المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
×

تحذير

Joomla\CMS\Cache\Storage\FileStorage::_deleteFolder فشل الحذف f16d94b1071f07182af95ac737a8584d-cache-com_content-da042badf34083807da4b2377e61676d.php

  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 640
  • هشام نفاع

أثار الزلزال المدمّر الذي لم تتوقف بعد فيه أعمال الإنقاذ ومعالجة المصابين وتوفير سقوف تؤوي المشردين، جدلاً في إسرائيل بشأن درجة الاستعداد لكارثة مشابهة، يقول علماء وخبراء كثُر إنها قادمة لا محالة، وإن المسألة ليست ما إذا كانت ستقع بل السؤال هو: متى ستقع؟

عالم الجيولوجيا د. أرئيل هايمان، هو باحث حالياً في "معهد دراسات الأمن القومي"، وباحث سابق في هيئة المسح الجيولوجي الإسرائيلية، وقدّم في حديث مع الإذاعة الرسمية (كان بيت)، غداة زلزال تركيا وسورية، سيناريو قاتماً بقوله: إسرائيل تأخرت عن موعد زلزال كبير وكارثي، وهي بعيدة عن الاستعداد للتعامل مع حدث كهذا داخل حدودها. ويضيف محذراً: سيكون لدينا بكل تأكيد زلزال كهذا، وقوع زلزال كبير وكارثي في إسرائيل مسألة وقت فقط، لكن الإسرائيليين ليسوا مستعدين بما يكفي. وبتقديره: من غير المرجح أن يصمد العديد من المباني التي أقيمت قبل منتصف ثمانينيات القرن الماضي. السكان يعتقدون أنه في حالة وقوع زلزال سيأتي شخص ما لإنقاذك، ولكن في مثل هذه الكارثة ليس لدينا ما يكفي من فرق وقوات إنقاذ لمساعدة الجميع، داعيا الناس إلى تحضير المياه المعبأة والأغذية المحفوظة والمصابيح وأجهزة راديو الترانزستور. كما دعا الحكومة إلى البدء في تعزيز البنية التحتية للمباني، مثل الجسور والمباني والمستشفيات والمدارس بقدر الإمكان، عاماً بعد آخر ويوما بعد آخر.

البروفسور زوهر غفيرتسمان، مدير هيئة المسح الجيولوجي الإسرائيلية الحالي، اتفق مع هايمان بشأن عدم الاستعداد الكافي، لكنه يتحفّظ من أن زلزال سورية وتركيا هو مؤشّر إلى مثيل له يقترب. وقال في حديث مع موقع "تايمز أوف إسرائيل": "من الصعب للغاية الإشارة إلى صلة مباشرة والقول كيف يمكن لزلزال في تركيا أن يؤثر على الهزات في إسرائيل". وعن نشاط الهزات الأرضية الأخير في إسرائيل، قال إن وكالة المسح الجيولوجي لم تجد نشاطا خارجا عن المألوف: "نراقب الهزات طوال الوقت ولم يكن هناك شيء غير عادي".

عن نظام الإنذار المبكر، الذي أطلق عليه اسم "تروعا" ويستند على نظام طورته جامعة بيركلي في كاليفورنيا وبدأ العمل به في العام 2019، وتم وضع إسرائيل فيه ضمن مجموعة صغيرة من دول أخرى مثل الولايات المتحدة وتايوان واليابان، قال غفيرتسمان في مؤتمر صحافي لهيئة المسح الأسبوع الماضي، إن التكنولوجيا الحالية لا يمكن أن تتنبأ بعد بموقع أو توقيت أو شدة الزلزال.

معهد الأمن القومي: تذكير وناقوس خطر لإسرائيل حول ما ينتظرها

فيما يتجاوز سؤال التنبؤ الدقيق بزلزال أو هزة أرضية، وارتباط ذلك بالزلزال المدمّر، ركّزت جهات عدّة على مسألة عدم الاستعداد الكافي لمواجهة كارثة محتملة. فقد اعتبر "معهد دراسات الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب أن زلزال تركيا وسورية بمثابة تذكير وناقوس خطر لإسرائيل حول ما ينتظرها. ويقول: صحيح أن جودة البناء في إسرائيل أعلى بكثير مقارنة بالعمارة التركية، لكن تركيا بلاد واسعة، وتستطيع أن تعالج بنفسها كارثة مدمّرة، بينما هنا ستتأثر معظم إسرائيل بهزة كبيرة، وسيقتل عدد كبير من المواطنين، في حال وقعت في مركز البلاد، كون مساحتها صغيرة ومكتظة.

ويؤكد تقرير أصدره المعهد هذه الأيام أن هزة كبيرة مرتقبة في البلاد ستقتل آلاف المواطنين وستخلف آلاف المصابين، علاوة على مئات سيفقدون منازلهم، وأضرار فادحة في البنى التحتية. ويؤكد أن إسرائيل لا تقوم بجهود وخطوات كفاية لمواجهة مثل هذه الهزة المدمرة، التي تحدث عادة مرة كل 100 سنة، داعياً الحكومة إلى "تعزيز قوة مبانٍ كثيرة، خاصة المباني العامة، وتهيئة السكان للاستعداد لمثل هذه الكارثة الطبيعية، وتوعيتهم بخصوص صعوبة معالجة كافة المتضررين جراء الهزة في وقت متزامن". ويجب بنظر المعهد على كل مدينة وبلدة أن تستعد لتعالج آثار الهزة بنفسها، لكن، يضيف: المعضلة الأساسية هي الافتقار إلى جهة واحدة في إسرائيل تملك صلاحية وتتحمل مسؤولية وتحوز ميزانيات ملائمة مخصصة للاستعداد لمثل هذه الهزة التي لا يمكن منعها أو معرفة توقيتها، ولكن يمكن تقليص أضرارها. 

وعد مناشدة الحكومة أخذ الأمر بجدية كبرى، انتقد المعهد البحثي السياسة القائمة حتى الآن بالقول إن تجارب الماضي في إسرائيل تشير حتى الآن إلى أنه يتم تشكيل لجان يقال فيها كلام لا يفضي إلى أفعال، "ونرجو ألّا تصدق تقديراتنا هذه المرة"، يكتب، مؤكداً أن المسألة هي تهديد مباشر للأمن القومي لإسرائيل.

أمام سيل الأسئلة والتخوّفات التي عبّر عنها الجمهور، نشر موقع "بوابة الطوارئ الوطنية" الذي تديره "قيادة الجبهة الداخلية" وثيقة مفصّلة، افتتحها بالقول: من المتوقع أن تحدث في إسرائيل هزة أرضية قوية، من الممكن أن تتسبب بكارثة جماعية مع آلاف القتلى والمصابين ودمار كبير لمبانٍ وللبنية التحتية. ويشير إلى أنه: على مدار التاريخ حدثت الكثير من الهزات الأرضية (في البلاد)، قسم منها كانت قوية جدا وفتاكة. وتُعلمنا التجربة في العالم أنه في كل مكان حدثت فيه هزات أرضية في الماضي، من المتوقع حدوث هزات أرضية في المستقبل. لذلك من المتوقع حدوث هزة أرضية قوية أخرى في إسرائيل، لكن لا يمكن التوقع متى ستحدث وما مدى قوتها. فبالرغم من أنه لا يمكننا أن نمنع الهزة الأرضية القادمة، فبمقدورنا تقليص نسبة المصابين، لأنه ليست الهزة هي التي تعرضنا للخطر، انما الأغراض والمباني الموجودة حولنا، التي من الممكن أن تنهار وتؤذينا. لذلك فإن اتخاذ إجراءات تجهيز لهزة أرضية والسلوك الصحيح عند حدوث هزة أرضية، من شأنهما أن ينقذ الحياة.

ويعدد الموقع الهزات الأرضية في البلاد، وصولاً إلى الهزتين الأبرز في القرن العشرين، عام 1927 وقعت هزة أرضية بقوة 6.2 على سلم ريختر في منطقة البحر الميت وقُتل فيها نحو 300 شخص، وأوقعت أضراراً في مناطق واسعة، فدمّرت نحو 10 آلاف مبنى. وفي العام 1995 حدثت أقوى هزة أرضية تم قياسها في دولة إسرائيل، وهي بقوة 7.2 على سلم ريختر، ووقعت على بعد 100 كيلومتر جنوب مدينتي إيلات والعقبة. ونظراً للمسافة الكبيرة نسبيا التي تفصلها عن المناطق المأهولة بالسكان، لم تتسبب بأضرار كبيرة الحجم أو بالعديد من القتلى.

بحث: ليس لدى الحكومات سياسة منظمة لمواجهة المباني الخطيرة

قبل أربعة أشهر، أصدر معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، بطلب من لجنة الاقتصاد البرلمانية، تقريراً مفصلاً عن مشكلة المباني والبيوت التي تعرّف كـ"خطرة" أو "في خطر انهيار" على قاطنيها أو مستخدميها. وأشار إلى انعدام صورة واضحة سواء للعدد الدقيق لهذه المباني ومواقعها وكذلك لوجود أنظمة موحدة وسياسة واضحة للتعاطي مع المشكلة. وعلى الرغم من وجود تقديرات لعدد هذه المباني الكبير، يخلص البحث إلى أنه "ليس معروفاً في الواقع عدد المباني الخطرة الموجودة في مختلف السلطات المحلية، وكم منها يشكل خطراً مباشراً، وكم منها معرض لخطر الانهيار أو عدد المباني التي انهارت بالفعل". وفيما يتعلّق بمسؤولية السلطتين، المركزية والمحلية، وأدائهما، جزم البحث: "تبين هذه الوثيقة أن تنظيم طريقة ووتيرة القيام بالتفتيش على المباني من قبل السلطات المحلية هو جزئي وغير موجود. ولا توجد سياسة منظمة لدى لحكومة حول هذه المسألة".

يقول المعهد: يحدث انهيار المباني الناجم عن البلى (وليس الناجم عن كارثة طبيعية) في الغالب بسبب عدة عوامل، قد تجتمع أحياناً معاً، بما في ذلك المباني القديمة التي لم يتم بناؤها وفقاً لمعايير البناء الحديثة؛ سوء صيانة أو إهمال للمباني على مرّ الوقت؛ تغييرات هيكلية تم إجراؤها على المبنى تساهم في عدم استقراره؛ وتغييرات في بيئة المبنى تؤثر على استقراره، مثل حركة التربة، والحفر تحت الأرض أو المحاجر، وحركة المياه الجوفية والجريان السطحي. مسؤولية الحفاظ على المبنى في حالة جيدة، بما يضمن سلام الجمهور، تقع عموماً على عاتق أصحاب المبنى، وتقع مسؤولية الإشراف على ذلك على السلطة المحلية. ولا تتحمل السلطة المحلية أية مسؤولية قانونية تجاه مستأجري المبنى في حال الإعلان عن المبنى كمبنى معرض لخطر فوري وصدور أمر بإخلائه أو إغلاقه أو هدمه، وبالتالي لا تتحمل أيضاً مسؤولية عن إيجاد حلول سكنية بديلة، معالجة المباني الخطرة، أو تعزيز التجديد الحضري في القسيمة أو المجمع المقام في نطاقهما المبنى الخطر.

أما بالنسبة للسياسة المعتمدة في هذا المجال، يكتب المعهد، فإن السلطات المحلية مسؤولة عن إجراء عمليات تفتيش على المباني الخطرة - سواء كانت مبادرة تفتيش من قبل مهندس المدينة، أو استجابة لأصحاب المباني المهتمين بحالتها – ومطالبة أصحاب المبنى بتصحيح مكامن الخلل فيه، والإشراف على تنفيذ الإصلاحات اللازمة في وقت محدد. على نحو أوسع، لا تتحمل الوزارات الحكومية المختلفة التي يتعلق مجال اختصاصها بمسألة المباني الخطرة - وزارة البناء والإسكان ووزارة الداخلية - أية مسؤولية مباشرة عن التعامل مع هذه المسألة أو عن جمع البيانات أو الإشراف على أنشطة السلطات أمام المشكلة. لذلك، ليس معروفاً اليوم في الواقع عدد المباني الخطرة الموجودة في مختلف السلطات المحلية، وكم عدد ما يمثل منها خطراً مباشراً، ولا عدد المباني المعرضة لخطر الانهيار أو عدد المباني التي انهارت بالفعل.

مئات ألوف المنازل قد لا تستوفي معايير مقاومة الهزات الأرضية

وفقاً لتقرير مراقب الدولة العام الماضي 2022: يمكن أن تشكل المباني الخطرة غير المعتنى بها "قنبلة موقوتة" تعرّض حياة كل من حولها للخطر، وتعرّض كذلك كلا من أصحابها والسلطات المحلية لعواقب وخيمة هم غير مستعدين لها دائماً. وكشفت الرقابة أنه في العام 2021 قُدّر عدد الوحدات السكنية التي تم تشييدها قبل العام 1980 بنحو 610 آلاف وحدة سكنية، والتي قد لا تستوفي معايير مقاومة المباني للهزات الأرضية. وبلغ عدد المباني التي تم الإعلان عنها كمبانٍ خطيرة في 44 سلطة محلية تم فحصها في الرقابة 4840 بناية. في 89% من السلطات المحلية التي شملها الفحص لم تقم السلطة المحلية بإجراء أي مداولات حول المباني الخطرة؛ 77% من السلطات المحلية التي شملها الفحص لم تقم بإجراء تخطيط أو مسح للمباني أو الأحياء التي قد تكون خطيرة.

بموجب التقرير، لم تتخذ هيئات الحكم المركزي، لا سيما وزارة الداخلية ووزارة الإسكان، أية إجراءات للمضي قدماً بمعالجة مشكلة المباني الخطيرة من قبل السلطات المحلية ومعالجة العواقب الاقتصادية والاجتماعية التي ينطوي عليها هذا الأمر. لم تتخذ هذه الجهات والسلطات المحلية إجراءات استباقية لتحديد مواقع المباني الخطيرة، الأمر الذي قد يحول دون معالجة مشكلة المباني المهددة للحياة. الخوف المستمر من وقوع هزة أرضية في دولة إسرائيل، إلى جانب الخوف من انهيار مبانٍ قديمة لم تتم صيانتها، على غرار الأحداث التي وقعت خلال العام 2021، وإمكانية الحاق أضرار ملموسة تنجم عنها، تزيد من الحاجة إلى تنظيم المباني الخطيرة وتقليص الفجوات بين السلطات في هذا المجال. 

لكن يبدو أن الحكومة الراهنة مشغولة حالياً بأمور أهمّ بنظرها من الاستثمار في صد كارثة مقبلة. فهي تدفع بخطة ضخمة ومُكلفة جداً لبناء 9 آلاف شقة استيطانية جديدة، في حيّ يهودي جديد على أراضي المطار المهجور في قلنديا، والذي يضم نحو 9 آلاف دونم. ويُخطط للحي الاستيطاني أن يضم إضافة إلى شقق السكن نحو 350 ألف متر مربع من مناطق التجارة، العمل والسياحة. هذه صورة أولويات السياسة: قليل من صد الكوارث ومزيد من التوسع الاستيطاني، الكارثي بدوره.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, لجنة الاقتصاد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات