تسابق المسؤولون الإسرائيليون، خلال الأيام الأخيرة، للترحيب بقرار شركة تدريج الاعتمادات العالمية P&S، لرفع تدريج إسرائيل منA+ إلى -AA، وهذا يعد من أعلى ثلاث درجات اعتماد، تضم كلها 28 دولة فقط، ويُعد انعكاسا لثقة بالاقتصاد الإسرائيلي، وهذا من شأنه أن يسهل القروض، ويخفض الفوائد على ديون الدولة. إلا أن محللين يحذرون حكومتهم من الإفراط في الفرحة، لأن هذا قرار ينحصر فقط بالقدرة على تسديد الديون، ولا يتطرق إلى الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، التي تشهد فيها إسرائيل معطيات سلبية جدا، مثل ارتفاع نسب الفقر، واتساع الفجوات الاجتماعية.
وحسب المحللين، فإن قرار P&S جاء بعد سبع سنوات على رفع التدريج السابق، وهو ناجم عن نجاح إسرائيل في تسجيل نسب نمو اقتصادي عالية نسبيا، مقارنة مع الدول المتطورة، وخفض نسبة الدين العام من حجم الناتج العام إلى ما دون 60%.
وكان حجم الدين العام في إسرائيل في العام 2002 بنسبة 100% من حجم الناتج العام، وبقي لسنوات قليلة لاحقا عاليا، بنسب أعلى من 80%، إلى أن وضعت حكومة إيهود أولمرت في العام 2006 هدفا لتخفيض حجم الدين مقارنة بالناتج العام، إلى نسبة 60%، حتى العام 2015. وشهدت السنوات اللاحقة تأرجحات بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية. وبلغت النسبة في العام 2009 حوالي 73% من حجم الناتج العام، لتبدأ النسبة منذ ذلك العام في عملية هبوط تدريجي، إذ هبطت في العام 2010 عن حاجز 70%، ثم هبطت لأول مرّة عن حاجز 60% في العام 2017، وبلغت نسبة الدين 2ر59% من حجم الناتج العام.
لكن الدين استمر بالارتفاع من حيث حجمه المالي. والتراجع في نسبته ناجم عن استمرار النمو الاقتصادي في الارتفاع في السنوات السبع الماضية، بنسبة تتراوح ما بين 8ر2% كأدنى نسبة، وحتى أكثر من 4%. وقد ارتفع حجم الدين من 595 مليار شيكل في العام 2009، وحتى 747 مليار شيكل في العام الماضي (سعر صرف الدولار في هذه الأيام في حدود 68ر3 بالمعدل)، ما يعني أن حجم الدين ارتفع خلال 9 سنوات بنسبة 7ر25%، لكن النمو الاقتصادي ارتفع في ذات الفترة بنسبة 6ر39%.
وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في تصريح له، إن رفع التدريج "يعزز مكانة إسرائيل كإحدى الدول الأقوى في العالم اقتصاديا. هذا ينضم بالطبع إلى المصادقة على التصنيف الائتماني لدولة إسرائيل الذي حددته شركة "موديس" قبل عدة أسابيع. وهذا هو دليل على السياسة الاقتصادية المسؤولة التي ننتهجها هنا في الحكومة من قبل وزير المالية ورفاقي الوزراء. وهذه السياسة أدت إلى نمو متواصل في الاقتصاد الإسرائيلي".
وتابع نتنياهو قائلا "أقرأ مقالات بعض المحللين الذين قالوا: "نعم، تم تحقيق نمو متواصل، ولكن هذا لم يحسّن أوضاع الطبقات الضعيفة"، وهذا ببساطة ليس صحيحا. نرى انخفاض مؤشر عدم المساواة الذي يسمى مؤشر جيني عاما بعد عام، وهذا المؤشر يتحسن باستمرار خطوة بعد خطوة، لأننا ندمج بين سياسة السوق الحرة، وبين الانخراط في سوق العمل. وحين يدخل المواطنون في سوق العمل يتحسن وضعهم المادي. إذن، هناك سياسة صحيحة اقتصاديا واجتماعيا وسنواصل العمل على هذين المحورين لصالح المواطنين الإسرائيليين".
وقال وزير المالية موشيه كحلون، ناسبا الأمر لشخصه، إنه في السنوات الثلاث الأخيرة حقق الاقتصاد الإسرائيلي معطيات هي الأفضل في تاريخه، وهذا ما أدى إلى ثقة الجهات الاقتصادية العالمية بالاقتصاد الإسرائيلي. وادعى أن ثمار النمو الاقتصادي وصلت إلى الشرائح الفقيرة، وهذا ما يفنده المحللون الاقتصاديون.
وقالت محافظة بنك إسرائيل المركزي، كارنيت فلوغ، إن رفع التدريج يعكس ثقة المؤسسات المالية العالمية بالسياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، وبسياسة الفائدة البنكية التي يتبعها بنك إسرائيل المركزي. وشددت على أن هذا قرار يعبر عن الثقة بنهج بنك إسرائيل المركزي، الذي ساهم في دفع النمو الاقتصادي، وساعد الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها المستقبلية. كما أن قرارا كهذا يثبت أهمية الاستمرار في خفض نسبة الدين العام من حجم الناتج العام.
سباق لتسجيل النقاط
تقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزوروف، في مقال لها في صحيفة "ذي ماركر"، إن هذا الإنجاز اللامع جر وراءه حربا بين السياسيين على تسجيل النقاط. إلا أنه يجب قراءة بيان شركة P&S بشكل جيد، فقد فصلت تبريرات قرارها لرفع التدريج. ومن أجل أن نحسم تلك المعركة الدائرة، فإن هذا إنجاز لا يتعلق بسياسي وحيد، وإنما بنهج إدارة الميزانية، وإدارة الديون في كل حكومات إسرائيل السابقة، التي عملت بإصرار على تشجيع النمو، وتقليص حجم الدين العام مقارنة بالناتج العام، إلى جانب الحفاظ على إطار الموازنة السنوية العامة، والحفاظ على نسبة العجز المالي، وبالتالي خفض نسبة الدين العام من الناتج العام. أما أرباح إسرائيل من خفض الفائدة المتوقع على ديونها في أعقاب رفع التدريج، فمن المتوقع أن تكون هامشية جدا، هذا إذا تم أصلا تخفيض الفائدة. ورغم ذلك فإن رفع التدريج يبقى مناسبة مفرحة، لأنه سيشجع الاستثمارات على التدفق، وأيضا سيكون تسويق سندات الدين العام أسهل. فإسرائيل دخلت عمليا إلى نادي الدول الـ 28 التي تدريجها هو الأعلى، وهي من الدول التي تمتاز بالاستقرار المالي، وهذا بحد ذاته يشجع المستثمرين الأجانب، إلا أن أحدا لا يستطيع تقدير حجم الاستثمارات التي ستتدفق.
غالبية الجمهور لا تستفيد
وقال المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" إيتان أفريئيل إن رفع تدريج الاعتماد لإسرائيل هو حقا حدث اقتصادي إيجابي ومفرح، لكن من المجدي أن نوضح منذ الآن ماذا يعني هذا الارتفاع. فشركات التدريج الرائدة في العالم P&S و"موديس" و"فيتش" هي شركات تشغل اقتصاديين، وخبراء تمويل، يعرضون تقييمات وتقديرات ووجهات نظر حول أمر واحد فقط: قدرة جهة ما على تسديد الديون، أو ما إذا لن يكون بقدرتها تسديد واحدة من الدفعات، التي عليها دفعها في الموعد المحدد. وهذه هي مهمتهم الوحيدة.
ويتابع أفريئيل أن تدريج الدولة يعتمد على احتمالات عدم قدرتها على التسديد، ولكن ليس بأي شكل من الأشكال على تقديرات حول كيفية تحقيق المال في تلك الدولة، أو حول توزيع الميزانيات بين المواطنين والدولة. فبالإمكان أن تكون غالبية السكان من الفقراء، ومحرومي الحقوق الأساسية، بينما تدريج دولتهم يكون عاليا. فتدريج الاعتماد لدول من الممكن أن يكون ممتازا، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي درجتها AA+، أقل بدرجة واحدة من الدرجة الأعلى AAA، لكن في المقابل فإن اللامساواة في الاقتصاد ضخمة جدا، والفجوات الاجتماعية كبيرة جدا. والعكس صحيح أيضا، فمن الممكن أن يكون تدريج الدولة منخفضا، ولكنها تتربع على أعلى مستويات الرفاه الاجتماعي ومستوى المعيشة.
ويضيف أفريئيل: ما من شك في أن رفع تدريج الاعتمادات لإسرائيل هو أمر إيجابي لإسرائيل، فهو تعبير عن ثقة بالاقتصاد الإسرائيلي، ومن شأنه أن يخفض الفوائد البنكية على ديون الدولة، ولو بنسبة هامشية. لكن من ناحية ثانية، فإن التعبير عن الثقة يكشف أكثر الفشل الأساس في المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين، لأن في هذا الاقتصاد الجيد لدرجة كبيرة فقط قلة يتمتعون من ثمار هذا النجاح. وغالبية الأمور معروفة، فلإسرائيل مستويات فقر عالية مقارنة مع الدول الغربية، على الرغم من أن تدريجها بات أعلى من تدريج تلك الدول في الاعتمادات. كما أن في إسرائيل فجوات اجتماعية واسعة جدا. ونتائج التحصيل في المدارس هي من أقل المستويات مقارنة مع معدلات الدول الأعضاء في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD. ويعاني مواطنو إسرائيل من غلاء معيشة ومن ارتفاع أسعار البيوت، وهي الأعلى مقارنة مع الغرب. كما أن معدل الرواتب الفعلي منخفض، ولكثير من الناس لن تكون رواتب تقاعد في المستقبل. ورغم كل هذا، فإن شركتي التدريج الأخريين قد تتبعان شركة P&S، وترفعان تدريج إسرائيل.
ويقول أفريئيل إن إسرائيل عالقة تحت سيطرة مجموعة صغيرة من أصحاب المصالح، تأخذ لنفسها غالبية الثراء العام، وتترك لـ 90% من المواطنين الفتات، ولكن هذا التوزيع لا يعني أحدا، من أولئك الذين يضعون التدريج.
ويختم أفريئيل: من المناسب أن نبتسم في اليوم الذي يرفعون فيه تدريج إسرائيل، لكن هذه مناسبة أيضا لنسأل: كيف يتوزع كل هذا الخير على المواطنين؟ ولنسأل: من الذي يأخذ قسما كبيرا من هذه الخيرات، من خلال الممارسات المتعلقة بظاهرة "علاقة السلطة مع المال"؟. كما علينا أن نسأل إذا ما كان تركيز الجدل السياسي في مسائل الأمن والدين والقومجية، ليس مناورة من أجل حرف الرأي العام عن هذه المسائل الاقتصادية؟. إن هذه فرصة لنسأل المرة تلو المرّة، كيف علينا أن نفتح نقاشا حول شكل توزيع الناتج والثمار الاقتصادية، كي لا نكتشف بعد سنوات أن تدريج إسرائيل يرتفع مجددا، بينما مستوى المعيشة لدى غالبية الجمهور في إسرائيل ما زال مجمدا، يراوح مكانه، ويحصل على فتات من الكعكة العامة.
رصد ميزانيات اجتماعية
ويقول المحلل أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، إن قرار شركة P&S ليس مفاجئا، فهذا جاء بعد أن نجحت إسرائيل في تخفيض حجم الدين إلى ما دون 60% من حجم الناتج العام، وهذا لأول مرة في تاريخ إسرائيل، التي كان حجم الدين فيها في العام 2002 يعادل 100% من حجم الناتج العام، ووصل إلى 6ر59% في العام الماضي. ومن بين جميع دول OECD، فقط النرويج نجحت أيضا في حفض نسبة الدين العام، من حجم الناتج العام، وبسرعة كبيرة. وهذا أدى في النرويج إلى خفض الصرف على فوائد ديون الدولة من 8ر4% من حجم الناتج العام، إلى 9ر2% فقط.
ويتابع بايلوت أن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف بإمكان إسرائيل أن تجعل من هذا القرار رافعة لنجاح أكبر؟. فقط في الأسبوع قبل الماضي صادقت لجنة المالية على طلب مفاجئ من وزارة المالية لزيادة ميزانية وزارة الدفاع بـ 6 مليارات شيكل (63ر1 مليار دولار). وهذا نموذج للصرف الحكومي الذي يؤدي إلى زيادة الدين العام، دون أن يساهم هذا في زيادة النمو الاقتصادي، وهذا من شانه أن يسيء إلى نسبة الدين العام من الناتج العام.
ويؤكد بايلوت ضرورة أن تبادر الحكومة إلى زيادة الصرف في الميزانيات الاجتماعية، وبشكل خاص الصرف على البنى التحتية، وعلى مشاريع مثمرة لسنوات طويلة. ويقول "إذا ما قارنا هذا الصرف في إسرائيل مع دول متطورة سنجد أن إسرائيل دولة بخيلة". ويوجه بايلوت إصبع الاتهام إلى شخص بنيامين نتنياهو، مبينا أن صرف الحكومة على الميزانيات الاجتماعية، من العام 2003 إلى العام 2007، كان بنسبة 5ر43% من حجم الناتج العام، وهبطت النسبة حتى العام 2016 إلى 38%.