مقدمة: تنشغل المؤسسات المالية والاقتصادية الإسرائيلية، الرسمية والخاصة، بما تصفه "مشكلة ارتفاع معدل الأعمار" في إسرائيل، والذي يعد من الأعلى في العالم، ما يزيد عن 84 عاما للنساء، وأكثر من 81 عاما للرجال، وهذا لأنه بحسبهم سيشكل الأمر "عبئا" ماليا على مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأيضا على صناديق التقاعد، رغم تغيير طريقة احتساب توفير التقاعد منذ 15 عاما. وقد وصل الأمر إلى حد صدور تحذيرات من انهيار مستقبلي لمؤسسة الضمان، إذا لم يتم ايجاد حلول.
في منتصف العام 2015 وقع أمر في إدارة أعمال حكومة إسرائيل. فالمجلس الوطني للاقتصاد قدم للحكومة تقييما للأوضاع الاستراتيجية ذات الصلة، بمعنى التوقعات بشأن التهديدات الاقتصادية الاجتماعية المركزية، التي ستواجهها الدولة في السنوات المقبلة. وأهمية ذلك الحدث، من ناحية التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي بعيد المدى لإسرائيل، كانت كبيرة جدا، وقد وظفّت الحكومة عدة جلسات متواصلة من أجل الاستماع لتقديرات الوضع بشكل كامل.
وضمن المواضيع التي تضمنتها تقديرات الوضع، ومن أهم المواضيع التي طرحت، هو ارتفاع معدل الجيل داخل الجمهور (بسبب ارتفاع معدل الأعمار، وتراجع معدلات الولادة). وبموجب ذلك التقدير، فإن عدد المسنين (من فوق 65 عاما)، سيقفز من 900 ألف نسمة في العام 2014، إلى 6ر1 مليون نسمة في العام 2034.
والتأثير الاقتصادي ينعكس مباشرة على مخصصات الشيخوخة (التي تدفع للمسنين، النساء 62 عاما، والرجال 67 عاما)، والنفقات على الصحة، والمساعدة التمريضية، إذ سيقفز الانفاق من 7ر10% من حجم الناتج العام في العام 2009، إلى 4ر12% من حجم الناتج في العام 2029، بمعنى ارتفاع بنسبة نحو 2% في حجم الصرف.
وهذه التقديرات تلزم استعدادات على أربعة مستويات: استعدادات مالية، واستعدادات في مجال التشغيل وأوقات الفراغ للمسنين، واستعدادات للخدمات الصحية، وأخرى للمساعدة التمريضية البيتية.
فقد علقت إسرائيل في مشكلة ارتفاع نسبة المسنين من بين الجمهور، بعد بضعة عقود مما بدأت في باقي أنحاء العالم، ورغم ذلك فإن نسبة المسنين في إسرائيل، وحجم الصرف عليهم، ما زالا أقل مقارنة بالدول الأخرى. ومن هذه الناحية، فإن الاستعدادات في إسرائيل من المفترض ان تكون أبسط نسبيا. ومن ضمن الأسباب التي تسهل عملية الاستعدادات، التجربة التي تراكمت في العالم، حول كيفية الاستعداد الصحيح لمواجهة المشكلة.
إلا أن هذا، بطبيعة الحال، بشرط أن تتخذ الحكومة فعلا اجراءات في الاتجاه الصحيح. فالمجلس الوطني للاقتصاد أشار إلى الخطوات السريعة والملحّة التي على الحكومة اتخاذها، وهي: معالجة العجز الافتراضي في مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية، (مؤسسة التأمين الوطني)، إذ أن أساس العجز نابع من الارتفاع السريع في مخصصات الشيخوخة، والصرف على الخدمات التمريضية البيتية. وثانيا، إعداد الجهاز المالي، بالأساس بسبب القلائل الذين ما زالوا من دون توفير تقاعدي لفترة الشيخوخة، على الرغم من قانون التوفير التقاعدي الالزامي. وثالثا، رفع جيل التقاعد (حاليا: الرجال 67 عاما والنساء 62 عاما). ورابعا، دمج متقدمين في السن في سوق العمل. وخامسا، تهيئة جهاز الصحة والتمريض البيتي.
وبعد مرور عامين ونصف العام، فإنهم في المجلس الوطني للاقتصاد ينظرون إلى الخلف برضى جزئي. فعلم الحكومة بأعباء ارتفاع معدل الجيل في الجمهور حقق انجازات، ولهذا فقد حققت تقديرات الوضع المستقبلي قسما جديا من أهدافها. بالإضافة إلى هذا، فإن قسما ليس صغيرا من التحديات التي تمت الإشارة اليها، قد عولج، ورغم ذلك فإنه ما تزال هناك تحديات كبيرة وتتعاظم.
فالمعالجة الأكبر والأهم، التي تمت حتى الآن، تضمنتها ميزانية العام المقبل 2019، وهي مشروع خطة التمريض البيتي الحكومية. فالخطة حظيت بمباركة المجلس الوطني للاقتصاد، وهي تتضمن زيادة كبيرة في عدد ساعات التمريض البيتي التي تقدمها مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأيضا تعزيز الرابط بين صناديق المرضى (شبكات العيادات الرسمية)، وبين جهازي المستشفيات والتمريض البيتي. فحتى وإن كان المشروع الجديد لا يحل كل مشاكل العلاج التمريضي في إسرائيل، فإن ما هو معروض حتى الآن، يساعد كثيرا على معالجة هذه القضية. ولا ننسى أن إسرائيل منذ البداية، تتمتع بتأمين تمريضي بيتي واسع المجال نسبيا، من خلال شبكات العيادات الرسمية.
وثمة إجراء سريع اضافي، تم تنفيذه في العام الماضي، هو تقليص أخطاء مخصصات التقاعد الشهرية، للمسنين المؤمنين ضمن صناديق التقاعد، من خلال توجيه سندات دين حكومية، تضمن أرباحا عالية. وإذا حتى الآن دعمت سندات الدين المتخصصة كل أملاك صناديق التقاعد، فإنه في أعقاب التعديل، دعم سندات الدين لضمان أرباح مضمونة، سيتم تخصيصه فقط لأموال المسنين. وهذا الأمر يضمن استقرار الرواتب التقاعدية الشهرية.
إلا أن التغيير الأهم هو الاستعدادات المالية التي لم تتم بعد. فالعجز الافتراضي في مؤسسة الضمان الاجتماعي لم تتم معالجته بعد. وكل المحاولات للتخفيف من العجز، من خلال رفع جيل التقاعد، باءت بالفشل. ومن دون رفع جيل التقاعد للنساء من 62 إلى 64 عاما، فإن وضعية مؤسسة الضمان الاجتماعي لن تتحسن.
ونذكر أنه في العام 2012، تم نشر تقرير الاستقرار المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعية، وبضمن توصياتها الأساسية، كان منع الحكومة والكنيست من اتخاذ قرارات من شأنها أن تزيد من العجز في مؤسسة الضمان. وأن كل قرار من شأنه أن يزيد العجز، عليه أن يضمن اجراء مقابلا لمنع العجز، إلا أن هذا التقرير أيضا لم يتم تنفيذه. ومن هذه الناحية، فإن إسرائيل ما تزال فاشلة في استعداداتها المالية.
نقطة ضعف هامة أخرى قائمة في استعدادات جهاز الصحة، إذ إن عدد المسنين أبناء أكثر من 75 عاما، يرتفع سنويا ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف شخص سنويا، وهذه الوتيرة من شأنها أن ترتفع خلال 5 سنوات إلى 20 ألف نسمة. وهذا ارتفاع سنوي، يشكل أربعة أضعاف ما كان حتى قبل بضع سنوات. وكما هو معروف فإن المسنين هم الأكثر استخداما للخدمات الصحية.
فماذا نعمل؟ وزارة الصحة تستعد، ولكن بحجم أقل من المطلوب. عدد الأسرّة في المستشفيات يرتفع، وبضمن ذلك اقامة مستشفى جديد في أسدود (في الجنوب)، وهناك تخطيط لمستشفيين جديدين في بئر السبع (في الجنوب) وفي منطقة خليج حيفا (في الشمال)، واضافة ملاكات وظائف لأطباء وممرضات، وبالأساس أطباء مختصين بأمراض الشيخوخة، وهو تخصص يواجه نقصا خطيرا في عدد الأطباء. اضافة إلى هذا، هناك مخططات تمريض بيتي، واقسام خاصة في المستشفيات.
وفي مجال أوقات الفراغ والتشغيل، فقد طرأ تقدم في اعقاب نشر تقرير لجنة خاصة. ووزارة المساواة الاجتماعية تطلق حملات لتشغيل المسنين، وتخصص لهذا موارد، لكن في المقابل لا يجري الحديث عن برامج من شأنها أن تُحدث انطلاقة جدية.
(عن صحيفة "ذي ماركر")