات المستقلة (مثل هداسا، شعاري تسيدك، لانيادو) لأنها تابعة للحكومة مقارنة بالمستشفيات المستقلة. وطالبت وزارة المالية، إلى جانب «الجزرة»، باستخدام "عصا" عقوبات مشددة على المستشفيات التي لا تلبي التوقعات التي قدمتها وتعاني من العجز. وهذا هو السبب وراء معارضة جزء كبير من مديري المستشفيات الحكومية لهذا الإجراء، وخاصة شدة العقوبات المنصوص عليها في الخطة. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق العقوبات، على الأقل كتابيا.
ووفقا للصحيفة يُدرَس أن لا تشمل مستشفيات الشمال والجنوب ضمن عملية التفتيش هذه المرة بسبب الوضع الأمني والتحديات المترتبة عليه. ومن الناحية العملية، فإن المستشفيات الحكومية الكبيرة - مثل إيخيلوف، ورمبام - لا تواجه عجزاً كبيراً.
توجّه يعتبر المستشفيات مؤسسات تجارية في الربح والخسارة
وفقا للأنظمة الجديدة، يتوجب على المستشفيات تقديم توقعاتها عن الإيرادات والنفقات التي يشتق منها العجز، وتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر عن التطورات والاستجابة للتوقعات. التوجه يقوم على التصور بأن المستشفيات هي "مؤسسات تجارية" يأتي معظم دخلها من أنشطتها ويأتي جزء منها فقط على شكل "مساعدات". ومع ذلك، شهد عدد من المستشفيات، بما في ذلك المستشفيات الصغيرة الموجودة في المركز، هذا العام، انخفاضاً في النشاط (في الإيرادات).
"لقد تعرضت جميع هذه المستشفيات لحوادث أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا في الآونة الأخيرة. هل يصح الآن فرض قيود مالية على المستشفيات؟ خلال الحرب عندما تكون المستشفيات في طليعة المواجهة؟"، قال مسؤول كبير في الجهاز الصحي لـ "كالكاليست". وبحسب المصدر، فإن هناك غضباً كبيراً في إدارات المستشفيات التي ستتأثر، من القرار الذي يفرض عقوبات شديدة، مثل القيود على العمليات والمشتريات وقبول الأطباء والممرضين وموظفي الإدارة "بدلاً من إضافة ميزانية ومساعدة للمستشفيات التي تقف في طليعة النشاط الجماهيري بشكل عام ومنذ كورونا و7.10 على وجه الخصوص، فإن الجهات التنظيمية هي التي تقوم بإدخال القيود. يجب على شخص ما أن يستيقظ ويدرك أن المستشفيات هي الذراع الطويلة للنظام الصحي في إسرائيل، وهم الذين يتواجدون هناك من كل هجوم إلى النشاط الروتيني".
ونفى مسؤول كبير في وزارة الصحة هذه الادعاءات جملة وتفصيلا، على حد قوله، ووصف العجز في تلك المستشفيات بأنه "جنوني". وقال أيضاً إن العجز لا يُفسر فقط بسبب انخفاض النشاط ولكن أيضاً بسبب سلوك تلك المؤسسات الطبية.
كما أن التوجه الحكومي نحو المستشفيات يثير نقدا كبيرا في صفوف هيئات وحركات ناشطة برزت خصوصا بعد الحرب. فمثلا، أكدت مجموعة "تضامن لأجل إسرائيل" في بيان لها: تثبت الحكومة مرة أخرى أنها لا تفهم شيئاً في إدارة النظام العام. قررت وزارتا الصحة والمالية معاقبة أربعة مستشفيات حكومية - شامير، وولفسون، وهيلل يافيه، وبني تسيون - لتجاوزها الميزانية. وبدلاً من فهم أنه إذا تجاوزت المستشفيات الميزانية فإن ذلك يعد علامة على أن الميزانية غير كافية، اختاروا فرض العقوبات. ومن الذي سيدفع الثمن؟ المرضى والطواقم الطبية بالطبع". وتابعت: دعونا نقول الأمر بوضوح: بدلاً من فرض العقوبات، ينبغي زيادة ميزانيات جهاز الصحة العامة. تحتاج المستشفيات إلى المزيد من الموارد، وليس العقوبات. لقد حان الوقت لكي تفهم الحكومة أن الصحة ليست ترفا، بل هي حق أساس لكل مواطن.