المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حيال حالة الاستقطاب والتوتر الحادين التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي، على خلفية الأزمة السياسية ـ البرلمانية ـ التشريعية الناجمة عن إصرار الحكومة الحالية وائتلافها البرلماني على المضي قُدماً في ما تسميه "برنامج الإصلاح القضائي"، فيما يسميه معارضوه "برنامج الانقلاب على الحكم"، وما تأتى عن هذه الأزمة من اتساع دوائر الجنود والضباط (في الاحتياط أساساً) الذين يعلنون امتناعهم عن تأدية الخدمة العسكرية طالما بقي الكنيست ماضياً في مناقشة التشريعات "الانقلابية" وهو ما يلقي بظلال كثيفة على الأوضاع في الجيش الإسرائيلي وأذرعه المختلفة، حدّ إطلاق العديد من الجهات، العسكرية والبحثية والإعلامية، صافرات الإنذار من مغبة استمرار هذا الوضع وما قد يسفر عنه من نتائج وخيمة على مدى جهوزية الجيش الإسرائيلي ككل وأذرعه العسكرية الأساسية لـ"الحرب القادمة" (التي يُجمع الإسرائيليون، خبراء عسكريين وسياسيين، على أنها مسألة وقت فقط) ـ  حيال هذه الحالة، لا عجب في أن تعتقد أغلبية من الجمهور الإسرائيلي (58.2%) بأن دولة إسرائيل تعيش اليوم "حالة طوارئ"!

ومن المثير للاهتمام والتأمل أن هذه الأغلبية ردّت بالإيجاب ليس على ما إذا كانت دولة إسرائيل تمر في حالة طوارئ هذه الفترة فقط، وإنما على سؤال بصيغة أوسع ويعتبر أن دولة إسرائيل "على حافة انهيار". تقول صيغة السؤال إن "ثمّة من يدّعون بأن دولة إسرائيل موجودة الآن في حالة طوارئ بسبب الأزمة الداخلية وبأنّ الدولة على حافة الانهيار الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي. إلى أي حد توافق، أو لا توافق، على هذا التقييم؟". على هذا السؤال، بهذه الصيغة، أجاب 58% من الجمهور الإسرائيلي بالإيجاب.

هذه هي أبرز النتائج التي تمخض عنها استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر تموز الأخير، والتي نشرها "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" يوم 8 آب الجاري. و"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو استطلاع شهريّ للرأي العام والسياسات في إسرائيل يجريه "مركز فيطربي" الذي يعمل في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" منذ العام 1998 (وهو مركز أبحاث مستقل متخصص في جمع، تحليل وحفظ معطيات عن المجتمع والسياسة الإسرائيليين). و"مؤشر الصوت الإسرائيلي" يُجرى مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد أجري استطلاع المؤشر الأخير، لشهر تموز2023، في الفترة الواقعة بين 30 منه و1 آب الحالي. وشمل الاستطلاع عينة من المستطلَعين قوامها 765 شخصاً من الذكور والإناث (615 منهم من اليهود و150 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق).

من بين هؤلاء الذين يعتقدون بأن دولة إسرائيل في حالة طوارئ الآن وعلى حافة الانهيار (بواقع 29% موافق تماماً و29.2% موافق جداً) كان 55.1% من اليهود (28.5% موافقون تماماً و26.6% موافقون جداً) و73.4% من العرب (31.4% موافقون تماماً و42% موافقون جداً).

في المقابل، قال 33% إنهم غير موافقين على هذا التقييم (16.7% غير موافقين البتّة و16.3% غير موافقين تماماً)، من بينهم 36.2% من اليهود (18.4% غير موافقين البتة و17.8% غير موافقين تماماً) و17.5% من العرب (8.4% غير موافقين البتّة و9.1% غير موافقين تماماً). وقال 8.8% من المشاركين في الاستطلاع إنهم "لا يعرفون ولا رأي لهم في الموضوع".

في توزيعة المشاركين في الاستطلاع حسب الانتماءات السياسية ـ الحزبية، تبين أن الغالبية الساحقة من مصوتي أحزاب "المعارضة" يعتقدون بأن إسرائيل تواجه الآن حالة طوارئ، مقابل أقل من ثُلث المصوتين لأحزاب الائتلاف الحكومي الحالي. وبيّنت نتائج الاستطلاع أن 39% من مصوتي حزب الليكود الحاكم يعتقدون بأن دولة إسرائيل في حالة طوارئ وعلى حافة الانهيار (مقابل 52% من مصوتي الليكود لا يرون ذلك)، بينما 19% فقط من مصوتي حزبيّ الصهيونية الدينية (بقيادة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير) يعتقدون بأن إسرائيل في حالة طوارئ وعلى حافة الانهيار (مقابل 77% من مصوتي هذا الحزب لا يعتقدون ذلك). أما بين مصوتي أحزاب "اليسار" الإسرائيلي، فكما يمكن أن يتوقع قال 94% منهم (و78.5% من العلمانيين) إن دولة إسرائيل في حالة طوارئ وعلى حافة الانهيار، بينما قال ذلك 19% فقط من مصوتي أحزاب الحريديم و37% من بين المصوتين لجميع أحزاب اليمين. 

الحل؟ ـ "حكومة طوارئ قومية"؟!

على خلفية اعتقاد أغلبية الجمهور بأن الدولة موجودة الآن في حالة طوارئ وأنها على حافة الانهيار الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ السياسي، يأتي طرح السؤال اللاحق عمّا إذا كان الحل لهذه الحالة والمخرج منها هو في تشكيل "حكومة طوارئ قومية" برئاسة بنيامين نتنياهو وبمشاركة حزبيّ "الوسط" الأكبرين ـ "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس و"يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد ـ بدلاً من حزبيّ الصهيونية الدينية المتطرفين ـ "الصهيونية الدينية" برئاسة سموتريتش و"عوتسما يهوديت" برئاسة بن غفير.

رداً على هذا السؤال، قال 46% من مجمل الجمهور الإسرائيلي إنهم يعارضون هذا "الحل" (29.5% يعارضون جداً و16.5% يعارضون تماماً) مقابل 38.6% قالوا إنهم يؤيدونه (13.9% مؤيدون جداً و24.7% مؤيدون تماماً). من بين المعارضين لحل "حكومة الطوارئ القومية" كان 46.7% من اليهود (30.1% معارضون جداً و16.6% معارضون تماماً) و41.7% من العرب (26.4% معارضون جداً و15.6% معارضون تماماً). أما من بين المؤيدين لحل حكومة الطوارئ القومية، فكان 37.9% من اليهود (23.9% مؤيدون تماماً و14% مؤيدون جداً) مقابل 42.4% من العرب (28.7% مؤيدون جداً و13.7% مؤيدون تماماً).

من اللافت للانتباه هنا، وهو ما يستدعي التوقف عنده، ما تبيّنه النتائج عن نسبة العرب المؤيدين لحل "حكومة الطوارئ القومية" (42.4%) والتي تزيد عن نسبة اليهود المؤيدين لهذا الحل (37.9%)، مقابل نسبة العرب المعارضين لهذا الحل (41.7%) والتي تقل عن نسبة اليهود المعارضين له (46.7%).

في توزيعة نتائج الاستطلاع الخاصة بهذا السؤال يتبين أن 47% من الذين يعتبرون الوضع الحالي في إسرائيل "حالة طوارئ" يؤيدون أيضاً حل تشكيل "حكومة الطوارئ القومية"، مقابل 27% فقط من الذين لا يعتقدون بأن الوضع الحالي هو "حالة طوارئ" يؤيدون الذهاب إلى هذا الحل.

يشار إلى ان هذا السؤال طُرح على المشاركين في الاستطلاع مرتين ـ الأولى، في منتصف شهر تموز، قبل إقرار التعديل على "قانون أساس: القضاء" وتقليص "حجة المعقولية" بصورة نهائية، ثم المرة الثانية، بعد تصويت الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة وإقرار التعديل نهائياً. ويتضح من مقارنة النتائج في المرتين أن الفوارق كانت طفيفة جداً، غير أن أبرزها هو الانخفاض بنسبة 6% في تأييد مصوتي أحزاب الائتلاف الحكومي لتغيير تشكيلة الحكومة الحالية، مقابل ارتفاع بنسبة 3% في تأييد مصوتي أحزاب المعارضة لهذه الفكرة. وفيما لم تُظهر المقارنة بين النتيجتين أي تغيير في موقف مصوتي حزب "يوجد مستقبل" بشأن هذا الحل، أظهرت المقارنة أن ارتفاعاً كبيراً قد حصل في تأييد مصوتي حزب "المعسكر الرسمي" (غانتس) لهذا الحل الذي يقوم على انضمام هذا الحزب إلى "حكومة طوارئ قومية".

من بين النتائج الأخرى البارزة والهامّة في استطلاع مؤشر الصوت الإسرائيلي لشهر تموز الأخير:  يرى 30% من المشاركين في الاستطلاع (33.1% من اليهود و11.2% من العرب) أنه إذا ما استمر جنود وضباط الاحتياط في الامتناع عن تأدية الخدمة العسكرية، لدى استدعائهم من جانب الجيش، فإنه ينبغي على قيادة الجيش أن تتخذ بحقهم إجراءات قضائية وتأديبية في الهيئات الخاصة بذلك في داخل الجيش، بينما يرى 22% (23.1% من اليهود و11.3% من العرب) أنه ينبغي على قيادة الجيش عزل هؤلاء الجنود والضباط بصورة فورية وإخراجهم من صفوف الجيش (الاحتياط). في المقابل، قال 28.4% (18.9% من اليهود و32% من العرب) إن على قيادة الجيش "ضبط النفس واحتواء موقف" هؤلاء الجنود والضباط.

في السؤال حول التعديل القانوني الذي أدى إلى تقليص "حجة المعقولية" وما إذا كان "جيداً أم سيئاً للديمقراطية الإسرائيلية"، قال 35% من المشاركين (40.2% من اليهود و11.6% من العرب) إنه جيد بينما قال 53.9% من مجمل المشاركين (47.7% من اليهود و84.5% من العرب) إنه سيء.

وكما أظهرت نتائج استطلاعات مؤشر الصوت في الأشهر الأخيرة، كذلك في نتائج استطلاع تموز الأخير هناك استمرار الانخفاض في نسبة المتفائلين من بين الجمهور الإسرائيلي حيال مستقبل النظام الديمقراطي والأمن الإسرائيلي. ففي النتائج الأخيرة، عبّر 36.8% فقط من الجمهور الإسرائيلي (40.4% من اليهود و18.7% من العرب) عن تفاؤل، أو تفاؤل كبير، حيال مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، مقابل 75.2% (55.6% من اليهود و59.4% من العرب) عبروا عن تشاؤم، أو تشاؤم كبير. وفيما يتعلق بالشعور حيال الأمن الإسرائيلي، قال 35.4% فقط (40.2% من اليهود و11.6% من العرب) إنهم متفائلون، أو متفائلون جداً، مقابل 57.5% (51.8% من اليهود و85.6% من العرب) قالوا إنهم متشائمون، أو متشائمون جداً. وتبيّن هذه النتائج أن الانخفاض في نسبة المتفائلين بشأن مستقبل الأمن، في هذا الاستطلاع، هو أكبر بكثير من الانخفاض في نسبة المتفائلين بشأن مستقبل الديمقراطية، عما كانت عليه الحال في الاستطلاعات السابقة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات