المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 808
  • سليم سلامة

شكّل التصويت (السري) الذي جرى في الكنيست الأسبوع الماضي لاختيار عضويّ الكنيست اللذين سيمثلانه في "لجنة اختيار القضاة"، والذي أسفر عن انتخاب ممثلة المعارضة البرلمانية فقط، عضو الكنيست كارين إلهَرار، من حزب "يوجد مستقبل" (يش عتيد)، وفشل ممثلة الائتلاف الحكومي، عضو الكنيست تالي غوتليب، من حزب الليكود، في الحصول على ما يكفي من الأصوات يؤهلها لتكون الممثل الثاني للكنيست في هذه اللجنة، انتصاراً واضحاً للمعارضة وهزيمة قاسية للائتلاف.

غير أن هذا التقييم هو مرحلي فقط وليس نهاية المطاف، إذ قد تنقلب الآية رأساً على عقب في المحصلة النهائية التي لا تزال منوطة بتطورات أخرى من المنتظر أن تحصل في الأيام القريبة، وفي مقدمتها الانتخابات في نقابة المحامين في إسرائيل وما ستتمخض عنه من نتائج.

ما جرى في الكنيست مساء يوم الأربعاء الأخير (14/6) هو تنفيذ لنص المادة 6(2) من "قانون القضاة، لعام 1953" الذي يقضي بأن تنتخب الهيئة العامة للكنيست، بانتخابات شخصية وسريّة، مندوبَيْها الإثنين من بين الأعضاء التسعة في "لجنة اختيار القضاة". وتضيف المادة ذاتها أن هذين الممثلين يشغلان هذا المنصب طالما بقيا عضوين في الكنيست وبحلّ الكنيست وانتخاب كنيست جديد، يقوم هذا بانتخاب ممثلين جديدين عنه. أما الأعضاء السبعة الآخرون في هذه اللجنة، التي يترأسها وزير العدل، حسبما ينص عليه "قانون أساس: القضاء"، في المادة 4(أ) من الفصل الثاني، فهُم: رئيس المحكمة العليا واثنان آخران من قضاتها (ينتخبهما جميع قضاة المحكمة ذاتها)، وزيران أحدهما وزير العدل وآخر تعيّنه الحكومة وممثلان عن "نقابة المحامين" ينتخبهما ـ طبقاً للمادة 6(2) من "قانون القضاة" المذكور ـ المجلس القطري للنقابة، والذي يبلغ عدد أعضائه 34 عضواً. ويبقى هذان ممثلين للنقابة مدة ثلاث سنوات. 

المعركة على عضوية "لجنة اختيار القضاة" وهوية أعضائها السياسية هي جزء أساسي من المعركة على الجهاز القضائي وهوية الأعضاء الذين سيتم تعيينهم مستقبلاً لإشغال كرسي القضاء في المحاكم الإسرائيلية في مختلف الدرجات والتخصصات، وفي مقدمتها بالطبع المحكمة العليا. وتشكل هذه اللجنة أحد المركّبات المركزية في برنامج "الإصلاح القضائي" الذي طرحه وزير العدل الجديد ياريف ليفين وأثار موجة عارمة وعاصفة من الاحتجاجات في طول دولة إسرائيل وعرضها تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية والتصدي لبرنامج "الانقلاب القضائي" أو "الانقلاب على السلطة"، كما يصفه معارضوه المحتجّون. 

 

الكنيست: من التمثيل إلى السيطرة

ينتخب الكنيست، كما ذكرنا، ممثلين اثنين عنه لعضوية "لجنة اختيار القضاة"، على أن تكون من بينهما امرأة واحدة على الأقل، وفقاً لما ينص عليه "قانون القضاة" المذكور. أما دستور الكنيست فينص على أنه في حال قدم عضوا كنيست فقط ترشيحهما لعضوية اللجنة، مثلما حدث هذه المرة، فإن الانتخابات السرية تجري بالتصويت بـ "مع" أو "ضد" فقط على كل منهما. ويفوز بالتمثيل المطلوب فقط عضو الكنيست الذي يحظى بعدد أصوات "مع" يفوق عدد أصوات "ضد" التي حصل عليها. وفي التصويت الذي جرى مساء الأربعاء الأخير، وكان حول مرشحتين اثنتين فقط وذلك للمرة الأولى في تاريخ الدولة، تحقق الشرط المذكور لعضو الكنيست كارين إلهَرار فقط (58 "مع" مقابل 56 "ضد")، المرشحة عن المعارضة البرلمانية، بينما لم يتحقق هذا لعضو الكنيست تالي غوتليب (التي فازت بـ 15 "مع" و59 "ضد"). 

من الواضح بالطبع أن عدداً من أعضاء الائتلاف الحكومي صوّتوا بـ "مع" تأييداً لإلهَرار، رغم أنها مرشحة المعارضة، بينما لم يصوت سوى 15 منهم بـ"مع" تأييداً لغوتليب مقابل عدد آخر منهم صوت ضدّها، رغم كونها المرشحة الوحيدة من الائتلاف الحكومي، وليس عنه. 

أما تصويت أعضاء من الائتلاف الحكومي ـ من الليكود، بالتحديدً ـ تأييداً لإلهرار ومعارضةً لغوتليب فهو تعبير عن موقف هؤلاء المعارض لبرنامج "الإصلاح القضائي" الذي تقوده حكومتهم وائتلافها البرلماني، خاصة وأن التصويت الذي جرى في الكنيست كان سِرّيّاً. وهو ما اعتبره بعض المراقبين "الخطوة الاحتجاجية الأكثر جدية وأهمية حتى الآن من صفوف الائتلاف الحكومي ضد قوانين الانقلاب على السلطة". أما تصويت أعضاء كثيرين من الائتلاف الحكومي ضد غوتليب، المرشحة الوحيدة من بين صفوفه، فقد جاء تنفيذاً للتعليمات التي أصدرها رئيس الحكومة ورئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، إلى جميع أعضاء الكنيست من أحزاب وكتل الائتلاف في اللحظة الأخيرة بأن لا يصوّتوا تأييداً لغوتليب، وذلك بعدما باءت بالفشل محاولاته للضغط عليها بكل ما أوتي من قوة وسلطة لثنيها وسحب ترشيحها وحيال إصرارها على المضي في خطوتها هذه. 

قبل ذلك، أقنع نتنياهو جميع المرشحين الآخرين من أعضاء الائتلاف الحكومي بسحب ترشيحاتهم. وخوفاً من ذهاب أصوات من الائتلاف لصالح غوتليب مما قد يقود إلى انتخابها هي مندوبة عن الائتلاف الحكومي في "لجنة اختيار القضاة"، بدلاً من عضو الكنيست يتسحاق كرويزر (من حزب "عوتسما يهوديت" بزعامة إيتمار بن غفير)، الذي اتفقت كتل الائتلاف الحكومي على أن يكون هو ممثلها، علماً بأن الكنيست قد درجت على مر كل السنوات الماضية على أن يكون أحد ممثليها في "لجنة اختيار القضاة" ممثلاً عن الائتلاف الحكومي والآخر ممثلاً عن المعارضة. وهذا، بالتحديد، أحد التعديلات المركزية الذي يسعى "برنامج الإصلاح القضائي" إلى إدخاله. وقد أقر الكنيست بالقراءة الأولى مشروع قانون ينص على أن يكون للائتلاف الحكومي خمسة ممثلين في تلك اللجنة (بدل ثلاثة كما هي الحال اليوم. الاثنان الإضافيان للائتلاف يأتيان بدلاً من ممثليّ نقابة المحامين) هم: عضوا كنيست وثلاثة وزراء وعضو كنيست من المعارضة ما يعني ضمان أغلبية مطلقة للائتلاف من بين أعضاء اللجنة ـ خمسة من تسعة أعضاء. 

وكان نتنياهو والليكود قد نظرا في إمكانية عدم تصويت أعضاء الكنيست من الائتلاف الحكومي تأييداً لأي من المرشحتين، إلهرار وغوتليب، الأمر الذي قوبل بتهديد حزبي "يوجد مستقبل"، بقيادة يائير لبيد، و"المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس، بفض المحادثات حول "الإصلاح القضائي" لدى رئيس دولة إسرائيل وبرعايته، وهو ما دفع الائتلاف إلى التراجع وإصدار نتنياهو تعليمات جديدة إلى أعضاء الكنيست من الائتلاف بعدم منع انتخاب إلهرار مقابل عدم التصويت لغوتليب ومنع انتخابها. وكان نتنياهو يرمي من وراء تعليماته تلك إلى تأجيل انتخاب ممثل الكنيست الثاني، عن الائتلاف الحكومي، إلى ما بعد شهر آخر.

بموجب العرف المعتمد حتى الآن، ينتخب الكنيست ممثليه الجديدين لعضوية "لجنة اختيار القضاة" بعد مرور أربعة أشهر من تأدية أعضائه الجدد (في أعقاب كل انتخابات جديدة للكنيست) اليمين الدستورية. لكن في الموعد المحدد، في آذار الأخير، صوت الكنيست على تأجيل انتخاب هذين الممثلين لثلاثة أشهر، أي ليوم 15 حزيران الجاري؛ وهو ما حصل بالفعل يوم الأربعاء الأخير. وعلل رئيس لجنة الكنيست أوفير كاتس (الليكود) هذا التأجيل آنذاك بالقول إنه "ضروري لتمكين لجنة القانون، الدستور والقضاء في الكنيست من استكمال مداولاتها حول النص الجديد، المعدّل، لقانون أساس القضاء، لإعداده للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة وإقراره نهائياً". 

المعنى العملي للنتيجة التي انتهى إليها التصويت في الكنيست يوم الأربعاء الأخير هي، وفق ما ينص عليه دستور الكنيست، انتخاب الممثل الآخر عن الكنيست في "لجنة اختيار القضاة" في غضون ثلاثين يوماً، أي: إمكانية انتخابه في أي موعد خلال الأيام الثلاثين المقبلة. 

لماذا شهر آخر؟ 

حتى تتضح نتائج الانتخابات في نقابة المحامين وتتضح، من ثم، هوية المندوبين الجديدين لهذه النقابة في "لجنة اختيار القضاة" التي تشكل السيطرة عليها وعلى مخرجات مداولاتها وقراراتها (هوية القضاة الجدد الذين سيتم تعيينهم، وخصوصاً في المحكمة العليا)، من خلال ضمان الأغلبية من بين أعضائها، أحد أهم أهداف نتنياهو شخصياً ووزير عدله، ليفين، وائتلافه الحكومي عموماً.

 

انتخابات نقابة المحامين والمرحلة الحاسمة

يوم غد، العشرين من حزيران الجاري، هو الموعد المحدد لإجراء الانتخابات لهيئات ورئاسة نقابة المحامين في البلاد. لهذه الانتخابات، في هذه الأيام، أهمية كبيرة واستثنائية تضع الكثيرين من السياسيين في حالة انتظار وترقب لنتائجها، في سياق تشكيلة "لجنة اختيار القضاة" بصورة أساسية. 

فحتى الآن، وطالما لم يقر الكنيست مشروع القانون الجديد لتغيير تركيبة هذه اللجنة (كما أوضحنا تفاصيله أعلاه) تبقى نقابة المحامين لاعباً مركزياً في هذه اللجنة من خلال ممثلَّيْها الاثنين فيها. وقد أصبح معروفاً مدى تأثير هذه النقابة على عمل هذه اللجنة وقراراتها وهوية الأشخاص الذين تختارهم لإشغال كرسي القضاء في مختلف درجات المحاكم وتخصصاتها، وخصوصاً المحكمة العليا، وهو التأثير الذي انفجر بصورة فضائحية من خلال ما تكشف عن ممارسات الرئيس السابق لنقابة المحامين، إيفي نافيه، واستغلاله هذا المنصب وهذا التمثيل لتعيين مقربات ومقربين في سلك القضاء مقابل رشاوى مختلفة، ومن خلال التعاون والتنسيق الوثيقين مع وزراء العدل السابقين، وفي مقدمتهم بصورة خاصة أييلت شاكيد.

والانتظار هنا مرده هوية الشخصين/ المعسكرين المتنافسين، واللذين يتخذ أحدهما موقف المعارضة الحادة لبرنامج "الإصلاح القضائي" الذي يسعى الائتلاف الحكومي الحالي إلى تنفيذه، بينما يرجح هذا الائتلاف إمكانية التعاون مع المعسكر الآخر الذي يمكن أن يقود إلى انتخاب ممثلين جديدين عن النقابة في "لجنة اختيار القضاة" (خلفاً لممثليها الحاليين اللذين تنتهي فترة عضويتهما في تموز القريب وتشرين الثاني) بحيث يؤيد الممثلان الجديد برنامج الائتلاف الحكومي ويتعاونان معه فيؤيدان توجهاته وغاياته في عمل اللجنة واختياراتها.  

مع انتخاب الممثل الثاني عن الكنيست (من الائتلاف الحكومي) وفي حال انتخاب ممثليْن عن نقابة المحامين مؤيدين للائتلاف، سيكون بإمكان الحكومة عندئذ انتخاب القضاة الذين ترغب فيهم لجميع المحاكم في البلاد، بجميع درجاتها وتخصصاتها، باستثناء المحكمة العليا التي يتطلب انتخاب قضاتها موافقة سبعة أعضاء من أصل الأعضاء التسعة في "لجنة اختيار القضاة"، بينما يتطلب انتخاب القضاة في جميع المحاكم الأخرى أغلبية خمسة فقط من أعضاء اللجنة التسعة. كما تستطيع الحكومة، في هذه الحالة أيضاً، تجاهل تقليد "الأقدمية" في تعيين رئيس المحكمة العليا، أي العُرف المعمول به منذ تأسيس هذه المحكمة بحيث تقوم "لجنة اختيار القضاة" بتعيين القاضي الأكثر أقدمية في المحكمة العليا رئيساً لها؛ وهو العرف الذي يسعى "برنامج الإصلاح القضائي" إلى إلغائه واستبداله بنظام آخر تقوم اللجنة بموجبه باختيار وتعيين رئيس للمحكمة حسب رغبتها هي، أي حسب رغبة أغلبية أعضائها (يجري الحديث عن أغلبية عادية ـ خمسة أعضاء من أصل تسعة). 

إذا ما تم لها هذا، فسيكون بمقدور هذه الحكومة وائتلافها تنفيذ جزء أساس وهام جداً من برنامجهما لـ "الإصلاح القضائي" حتى من دون تشريع أي قانون جديد، علماً بأن على جدول أعمال "لجنة اختيار القضاة" في المرحلة القريبة: تعيين 16 قاضياً في درجات مختلفة من المحاكم بصورة فورية، ثم 82 قاضياً آخر جديداً حتى نهاية العام 2023، بضمنهم 26 بدلاً من 26 قاضية وقاضية سيخرجون إلى التقاعد حتى العام، في مقدمتهم الرئيسة الحالية للمحكمة العليا، إستير حيوت، وقاضية هذه المحكمة عنات بارون، و56 قاضياً جديداً لإشغال ملاكات جديدة تقررت إضافتها إلى سلك القضاء الإسرائيلي مؤخراً. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات