نشرت صحيفة"غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية في أواسط أيلول الحالي تحقيقاً حول صناعة الصواريخ في إسرائيل أشارت فيه إلى أنها تدرّ مليارات الدولارات.
وقال معدّ التحقيق، يوفال أزولاي، في مستهله إنه برغم أن خطوط إنتاج صناعة الصواريخ المزدهرة في إسرائيل موجودة تحت غطاء سميك من الكتمان والقيود الصارمة بموجب أحكام "هيئة حماية المعلومات"، لكن هناك حقيقة يعلمها الجميع: إنها تدرّ أموالاً طائلة. وبحسب تقديرات مسؤول يشغل منصباً كبيراً في شركة أمنية، تشكل صناعة الصواريخ ومشتقاتها ما بين ربع وثلث مجموع أنظمة الأسلحة التي تبيعها إسرائيل في كل عام (قدرت قيمة الصادرات الأمنية الإجمالية للعام 2014 بنحو 6ر5 مليار دولار).
وأضاف: أدركت شركة "الصناعات العسكرية الإسرائيلية" - "تاعس"- وهي شركة حكومية قبل أقل من عشرة أعوام إلى أين تهب الريح، وفي غضون أعوام معدودة بدلت كل خطوط إنتاجها تقريباً: وهي تشمل حاليا إنتاج قذائف صاروخية موجهة لسلاح المدفعية مثل: "رومَح"، "كيدون كسوم"، "إكسترا"، "نيتس دوريس" وغيرها من التي تحمل عشرات الكيلوغرامات من المواد الناسفة إلى مسافات تصل إلى عشرات الكيلومترات وما فوق، بدرجة عالية من الدقة. ويستخدم الجيش الإسرائيلي قسما من هذه الصواريخ في عملية بناء قوته النارية الدقيقة لسنوات. وبحسب الخبرة الماضية، بعد أن يشتري الجيش الإسرائيلي، ستأتي جيوش أخرى للشراء.
وتابع: بدأت قصة الصواريخ الدقيقة في أعقاب دروس مستفادة من حرب يوم الغفران (حرب 1973)، عندما اضطر الجيش الإسرائيلي إلى التعامل للمرة الأولى مع بطاريات صواريخ أرض - جو (دفاعات جوية). أطلق على الصاروخ الجوال الأول الاسم التوراتي "دليلة". وبقي مصنفاً كسريّ على امتداد سنوات، وفقط تسرّب القليل عنه إلى العلن. ومنذ تطويره لم يلح في الأفق تهديد كبير لحرية حركة سلاح الجو الإسرائيلي. وفي حرب لبنان الثانية أخرج صاروخ "دليلة" للمرة الأولى من مستودعات الذخيرة، واستخدم في ضرب أهداف نوعية في لبنان.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، أطلقت "سلطة تطوير الوسائل القتالية" ("رافائيل") التي كانت آنذاك وحدة تابعة لوزارة الدفاع، صاروخ "تموز" الذي بقي سراً مكتوماً لما يقارب عقدين من الزمن. ويصل مدى الضرر الذي يلحقه صاروخ "تموز- 2" إلى مسافة 12 كيلومتراً تقريباً. وحقيقة أنه لا يصدر صوتا تكسبه عنصر المفاجأة. وهو مزود بكاميرا ترسل الصور الملتقطة بالزمن الحقيقي.
وبحسب طال عنبار، رئيس "معهد فيشر لدراسات استراتيجيا الجو والفضاء" (في مركز هرتسليا)، "صمم صاروخ تموز لتدمير المدرعات السورية في حال نشبت حرب شاملة. لكن بعد أن أصبح احتمال حرب كهذه ضعيفاً، حوّل الجيش الإسرائيلي صاروخ "تموز" لحل مشكلات عملانية، مثل ضرب خلايا إطلاق صواريخ". ونظراً إلى واقع عدم الاستقرار الأخير، انتهى الأمر بالجيش الإسرائيلي إلى استخدام صواريخ "تموز" ضد سورية، لكن ليس في إطار حرب شاملة، وليس ضد دبابات: لقد استخدمت صواريخ "تموز" لضرب أهداف في سورية رداً على "انزلاق" نيران باتجاه إسرائيل جرّاء المعارك الدائرة بين جيش الأسد والمتمردين. وفي وقت سابق، استخدم الجيش الإسرائيلي صواريخ "تموز" أيضاً في حرب لبنان الثانية وفي مواجهات في قطاع غزة ضد خلايا إطلاق صواريخ.
وقال التحقيق إن اسم صاروخ "تموز" يرتبط بذكرى أليمة للغاية للجيش الإسرائيلي: ففي تشرين الثاني 1992، كانت قوة تابعة لوحدة "سييرت متكال" تتدرب في قاعدة "تسيئيليم" في النقب على عملية تصفية صدام حسين. وكانت العملية ستنفذ بواسطة صواريخ "تموز- 2" التي كانت حينها حديثة وسرية للغاية، لكن حدث خطأ أدى إلى جعل التمرين "البري" مضرجاً بالدماء: أطلق صاروخان من طراز "تموز" باتجاه القوة الإسرائيلية وسقط خمسة جنود قتلى في ثاني كارثة تقع في قاعدة "تسيئيليم".
وأضاف: سمح الاستخدام العملاني على نطاق واسع لصواريخ "تموز" في حرب لبنان الثانية بخفض مستوى تصنيفها كسريّة. وتم منح شركة "رافائيل" الإذن بوضع هذا الصاروخ في صدارة واجهتها وبعرضه للبيع على جيوش العالم. وبالمناسبة، لا تقل وسيلة إطلاق صاروخ "تموز" خداعا وحنكة عن الصاروخ نفسه، وقد سمح بنشر معلومات عنها قبل بضعة أسابيع فقط: والمقصود هو أشبه بدبابة تدعى "بيري" تبدو كأنها دبابة عادية، بحيث لا يمكن رصدها كنظام إطلاق متطور.
وقال إن الطراز الأحدث من مجموعات الصواريخ هذه هو "تموز- 5" الموجه والمضاد للدبابات واسمه التجاري في العالم هو "سبايك". وتتهافت جيوش في العالم على شراء صواريخ "سبايك" الإسرائيلية: فأكثر من عشرين دولة اشترتها حتى الآن منها كوريا الجنوبية، وإسبانيا، وإيطاليا، وبولندا، وفنلندا، وهذه قائمة جزئية فقط. وقبل نحو عام، قررت وزارة الدفاع الهندية أن تشتري من "رافائيل" ما لا يقل عن ثمانية آلاف صاروخ "سبايك" وما يقارب 300 منصة لإطلاقه، وذلك من أجل تطوير قدرة قواتها المنتشرة على حدود باكستان في إقليم كشمير. وتبلغ قيمة الصفقة نحو 2 مليار شيكل [أكثر من 500 مليون دولار]. والخاسر الأكبر في تلك الصفقة كانت شركة "لوكهيد- مارتن" الأميركية التي حاولت بيع الهند صواريخ "جافلين" من إنتاجها. وهذه قصة مهمة بحد ذاتها، لأن الأميركيين لا يسمحون دائماً لأنفسهم بخسارة مثل هذه الصفقة الكبيرة مع الهند. وعلى سبيل المثال، فإن منظومة "العصا السحرية" المصممة لاعتراض صواريخ حزب الله كان من المفترض أن تباع لوزارة الدفاع البولندية؛ لكن كانت هذه مرحلة قال فيها الأميركيون "حتى هنا، كفى". وبحسب مصادر إسرائيلية، رفعت سماعة هاتف في واشنطن ودوى رنينها في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، وأُقصيت "رافائيل" عن صفقة الأحلام.
وبحسب مسؤول في شركة أمنية: "ضخ الأميركيون الكثير من الأموال في تطوير منظومة العصا السحرية، وأشركوا فيها شركة رايثيون. وتبعاً لذلك، كان من السهل عليهم وضع فيتو على هذه الصفقة. وليست هذه المرة الأولى، فهناك حالات أخرى كانت شركات إسرائيلية على وشك بيع أنظمة أسلحة إلى دول مختلفة، لكن الأميركيين منعوا ذلك. لم يقولوا دائماً لا بشكل صريح، لكن أدت مجموعة من الظروف إلى تبخر الصفقات وزوالها".
وبالمناسبة، سوف يجري إدماج منظومة "العصا السحرية" في إسرائيل بواسطة المساعدة المالية التي تقدمها الولايات المتحدة. وقد ضخ الأميركيون أكثر من مليار دولار في تطوير منظومة "القبة الحديدية" التي أصبحت عملانية في نهاية العام 2012 واعترضت أكثر من ألف صاروخ أطلق باتجاه إسرائيل. و"القبة الحديدية" مصممة لاعتراض قذائف صاروخية قصيرة المدى، وإن كان جرى تعديل تصميمها وإطالة نطاق فعاليتها بشكل ملحوظ؛ و"العصا السحرية" مصممة للتصدي لتهديدات متوسطة المدى؛ وأعلى منها هناك منظومات صواريخ "حيتس- 2" من إنتاج الصناعات الجوية الإسرائيلية. وتسعى المؤسسة الأمنية هذا العام إلى أن تعلن أن منظومة "حيتس- 3" باتت عملانية، الأمر الذي سيوفر لإسرائيل القدرة على أن تعترض في الجو صواريخ تحمل رؤوسا غير تقليدية.
وبموجب التحقيق، سيضاف إلى كل هذا في المستقبل صواريخ "باراك- 8" التي تطورها الصناعات الجوية الإسرائيلية بالتعاون مع وزارة الدفاع الهندية، في صفقة تدفع فيها الهند لإسرائيل أكثر من 5 مليارات شيكل. وينتظر الصناعات الجوية عمل كبير على هذا الصاروخ، ويعلّق سلاح البحر الإسرائيلي عليه آمالا كبيرة لأنه يفترض فيه أن يكون الرد المطلق على صواريخ "ياخونت" الروسية، وهي صواريخ أرض- بحر تفوق سرعتها سرعة الصوت، وقادرة على التملص من الرادارات، وموجودة على ما يبدو في حوزة حزب الله، وهي قادرة على إصابة أي هدف بحري: منصة غاز طبيعي، زورق صواريخ، سفينة تجارية أو مرفأ.
ولقد صمم صاروخ "باراك- 8" كي يؤمن غطاء دفاعياً لسفن ملاحية أو بنى تحتية حيوية في البحر، ويفترض فيه أن يؤمن لها أيضا دفاعات ضد هجمات جوية، أو ما يشبه هذه الهجمات من جانب سفن العدو. ويقول يوسي فايس، مدير عام الصناعات الجوية الإسرائيلية: "في مشروع باراك- 8 نحن نلامس حدود التكنولوجيا، سواء من ناحية أجهزة الرادار القوية التي ترافق المنظومة أو من ناحية رأس التوجيه الذاتي وقدرات المناورة لهذه الصواريخ."
ويختم كاتب التحقيق: إن هذه الصواريخ الاعتراضية هي صواريخ ذكية، لكن كلفتها تبلغ عشرات أضعاف كلفة الصواريخ التي هي مصممة لاعتراضها. فإن "تامير"، وهذا اسم الصاروخ الاعتراضي في منظومة "القبة الحديدية" الذي تراوح كلفته بين 50 ألف دولار و60 ألف دولار، مصمم لاعتراض صواريخ تقدر كلفتها ببضع مئات الدولارات؛ ومن المتوقع أن تبلغ كلفة "ستانر"، الصاروخ الاعتراضي في منظومة "العصا السحرية"، أكثر من مليون دولار للقطعة الواحدة. وفي حالتي "حيتس- 2" و"حيتس- 3" فالكلفة أعلى. لكن "هذا لا شيء مقابل الضرر الذي تمنعه هذه الصواريخ على صعيد الممتلكات والأرواح البشرية"، بحسب ما يقول أورون أوريول من شركة "رافائيل".
ومع ذلك، عندما يطرح السؤال الذي دار خلال الأعوام الأخيرة في النقاش العام: لماذا على إسرائيل أن تحتفظ برد دفاعي مكلف إلى كل هذا الحد في مواجهة تهديد صاروخي رخيص إلى كل هذا الحد؟، يردون في شركة "رافائيل" بالحجة التالية: "أليس هذا مثل إلباس مقاتل سترة مضادة للرصاص تكلف آلاف الشواكل كي تحميه من رصاصة بندقية بقيمة نصف شيكل أو شيكل كحد أقصى".