التقييم الذي يمنحه الجمهور الإسرائيلي لأداء الحكومة الإسرائيلية في مجال السياسة الخارجية ولوضع إسرائيل الدبلوماسي على الصعيد الدولي هو، الآن، الأدنى خلال السنوات السبع الأخيرة: بمعدّل 4.82 نقطة من أصل 10، وهو ما يعكس تراجعاً حاداً جداً عما كان عليه تقييم الجمهور لأداء الحكومة في هذا المجال تحديداً خلال العام الفائت 2022 ـ 5.53 نقطة من أصل 10، بينما منح نحو رُبع الجمهور الإسرائيلي إجمالاً نقطة واحدة فقط (مستوى التقييم الأدنى) للأداء الحكومي في مجال السياسة الخارجية و5.03 نقطة لوضع إسرائيل الدبلوماسي في العالم، وهو مستوى التقييم الأدنى خلال السنوات الثماني الأخيرة وبتراجع حاد، أيضاً، عما كان عليه التقييم في العالم الماضي ـ 5.85 نقطة. في المقابل، يصف 18 بالمئة فقط من الجمهور الإسرائيلي وضع إسرائيل في العالم بأنه "جيد".
هذه بعض الفوارق الأساسية والكبيرة بين مواقف الجمهور الواسع في إسرائيل وبين الأداء الحكومي في مجال السياسة الخارجية، والتي تنعكس في مجموعة من القضايا الجوهرية، مثل السياسة حيال الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، مكانة القضية الفلسطينية في مستقبل العلاقات الإسرائيلية مع السعودية ودول أخرى في المنطقة وكلك العلاقة بين "برنامج الإصلاح القضائي" الذي بدأت هذه الحكومة بتنفيذه وعلاقات إسرائيل الخارجية. وقد تجسدت هذه الفوارق بشكل واضح في النتائج التي أظهرها استطلاع "مؤشر السياسة الخارجية" للعام 2023، الذي أجراه معهد "مِتفيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، مؤخراً ونشر نتائجه في مطلع أيلول الجاري. واستطلاع "مؤشر السياسة الخارجية" هذا هو استطلاع سنوي يجريه معهد "متفيم" للمرة الحادية عشرة على التوالي هذه السنة. وقد أجري استطلاع هذه السنة في الفترة ما بين 20 و23 تموز الأخير بإشراف "معهد رافي سميث لاستطلاعات الرأي" وبالتعاون مع "صندوق فريدريش إيبرت" الألماني وشمل عينة تمثيلية من الجمهور الإسرائيلي مكونة من 800 شخص من المواطنين البالغين، من اليهود والعرب، نصفهم من النساء والنصف الآخر من الرجال: 680 (65 بالمئة) من اليهود و120 (15 بالمئة) من العرب. ومن بين اليهود، شارك في الاستطلاع 98 شخصاً (15 بالمئة) من المهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
في هذه السنة، الحادية عشرة على التوالي كما أشرنا، اشتمل الاستطلاع على أسئلة حول إسقاطات سياسات حكومة "اليمين الخالص" على العلاقات الخارجية لدولة، سواء فيما يتعلق من تلك السياسات بـ "برنامج الإصلاح القضائي"، الذي يشكل أبرز وأهمّ ما قامت وتقوم به هذه الحكومة منذ تشكيلها حتى الآن، أو ما يتعلق منها بالضفة الغربية ومستقبل القضية الفلسطينية بشكل عام؛ مستقبل عملية التطبيع مع بعض الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية بالطبع، واحتمالات استثمار هذه التحولات في هذه العلاقات في ما يمكن أن يدفع مساعي السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى أمام؛ تقدم إيران الحثيث نحو تحقيق وامتلاك قدرات نووية عسكرية؛ أزمة المناخ باعتبارها قضية سياسة خارجية؛ سياسة إسرائيل في لبنان وحياله؛ تكثيف وتوسيع التدخل السياسي الصيني في الشرق الأوسط وموقف إسرائيل بشأن الحرب في أوكرانيا.
فيما يلي نعرض أبرز ما حملته نتائج الاستطلاع الجديد في اثنتين من القضايا المركزية ـ العلاقة مع الشعب الفلسطيني والسياسة الإسرائيلية حياله وحيال مستقبل قضيته؛ مكانة إسرائيل الإقليمية ومستقبل علاقاتها مع دول الجوار ومساعيها لتوسيع دائرة التطبيع.
إسرائيل والفلسطينيون- الأبارتهايد كنظام رسمي
تبيّن نتائج الاستطلاع لهذا العام أن نحو نصف الإسرائيليين يؤمنون بأن ثمة علاقة وثيقة بين مساعي الحكومة وجهودها المكثفة لإجراء تغييرات بنيوية وجوهرية في جهاز القضاء الإسرائيلي وبين مساعيها السياسية لتنفيذ مشروع ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية. في المقابل، يعتقد 34 بالمئة أن العلاقة بين هذين الموضوعين هي علاقة واهية أو أنها غير قائمة إطلاقاً.
وبينما يرى أكثر من ثُلث الجمهور الإسرائيلي بقليل (36 بالمئة) أن السعي لتحقيق سلام إسرائيلي ـ فلسطيني على أساس حل "دولتين لشعبين" هو الاستراتيجية المفضلة لدى الحكومة الإسرائيلية في المسألة الفلسطينية، يعبر 28 بالمئة من الجمهور الإسرائيلي عن تأييده لفكرة ومساعي ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وإقامة دولة واحدة يكون فيها لليهود حقوق أكثر وامتيازات واضحة. أي أن 28 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون، عملياً، إقامة دولة واحدة بين البحر والنهر يحكمها نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) بصورة رسمية. ومقابل هؤلاء، يعلن 11 بالمئة من الإسرائيليين أنهم يؤيدون فكرة ومساعي ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وإنشاء دولة واحدة بين البحر والنهر بحيث يتمتع جميع المواطنين فيها بالمساواة التامة في الحقوق. والمثير في نتائج الإجابات على هذا السؤال، بشأن ضم الضفة الغربية وإقامة دولة واحدة، أن نحو رُبع الإسرائيليين لم يبلوروا بعد رأياً نهائياً حول الموضوع.
على جانب آخر، عبرت أغلبية كبيرة من المشاركين في الاستطلاع (61 بالمئة) عن الاعتقاد بأنه ينبغي على دولة إسرائيل الاستعانة بالدول العربية التي بدأت بتطبيع العلاقات معها واستثمار هذه العلاقات من أجل دفع مساعي التوصل إلى اتفاق سلام مع الشعب الفلسطيني، بينما قال 24 بالمئة إنه لا يتعين على إسرائيل القيام بذلك خشية أن ينعكس الأمر سلبياً على علاقاتها مع "دول التطبيع".
وتبيّن مقارنة النتائج في هذا المجال، بين استطلاع السنة الحالية واستطلاع سنوات سابقة، أن نسبة مؤيدي استعانة إسرائيل بدول التطبيع لدفع جهود السلام مع الجانب الفلسطيني هي في ارتفاع مستمر: من 53 بالمئة في استطلاع العام 2021، إلى 57 بالمئة في استطلاع العام 2022 وإلى 61 في استطلاع العام 2023.
على خلفية الانتقادات المتزايدة من جانب قادة "دول اتفاقيات أبراهام" للسياسة التصعيدية التي تنفذها إسرائيل في المناطق المحتلة، وخصوصاً إطلاق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية وتوفير حماية الجيش لهم خلال اعتداءاتهم اليومية والمتكررة على الفلسطينيين وممتلكاتهم في أنحاء الضفة الغربية عامة، أظهرت نتائج الاستطلاع أن الجمهور الإسرائيلي منقسم على نفسه بشأن السؤال عمّا إذا كان يتعين على دولة إسرائيل أن تأخذ في عين الاعتبار، فيما يخص سياستها في المناطق المحتلة، هدفها المعلن في المحافظة على علاقاتها مع "دول التطبيع" وتعزيز مسيرة التطبيع هذه وتوسيعها لتشمل دولاً عربية أخرى. فقد قال 39 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إن السياسة الإسرائيلية في المناطق المحتلة مُلزمة بأخذ هذا الهدف بعين الاعتبار، بينما قال 37 بالمئة إنه لا ينبغي أخذ هذا الهدف في الاعتبار إطلاقاً عند وضع، إقرار وتنفيذ السياسات الإسرائيلية في المناطق المحتلة. ومرة أخرى، تُظهر نتائج الاستطلاع هنا أن نحو رُبع الإسرائيليين لم يبلوروا بعد أي رأي أو موقف نهائي بشأن هذه القضية أيضاً.
في مسألة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، أظهرت نتائج الاستطلاع تعادلاً بين مؤيدي وقف الاستيطان ومعارضيه ولكن فقط في سياق "صفقة التطبيع" مع السعودية! فينما قال 41 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم يؤيدون وقف البناء في المستوطنات وإخلاء "البؤر الاستيطانية غير القانونية" في سبيل إنجاح مساعي التطبيع مع السعودية، قال 40 بالمئة إنهم يرفضون ذك ويعارضون ربط الحديث عن الاستيطان والمستوطنات بأية "صفقة" سياسية.
وعلى خلفية ممارسات الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تستأنف، فعلياً، على الرأي الإسرائيلي القائل بأن المصلحة الإسرائيلية تقتضي بقاء السلطة الفلسطينية، بل منع انهيارها وتعزيزها، قال 43 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إن بقاء السلطة الفلسطينية "يخدم المصلحة الإسرائيلية"، مقابل 13 بالمئة قالوا إن استمرار وجود السلطة الفلسطينية يتعارض مع المصلحة الإسرائيلية ويشكل خطراً عليها، فيما قال 17 بالمئة إن مسألة وجود السلطة الفلسطينية وبقائها ليست ذات أهمية، على الإطلاق، للمصلحة الإسرائيلية. وهنا أيضاً، أظهرت نتائج الاستطلاع أن أكثر من رُبع الإسرائيليين لم يبلوروا بعد أي رأي أو موقف نهائي بشأن هذه المسألة.
في الموضوع الفلسطيني، تحتل مدينة القدس مكانة مركزية كالمعتاد. وفي هذا السياق، تضمن استطلاع الرأي الحالي السؤال عما إذا كانت هنالك حاجة إلى تشكيل جهاز تنسيق مشترك، إسرائيلي ـ فلسطيني ـ أردني، للمحافظة على الوضع القائم في القدس ومنع التصعيد فيها. وقد رأى 61 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع أن ثمة حاجة ماسة لإنشاء مثل هذا الجهاز، بينما قال 17 بالمئة إنهم لا يرون له أية حاجة، بل ويعارضون تشكيله لمنع نشوء وضع تكون فيه للسلطة الفلسطينية أو لدولة الأردن أية مكانة في "مدينة القدس الموحدة العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل".
إسرائيل والإقليم ـ سؤال الهوية والانتماء!
في السؤال حول هوية إسرائيل الإقليمية، يعبر 34 بالمئة من الإسرائيليين عن الشعور بأن "دولة إسرائيل تنتمي إلى الشرق الأوسط، فعلياً"، بينما يقول 24 بالمئة إنهم يشعرون بأنها "تنتمي إلى أوروبا" و20 بالمئة إنها "تنتمي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط". وتعكس هذه النتائج ارتفاعاً طفيفاً في نسبة المعتقدين بانتماء إسرائيل إلى منطقة الشرق الأوسط، عما كانت عليه في استطلاع العام الماضي.
في السياق الإقليمي، أيضاً، تبين نتائج الاستطلاع الارتفاع الملحوظ في نسبة الإسرائيليين الذين يولون تعزيز العلاقات مع الدول العربية بشكل عام، ومع الأردن بشكل خاص، أهمية كبيرة جداً ـ من 7.56 نقطة (من أصل 10) في استطلاع العام الماضي إلى 7.82 نقطة في استطلاع العام الجاري، علاوة على أن 63 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع يصفون هذا الهدف بأنه "في غاية الأهمية".
على صعيد "المسألة الإيرانية" وفي ضوء التقدم الكبير الذي حققته إيران خلال العام الفائت في مسعاها نحو تحقيق وامتلاك القدرات النووية العسكرية، بينت نتائج الاستطلاع أن أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تؤيد الجنوح إلى المسار الدبلوماسي ـ السياسي باعتباره "الوسيلة المركزية للجم الخطر النووي الإيراني". ويعتقد نحو نصف الإسرائيليين بأن على دولة إسرائيل تركيز جهودها في التعاون الدبلوماسي مع المجتمع الدولي ودول المنطقة من أجل إعاقة بلوغ إيران القدرات النووية العسكرية. في المقابل، يؤيد نحو رُبع الإسرائيليين شنّ هجوم عسكري إسرائيلي على إيران ومنشآتها النووية لإحباط مساعيها في هذا المجال، فيما يرى 16 بالمئة أن على إسرائيل أن تسلّم بأن إيران دولة نووية، ويرون أيضاً أن هذه بات بمثابة حقيقة ناجزة وما ينبغي على إسرائيل فعله هو إعداد نفسها للتعايش مع هذا الواقع المستجد ولاحتمالات التصدي له ومحاولة تغييره مستقبلاً.