أصدرت "إدارة السلامة والصحة المهنية في فرع العمل"، وهي الهيئة الرسمية المسؤولة عن مواجهة ومعالجة حوادث العمل وصحة وسلامة العاملين، تقريراً يلخص نشاطها للعام 2022. هذا التقرير يصدر بشكل سنوي لكنه تضمّن هذا العام تقريراً مفصلاً عن الأعوام 2016-2022. وقد كتبت الهيئة في تقريرها أنه "من أجل فحص دولة إسرائيل من ناحية السلامة والصحة المهنية التي يتمتع بها العاملون في الاقتصاد، تنشر إدارة السلامة والصحة المهنية في فرع العمل اتجاهات التحسن في السنوات الأخيرة، التي ازدادت أهميتها في السنوات الثلاث الماضية، وتشير إلى تحسّن شامل في المؤشرات بشكل عام".
ولكن بعض المراقبين لاحظوا أن هذه الصورة مغلوطة ومنقوصة. فتلك الهيئة الرسمية قررت شطب العديد من الحوادث القاتلة، التي انتهت بمقتل عمّال في مواقع العمل، مما أدّى عملياً إلى تغيير صورة الوضع، التي تعرضها بكلمات واضحة بحروف إيجابيّة.
وهذه هي المعطيات المركزية التي قدمتها إدارة السلامة والصحة المهنية:
يدّعي التقرير وجود انخفاض ثابت ومستمر في عدد الحوادث القاتلة: في العام 2022، وفي جميع مجالات العمل (البناء والصناعة والخدمات والتجارة والزراعة)، قُتل 50 عاملاً (انخفاض بنسبة 11% مقارنة بالعام 2021). في قطاع البناء، قتل 23 عاملا في حوادث العمل العام 2022. وهذا مقارنة مع 32 عاملا قُتلوا في العام 2021. وهو ما يشكل انخفاضاً بنسبة 28% هذا العام (2022) مقارنة بالعام السابق.
كذلك، تضيف إدارة السلامة في تقريرها: هناك انخفاض ثابت ومستمر في عدد الحوادث غير القاتلة التي تم التبليغ عنها لمؤسسة التأمين الوطني، وبلغ الانخفاض العام 2022 نسبة 10% بين الأعوام 2016-2020. وفي قطاع البناء، حيث كانت معدلات الحوادث القاتلة هي الأعلى، تم تسجيل تحسّن كبير انعكس أيضاً على تدريج إسرائيل على المؤشرات الدولية مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي، إذ انخفض معدل قتلى حوادث العمل في هذا القطاع إلى 7.6 في العام 2022 مقارنة بـ 13.2 في العام 2013.
عن نشاط إدارة السلامة الميداني، تفتتح بالقول إن المبالغ المدفوعة من قبل التأمين الوطني لضحايا حوادث العمل تجاوزت الـ6 مليارات شيكل في السنة، إذ كانت هناك زيادة ثابتة في إجراءات الإشراف والإنفاذ التي تقودها الإدارة، وفي عدد تعاونها مع الهيئات الموازية المسؤولة عن وضع وتحديد الأنظمة في مجال العمل والسلامة.
وهي تفصّل نشاطاتها بدقة في العام المنصرم 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه:
*أجريت 11.870 زيارة تفتيشية في قطاع البناء العام 2022، مقارنة بـ 11.446 زيارة في العام 2021، بزيادة قدرها 4%.
*في قطاعات الصناعة، تم إجراء 8061 زيارة تفتيشية العام 2022، مقارنة بـ 7633 زيارة في العام 2021، بزيادة قدرها 6%.
*في قطاع الزراعة، تم تنفيذ 483 زيارة تفتيشية العام 2022، مقارنة بـ 403 زيارة في العام 2021، بزيادة قدرها 20%.
*بلغ إجمالي عدد الزيارات 20.144 زيارة تفتيشية في العام 2022، مقارنة بـ 19.482 زيارة العام 2021 بزيادة قدرها 3.4%.
*كانت هناك زيادة كبيرة بعشرات النسب المئوية في عدد ملفات التحقيقات الجنائية التي تديرها الإدارة: ففي العام 2022، تواصل إجراء 17 تحقيقاً جنائياً، مقارنة بتحقيقين اثنين فقط في العام 2019.
ثغرات جدية بين ما نشرته الإدارة وما تم تسجيله في الواقع
وفقاً للموقع الحكومي الرسمي، تعمل إدارة السلامة والصحة المهنية بموجب قانون تنظيم تفتيش العمل، 1954 - وتشريع السلامة المهنية، 1970. الأهداف الرئيسة للإدارة هي منع حوادث العمل والحفاظ على صحة العاملين في دولة إسرائيل. وبناءً عليه، فإن الإدارة مسؤولة عن وضع سياسة سلامة العمل وصحة الموظفين والصحة المهنية، والإشراف على تنفيذ أحكام القوانين والأنظمة المختلفة في هذه المجالات في أماكن العمل. ويحدد القانون واجبات الإدارة كالتالي: الإشراف والتنفيذ، حيث يقوم مفتشو السلامة/ العمل بالإشراف في مختلف فروع الاقتصاد - الصناعة والبناء والزراعة والخدمات – لغرض التحقق من امتثال أصحاب العمل ومسؤوليه لمتطلبات القوانين والأنظمة وإنفاذها. كما توجد في الإدارة وحدة تحقيق تتولى التحقيق في حوادث العمل والأمراض المهنية. من هنا، فإن الإدارة تمتلك صلاحية وضع الشروط والمتطلبات الخاصة بإصدار الشهادات والترخيص للهيئات المهنية العاملة في مجال السلامة والصحة، وتصدر الشهادات والترخيص.
يسري على هذه الهيئة الحكومية واجب التبليغ الصحيح والدقيق عن المعطيات والمعلومات في مجال صلاحيتها ونشاطها. لكن مراقبين لاحظوا وجود ثغرات جدية بين ما نشرته الإدارة من معطيات وبين ما تم تسجيله في الواقع، سواء من قبل جهات صحافية أو منظمات مدنية ومهنية عاملة في مجال مراقبة حوادث العمل. فكتب موقع "دفار"- الجريدة الإلكترونية التابعة لنقابة العمال العامة (الهستدروت): إن تقرير الحوادث المهنية الذي نشرته إدارة السلامة والصحة المهنية للعام 2022 يورد 50 قتيلا فقط، وهذا مقارنة بـ 74 عاملاً قتلوا وفقاً للفحص الذي أجريناه. ولم تدرج إدارة السلامة في التقرير القتلى من العمال "وراء الخط الأخضر" ولا العمال الذين قُتلوا من جراء اصطدامهم نتيجة إصابتهم بسيارات ومركبات، بمن في ذلك العمال الذين قُتلوا بحوادث سيّارات ومركبات في أماكن العمل.
كذلك، يكتب الموقع، فإنه وفقاً لبيانات تقرير إدارة السلامة والصحة المهنية، معدل قتلى حوادث العمل في قطاع البناء في إسرائيل في العام 2022 بلغ 7 قتلى لكل 100 ألف عامل، بينما وفقاً لإحصاء وضعته منظمة "صوت العامل" كان معدل القتلى العمال في هذا القطاع 12 ضحية لكل 100.000 عامل بناء. وفيما يتعلق بالمقارنات التي تجريها إدارة السلامة والصحة المهنية بين إسرائيل والعالم، لاحظ الموقع أن المعدل المتوسط في دول الاتحاد الأوروبي يبلغ حوالي 5 قتلى في الحوادث لكل 100 ألف عامل في قطاع البناء.
حوادث عمل واضحة ظلّ ضحاياها خارج "حسابات" الإدارة
بين المعطيات التي لم يوردها تقرير إدارة السلامة والصحة المهنية، أو لم يتم توضيحها، ونشر تفاصيلها موقع جريدة "دفار"، حوادث قُتل فيها 4 عمال بسبب انقلاب جرارات في مناطق زراعية، ومقتل عاملين في مجال الصرف الصحي دهستهما شاحنات القمامة التي كانا يعملان عليها، وقد قُتل أيضاً عامل صدمته شاحنة أثناء عمل تفريغ في مزرعة دواجن، وقُتل عاملان أجنبيان بسبب حادث دهس أثناء عملهما في طريق الأنفاق.
كما ذُكر، تجاهل التقرير الإسرائيلي الرسمي العمال الذين قُتلوا في حوادث "عبر الخط الأخضر". فقد غاب عنه العاملان اللذان قُتلا في انهيار سقالة في مستوطنة "جفعات زئيف"، عاملٌ قُتل في حادث سقوط من سقالة في الطابق السادس في مستوطنة "بيتار عيليت"، عاملٌ قتل في سقوط من ارتفاع في موقع بناء في مستوطنة "معاليه أدوميم"، وعامل سقط عن سطح أثناء عمله في حي كفر عقب في القدس الشرقية المحتلة. وبحسب تقارير إعلامية فلسطينية، توفي عامل في تشرين الأول 2022 متأثرا بجراحه في مستشفى في رام الله، حيث ذهب بشكل مستقل بعد سقوطه من ارتفاع أثناء عمله في قرية الزرازير، ولم يظهر في تقرير إدارة السلامة والصحة المهنية.
تضمن التقرير حادث مقتل عامل زراعي بضربة شمس في شهر نيسان في موقع قريب من الرملة، وهي حالة سبق لإدارة السلامة أن أعلنت بأن العامل توفي فيها نتيجة حادث صحي وليس بسبب حادث عمل. كذلك، يحتوي التقرير على قائمة بالحوادث التي يدعي فرع العمل في إدارة السلامة والصحة المهنية بأنها ناجمة عن "حوادث طبية وانتحار وحوادث مرور وقعت على طرق خارج مواقع العمل، وكذلك حوادث لا تشتمل على تعريف العلاقة بين عامل ومشغّل". هذه الحالات، كما تقول الهيئة الرسمية، لا تزال قيد التحقيق.
كذلك، أوردت صحيفة "هآرتس" عدداً من الحوادث التي لم يتضمنها التقرير الرسمي، منها: مواطن من شعفاط يبلغ من العمر 35 عاماً قُتل أثناء عمله في تنظيف القمامة في بلدية جان يفني في شهر كانون الثاني، بعد سقوطه من الشاحنة التي كان يعمل عليها؛ مزارع يبلغ من العمر 57 عاماً قُتل عندما انقلب الجرار الذي كان يعمل عليه في منطقة زراعية بالقرب من كابول؛ مهندس بناء من سكان بيت شيمش دهسته جرافة في موقع بناء أثناء أعمال إزالة نفايات في بني براك، ومفتش في شركة "نتيفي يسرائيل" تعرض للدهس أثناء عمله في موقع عمل للبنية التحتية على شارع رقم 70. كما أن التقرير لا يشمل عاملاً من مولدوفا قُتل على متن سفينة تقول إدارة السلامة إنها أبحرت تحت علم أجنبي إلى شواطئ البلاد.
بين مدائح الوزارة وانتقادات الرقابة الرسمية للسياسة الحكومية
عقّب وزير العمل والرفاه السابق، إيتسيك شمولي، عند نشر التقرير، الذي يتطرق لفترة ولايته بالقول: "أنا سعيد لأن جهودنا الحازمة والمتواصلة بدأت تؤتي ثمارها، وللمرة الأولى نشهد انخفاضاً كبيراً في عدد القتلى نتيجة الحوادث المميتة بشكل عام وفي قطاع البناء بشكل خاص. أعداد زيارات التفتيش وأوامر الإغلاق غير مسبوقة وتعكس نهجي الذي لا هوادة فيه تجاه الإهمال الذي قد يمس بحياة الإنسان. ومن المهم بالنسبة لي التأكيد أن أرباب العمل هم شركاؤنا وفي بعض الصناعات، مثل البناء، يتم نشر التدابير المشتركة التي تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة الصعبة. وأنا ممتن جداً لموظفي إدارة السلامة الذين يشكل تفانيهم والكفاءة المهنية خط الدفاع الأول للحفاظ على سلامة العاملين أينما كانوا". أما رئيس إدارة السلامة في وزارة العمل، حيزي شفارتزمان، فقال: "أهنئ موظفي الإدارة على تفانيهم في العمل لتعزيز سلامة العمال في الاقتصاد الإسرائيلي، ولا شك في أن العمل الجاد يحمل نتائج؛ أنشطتنا في المجال ساهمت في منع الحوادث وتحقيق ردع كبير في جميع فروع التشغيل في إسرائيل".
هنا يجدر التذكير بأن آخر التقارير الرسمية لمراقب الدولة الإسرائيلي بشأن حوادث العمل والسلامة والصحة المهنية، الذي صدر في أيار الماضي 2022، قد أكد أن التقاعس الحكومي والرسمي عموماً ما زال سائداً إزاء الحوادث التي يتعرّض لها عمّال قطاع البناء، فيتواصل سقوطهم قتلى أو جرحى بشكل بالغ. ليس فقط أن الحوادث لم تتراجع بشكل يمكن اعتباره تحوّلاً، بسبب عدم تطبيق قرارات وتعهدات بزيادة الرقابة على ظروف مواقع وورشات العمل ومتطلبات الأمان فيها، بل إن المقاولين الذين يتحملون مسؤولية الإهمال بحق العمال في شركاتهم، يحظون بتعامل متساهل بدرجات مثيرة للاستهجان.
المراقب تطرّق تحديداً إلى "إدارة السلامة والصحة المهنية" بعدد من الانتقادات الواضحة، منها انعدام المنهجية في عملية مراقبة تسلّم إخطارات من أصحاب العمل حول إصلاح عيوب السلامة في مواقع البناء، التي سبق العثور عليها في أثناء عمليات التفتيش، ولم تُتّخذ فيها خطوات قانونية ضد المقاول؛ غياب آلية مراقبة لتسلّم الإخطارات، ولا يحتوي نظام الكمبيوتر الخاص بإدارة السلامة على توصيف لعرض تنبيه أو تذكير بأنه لم يتم تسلم الإخطارات بعد بالشكل المطلوب. وأكد ضرورة قيام إدارة السلامة بمراقبة تنفيذ الأوامر وتلقي إخطارات بتصحيح ثغرات السلامة. أي أن حالات الفحص ازدادت، لكن هناك قصور في متابعة إصلاح مكامن الخلل. ويبدو أن الإدارة تحاول "إصلاح مكامن الخلل" بواسطة آلية التجميل وليس العلاج الجذري!
المصطلحات المستخدمة:
انقلاب, الخط الأخضر, التأمين الوطني, بني براك, هآرتس, الهستدروت, بيتار, إيتسيك شمولي