هبوط حاد في نسبة المواطنين الإسرائيليين المتفائلين، مقابل ارتفاع كبير في نسبة المتشائمين، في كل ما يتعلق بالأوضاع الأمنية التي تعيشها دولة إسرائيل في الفترة الأخيرة والتي سوف تعيشها خلال الفترة القريبة القادمة في ظل المستجدات المتسارعة وفي ضوء ما يرشح عن خطط الحكومة الإسرائيلية الحالية المستقبلية، سواء على الصعيد الإسرائيلي الداخلي أو على صعيد العلاقة مع الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة أو على صعيد العلاقات الإقليمية، وخصوصاً مع بعض دول الجوار وإيران بالتحديد. هذه هي إحدى أبرز النتائج التي حملها استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر حزيران الأخير، إن لم تكن أبرزها على الإطلاق.
فقد نشر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" نتائج هذا الاستطلاع يوم الأحد الماضي، الثاني من تموز الجاري، علماً بأن "مؤشر الصوت الإسرائيلي" هذا هو استطلاع شهريّ للرأي العام والسياسات في إسرائيل يجريه "مركز فيطربي" الذي يعمل في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" منذ العام 1998. وهو مركز أبحاث مستقل متخصص في جمع، تحليل وحفظ معطيات عن المجتمع والسياسة الإسرائيليين. و"مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو استطلاع شهريّ للآراء يُجرى مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد أجري استطلاع المؤشر الأخير، لشهر حزيران 2023، في الفترة بين 25 و28 منه وشمل عينة مستطلَعين من 793 شخصاً من الذكور والإناث (620 منهم من اليهود و173 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق).
بعد شهريّ نيسان وأيار السابقين اللذين سُجّل خلالهما ارتفاع متواصل وملحوظ في درجة تفاؤل الجمهور الإسرائيلي حيال الوضع الأمني في دولة إسرائيل، شهد شهر حزيران الأخير انخفاضاً حاداً (بنسبة 12%) في نسبة المتفائلين، من 43% في أيار إلى 31% في حزيران. وهذه الأخيرة هي إحدى النسب الأدنى التي سُجّلت في هذا المجال منذ البدء بقياسه إحصائياً.
في الرد على السؤال "كيف تشعر حيال وضع إسرائيل الأمني في المستقبل المنظور؟"، قال 63.8% من المشاركين في الاستطلاع إنهم "متشائمون" أو "متشائمون جداً"، بينما قال 30.9% فقط إنهم "متفائلون" أو "متفائلون جداً". ويُلاحظ أن نسبة المواطنين العرب المتفائلين بالأوضاع الأمنية متدنية جداً (11.5% فقط) مقابل نسبة مرتفعة جداً من المتشائمين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة (84.7%). أما بين المواطنين اليهود، فإن نسبة المتفائلين هي 35.1% فق مقابل المتشائمين الذين تبلغ نسبتهم 59.6%. ومن الأمور اللافتة في الإجابات على هذا السؤال، أيضاً، أن نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين أجابوا بـ "لا أعرف" هي متدنية جداً بالمقارنة مع نسبة الذين يختارون هذه الإجابة عادة للرد على أسئلة أخرى مختلفة في استطلاعات الرأي عموماً: 5% من مجمل المشاركين في هذا الاستطلاع و5.4% من المشاركين اليهود قالوا "لا أعرف" بالنسبة للوضع الأمني، مقابل 3.8% فقط من المشاركين العرب.
في التصنيف حسب الانتماء للمعسكرات السياسية المختلفة، أو كما تقسمها اللغة السياسية الإسرائيلية عموماً إلى معسكرين اثنين أساسيين: "معسكر اليمين" و"معسكر اليسار"، أظهرت نتائج الاستطلاع أن نسبة المتفائلين في معسكر "اليسارـ الوسط" هي أقل بقليل من نسبتهم في معسكر اليمين: 43% و45% على التوالي. لكن الأمر الأبرز هنا هو أن نسبة المتفائلين بمستقبل إسرائيل الأمني في معسكر اليمين انخفضت من 64% في استطلاع شهر أيار الأخير إلى 45% فقط في استطلاع شهر حزيران الذي تلاه.
مستقبل "الديمقراطية الإسرائيلية" أيضاً يثير التشاؤم
في قياس مدى التفاؤل بمستقبل ما يسمى بـ "الديمقراطية الإسرائيلية" أو "النظام الديمقراطي في إسرائيل"، أظهرت نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لشهر حزيران ثبات النسبة على ما كانت عليه في الاستطلاعين السابقين؛ لكن بفارق كبير جداً بين اليهود والعرب ـ كما هي الحال في مدى التفاؤل بمستقبل الوضع الأمني في إسرائيل أيضاً ـ إذ تزيد نسبة المتفائلين اليهود ـ في كلتا الحالتين ـ بكثير عن نسبتهم من بين العرب. وعلاوة على ذلك، تبين النتائج أيضاً أن نسبة المتفائلين في كلا المجالين متقاربة جداً في كل واحد من الجمهورين، اليهودي والعربي، ما يعني ـ في نظر معدي الاستطلاعات ـ أن هذه النتائج تعكس مزاجاً عاماً بين كلا الجمهورين في شتى المواضيع المتعلقة بواقع الحياة الراهن ومستقبلها في دولة إسرائيل، وليس بشأن الموضوع المحدد نفسه تحديداً، أي أمن إسرائيل أو مستقبل الديمقراطية فيها.
ففي الإجابة على السؤال "ما هو شعورك حيال وضع النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل المنظور؟"، قال 61% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و56.6% من المشاركين اليهود و82.7% من المشاركين العرب إنهم "متشائمون" أو "متشائمون جداً"؛ بينما قال 33.9% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و38.1% من المشاركين اليهود و13.2% فقط من المشاركين العرب إنهم "متفائلون" أو "متفائلون جداً".
وفي التصنيف حسب الانتماء إلى المعسكرات الحزبية ـ السياسية، يتبين أن نسبة المتفائلين بمستقبل "الديمقراطية الإسرائيلية" بين أعضاء ومؤيدي "معسكر اليسار ـ الوسط" أقل بكثير من نسبة المتفائلين بها من بين أعضاء ومؤيدي معسكر اليمين: 25% في معسكر "اليسار ـ الوسط" مقابل 57% في معسكر اليمين.
في موضوع آخر تناول استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر حزيران الماضي، مدى تقييم أداء الحكومة الإسرائيلية الجديدة وعملها بعد نصف سنة على تشكيلها من أحزاب "اليمين الخالص"، فتبين من النتائج أن التقييم العام هو سلبي، بل سلبي جداً، في جميع المجالات السبعة التي شملتها أسئلة الاستطلاع. قلة قليلة فقط من المشاركين اعتبرت أن أداء الحكومة في المجالات السبعة كلها هو "جيد" أو "ممتاز". وكذلك كانت النتائج، أيضاً، في المجالات الأخرى: الأمن الخارجي ـ معالجة التهديد الإيراني (26% قالوا إنه "جيد" أو "ممتاز")؛ مكانة إسرائيل الدولية (23%).
أما القضية الاقتصادية وغلاء المعيشة، وكذلك تعزيز الأمن الشخصي ومحاربة الجريمة، فقد احتلت صدارة النتائج الأكثر سلبية في تقييم أداء الحكومة بعد نصف سنة على تشكيلها، بين مصوتي ومؤيدي أحزاب الائتلاف الحكومي وكذلك بين مصوتي ومؤيدي أحزاب المعارضة، على حد سواء.
حصلت الحكومة في مجال "معالجة غلاء المعيشة (الغداء، الكهرباء، الألبسة وغيرها)"، على تقييم سلبي تراوح بين "سيء جداً" و "سيء" من جانب 77.3% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و75.5% من المشاركين اليهود و86.8% من المشاركين العرب، بينما منحها تقييم "جيد" و"ممتاز" 10.3% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و10.9% من المشاركين اليهود و6.9% من المشاركين العرب.
وفي مجال معالجة أزمة السكن، اعتبر 74% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و72.2% من المشاركين اليهود و82.6% من المشاركين العرب أن أداء الحكومة هنا "سيء" أو "سيء جداً"، مقابل 9.1% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع و9.5% من المشاركين اليهود و7.2% من المشاركين العرب قالوا إن أداء الحكومة في معالجة أزمة السكن هو "جيد" أو "ممتاز".
فيما يخص تعزيز الأمن الشخصي ومحاربة الجريمة، قال 78.4% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و65% من المشاركين اليهود و85.4% من المشاركين العرب إن أداء الحكومة في هذا المجال هو "سيء" أو "سيء جداً"، مقابل 13.4% فقط من مجمل المشاركين في الاستطلاع و15% من المشاركين اليهود و4.7% فقط من المشاركين العرب قالوا إن أداء الحكومة في هذا المجال هو "جيد" أو "ممتاز".
تعامل الحكومة الإسرائيلية مع الدروز غير منصف
تكشف توزيعة أجوبة المشاركين في الاستطلاع حسب تصويتهم في الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي، أي حسب ميولهم وانتماءاتهم الحزبية ـ السياسية، بعض المعطيات المثيرة، وإن تكن غير مفاجئة: أولاً، في غالبية القضايا التي تم فحصها، ثمة فجوة هائلة بين تقييمات مصوتي ومؤيدي الأحزاب الائتلافية وتقييمات مصوتي ومؤيدي أحزاب المعارضة. ومع ذلك، لا يحظى أداء الحكومة في أي واحد من المجالات بأغلبية تمنحها تقييماً مرتفعاً، ولا حتى بين جمهور مصوتيها ومؤيديها. ثانياً، المجالات التي يمكن العثور فيها على تشابه في تقييمات مؤيدي أحزاب الائتلاف وتقييمات مؤيدي أحزاب المعارضة هي التقييم المتدني والسلبي لأداء الحكومة في المجالات الاقتصادية، من جهة، والتقييم المرتفع نسبياً لأداء الحكومة في مجال تعزيز الاستيطان في المناطق الفلسطينية، غير أن هذا التقييم من جانب مصوتي أحزاب المعارضة ومؤيديها هو ليس إشادة وإنما نقد على توسيع الاستيطان.
في الإجابات على السؤال حول أداء رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، جاءت النتائج كما هو متوقع ـ أغلبية من بين مصوتي أحزاب الائتلاف تعتقد بأنه يقود حكومته بصورة جيدة، مقابل أقلية من بين مصوتي أحزاب المعارضة تعتقد ذلك. من بين مجمل المشاركين في الاستطلاع، قال 24.1% إن أداء رئيس الحكومة "جيد" أو "ممتاز". وهو ما قاله 27.6% من المشاركين اليهود و9.5% من المشاركين العرب. في المقابل، قال 56.3% من مجمل المشاركين في الاستطلاع إن أداء رئيس الحكومة "سيء" أو "سيء جداً"؛ وهو ما قاله أيضاً 52.1% من المشاركين اليهود و77.2% من المشاركين العرب.
أخيراً، وعلى خلفية الفعاليات الاحتجاجية التي نظمها الدروز سكان القرى السورية في هضبة الجولان المحتلة ضد نصب عنفات (توربينات) الرياح على أراضيهم، ثم انضمام الدروز في قرى الجليل والكرمل إلى هذه الحملة الاحتجاجية، شمل استطلاع "مؤشر الصوت" الأخير سؤالاً حول مدى الموافقة/ عدم الموافقة على أن "الدروز يحصلون من دولة إسرائيل على تعامل غير منصف بالرغم من المساهمة التي يقدمونها للدولة في المجالات المختلفة". وعلى هذا قال 50% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و48.1% من المشاركين اليهود و59.2% من المشاركين العرب إنهم موافقون، جداً أو تماماً؛ بينما قال 41.4% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و43.8% من المشاركين اليهود و28.6% من المشاركين العرب إنهم لا يوافقون تماماً أو لا يوافقون إطلاقاً.
وتبين في تصنيف الإجابات حسب انتماء المشاركين إلى المعسكرات الحزبية ـ السياسية، أن 58% من مصوتي أحزاب اليمين ومؤيديها و31% من مصوتي أحزاب "الوسط" و14% من مصوتي أحزاب "اليسار" يعتبرون أن الدروز يحظون بتعامل منصف من جانب الدولة، مقابل 35% من مصوتي اليمين و62% من مصوتي "الوسط" و81% من مصوتي "اليسار" يعتبرون أن الدروز لا يحظون بتعامل منصف من جانب الدولة.