المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1940
  • مركز مدار

أدّت الحرب على قطاع غزة إلى طرح ملف العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، وبطبيعة الحال ملف العلاقات الفلسطينية الأفريقية، على طاولة البحث والتداول. وتظهر طبيعة هذه العلاقات في المواقف التي اتخذتها الدول الأفريقية من الحرب، والتي يمكن اعتبارها تعبيراً عن العلاقات مع إسرائيل والموقف من القضية الفلسطينية.

تحاول هذه الورقة رصد وتحليل مواقف الدول الأفريقية غير العربية، وهذا يعني أن الورقة تستثني في تحليلها مواقف الدول العربية في القارة الأفريقية مثل مصر، المغرب، الجزائر، السودان، تونس، جيبوتي وموريتانيا، التي بلا شك تحتاج إلى ورقة منفصلة. تشير الورقة بعد قراءة مواقف الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي الذي يُمثل هذه الدول، إلى أن القارة لا تزال داعمة للحقوق الفلسطينية، مع التأكيد على أن إسرائيل نجحت في استمالة دول أفريقية لتأييد مواقفها السياسية، وهذا يعود إلى الجهود المضنية التي بذلتها إسرائيل في العقد الأخير في تعميق حضورها فيها.

مدخل

وضعت إسرائيل القارة الأفريقية وتحسين علاقاتها مع الدول الأفريقية كواحدة من أهدافها الدبلوماسية المركزية، وقد استطاعت تعميق وجودها في القارة من خلال توقيع معاهدات دبلوماسية مع دول أفريقية عديدة مسوقة نفسها على أنها تستطيع مساعدة هذه الدول تكنولوجيا، لا سيّما في مجالات الزراعة، والريّ، والطاقة وغيرها من المجالات. وكانت إسرائيل قد عملت على أن تكون عضوا مراقبا في القمم الأفريقية وحتى عقد قمة أفريقية إسرائيلية، وهما طلبان تم رفضهما لكنهما يدلان على الاهتمام الذي توليه إسرائيل للقارة الأفريقية عموماً ولشرق وجنوب القارة خصوصا، فقد صوت الاتحاد الأفريقي العام 2021 على انضمام إسرائيل كعضو مراقب فيه والذي لم تعارضه سوى 15 دولة من بين 54 دولة، وتم تجميد القرار لكن لم يتم إلغاؤه. ولدى إسرائيل علاقات دبلوماسية مع 46 دولة في اتحاد الدول الأفريقية، ولديها 12 سفارة رسمية فيها، في حين لدى القارة الأفريقية 30 قنصلية وسفارة في تل أبيب.

العلاقات الأفريقية الإسرائيلية بعد الحرب

لا تزال نزعة مكافحة الاستعمار سائدة في الوعي الأفريقي وإن لم تعد بالحدة التي كانت عليها في الماضي، مع ذلك فإن الحرب على غزة قد تدفع دولاً أفريقية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل، أو تخفيض سقف العلاقات الدبلوماسية معها. ومن جهة ثانية لا يمكن إنكار تأثير العلاقات التي بنتها إسرائيل مع دول أفريقية في العقد الأخير على مواقف بعضها التي تريد الحفاظ على هذه العلاقات على الرغم من الحرب على قطاع غزة، وهنالك دول تؤيد إسرائيل في حربها على حركة حماس.[1] وقد ظهر الموقف الأفريقي المتباين خلال التصويت في مجلس الأمن على اقتراح القرار الروسي بوقف الحرب على قطاع غزة، حيث أيدت دولتان أفريقيتان في المجلس القرار الروسي (الغابون وموزمبيق) وامتنعت غانا عن التصويت. وتؤكد التقديرات أن أربع دول أفريقية تدعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة وهي: كينيا، زامبيا، الكونغو وغانا، وقد تعرضت مواقف قادتها إلى انتقاد شديد في الصحف المحلية.[2] وأصدر الرئيس الكيني بيانا أدان فيه هجمات المقاومة، وأكد تضامنه الكامل مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، وحثَّ المجتمع الدولي على محاسبة الفصائل التي وصفها بـ"الإرهابية"[3]. وكان الرئيس الكيني قد زار إسرائيل في أيار الماضي معرباً عن عمق العلاقات بين الدولتين. وأما بالنسبة إلى غانا التي امتنعت عن التصويت على القرارين الروسي والبرازيلي في مجلس الأمن، فإنها وطدت علاقتها مع إسرائيل في الفترة الأخيرة حيث زار وزير الخارجية الإسرائيلي ايلي كوهين هذه الدولة في تموز الماضي ودشن المنتدى الاقتصادي الإسرائيلي الغاني، وهو المنتدى الاقتصادي الأول من نوعه في أفريقيا بشراكة إسرائيلية.

تباينت مواقف الدول الأفريقية من أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويمكن تقسيم هذه المواقف حسب مجلة "جون أفريك" الفرنسية إلى ثلاث مجموعات: الدول التي أدانت الهجمات على إسرائيل وتقدم الدعم الكامل لإسرائيل، ودول تتبنى تدعو إلى وقف التصعيد والتنديد بقتل المدنيين بغض النظر عن الجهة المنفذة، وموقف ثالث لم يدن بشكل رسمي هجمات حركة حماس وطالب بالعودة إلى المفاوضات وتسوية الصراع بالطرق الدبلوماسية، معتبرا ما حدث في السابع من أكتوبر تراكما لعدم تسوية القضية الفلسطينية. ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى الفقي في 8 تشرين الأول إلى تأكيد ضرورة العودة إلى المفاوضات لتنفيذ حل الدولتين، وقال في بيان: "أود أن أذكّر بأن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لا سيما الحق في دولة مستقلة ذات سيادة، هو السبب الرئيس للتوتر الإسرائيلي الفلسطيني الدائم".[4] وقال الفقي في مؤتمر القاهرة حول الحرب على قطاع غزة: "اسمحوا لي أن أخرج عن بعض قواعد البروتوكول المعهودة لأقول إن الحرب على غزة ينتج عنها تدمير غير مسبوق لأي مدينة في التاريخ، فقتل المدنيين من أطفال ونساء وعجزة ومرضى هو ظرف يستدعي الإحجام عن الكلام والدخول الفعلي في ترتيب الرد المناسب".

من خلال رصد معظم المواقف الأفريقية يمكن القول إن قصف المستشفى المعمداني في مدينة غزة كان نقطة تحوّل في الموقف الأفريقي نحو معارضة أكثر فاعلية ومباشرة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكان غزالي عثماني، رئيس الاتحاد الافريقي، قد أدان الحرب الإسرائيلية على غزة، معتبراً أن هجمات حماس هي هجمات مدانة، لكنها لا تبرر الحرب على غزة واستهداف المدنيين.[5]

وأعلنت جنوب أفريقيا أنها تفحص قطع العلاقات مع إسرائيل بسبب ما وصفته بأنه "جرائم الحرب في قطاع غزة"، وردّت إسرائيل على هذا الموقف بإعادة السفير الإسرائيلي من العاصمة الجنوب أفريقية. وقال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رمفوزا، إن بلاده توجهت إلى المحكمة الجنائية في لاهاي من أجل التحقيق في جرائم حرب في قطاع غزة.[6] وكان رمفوزا قد قال إنه لا يؤيد ما حدث في السابع من أكتوبر، لكن ما تعمله إسرائيل هو قتل الغزيين وكأنهم "ذباب"، كما أنها حولت غزة إلى معسكر اعتقال (إشارة إلى معسكرات الاعتقال النازية)، وكان البرلمان في جنوب أفريقيا أيد إغلاق سفارة بلاده في تل أبيب وقطع العلاقات مع إسرائيل.

ولم تنحصر ردة الفعل الأفريقية على الحرب في المستوى الرسمي، بل تعدته إلى المستوى الشعبي، فقد شهدت الكثير من الدول الأفريقية مظاهرات منددة بالحرب على قطاع غزة، وشمل الاحتجاج الشعبي دولا تؤيد إسرائيل، حيث خرجت مظاهرات ضد مواقف الحكومات المؤيدة لإسرائيل ومظاهرات ضد الحرب على غزة واستهداف المدنيين.

وتشير أماني الطويل إلى أن الموقف الأفريقي من الحرب على غزة أقل حدة مما كان تاريخياً، ويعود ذلك برأيها إلى الفعل الإسرائيلي الكبير في القارة الأفريقية غير العربية مقارنة مع الفعل العربي، حيث تقول: "في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى ضعف موقف دول جنوب القارة، فيما عدا جنوب أفريقيا، في دعم قضية العرب الأولى، وهي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين طبقا لحل الدولتين، مقارنة بمواقف أفريقيا التاريخية في دعم القضايا الأخلاقية، والمبدئية بشكل عام، وكذلك ممارسة الإسناد للموقف العربي في شأن قضية فلسطين. ويمكن القول إن ضعف الموقف الأفريقي يعود إلى فاعلية إسرائيلية كبيرة في أفريقيا حاليا بعد حالة الفراغ التي تركتها مصر، والعرب جميعاً، في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد، حيث تم التراجع عن الاهتمام بأفريقيا، منذ حقبة الرئيس الراحل أنور السادات الذي قدر أن دور أفريقيا الوظيفي لمصر قد انتهى بتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد، خصوصاً وأن الرجل امتلك مشروعاً موالياً للغرب في وقت كانت ما تزال القارة مخلصة لمشروع التحرر الوطني من الغرب".[7]

إجمال

اتخذت أغلب الدول الأفريقية موقفاً ناقداً لإسرائيل جراء الحرب التي تشنها على قطاع غزة، خاصة بعد القصف الشديد على الأماكن السكنية، والتقارير عن سقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين. وكان استهداف المستشفى المعمداني مرحلة انتقلت فيها أغلب الدول الأفريقية من مرحلة المناداة بضبط النفس إلى مرحلة النقد والإدانة للعمليات العسكرية الإسرائيلية. يمكن تقسيم الدول الأفريقية إلى ثلاث مجموعات: الدول الداعمة لإسرائيل في الحرب وهي أقلية من بين دول الاتحاد الأفريقي (مثل: كينيا، رواندا، الكاميرون، غانا والكونغو الديمقراطية)، والدول الناقدة لإسرائيل بشكل كبير ولاذع (مثل السنغال، وجنوب أفريقيا)، والدول التي تحاول اتخاذ موقف الحياد متبنية أسلوب الخطاب الدبلوماسي في إدانة الطرفين والمطالبة بحل الأزمة من خلال العودة للمفاوضات وحلّ الدولتين. في المجمل استمرت القارة الأفريقية في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، بيّد أن الموقف لم يعد عليه إجماع فيها، وبالحدة التاريخية نفسها التي كانت في السابق باستثناء جنوب أفريقيا، وطبعا الدول التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وربما يجب التأكيد على أن الحرب على غزة قد تؤدي إلى إحداث ردة في المساعي الأفريقية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وربما تعرقل إلى حدّ كبير جهود إسرائيل لتعميق وجودها في القارة الأفريقية.

 

[1] ياعيل أبسيرا، لأفريقيا علاقات مركبة مع إسرائيل، وردة فعل القارة على الحرب مركبة أيضا، هآرتس، 19/11/2023، أنظر الرابط: לאפריקה מערכת יחסים מורכבת עם ישראל. תגובת היבשת למלחמה מורכבת גם היא - חדשות - אפריקה - הארץ (haaretz.co.il)

[2] محمد العربي، على عكس أوروبا، لماذا تعاطفت أفريقيا مع المقاومة الفلسطينية؟، موقع الجزيرة، 12/11/2023، أنظر الرابط: على عكس أوروبا.. لماذا تعاطفت أفريقيا مع المقاومة الفلسطينية؟ | الجزيرة نت (aljazeera.net)

[3] المصدر السابق.

[4] أميرة محمد عبد الحليم، الحرب على غزة تكشف أبعاد الحضور الإسرائيلي في أفريقيا، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 7/11/2023، أنظر الرابط: الحرب على غزة تكشف أبعاد الحضور الإسرائيلي في أفريقيا - مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (ahram.org.eg)

[5] الشرق الأوسط، رئيس الاتحاد الأفريقي: "لا عذر" للقصف الإسرائيلي في قطاع غزة، الشرق الأوسط، 20/11/2023، أنظر الرابط: رئيس الاتحاد الأفريقي: «لا عذر» للقصف الإسرائيلي في قطاع غزة (aawsat.com)

[6] إيتمار أيخنر، تفاقم الأزمة مع جنوب أفريقيا، رئيسها اتهم "غزة تحولت إلى معسكر اعتقال"، موقع ynet، 20/11/2023، أنظر الرابط: מחריף המשבר מול דרום אפריקה, נשיאה האשים: "עזה הפכה למחנה ריכוז" (ynet.co.il)

[7] أماني الطويل، ما هو الموقف الأفريقي في أحداث غزة، موقع 360، 22/10/2023، أنظر الرابط: ماهو الموقف الإفريقي في أحداث غزة؟ - مصر 360 (masr360.net)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات