وقّعت 32 منظمة حقوقية في إسرائيل على عريضة تحذّر من الترانسفير الجاري حاليا، وبوتيرة متصاعدة، في مناطق الضفة الغربية منذ بداية الحرب على قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول الماضي. وبالتحديد، يقوم المستوطنون بتوسيع نطاق اعتدائهم بحق مجموعات مختلفة من الفلسطينيين في المناطق "ج"، بما يشمل الطرد والإبعاد عن مساحات جديدة من الأراضي بالإضافة إلى إجبار فلسطينيين آخرين مثل البدو ورعاة المواشي على ترك أماكن سكنهم تحت قوة السلاح. وهكذا في الوقت الذي تكاد تنحصر فيه اهتمامات الإعلام، والمنظمات الدولية، والحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى المجتمع الدولي، بمجريات الحرب في قطاع غزة، تقوم جماعات مختلفة من المستوطنين المتطرفين بحملات ممنهجة من الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة، لا بد من استعراضها في هذه الورقة.
ما هي عمليات التهجير التي قام بها المستوطنون بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة؟
يمكن وصف عمليات التهجير المتسارعة في الضفة الغربية على أنها: 1) تطاول الفلسطينيين المقيمين على الأطراف، بعيدا عن المدن والقرى، وبالتحديد التجمعات المتفرقة للفلسطينيين من الرعاة، والبدو، والقاطنين في أراضيهم الواقعة في مساحات مفتوحة؛ 2) يقوم المستوطنون بتهجير هذه التجمعات (معظمها عائلات كاملة) باستخدام السلاح، قطع الطرق والمياه، تخريب المحاصيل والمنازل الفلسطينية، وأحيانا بغطاء من قوات إسرائيلية سواء الجيش أو حرس الحدود؛ 3) في ظل الاهتمام شبه الحصري بالحرب على القطاع، لا يتم رصد وتوثيق هذا التهجير بشكل كامل.
فيما يلي أهم الأمثلة على التهجير:
التاريخ |
عدد العائلات |
مجموع عدد الأفراد |
المكان |
8/10/2023 |
1 |
5 |
خربة الحمرا بالقرب من بيت لحم |
9/10/2023 |
18 |
85 |
خربة عين الرشاش بالقرب من قرية دوما |
10/10/2023 |
30 |
180 |
وادي السيق جنوبي قرية رمون |
12/10/2023 |
6 |
30 |
تجمع المليحات بالقرب من رمون |
13/10/2023 |
5 |
25 |
النصيرات في منطقة الأغوار |
13/10/2023 |
8 |
25 |
خربة الجبعيت بالقرب من الفصايل |
14/10/2023 |
8 |
69 |
بالقرب من تقوع- بيت لحم |
7/10/2023 |
10 |
47 |
خربة الطيبة- ترقوميا |
10/10/2023 |
2 |
31 |
جنوب السموع- الخليل |
20/10/2023 |
1 |
8 |
جنوب السموع- الخليل |
12/10/2023 |
2 |
20 |
خربة الردهم- الخليل |
12/10/2023 |
12 |
250 |
خربة زنوته- الخليل |
29/10/2023 |
4 |
34 |
خربة عنيزان- الخليل |
بالإضافة إلى هذه التجمعات التي تعتبر بدوية أو رعوية وتاريخيا تعيش في مناطق جبلية نائية، قام المستوطنون أيضا بمهاجمة تجمعات أكثر ثباتا (غير متنقلة)، شملت عائلات من خربة سوسية- الخليل، عين شبلي وهربة سمارة وكلتاهما في الفروش الشمالية للأغوار، منطقة الغزال بالقرب من الفصايل، والقنوب بالقرب من سعير. كما ترافق اندلاع الحرب مع بداية موسم قطف الزيتون. ومزارع الزيتون عادة تكون على أطراف القرى، بل إنها تفصل ما بين التجمعات الاستيطانية وما بين القرى الفلسطينية. وتحولت مزارع الزيتون إلى ساحة أساسية بالنسبة لهجمات المستوطنين خلال الحرب، وشملت منع قطف الزيتون بقوة السلاح، إحراق أشجار، إتلاف المحصول ومنع الوصول إلى الأشجار.[1]
هل التهجير القسري وعنف المستوطنين مختلف عن فترة ما قبل الحرب؟
منذ منتصف السبعينيات، مرّ المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في عدة مراحل من حيث التوسع، وتيرة التوسع، وأساليب التوسع الاستيطاني. ومع أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت داعمة للمشروع الاستيطاني (سواء بشكل رسمي، غير رسمي، علني، أو تحايلي)، إلا إنه من المهم النظر إلى العلاقة المركبة وأحيانا المتناقضة:
- ما بين مجتمع المستوطنين أنفسهم (منظمات، عائلات، أفراد)، والذي يسعون إلى الاستخواذ على أكبر مساحة ممكنة من أراضي "ج"، وتهجير الفلسطينيين منها بوتيرة أسرع وأكثر شمولية، وضم المناطق المستهدفة (البعض يريد ضم كل الضفة الغربية والبعض يستهدف ضم مناطق "ج" فقط).
- وما بين المستوى الرسمي الإسرائيلي (يشمل الحكومة الإسرائيلية، الجيش الإسرائيلي المسؤول عن الإدارة المدنية، المحكمة العليا التي تنظر في قانونية الاستيطان)، والذي يحاول أن يضبط عملية التوسع الاستيطاني لكيلا تخلق حالة لا يمكن لإسرائيل ضبط تبعاتها دوليا، فلسطينيا، وحتى قانونيا.
هذا التناقض تم تذليله بشكل ملموس في بداية العام 2023، بعدما حاز حزب الصهيونية الدينية، الذي يمثل التيار الاستيطاني المتطرف، على 7 مقاعد في انتخابات تشرين الثاني 2022. فقد تسلم زعيم هذا الحزب، بتسلئيل سموتريتش، منصب وزير ثان في وزارة الدفاع وصار مسؤولاً عن إدارة مستقبل الأراضي "ج"، وتسلمت أوريت ستروك وزارة المهمات القومية والاستيطانية، وتم رصد ميزانيات كبيرة لغايات تطوير المشروع الاستيطاني في ظل رؤيتين تلازمان قادة المستوطنين: مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية خلال العقد القادم، ووضع البنى التحتية اللازمة لتهيئة الضم القانوني للضفة الغربية.
وقد رأى العديد من المحللين الإسرائيليين أن هذا التكامل في الدور ما بين المستوى السياسي الذي يرعى المشروع الاستيطاني وما بين قادة المستوطنين الميدانيين، قد لعب دورا هاما في مفاقمة عنف المستوطنين خلال العام 2023، وخلق بيئة حامية لانفلات المستوطنين الأمني.
إذن، ما الجديد الذي حملته فترة الحرب فيما يخص هجمات المستوطنين؟
الفترة القصيرة التي تتناولها هذه الورقة (بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 تشرين الأول 2023)، تشهد ازدياداً متسارعاً، وممنهجاً، يفوق بكثير معدل الهجمات التي كان يشنها المستوطنون باستمرار. وجدير بالذكر، أن المستوطنين العقائديين يستغلون ثلاثة ظروف راهنة في سبيل القيام بالمزيد من عمليات التهجير والاعتداء، وهي:
- المناخ الإسرائيلي العام تجاه الفلسطينيين بعد هجمات حركة حماس، وطيلة أيام الحرب، وهو مناخ مشحون بجو انتقامي حسب ما يراه محللون إسرائيليون. المستوطنين يرون في هذا المناخ العام فرصة ليس فقط لتبرير عنفهم تجاه الفلسطينيين، وإنما لزيادة حدته في ظل ظرف قد يعتبر مواتياً بالنسبة لهم. مثلا، المجالس المحلية لمستوطنات الضفة الغربية كانت قد نشرت في 9 تشرين الأول تعميما على المستوطنين توصيهم بتغيير قواعد إطلاق النار، والسماح بـ "قتل" كل فلسطيني يقترب من المستوطنات أو تجمعات المستوطنين.[2]وفي 12 تشرين الأول، نشر مجلس مستوطنات شومرون إعلانا قال فيه إنه اشترى مئات البنادق ووضعها في خدمة المستوطنين.[3]هذه المستجدات كان لها وقع تحريضي على المستوطنين أنفسهم. مثلا، قام المستوطنون بقتل 4 فلسطينيين في يوم واحد بعد اعتدائهم على قرية قصرى بالقرب من نابلس بتاريخ 11 تشرين الأول.[4] وفي وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمستوطنين، ثمة تصاعد في لغة التحريض. ففي أحد المنشورات التي تم انتقادها في وسائل إعلام إسرائيلية، كتب المستوطنون بالعربية "إلى فئران نابلس (يقصدون الفلسطينيين): نحن بانتظاركم".
- حالة الطوارئ التي يفرضها الجيش الإسرائيلي والتي تتيح مجالا واسعا لتنفيذ هجمات المستوطنين بغطاء من الجنود الإسرائيليين، وبحماية منهم. في هذا السياق، يبرز الدور الهام الذي يقوم به وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، والذي يدعو إلى تسليح المستوطنين، وتسهيل شروط حيازة الأسلحة، وقام بنفسه بزيارة مستوطنات وتوزيع بنادق جديدة عليها. ففي ظل أجواء الحرب، يحوّل المستوطنون اعتداءاتهم إلى "عمليات دفاع عن النفس"، كما يبرز من منشورهم الموجه إلى أهالي نابلس والذي جاء فيه: "نحن أبناء داود، لم تعد لدينا خطوط حمراء، ولا قوانين رادعة، وسنعذبكم أشد عذاب". ولا بد من ذكر أنه حتى 31 تشرين الأول، استشهد 7 فلسطينيين برصاص المستوطنين في اعتداءات متفرقة، بينما عدد الشهداء برصاص الجيش الإسرائيلي وصل إلى حوالي 100 (فقط خلال فترة الحرب، أي ما بعد تاريخ 7 تشرين الأول).
- انشغال المجتمع الدولي، والإعلام، والحكومة الإسرائيلية، بالحرب على قطاع غزة.
ما هي ردود الفعل على هجمات المستوطنين بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة؟
معظم المنظمات الحقوقية التي تتابع عن كثب هجمات المستوطنين وتوثقها، هي منظمات حقوقية إسرائيلية مثل بتسيلم، حركة السلام الآن، يش دين، وغيرها. وربما أن ظروف منع التجوال، وإغلاق الطرق، والمخاطر المترتبة على التنقل بحرية في المناطق "ج"، ساهمت في الحد من قدرة منظمات حقوق إنسان فلسطينية على القيام بدورها المعهود في هذا الصدد.
في تاريخ 29 تشرين الأول، قامت 32 مؤسسة ومنظمة إسرائيلية بالتوجه في عريضة إلى المجتمع الدولي مطالبينه بعدم التوقف عن التزاماته فيما يخص اعتداءات المستوطنين.[5] وقد ساهمت أيضا نداءات فلسطينية، سواء رسمية أو مجتمعية، في تسليط الضوء على الأمر، ومطالبة المجتمع الدولي بعدم إهمال ساحة الضفة الغربية. وفي 25 تشرين الأول، صرح رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن، بأن على إسرائيل أن تقف عند مسؤولياتها في إنهاء هجمات المستوطنين المتصاعدة بشكل حاد، وقال: "عليها إيقافهم، يجب أن يتوقفوا على الفور". لكن هذا على ما يبدو لم يشكل بعد حافزا للحكومة الإسرائيلية من أجل ردع هجمات المستوطنين، بل إن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية تتهم الحكومة الإسرائيلية (التي تضم وزراء من المستوطنين والداعمين للمشروع الاستيطاني بشكل عقائدي)، بأنها متواطئة وشريكة في هجمات المستوطنين.[6] وبناء على ذلك، يرى بعض المحللين أن انفجارا ما في الضفة الغربية قد يكون على الأبواب في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة والمصحوبة بتصاعد مستمر لهجمات المستوطنين.
[1] B’tselem, “Forcible transfer of isolated Palestinian communities and families in Area C under the cover of Gaza fighting”, published on 29 Oct 2023. See:
https://www.btselem.org/settler_violence/20231019_forcible_transfer_of_isolated_communities_and_families_in_area_c_under_the_cover_of_gaza_fighting
[2] أنظر/ي مثلا: https://www.makorrishon.co.il/news/677617/
[3] أنظري/ي مثلا: https://www.ynet.co.il/news/article/bjsmlgrz6
[4] أنظر/ي مثلا: https://www.france24.com/en/live-news/20231011-four-palestinians-killed-in-israeli-settler-attack-ministry
[5] راجع/ي صفحة القيسبوك لمنظمة بمكوم، على الرابط التالي: https://www.facebook.com/Bimkom.org
[6] أنظر/ي مثلا، منظمة بتسيلم، على الرابط التالي:https://www.btselem.org/press_releases/20231029_joint_emergency_call_to_the_international_community_stop_the_forcible_transfer_in_the_west_bank
المصطلحات المستخدمة:
حرس الحدود, الصهيونية, بتسيلم, بتسلئيل, بمكوم, الإدارة المدنية, دورا