بعد نحو شهر يصل إلى إسرائيل وفد عن "المراقبة الدولية" FAFTE، وهي المنظمة الدولية التي تعمل لمنع تبييض الأموال وتمويل الارهاب. وكل أذرع الحكومة، وعلى رأسها سلطة منع تبييض الأموال، بإدارة شولاميت فيغمان، يعملون ليل نهار، من أجل أن تجتاز إسرائيل الفحص بنجاح. وإذا ما فشلت حاشا وكلا، فإن البنوك الإسرائيلية ستدخل إلى القائمة السوداء، ما سوف يؤثر على التجارة الإسرائيلية، والاقتصاد الإسرائيلي عامة، بشكل هدّام.
وعشية الزيارة، نشرت سلطة حظر تبييض الأموال تقريرا، يضع خارطة لكافة الأخطار الماثلة أمام إسرائيل في نشاط تبييض الأموال. وقد وضعت السلطة موضوعين أساسيين من أجل معالجتهما بشكل عاجل.
الأول، هو المصادقة على قانون تقييد حجم المدفوعات بالأموال نقدا، إذ أن كل الدول المتطورة تقريبا، مررت في السنوات العشر الأخيرة قوانين مشابهة، بينما إسرائيل هي من آخر الدول التي لا يوجد فيها تقييد كهذا.
والموضوع الثاني، وهو بالذات قيد العلاج، وحتى بوتيرة متسارعة: نشرت سلطة أسواق المال، برئاسة دوريت سلينغ، المراقبة الجديدة على سوق الاعتمادات المالية خارج البنوك، تقريرا حول منح رخص أولية، بموجب القانون الجديد للمراقبة على الخدمات المالية المنظمة، الذي أقره الكنيست قبل نصف عام. وتبين منه أن الشركتين المتداولتين في البورصة فانينسولا وناوي، وأيضا الشركتين الجديدتين فرفيد وسيلاريو، حصلوا على رخص لتقديم اعتمادات مالية. وهذه خطوة ممهدة لما هو أكبر سيكون لاحقا، تمهيدا لانهيار عام للسوق المالية السوداء في إسرائيل.
فحتى سن هذا القانون قبل نحو نصف عام، لم تكن هناك مراقبة لسوق الاعتمادات المالية، التي خارج قطاع البنوك، بما في ذلك السوق السوداء الخاصة. وعلى أساس هذا الواقع، استنتج طاقم وزاري برئاسة نائب المستشار القانوني للحكومة آفي ليخت، أنه في العام 2015، عمل في إسرائيل 2200 صراف ومقدمي خدمات مالية واعتمادات. وكان يقدر حجم الأموال المتداولة بـ 150 مليار شيكل. ويجري الحديث عن سوق محجوب عن الأنظار، وحجم نشاطه يعادل 10% من حجم نشاط البنوك.
وقد وقعت هذه المعطيات كالرعد في يوم صاف، إذ أنه لم يتوقع أحد حجم السوق السوداء في إسرائيل، وأن تكون بهذه الضخامة. وقد ساعدت هذه المعطيات على تمرير استنتاجات الطاقم الوزاري، بأن إسرائيل ملزمة بأن تراقب السوق السوداء. وكان التهديد بأنه في حال لم تفرض إسرائيل رقابة كهذه، فسيتم ادراجها ضمن القائمة السوداء للدول التي تسمح بتبييض الأموال وتمويل الارهاب، وهذا ما حفز الحكومة على الإسراع في سن القانون.
ومنذ ذلك الحين شرعت سلطة أسواق المال بفرض أنظمة الرقابة، ونشرت قائمة متطلبات من طالبي رخص العمل، بما في ذلك الافصاح عن مصادر الرأسمال الشخصي، وتقارير مالية منظمة، وتقارير من مراقب حسابات، وغيرها من الأمور. ويجري الحديث عن طلبات شرعية ومقبولة لسوق الاعتمادات، ولكنها اشكالية جدا، لمن يعمل طيلة الوقت بشكل ليس شرعيا، وبشكل خاص من يعمل بالسوق السوداء من أجل التغطية على تنظيمات الإجرام. وليس سرا أن السوق السوداء في إسرائيل، كانت طيلة الوقت ملعبا خلفيا لعائلات الإجرام، وهذا بسبب الأرباح الكبيرة جدا فيها، وأيضا لكون تصريف الأموال وصرف الشيكات، هو أحد أساليب تبييض الأموال.
في نهاية كانون الأول 2017، كان الموعد الأخير لتقديم طلبات الحصول على تراخيص من سلطة أسواق المال. ومن تحليل أجراه قسم أسواق المال في المعهد متعدد المجالات في هرتسليا، يتضح أن 938 جهة طلبت تراخيص من السلطات، وأن 99% من هؤلاء طلبوا تراخيص لتقديم اعتمادات مالية ليست بنكية. وهذا يعني أن صرافين سيتوقفون عن صرف شيكات، وتقديم اعتمادات مالية بشكل غير شرعي. كما أن 86% من طالبي التراخيص طلبوا تراخيص لتقديم اعتمادات بحجم اجمالي يصل حتى 25 مليون شيكل لكل جهة. و14% كان الحجم الاجمالي لاعتماد كل جهة منهم حتى 4 ملايين شيكل. وفقط 4 جهات طلبت تراخيص لتشغيل توفيرات للجمهور، وطلب واحد لإصدار بطاقات اعتماد.
كما يتضح من المعطيات أن قسما كبيرا من مقدمي طلبات التراخيص لتقديم اعتمادات مالية، ينشطون في المناطق البعيدة عن مركز البلاد. وهؤلاء عادة يقدمون قروضا لشرائح ضعيفة اقتصاديا، تواجه صعوبة في الحصول على قروض من البنوك.
وفقط أربعة من أصل 938 مقدمي الطلبات، حصلوا على تراخيص حتى الآن. وباقي الجهات ما تزال قيد الفحص، وتعمل بترخيص مؤقت. والأمر المثير في هذا المجال هو الانهيار الحاصل في عدد الجهات العاملة. ففي حين عمل في العام 2015 حوالي 2200 جهة، هبط العدد في العام 2016 إلى 1800. وهذا قبل أن يبدأ جهاز الرقابة بالعمل. وكان الانهيار الأكبر في مقدمي القروض السوداء. وبالإمكان الافتراض أن القسم الاكبر من الذين اختفوا من السوق هم التجار الصغار، الذين عرفوا مسبقا أنهم ما كانوا يستطيعون تلبية الشروط المطلوبة، فغادروا هذا القطاع مسبقا. لكن من جهة أخرى، فإن قسما كبيرا أيضا اختاروا النزول عن الواجهة لأنهم يرفضون تلبية الشروط.
ويقول داني مزراحي، مدير عام شركة "أوبل بلانس" العاملة في البورصة، لصحيفة "ذي ماركر": "أنا لست سوق سوداء. أنا أدير الشركة بشكل شرعي بالكامل. وتسمية "السوق السوداء" جاءت من البنوك، كي لا نمس بحجم عملها. لكن صحيح أنه في قطاع عملنا يعمل كثيرون ممن هم ليسوا مناسبين، وآن الأوان لإنهاء عملهم في هذا القطاع. وجيد أنه الآن توجد رقابة، ويتم وضع مقاييس واضحة للحصول على التراخيص، من أجل تنظيف هذا القطاع المالي".
إن الضرر الذي تسببت به الجهات الجنائية لسوق قطاع الاعتمادات اللا بنكية، ساهم في تسمية هذا القطاع بكنية "السوق السوداء"، وهذه حقيقة حازمة ليست قابلة للتشكيك. أما اليوم، مع تنظيم قطاع الاعتمادات هذا، واستبعاد الجهات الجنائية منه، فليس بالإمكان تسميته بتلك الكنية، خاصة بعد دخول جهاز الرقابة، والبدء بتنظيف القطاع من الجهات الجنائية، الأمر الذي سينقذ إسرائيل من الانتقاد الدولي من المنظمة العالية.
إن ترخيص هذا القطاع سيضعه على مسار المنافسة الشرعية للبنوك. وفي سلطة أسواق المال يقدّرون أن 90% من مقدمي طلبات التراخيص قادرون على تلبية كافة الشروط المطلوبة منهم للحصول على التراخيص. وأحد مؤشرات هذا الاستنتاج، هو الارتفاع بـ 350% في تقارير صرافين حول شكوك في حركات مالية لدى زبائن، إذ إن هذا مؤشر إلى رغبة الصرافين بالعمل بشكل منظم، في كل ما يتعلق بالشبهات لتبييض الأموال.
لكن حتى الآن، فإن غالبية طالبي التراخيص لم يستكملوا الشروط المطلوبة منهم، ولهذا يجب عدم الإسراع في استخلاص النتائج، فهذا يحتاج وقتا حتى نرى كيف يتقدم عمل جهاز الرقابة.
(عن "ذي ماركر"- بتصرف)