المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
منصور عباس (يمين)، نموذج مريح لليمين الاستيطاني. (إ.ب.أ)
منصور عباس (يمين)، نموذج مريح لليمين الاستيطاني. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1368
  • برهوم جرايسي

تتواصل حالة الارتباك السياسي الإسرائيلية، على مستوى الحكومة وائتلافها الذي فقد الأغلبية المطلقة، وهو في حالة تعادل مع معارضة ليست موحدة، وكما يبدو ستنهي الحكومة هذا الأسبوع أسبوعا خامسا في الدورة الصيفية التي تنتهي في نهاية تموز المقبل، من دون أن تواجه خطر السقوط. لكن كما يقال طيلة الوقت فإن عامل المفاجأة وارد في كل لحظة، وأجواء الانتخابات تتمدد، وبضمن هذا أن بنيامين نتنياهو باق على الساحة السياسية، لهذا فإن من عارضوه في معسكر اليمين الاستيطاني، ومنعوا استمرار حكمه، يبحثون عن طوق نجاة، فيما أصدر رئيس الحكومة نفتالي بينيت رسالة موجّهة بالأساس لليمين الاستيطاني، يعدد فيها "إنجازاته" اليمينية، برفض إقامة دولة فلسطينية وتعزيز الاستيطان، ويبرز مديحه للقائمة العربية الموحدة، وزعيمها النائب منصور عباس.

فالحكومة الحالية قامت على قاعدة "فقط ليس نتنياهو"، وهذه المقولة أدت إلى تشكيل ائتلاف مليء بالتناقضات والتقاطبات، من أقصى اليمين الاستيطاني إلى أقصى ما يسمى "اليسار الصهيوني"، مثل حزب ميرتس، ومعهم القائمة العربية الموحدة، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي، وهذان الفريقان الأخيران، ومعهما أيضا حزب العمل، يدفعون أثماناً سياسية لسكوتهم على ما تطبقه الحكومة من سياسات يمين استيطاني، وبضمنها وضع قوالب سياسية لم تكن من قبل، ومن شأنها أن تتحول لقاعدة عمل لأي حكومة يمينية مستقبلية.

يبرز هذا في جوانب عدة، أبرزها: اتساع حجم الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك، وغض الطرف عن أداء المقتحمين صلوات يهودية، برغم الحظر المفترض. وتطبيق فعلي على الأرض لمنع رفع العلم الفلسطيني في القدس خاصة، كما رأينا هذا خلال جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وبعدها بخمسة أيام جنازة الشهيد وليد الشريف في القدس المحتلة. وكذلك رفع أساس ميزانيات مجالس المستوطنات بنحو 50%، بموجب ما أعلنته وزيرة الداخلية أييلت شاكيد مع إقرار الموازنة العامة للعام الجاري، قبل 7 أشهر.. وغير هذا من القضايا.

إلا أن كل هذه السياسات لم تشفع للحكومة الحالية أمام أحزاب اليمين الاستيطاني بقيادة الليكود، التي تسعى لإسقاط الحكومة، إذ إن كل محاولة لتشكيل حكومة بديلة فشلت، ولا يبدو أن محاولات كهذه ستنجح، إذ تقول التقارير إن نتنياهو معني بالتوجه إلى انتخابات جديدة، يعيد فيها توزيعة المقاعد البرلمانية بشكل يعيد له الأغلبية المطلقة.

نفتالي بينيت يتباهى بيمينيته ويستنجد!

في نهاية الأسبوع الماضي، أصدر رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، رسالة مطولة من 27 صفحة، موجّهة بالأساس إلى جمهور اليمين الاستيطاني، يبرر فيها توجهه لتشكيل الحكومة الحالية بكل مركباتها، بما يشمل كتلة ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وأيضا القائمة العربية الموحدة، إذ إن التسليط الأكبر هو على يمينية حكومته، حتى أنه سأل القراء ما إذا كانت حكومة كهذه هي حكومة يسار فعلًا، ثم يكيل المديح لنهج منصور عباس، زعيم القائمة الموحدة.

يفتتح بينيت رسالته: "كان لليهود مرتان دولة ذات سيادة وموحدة في أرض إسرائيل. في المرّة الأولى استمرت 80 عاما ثم انقسمت إلى قسمين بسبب صراع داخلي. وفي المرة الثانية استمرت الدولة مدة 77 عاما، ثم فقدت سيادتها للرومان بسبب صراع داخلي. ودولة إسرائيل (الحالية) هي الفرصة الثالثة. الآن الدولة في عامها الـ 75.

"نحن جميعا أمام اختبار ما إذا كنا سنتعلم كيف ننجح في العقد الثامن، كدولة موحدة وذات سيادة، أو ما إذا كنا سنفشل مرة أخرى بسبب الصراعات الداخلية".

وفي مقدمات الرسالة يستعرض بينيت الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي كانت قائمة في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، ويدعي أن حكومته قلبت الكثير من المعطيات الاقتصادية من سيئة إلى جيدة، خاصة على مستوى العجز في الموازنة العامة، الذي تراجع بقدر كبير جدًا، بينما قفز النمو الاقتصادي في العام الماضي إلى نسبة 8%، وتراجعت البطالة إلى النسبة التي كانت قائمة ما قبل جائحة كورونا.

ثم يقدم توصيفاً للحالة الأمنية، مدعياً أن سياسة نتنياهو كانت ضعيفة أمام ما أسماه "الإرهاب" من قطاع غزة، ولجأ إلى التحريض على المدن الفلسطينية التاريخية على الساحل، التي تسمى إسرائيلياً "المدن المختلطة"، والقصد: اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا، زاعماً أن العرب فيها ارتكبوا جرائم قتل جماعية، رغم أن ما كان قبل أكثر من عام بقليل، هو استقدام عصابات استيطانية لتلك المدن لشن اعتداءات على العرب أهالي المدينة. ثم لاحقا يعدد بينيت ما يسميها إنجازاته في هذا المجال، ويكتب بحسب لغته ومصطلحاته: "نحن لا نتنازل عن شبر واحد من أرضنا ولا نناقش إقامة دولة فلسطينية. من ناحية أخرى، أنا متنبّه لشركائي من اليسار، وبالتالي لن تكون منهم حركات عكسية. نواصل البناء في يهودا والسامرة (الضفة المحتلة) بشكل عادي ومنتظم".

"أوقفنا فتح قنصلية أميركية للفلسطينيين في القدس. ففي لقائي مع رئيس الولايات المتحدة، أخبرته بأدب، ولكن بوضوح، أنني لن أوافق على إقامة قنصلية في القدس، لأن القدس عاصمة دولة واحدة فقط، وهي إسرائيل".

"أعدنا مسيرة الأعلام (في القدس المحتلة) إلى مسارها التقليدي، وحطمنا الرقم القياسي للمشاركين بأكثر من 70 ألف مشارك، يلوحون بالعلم الإسرائيلي (رغم أن التقديرات الإسرائيلية الرسمية ذكرت أنهم 25 ألفاً).

"نحن نبادر لعمليات لمكافحة الإرهاب في كل مكان: في غزة ويهودا والسامرة، وبعيدا عن حدود إسرائيل. الفكرة هي الإضرار بالإرهاب ومجال تنظيمه في وقت مبكر.
"اتخذنا قرارا تاريخيا بمضاعفة عدد المستوطنين في هضبة الجولان، وإقامة مستوطنتين جديدتين".

وكتب أيضاً: "بالإضافة إلى ذلك، تعمل وزيرة الداخلية أييلت شاكيد مع وزير الإسكان زئيف إلكين، على إنشاء 14 مستوطنة جديدة ومدينة جديدة أخرى في النقب". ويقصد بينيت هنا إقامة مستوطنات لليهود، بينما تواصل هذه الحكومة تشديد الحصار على العرب، أهالي النقب، وترفض الاعتراف بالقرى القائمة منذ عشرات ومئات السنين على أراضيها.

ويختم بينيت ما أسماها إنجازاته بعبارة: "هذا هو جوهر الصهيونية"، ويضيف: "هل يستطيع أحد الادعاء بجدية أن هذه حكومة ذات سياسة يسارية؟".

كيل المديح منصور عباس

يخصص بينيت مقاطع في رسالته لمسألة شراكة "القائمة العربية الموحدة" في الحكومة، ويشرح أن من فتح الباب لهذه الكتلة هو بنيامين نتنياهو، الذي قبل بها أن تدعم حكومته، إلا أن من رفض ومنع إقامة الحكومة برئاسة نتنياهو، بمشاركة "يمينا"، كانت كتلة "الصهيونية الدينية".

وكتب عن منصور عباس أنه "يبرز كقائد سياسي شجاع يحاول إيصال المجتمع العربي إلى مكان أفضل. للمرة الأولى، ثمة زعيم عربي يعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. للمرة الأولى، هناك زعيم عربي يحاول جاهدا تعزيز الجانب الاقتصادي المدني للمواطنين العرب في إسرائيل. إنه يبذل قصارى جهده لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي، والقضاء على ظاهرة السلاح غير المشروع".

ويقول بينيت: في قضية منصور عباس يستحق السيد نتنياهو الثناء، فقد قال لي: "منصور زعيم شجاع. نحتاج إلى تقويته والتعاون معه"، وأضاف بينيت: "في هذا أنا موافق. لدولة إسرائيل مصلحة وطنية كبيرة في أن ينجح طريق منصور عباس- طريق السلام والتعاون، وليس طريق أيمن عودة- طريق التطرف والقومية. لدولة إسرائيل مصلحة في مساعدة منصور على تقوية الجمهور العربي وتحقيق الإنجازات في المجتمع العربي، وإلا سنحصل على التجمع الوطني الديمقراطي وأيمن عودة".

مستقبل بنيامين نتنياهو والمحاكمة

في هذه الأيام يكون قد مرّ على بدء محاكمة نتنياهو بثلاث قضايا فساد 16 شهرا، ورغم هذه الفترة، فإن المحكمة لا تزال تستمع إلى شاهد النيابة الرابع، وفي الملف الأول الأكبر، الذي يواجه فيه نتنياهو تهمة تلقي رشوة.

كذلك في هذه الأيام، تكون قد مرّت ست سنوات ونصف السنة على بدء التحقيقات مع نتنياهو في أول قضية فساد. ففي تلك الأيام ظهرت العناوين الصاخبة التي كانت تتحدث عن قرب انتهاء عهد نتنياهو، إلا أن الأخير أتم بعدها ولاية من أربع سنوات، وخاض 4 جولات انتخابية في غضون عامين، ولا يوجد ما يمنع قيادة حزبه في الانتخابات المقبلة، التي في أحسن الأحوال قد تجري في النصف الأول من العام المقبل 2023، رغم أن احتمال إجرائها حتى نهاية العام الجاري ما زال قائما.

وفي الوقت ذاته، ما زال نتنياهو يحظى بشعبية، بذات النسب التي كان يحظى بها على مدى السنوات الأخيرة، لا بل إن استطلاعات الرأي العام التي تجري من حين إلى آخر، تمنح الليكود قوة زائدة عن المقاعد الـ 30 التي يسيطر عليها حاليا في الكنيست، وعلى الرغم من أنها استطلاعات مبكرة، فإنها دلالة على توجه عام، وفي الأساس أن الليكود يواصل الحفاظ على تصدّره نتائج الانتخابات دون أي منافس، رغم ما تقوله الاستطلاعات بأنه سيجد صعوبة في تشكيل حكومة ذات أغلبية مطلقة، من دون حزب "يمينا" الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت.

قلق أحزاب في الائتلاف

في الأسبوع الماضي كنا أمام حلقة جديدة من روايات إعلامية، تدعي استنادها لمصادر حزبية، تقول إن حزب "أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر، المنشق عن حزب الليكود في نهاية العام 2020، يجري مفاوضات مع حزب الليكود لتشكيل حكومة بديلة. وهذا بعد أسبوع من حديث مشابه بين حزب "أزرق أبيض"، برئاسة بيني غانتس، والليكود، وتم نفيه في حينه.

إلا أن الحديث عن حزب جدعون ساعر تزامن مع تهديد هذا الأخير للائتلاف الحكومي، بأنه إذا لم يتجند الائتلاف لصالح تمديد سريان قانون الطوارئ في الضفة الغربية القائم بالتمديد منذ العام 1967، وينظم العلاقات بين المستوطنين والمستوطنات مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية، لكونهم في منطقة محتلة، فإن هذا سيعجّل في نهاية الائتلاف. وقد نفى ساعر وحزب الليكود وجود مفاوضات كهذه، بينما أصرت عليها وسائل إعلام. وفي نهاية الأسبوع الماضي، غيّر ساعر اللهجة، وهاجم حزب الليكود وباقي كتل اليمين في المعارضة لموقفها المعارض لتمديد سريان قانون الطوارئ، من باب أن هذه الكتل تريد إسقاط الحكومة، وأعلن في لقاء عبر شبكات التواصل مع أنصاره أنه يرفض العودة الى الليكود.

تصريح ساعر لا يلغي حقيقة قلقه من أي انتخابات مبكرة في هذه الفترة بالذات، إذ إن استطلاعات الرأي تضعه تحت تهديد عدم اجتياز نسبة الحسم، لأنه هو من أبرز من رفعوا شعار رفض استمرار نتنياهو في الحكم، وها هو نتنياهو باق في الساحة السياسية بقوة، وكما يبدو فإنه لا مجال لخوض انتخابات تحت الشعار ذاته.

القلق قائم أيضا لدى نواب حزب "يمينا" برئاسة نفتالي بينيت، خوفا من معاقبتهم في معسكر اليمين الاستيطاني، رغم أن كل استطلاعات الرأي العام تشير إلى حفاظ الحزب على مقاعده الستة، وحتى بعض الاستطلاعات تضيف له مقعدا آخر أو اثنين.

قلق صامت في صفوف الليكود

ليس واضحا ما إذا سيقرر حزب الليكود اجراء انتخابات لرئاسة الحزب، إذ إن آخر انتخابات كهذه فرضها النائب السابق في الحزب، والسابق ذكره هنا، جدعون ساعر، الذي تكبد هزيمة لم يتوقع حجمها، بحصوله على نسبة 28% مقابل 72% لنتنياهو.

فاستمرار نتنياهو في الواجهة، بما يقلب كل التوقعات السابقة بشأن مستقبله السياسي، في حال طال عمر الحكومة وتقدم مسار محاكمته، يخلق حالة إرباك عند من أعلنوا في الحزب منافستهم على رئاسته، وهم يسرائيل كاتس، ونير بركات، وهما الأقوى من بين المنافسين الآخرين، وأيضا يولي إدلشتاين، رئيس الكنيست الأسبق. وهناك أسماء أخرى أعربت عن نيتها المنافسة، لكنها لم تعلن هذا رسميا. وليس واضحا ما إذا كانوا سينافسون نتنياهو فعلا في حال جرت انتخابات رئاسة، إذ إن التجربة في الليكود في السنوات الـ 18 الأخيرة أثبتت أن كل من ينافس نتنياهو في الحزب، ولا يسير في تلمه، يضع نفسه على كفّ عفريت، لتكون حياته الحزبية في الليكود قصيرة.

لكن حتى إذا لم تجر انتخابات لرئاسة الحزب، فإن الحزب سيكون مُلزما بإجراء انتخابات لقائمة مرشحيه لانتخابات الكنيست، وبحسب النظام الداخلي لليكود، الذي سنشرحه حينما تجري مثل هذه الانتخابات، فإن ما بين 35% إلى 40% من النواب الحاليين سيفقدون مواقعهم في قائمة المرشحين، ولذا فإن نتنياهو سيدقق بمدى إخلاص كل واحد من المنافسين لضمان نجاحه، بموازاة انتقامه من غير المخلصين، إما بالإبعاد الكلي، أو بإبعاده عن قمة القائمة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات