المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في كل مستوطنات غلاف غزة توجد "لجان شعبية مسلحة" تتشكل من مستوطنين متطوعين من أصحاب الخلفيات القتالية. هذه اللجان تدعى "فرق إنذار" أو بترجمة حرفية "فرق تأهب". وأحد أهم الانتقادات الموجهة إلى المنظومة الأمنية، هي أن الجيش قام بسحب الأسلحة من "فرق الإنذار" الموجودة في مستوطنات غلاف غزة قبل عامين، بحجة محاربة تجارة السلاح. وفرق الإنذار (بالعبرية: "كيتوت كونينوت")، هي فرق عسكرية مسلحة تتشكل من سكان المستوطنة نفسها وتضم متطوعين أصحاب مهارات عسكرية، ويتمثل دورها في سد الفجوة الزمنية التي تنشأ منذ لحظة الإعلان عن هجوم في المستوطنة وحتى وصول الجيش، ومن ثم مساعدة قوات الأمن بعد وصولها والعمل تحت إمرتها.

هذه المقالة تشرح ما هي "فرق الإنذار"، وتستعرض النقاش الإسرائيلي حولها خصوصا بعد فشلها في غلاف غزة وكيف تطور الأمر مع نداءات لتعزيز "فرق الإنذار" الموجودة في مستوطنات الضفة الغربية أو في المدن الساحلية داخل إسرائيل والتي تعرف باسم المدن المختلطة.

ما هي "فرق الإنذار"؟

تتكون فرقة أو "فريق الإنذار" على مستوى الكيبوتس، أو المستوطنة الصغيرة. وتتألف من حوالي 15-40 مقاتلاً في كل مستوطنة، وهم عناصر متطوعة ومدربة تدريبا جيدا على التعامل مع مجموعة واسعة من السيناريوهات، مثل تسلل المقاومين، والتعامل مع الخاطفين، وحجز الرهائن، والاستيلاء على مبان. وهي كلها سيناريوهات تحققت خلال هجوم حركة حماس على المستوطنات المحيطة بغزة صباح السبت 7 تشرين الأول.

وتتشكل هذه الفرق بالأساس في مستوطنات التخوم، أي المستوطنات المحاذية للفلسطينيين والتي تعتبر معرضة لهجمات فلسطينية (مثل مستوطنات الضفة الغربية والمستوطنات المحيطة بقطاع غزة) أو هجمات عربية (مثل مستوطنات الجولان). وتعود فكرة "فرق الإنذار" الى الفرق المسلحة التي أسسها المستوطنون اليهود في فترة الييشوف (قبل تأسيس دولة إسرائيل)، مثل مجموعات بار غيورا التي أنشأها إسحق بن تسفي العام 1907.  لكن بعد قيام دولة إسرائيل أصبح الجيش هو الجهاز الأمني المركزي المسؤول عن حماية الإسرائيليين. إلا أن هذه المجموعات عادت لتشكل "حاجة" بالنسبة للمستوطنين، على ما يبدو، وبالتزامن مع اتفاق أوسلو وتوسع الاستيطان في محيط المناطق الفلسطينية التي تتوفر فيها أسلحة. فقد تأسست أولى "فرق الإنذار" في مستوطنات الضفة الغربية خلال عقد التسعينيات، في محاولة لبناء تنظيم قوي (يشبه اللجان الشعبية المسلحة) على مستوى كل مستوطنة، وجرى تدريبها بشكل منظم، وتطوير عقيدة قتالية فريدة بين طاقم الفرقة.

من الناحية الإدارية والتنظيمية، وعند حدوث هجوم مفاجئ، يسري بشكل تلقائي أمر استدعاء للتجنيد على أعضاء "فرقة الإنذار" فيتحولون تنظيميا من قوات احتياط الى قوات في الخدمة. ولهذا السبب، فهم يتبعون الى اللواء الإقليمي وهو لواء مواز للألوية القتالية ويعنى باللوجستيات والتسليح والإعداد. لكن، هؤلاء المتطوعين هم أصلا من سكان المستوطنة، وعليهم أن يكون مركز حياتهم في المستوطنة ليبقوا على أهبة الاستعداد.

"فرق الإنذار" في المستوطنات التي تعرضت للهجوم في محيط غزة

عدد المستوطنات المقامة في غلاف غزة (أي في محيط يصل إلى حوالي 70 كيلومتراً مربعاً) هو 59 مستوطنة (معظمها على شكل كيبوتس أو موشاف)، تشمل مدينة سديروت. ويسكنها حوالي 70 ألف إسرائيلي. هاجمت حركة حماس حوالي 22 مستوطنة منها، وسيطرت على بعضها لساعات طويلة.

أعضاء "فرق الإنذار" في هذه المستوطنات أبلغوا فيما بعد أنهم وجدوا صعوبة في الاشتباك مع أعضاء حماس لأنهم كانوا تقريباً بدون أسلحة أثناء الهجوم. في المجلس الإقليمي "شاعر هنيغف" مثلا، والذي يضم حوالي 10 كيبوتسات اكتشفت "فرقة الإنذار" في إحدى البلدات الصغيرة أن 7 قطع من أسلحتها معطلة وغير صالحة للاستعمال.[1] وقد انتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نفتالي بينيت، في مقابلة على القناة 12 الإسرائيلية، الفشل الواضح لفرق الإنذار حيث أحال هذا الفشل ليس للفرق نفسها وإنما لمؤسسة الجيش التي سحبت منها الأسلحة والعتاد قبل حوالي عامين.

وتشير التقارير الإسرائيلية التي رصدت أداء "فرق الإنذار" في مستوطنات غلاف غزة، إلى أنه في مستوطنة "كفار عزه"، قتل جميع أعضاء "فرقة الإنذار" تقريبا، مما رفع العدد الإجمالي للقتلى إلى أكثر من 70. أما في مستوطنة "ناحال عوز" فقد نجت "فرقة الإنذار" لأنها لم تقاتل إذ إن الجيش كان قد منع أعضاءها من الاحتفاظ بأسلحة أوتوماتيكية في المنزل. أما في كيبوتس "بئيري"، فقد كان الأمر مماثلا حيث قتل خمسة أو ستة من أعضائها وانتهى الأمر بوجود قتلى بأعداد كبيرة في الكيبوتس. أما في "نير عوز"، فجميع أعضاء "فرقة الإنذار" مدرجون في عداد المفقودين، ويقدر هذا الكيبوتس بأن أكثر من 35 مدنيا قتلوا.[2]

وهناك انتقاد شديد للجيش الذي لولا جمعه للأسلحة التي تم فرزها لأعضاء "فرق الإنذار"، لما كانت خسائر المستوطنات البشرية بهذا الحجم، على حد تعبير المنتقدين. 

النقاش حول "فرق الإنذار" بعد 7 تشرين الأول

تعتبر "فرق الإنذار" منظومة موازية ومتداخلة، بشكل أو بآخر، مع مفهوم "الحرس القومي" الذي دعا الى إعادة إحيائه وتعميمه الوزير الإسرائيلي المتطرّف إيتمار بن غفير في بداية العام. فهذه الفرق تم تصميمها لحماية ما تسمى "مستوطنات التخوم" والتي تقع إلى جانب بلدات فلسطينية.

بعد يومين من بدء هجوم حركة حماس، وبعد أن اتضح حجم الخسائر البشرية لدى المستوطنات المحاذية للقطاع، أرسل أكثر من 100 رئيس مجلس محلي من جميع أنحاء إسرائيل رسالة إلى رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع غالانت مطالبين بالسماح لهما بإعادة إنشاء وتسليح "فرق الإنذار". وعلى الرغم من أن العديد من المستوطنات (خصوصا في الضفة الغربية) تدعي أن فرقها الإنذارية على جهوزية تامة، فإن الإشكالية نشبت عندما استدعى الجيش الإسرائيلي حوالي 350 ألف عنصر احتياط، وبالتالي فإن معظم المتطوعين من سكان المستوطنات الذين من المفترض أن يشكلوا "فرقة الإنذار" خرجوا الى التجنيد تاركين المستوطنات بدون حماية.[3]

وبالفعل، قام إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي وعراب مشروع "الحرس القومي" و"المدنيين المسلحين"، بالتعاقد مع مصنع أسلحة إسرائيلي لشراء 10 آلاف قطعة سلاح أوتوماتيكي (حوالي 4000 يتم توزيعها بشكل فوري على سكان المستوطنات المهددة). والمستوطنات المهددة، حسب خارطة توزيع هذه القطع، تراوحت بين مستوطنات الضفة الغربية والمدن الساحلية "المختلطة" (اللد، الرملة، يافا، حيفا، عكا).

وقد عين بن غفير ضابط شرطة سابق هو شمعون لافي ليتولى قضية توزيع الأسلحة على البلدات الإسرائيلية والمستوطنات، وقال: "سنقلب العالم رأسا على عقب حتى تتم حماية مستوطناتنا. لقد أمرت بتسليح مكثف لفرق الإنذار المدنية من أجل تقديم استجابة فورية".

"فرق الإنذار" في مستوطنات الضفة الغربية

في جميع الأحداث التي تسلل فيها فلسطينيون من الضفة الغربية الى المستوطنات، كان أعضاء "فرق الإنذار" أول من وصل إلى المكان وأول من اشتبك مع الفلسطينيين، بغض النظر عن نتائج كل هجوم خلال السنوات الأخيرة.

وفي تاريخ 11 تشرين الأول، أرسل رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية (مجلس ييشع)، شلومو نئمان، رسالة عاجلة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية يطالب فيها بتقديم مساعدة فورية لـ "فرق الإنذار" في الضفة الغربية. وفي نص الرسالة كتب: "هناك بنية تحتية قوية وماهرة ومكونات مختلفة للدفاع [لدى فرق الإنذار عند المستوطنين في الضفة الغربية]. للأسف، في ضوء الفظائع الفظيعة التي ارتكبها العدو ضد إخواننا من المستوطنات الجنوبية، نحن ملزمون بأن نكون مستعدين للدفاع عن سكاننا [في مستوطنات الضفة الغربية]. إن الوسائل التي كنا نطلبها منذ فترة طويلة، هذه الأيام أصبحت مطلباً فورياً وعاجلاً".

وكنا في ورقة تقدير موقف سابقة قد أشرنا الى البنية التنظيمية لإرهاب المستوطنين، وركزنا على أن "فرق الإنذار" أو "حراس المستوطنات" يشكلون حلقة أساسية في المبادرة للهجمات على الفلسطينيين، بدلاً من الاكتفاء بالدفاع عن هذه المستوطنات كما هو الهدف من إقامتها.

"فرق الإنذار" في مدن الساحل

لم يسبق أن تشكلت "فرق إنذار" في مدن الساحل، وهي مدن يعيش فيها فلسطينيون مع إسرائيليين، وتحولت الى مساحات مشحونة بالتوتر منذ سنوات، كانت ذروتها الاشتباك ما بين الطرفين خلال هبة الكرامة العام 2021. لكن أحد انعكاسات هبة الكرامة كانت تشكيل "فرق إنذار" في مدينة اللد. ففي آذار 2023، أعلنت الشرطة الإسرائيلية أنها بصدد تشكيل "فرق إنذار" على غرار تلك المتوفرة "بشكل رئيس في مستوطنات الضفة أو المستوطنات الحدودية [مثل غلاف غزة]"...  وتعتزم الشرطة تقييم عمل "فرق الإنذار" في العام المقبل [أي 2023-2024] من أجل فحص ما إذا كان هناك مجال لإنشاء قوات مماثلة في مدن أخرى، مع التركيز على المدن المختلطة.[4]

ومن الواضح أن هجوم حركة حماس من شأنه أن يسرع من تسليح المدنيين، وإقامة الحرس القومي، وتحويل "فرق الإنذار"، باعتبارها لجاناً شعبية مسلحة، إلى عنصر أساس من تكوين كل مستوطنة أو بلدة إسرائيلية.

 

[1] أنظر/ي مثلا: https://www.calcalist.co.il/local_news/article/hyy1eyez6

[2] أنظر/ي مثلا: https://www.ynet.co.il/news/article/yokra13627562

[3] أنظر/ي مثلا: https://rb.gy/kdi8n

[4] أنظر/ي مثلا: https://rb.gy/ug70d

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات