بيّن تقرير الفقر السنوي الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الإسرائيلية، عن العام الماضي 2014، أن الفقر سجل ارتفاعا طفيفا على المستوى العام، من 8ر21% بين الجمهور في العام 2013، إلى 22% في العام 2014، كما أن الفقر على مستوى العائلات سجل ارتفاعا شبيها من 6ر18% إلى 8ر18%. إلا أن ارتفاع الفقر بين العرب قارب 1%، وكذا ايضا بين المتدينين اليهود المتزمتين "الحريديم".
ويعزو التقرير هذا الارتفاع إلى تقليص مخصصات اجتماعية عدة في الثلث الأخير من العام 2013، إلا أن ذلك التقليص لم ينعكس على تقرير الفقر لذلك العام، كونه شهد انخفاضا بارزا في نسبة البطالة، وارتفاع نسب المشاركة في سوق العمل، كما أن نسبة النمو الاقتصادي كانت أعلى من تلك التي سجلها العام 2014.
وعلى خلفية هذا التقدير، فمن المتوقع أن يسجل تقرير الفقر عن العام الجاري 2015، ارتفاعا طفيفا آخر، ذلك لأن تقليص المخصصات بقي على حاله في هذا العام، بينما أقرت الموازنة العامة، للعام المقبل، رفع المخصصات إلى ما كانت عليه، تقريبا، قبل تقليصها.
وكما كان في العام السابق فإن تقرير الفقر توقف عن احتساب الفقر بما يشمل العرب في النقب، ويتركز التقرير على تقديرات بينهم. وهذا بزعم انه من الصعب اجراء مسح "دقيق" بين هذا الجمهور نظرا لطبيعة حياته، وضعف شبكة الهواتف الارضية هناك.
خط الفقر
ورفعت مؤسسة الضمان الاجتماعي خط الفقر للعام الماضي، بما يلامس نسبة 3%، بعد الأخذ بالحسبان سلسلة من ارتفاع الاسعار وكلفة الحياة، فرغم أن التضخم المالي سجل في العام الماضي 2014 نسبة "سلبية"، -2ر0%، إلا أن مستوى المعيشة سجل ارتفاعا بنسبة 8ر1%. وكانت بالنسبة للفرد الواحد 3077 شيكلا (793 دولارا وفق سعر الصرف الحالي)، وهو يزيد بنسبة 25% عن خط الفقر الأساسي للفرد الواحد، أما بالنسبة لعائلة من شخصين، فإن خط الفقر بات 4923 شيكلا (1269 دولارا)، وثلاثة أشخاص 6522 شيكلا (1680 دولارا)، وأربعة أشخاص 7876 شيكلا (2029 دولارا)، وخمسة أشخاص 9230 شيكلا (2379 دولار)، وستة أشخاص 10461 شيكلا (2696 دولارات)، وسبعة أشخاص 11691 شيكلا (3013 دولارا)، وثمانية اشخاص 12799 شيكلا (3299 دولارا)، وتسعة أشخاص 13783 شيكلا (3552 دولارا).
وحسب التقرير، فإن المعدل الفعلي لحصة الفرد في العائلة الواحدة في العام الماضي كان 4923 شيكلا، ما يعادل 1268 دولار، بينما حصة الفرد في العائلة الفقيرة كخط أعلى بلغ 2461 شيكلا ما يعادل 634 دولارا. في حين كما ورد هنا فإن نسبة عالية من الفقراء بقيت بعيدة حتى عن خط الفقر الأعلى، بعد أن تعمق الفقر بنسبة 10%، حسب ما أورده التقرير.
حقيقة الفقر
ويُظهر الجدول نسب الفقر قبل دفع المخصصات الاجتماعية، بمعنى الفقر بعد احتساب المداخيل العادية للعائلة والأفراد. وبعد ذلك نسب الفقر بعد تحويل المخصصات الاجتماعية، وأكبرها مخصصات الأولاد، التي تدفع لكل عائلة عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، وكما ذكر سابقا، فقد قلصتها حكومة بنيامين نتنياهو بنسبة 30% إلى 40% في الثلث الأخير من العام قبل الماضي 2013، ومن المفترض أن تعود إلى ما يقارب مستواها السابق ابتداء من الشهر الأول من العام المقبل الجديد 2016.
ونرى أن نسبة الفقر في العام الماضي 2014، قبل دفع المخصصات الاجتماعية، كانت على مستوى العائلات 1ر29%، وهذه عمليا النسبة الحقيقية للفقر، لأن المخصصات الاجتماعية ترفع الافراد والعائلات إلى حافة الفقر، وليس أكثر من ذلك. وبعد دفع المخصصات الاجتماعية، هبطت نسبة الفقر إلى 8ر18%، بمعنى أن المخصصات الاجتماعية رفعت 5ر35% من العائلات الفقيرة إلى خط الفقر، أو إلى فوقه بقليل.
لكن هذه النسبة ليست موحدة، وتشهد تفاوتا ضخما بين الفئات المختلفة، وخاصة بين اليهود والعرب، إذ "أنقذت" المخصصات 2ر45% من العائلات اليهودية الفقيرة، مقابل 8% فقط من العائلات العربية الفقيرة، وهذا يدل على عمق الفقر لدى العرب، فحسب تقرير العامين 2010 و2011، أنقذت المخصصات 11% من العائلات العربية، وفي العام 2012 "أنقذت" 5ر8%، ما يعني أن عمق الفقر يستفحل بين العرب، على الرغم من أن معدل الولادات لدى العرب في هبوط متواصل، وبفارق كبير عما كان قبل عامين، إذ أن معدل الولادات للأم العربية الواحدة حوالي 4ر3 ولادة، مقابل ما يقارب 6 ولادات في العام 1990.
وأعلى نسب الفقر لدى العرب وجدناها في القدس المحتلة، التي يدمجها التقرير ضمن التعداد السكاني الإسرائيلي، فقد بلغت نسبة الفقر بين الفلسطينيين هناك على مستوى العائلات 76%، وعلى مستوى الافراد 5ر79%، وعلى مستوى الأطفال 84%. وبالإمكان القول إن هذه النسب شبيهة ايضا بنسب الفقر بين العرب في صحراء النقب، الذين لا يشملهم مسح مكتب الإحصاء المركزي كما ذكر سابقا.
واللافت أن تقرير الفقر وللسنة الثانية على التوالي يعرض نسب الفقر في جدول مستقل، من دون فلسطينيي القدس الشرقية المحتلة منذ العام 1967، إذ تنخفض جميع معدلات الفقر، من 8ر18% مع فلسطينيي القدس، إلى 9ر17% من دونهم، ومن 22% على مستوى الأفراد مع فلسطينيي القدس إلى 2ر20% من دونهم. كما على مستوى الأطفال تهبط النسبة من 31% إلى 5ر28%، علما ان فلسطينيي القدس من ذوي هويات "مقيم" وليس "مواطنة كاملة" يشكلون أقل من 4ر0% من اجمالي السكان، حسب السجل السكاني الإسرائيلي.
وعلى مستوى المتدينين المتزمتين "الحريديم"، فقد كانت نسب الفقر بينهم أعلى بقليل من نسب العرب، 6ر52% على مستوى العائلات، و7ر59% على مستوى الجمهور و66% على مستوى الأولاد، وهذا بعد أن كانت المخصصات الاجتماعية قد "أنقذت" 17% من العائلات الفقيرة ورفعتهم إلى ما فوق خط الفقر بقليل، ما يعني أن الفقر بين العرب يبقى أشد عمقا.
ولكن قراءة نسب الفقر بين "الحريديم" تختلف عن غيرهم من الشرائح، فهذا الفقر ناجم على معدلات الولادة التي قل مثيلها في العالم، بمعدل 7 ولادات للأم الواحدة، ولكن ايضا ناجم عن الحياة التقشفية الإرادية لدى هذا الجمهور، وامتناع الغالبية الساحقة من رجالهم عن الانخراط في سوق العمل، إذ أن الحديث يجري عما بين 39% إلى 43% منهم ينخرطون في سوق العمل.
وعدا هذا، فإن سلة المشتريات والاستهلاك، التي يبلورها مكتب الإحصاء المركزي لغاية احتساب خط الفقر، لا تتلاءم كليا مع شكل استهلاك هذا الجمهور المتقشف اراديا، ولذا فإن احتساب الفقر على أساس هذه السلة ليس دقيقا تجاه هذا الجمهور.
من دون ضجة
صدر تقرير الفقر السنوي هذا العام أيضا، وحظي على الفور بساعات قليلة من ظهوره على مواقع الانترنت، وفي اليوم التالي بمساحات محدودة في الصحف الإسرائيلية، إلا أنه على المستوى السياسي، ورأس الهرم الحاكم، لم تصدر ردود فعل غير مألوفة، ولربما أن هذا يعود إلى ما قاله بنيامين نتنياهو قبل عامين: "لا يوجد فقر في إسرائيل"، وكان حتما يقصد ضعف نسب الفقر بين اليهود، وبشكل خاص بين اليهود من دون "الحريديم"، إذ كما ورد هنا فإن نسب الفقر بين اليهود شبيهة بمعدلات الدول الأوروبية المتطورة وخاصة نسب الفقر بين اليهود الأشكناز التي تعادل نسب الفقر في شمال أوروبا- أقل من 8%.