المشهد الاسرائيلي: ننشر هنا تعليقًا ومقالا يتناولان موضوع مراقبة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وهو موضوع طفا على سطح السجال الإسرائيلي مؤخرًا في ضوء تصاعد الجدل حول دور الجيش والمؤسسة الأمنية عمومًا في حسم القرارات السياسية الإسرائيلية المصيرية، خصوصًا تلك المتعلقة بمستقبل النزاع مع الفلسطينيين
المشهد الاسرائيلي: ننشر هنا تعليقًا ومقالا يتناولان موضوع مراقبة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وهو موضوع طفا على سطح السجال الإسرائيلي مؤخرًا في ضوء تصاعد الجدل حول دور الجيش والمؤسسة الأمنية عمومًا في حسم القرارات السياسية الإسرائيلية المصيرية، خصوصًا تلك المتعلقة بمستقبل النزاع مع الفلسطينيين.
"تواطؤ" الكنيست مع غياب الرقابة البرلمانية على المؤسسة الأمنية
بقلم: رؤوبين بدهتسور(*)
إسرائيل، خلافا لكل الديمقراطيات الأخرى، تتميز بالغياب المطلق تقريبا للرقابة البرلمانية على جهاز الأمن. لا توجد دولة ديمقراطية أخرى في العالم تعمل فيها المؤسسة العسكريةـ الأمنية بصورة ذاتية كاملة من دون أن تكون هناك محاولة حقيقية، ولو شكلية، لمراقبة ما يحدث فيها.
هذا الشيء يحدث في قضايا الميزانية الأمنية والدفاعية وهيكلية الجيش وتطوير الأجهزة القتالية وشراء المعدات العسكرية والنظرية القتالية ورواتب الجنود النظاميين وتعيين الضباط الكبار وغيرها من القضايا ذات التأثير الحاسم على مستقبل الدولة وهيكلية الاقتصاد وشخصية المجتمع الإسرائيلي.
في غياب الرقابة الخارجية ليس من الممكن منع حدوث الأخطاء التي تؤدي إلى الإخفاقات والإنفاقات المالية على تطوير الأجهزة القتالية غير الضرورية، وليس من الممكن مراقبة الميزانية الأمنية التي تقضم جزءاً كبيرا من الميزانية القومية العامة بنسبة تفوق مثيلاتها في كل الدول الغربية بعدة أضعاف.
غياب الرقابة البرلمانية لم يغب عن أعين أعضاء الكنيست بطبيعة الحال، إلا أنهم مستعدون للتسليم به وقبوله. "أنا اسأل نفسي دائما هل توجد رقابة مدنية ملائمة على الجيش وجهاز الدفاع، فأستنتج بأنها غير قائمة... وهذا الأمر يتحمل مسؤوليته أعضاء الكنيست الذين اعتادوا التغطية على كل حادثة تُلم بهذا الجهاز"، هذا ما قاله عضو الكنيست دان تيخون في تحليل جيد للمعضلة عندما كان عضوا في لجنة الخارجية والأمن. إلا أنه مثل رفاقه الآخرين في اللجنة لم ينو التحرك من أجل تغيير ذلك. أعضاء الكنيست المشاركون في اللجنة يواصلون جموديتهم أمام الجيش.
"نحن مضطرون للاعتماد على هيئة الأركان العامة طبعا، أوضح عضو الكنيست يسرائيل كرغمان، الذي كان رئيسا للجنة المالية في السابق، عندما تقول لنا إن هناك حاجة لإضافة صواريخ أو دبابات... ذلك لأننا لا نفهم في هذه المسألة أصلا" . صحيح أن عدة عقود قد مرّت منذ فترة عضو الكنيست كرغمان، إلا أن كل خلفائه في المنصب ما زالوا يسيرون على نفس النهج.
وعليه، فقد جاء رئيس الكنيست رؤوبين ريفلين ورئيس لجنة الخارجية والأمن يوفال شتاينيتس وعينا اللجنة الشعبية لدراسة الرقابة البرلمانية حول جهاز الدفاع وطرق تحسينها من أجل اقتراح امكانية أخرى بديلة. منذ مدة وجيزة قدمت اللجنة برئاسة البروفيسور أمنون روبنشتاين تقريرها الذي لا يتضمن أية بشائر، ويا للأسف. أعضاء اللجنة ومن بينهم قائدا أركان سابقان (أمنون ليبكين شاحاك ودان شومرون) والبروفيسور يافا زلبرشيتس من جامعة بار ـ ايلان وعضوا الكنيست ميخائيل ايتان وابراهام بورغ قالوا إن عملية الرقابة (في لجنة الخارجية والأمن) هي جزئية وغير سليمة وعشوائية، إلا أنهم يعودون ويؤكدون خلاف ذلك بصورة مرهقة ومملة على القوالب والكليشيهات الجاهزة المعروفة، ولا يُحللون الأسباب الحقيقية لانعدام الرقابة.
المشكلة لا تكمن في عدم توفر وسائل الرقابة لدى أعضاء اللجنة. هذه الوسائل متوفرة وسارية، إلا ان أحدا لا يقوم باستخدامها. أعضاء لجنة الخارجية والأمن لا يريدون، ببساطة، أن يراقبوا العملية لأنهم يتبنون مبادىء ثقافة الأمن الإسرائيلية القائلة إن الرقابة على جهاز الدفاع عموما والجيش خصوصا قد تمس بأدائه لمهماته. وهكذا لم تقم لجنة الخارجية والأمن أبدا بطرح موقف بديل للمواقف التي يطرحها الجيش. ولم تقم أبدا بالدفع نحو تغيير سياسة الجيش وطريقة عمله وهيكليته أو تسلحه. من المذهل أن نكتشف أن هذه اللجنة لم تنشر أي تقرير علني واحد حول قضايا الأمن القومي منذ أن شكلت. اللجان المناظرة لها في الدول الغربية مثل أميركا وبريطانيا مثلا، تنشر عشرات التقارير في السنة الواحدة.
وماذا يقترح روبنشتاين ورفاقه؟.
"إننا نوصي بإحداث انعطافة فكرية في كل ما يتعلق بصلاحيات هذه الرقابة. حتى يُتاح للكنيست، ولو من خلال لجنة من لجانه أيضا، تطبيق مبادىء الرقابة المعمول بها في الكنيست بصدد أعمال السلطات التنفيذية. ولذلك يتوجب أن يكون في لجنة الخارجية والأمن مستوى رقابة أكثر كثافة وشدة من أية لجنة أخرى في الكنيست". هذا هو جوهر الأمور الواردة في تقرير اللجنة الضحل والمبسط بدرجة مثيرة للاستغراب.
لجنة روبنشتاين توصي بإنشاء لجنة جديدة مشتركة بين لجنة الخارجية والأمن ولجنة الدستور والقانون "لمعالجة قضايا القانون وحقوق الإنسان في المناطق المدارة". وكأن المشكلة هي غياب جسم يعكف على متابعة ما يحدث في المناطق وليس "فِرار" أعضاء الكنيست من التوقف عند الحرب الدائرة هناك. لا أعلم بوجود نقاش جدي واحد في لجنة الخارجية والأمن حول القتال الدائر في المناطق بهدف التأثير على سياسة الجيش في هذه القضية. اللجنة قالت في معرض تطرقها لميزانية الدفاع "إننا قد تعلمنا أن الرقابة على الميزانية المقترحة في حدها الأدنى". إلا أنهم يكتفون مرة أخرى بتوصية لتغيير الهيكلية من خلال تشكيل لجنة خاصة من لجنة الخارجية والأمن "لتلقي المعلومات حول المشاريع المتعددة السنوات"، ولكنهم يتناسون أن هناك لجنة خاصة لميزانية الدفاع شُكلت منذ سنوات وقد تميزت منذ تشكيلها بالدعم التام لمطالب الجيش وزيادة ميزانيته.
تقرير لجنة روبنشتاين قوبل باللامبالاة ليس فقط في الكنيست وإنما في وسائل الإعلام أيضا. إذا تطرقنا لمضمونه ـ يجب ان نقول بأسف إن هذه اللامبالاة جاءت في موقعها الصحيح. فليست توصيات هذا التقرير هي التي ستقود إلى التغيير الضروري جدا.
(*) أستاذ جامعي متخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية
مراقبة المؤسسة الأمنية
بقلم: أفيعيزر يعاري (*)
مدخل
مرّ مجال مراقبة المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) ولا يزال يمرّ بتغييرات تتجوهر في توسيع الرقابة وتعميق نفاذها وتغلغلها داخل المؤسسة.
والمؤسسة الأمنية هيئة مركبة تشمل عدداً كبيراً من المؤسسات والهيئات الدنيا، ولغاية العام 1987 كانت هناك مجالات– مواضيع وهيئات في المؤسسة الأمنية خارج نطاق الرقابة. لكن في ذاك العام قام رئيس الوزراء، إسحق شامير، بتغيير هذه السياسة وذلك في أعقاب قضية (فضيحة) الحافلة رقم 300، مؤكداً على وجوب خضوع سائر الهيئات والأجهزة الأمنية للمراقبة، ولا يزال تطبيق هذا القرار مستمراً حتى الآن لا سيما وأن الحديث يدور عن عملية طويلة تواكبها أحياناً خلافات في الرأي وسوء تفاهم، لكن المعارضة لها بدأت تخف بمرور الوقت، وصارت المراقبة، رغم سيرها البطيء، تنفذ إلى كل مكان.
والجدير بالإشارة أن هناك فرقًا بين مفهوم الرقابة ومفهوم المراقبة. فالرقابة تعني الإشراف على عملية أو معطيات بغية ضمان عمل سليم. في المقابل فإن المراقبة هي آلية أو إجراء أوسع يتناول أيضاً مضمون وسياسة تفعيل العملية.
وتشمل المراقبة والرقابة في المؤسسة الأمنية أربع هيئات إشراف وهي: الحكومة، الكنيست، مراقب الدولة والمراقب الداخلي.
هذا المقال سيركز، بعد تعريج سريع على الهيئتين الأوليين (الحكومة والكنيست)، على مناقشة دور الهيئتين الأخيرتين، مراقب الدولة والمراقب الداخلي.
هيئات الرقابة على المؤسسة الأمنية
في الحوار بين المستويين السياسي والعسكري يضطلع الإشراف، الذي يتم بواسطة آليات المراقبة والرقابة، بدور مركزي. وتسهم كل هيئة من هيئات الإشراف والمراقبة، طبقاً لطابعها الخاص. فالحكومة ترسم السياسة الأمنية وتوجه وتحدد طرق التنفيذ وتشرف على الأجهزة الأمنية في نطاق مهمتها كهيئة عليا في السلطة التنفيذية. ويقع ضمن صلاحيات الحكومة إعلان الحرب وإدارتها وتحديد التسويات السلمية. وتمارس الحكومة عملية الرقابة على المؤسسة الأمنية بواسطة خمس هيئات، أولها الحكومة بكامل هيئتها باعتبارها المسؤولة عن تعيين (أو إقالة) رئيس هيئة الأركان العامة للجيش ورؤساء أجهزة الأمن والاستخبارات. ومن صلاحية الحكومة بهيئتها الكاملة مناقشة أي موضوع له صلة بالإشراف على المؤسسة الأمنية. الهيئة الثانية هي اللجنة الوزارية لشؤون الأمن ومهمتها تحديد السياسة الأمنية وخطوط العمل ومتابعة وضعها موضع التنفيذ. الثالثة والرابعة هما وزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء، المخولان بإصدار الأوامر وبمراقبة المؤسسة الأمنية. أما الهيئة الخامسة فهي مجلس الأمن القومي، الذي ورغم أهميته الكبيرة والتوصيات المتكررة بشأنه على مدى سنوات طوال، لم تترسخ مكانته بعد.
وتتولى الكنيست وضع القوانين المنظمة لمكانة ونشاطات أجهزة المؤسسة الأمنية وتراقب إقامتها وتمويلها وسير عملها، وهي (الكنيست) تمثل بذلك إرادة السلطة التشريعية وإرادة الناخب.
تراقب الكنيست المؤسسة الأمنية بواسطة ثلاث هيئات: الأولى الهيئة العامة الكاملة للكنيست التي تسن القوانين المنظمة لنشاطات الجيش مثل "قانون أساس الجيش" وقانون الخدمة العسكرية وقانون القضاء العسكري. والثانية هي لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست والرابعة لجنة مراقبة الدولة.
هذه الأمور لا يمكن أن تنفذ كما يجب بدون معرفة عميقة بما يجري داخل أجهزة الأمن أو دون إلمام بالمسائل الجوهرية والملموسة، ودون وجود الهيئات التي تشرف على إصلاح وتصحيح الثغرات والأخطاء التي تتكشف في أجهزة وعمل المؤسسة الأمنية. هذا الدور تضطلع به هيئات الرقابة، مكتب مراقب الدولة الذي يقدم تقريراً للكنيست، والمراقبون الداخليون الذين يقدمون تقارير لرؤسائهم.
بالإضافة إلى مراقبة الحكومة والكنيست هناك هيئتان أخريان للرقابة وهما: الشعبة الخاصة في مكتب مراقب الدولة والمسؤولة عن مراقبة المؤسسة الأمنية، والمراقب الداخلي في المؤسسة الأمنية (في وزارة الدفاع). هاتان الهيئتان ستكونان محور موضوعنا.
أوجه الشبه والاختلاف بين الهيئتين
هناك تشابه بين مجالات عمل مراقب الدولة ومراقب المؤسسة الأمنية، يصل أحياناً إلى حد التطابق التام ولهذا السبب ثمة حاجة للتنسيق بينهما.
ويرتكز التنسيق إلى فرضيتين بدهيتين: الأولى عدم القيام بعملية مراقبة للجهاز الذي خضع في السنة ذاتها لمراقبة الهيئة الأخرى. والثانية، عندما ترى إحدى الهيئتين أهمية أو إلحاحية في مسألة معينة، فإن الهيئة الأخرى مدعوة لتمكين الأولى من العمل والتصرف.
وكمثال على تجسيد هذه الفرضية – المسّلمة، ما قام به مراقب الدولة عام 1988 من مراقبة ونقد لعملية إعادة تنظيم وتحديث القوات في سلاح البحرية. فقد تحرى المراقب الأسباب التي جعلت قرار تحديث القوات يستغرق قرابة العشر سنوات. وكان المراقب الداخلي قد رأى، في أعقاب القرار، أهمية لمواصلة مراقبة إبرام العقود لشراء قطع بحرية وعمليات تنفيذ الطلبيات لغاية وصول القطع البحرية إلى البلاد.
وفي المرحلة التالية تقرر أن يواصل مراقب الدولة تفحص عملية تركيب المعدات التنفيذية على القطع البحرية والتي نفذت أعمالها بشكل أساسي من قبل الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهي هيئات تخصص مراقب الدولة في مراقبتها.
يبين تفحص القوانين الموجهة لعمل هيئتي الرقابة المذكورتين- "قانون أساس: مراقب الدولة" و"قانون الرقابة الداخلية"- أن ثمة تشابهًا بينهما أيضاً. فالهيئتان مخولتان بتفحص قانونية ونجاعة وادخار ونزاهة الهيئات والمؤسسات المراقبة. ويتمتع مراقب الدولة بصلاحيات أوسع من المراقب الداخلي، ولذلك فقد نصّ "قانون أساس مراقب الدولة" على أن مواضيع الرقابة تشمل أيضاً "أي موضوع آخر يراه المراقب ضرورياً".
هناك من يقول إن التطابق بين هيئتي الرقابة كبير جداً، بل وأكثر من الحد اللازم، ويشكك هؤلاء في مدى المساهمة الخاصة لمراقب الدولة في مراقبة المؤسسة الأمنية. فيما يرى آخرون أنه يجب إقامة تمييز أوضح بين مجالات الرقابة المختلفة لهيئتي الرقابة وعلى سبيل المثال التمييز بين مواضيع جوهرية ومبدئية وبين المواضيع المتعلقة بعمليات التنفيذ الروتينية. غير أن من الصعب جداً تحديد ما يجب أن يشمله مفهوم "موضوع جوهري". علاوة على ذلك فإن مراقب الدولة، بكونه ممثلاً للجمهور، هو بمثابة "عين عامة" ولذلك فإن من الأهمية بمكان أن يستمر في مراقبة أي موضوع في المؤسسة الأمنية. إلى ذلك، فإنه لا مجال لتقليص الرقابة نظراً لأن هناك دوماً ثغرات ونواقص تعتري الفحوصات والتحريات التي تجريها هيئات المراقبة.
على الرغم من التشابه الكبير، ظاهرياً، بين الهيئتين، إلاّ أن هناك عدة فروقات واختلافات مبدئية بينهما.
الأول، يكمن في أن مراقب الدولة يتمتع باستقلالية بموجب القانون ولا يخضع للحكومة. في المقابل فإن مراقب المؤسسة الأمنية، كسائر المراقبين الداخليين، يخضع لمسؤولية من يترأس جهازه، أي لوزير الدفاع. ويدين المراقب الداخلي بالولاء لرئيسه أو المسؤول عنه، وهو عضو في محفل هيئة الأركان العامة وطاقم وزير الدفاع. صحيح أن هذه الصلات القريبة تتيح للمراقب الإلمام بالخطط والإجراءات والقواعد (قواعد العمل)، لكنها تجعله في الوقت ذاته عرضة لضغوط ممكنة. إلى ذلك فإن ثمة فرقًا حتى في نطاق مجالات المراقبة. فنطاق معالجة مراقب الدولة، وخلافاً لمراقب الهيئة الأمنية (الداخلي)، يشمل جميع الهيئات والأجهزة التابعة للمؤسسة الأمنية، أي المؤسسات والدوائر الأمنية الخاضعة لوزارة الدفاع إضافة إلى الهيئات والدوائر التي تتبع مكتب رئيس الوزراء. وهناك فارق، اختلاف، آخر وهو خطة المراقبة الخاصة بمراقب الدولة، والتي يحددها بنفسه دون تدخل من طرف آخر، باستثناء حالات تتوجه فيها لجنة مراقبة الدولة إليه بطلب لمراقبة مسألة معينة كما حدث مثلاً في مسألة فحص حادث "تسئليم ب". في المقابل فإن خطة عمل المراقبين الداخليين توضع من قبل المسؤولين عنهم.
وتشكل مسألة الجهة التي يقدم لها المراقب تقاريره الفارق الجوهري الثالث بين مراقب الدولة والمراقب الداخلي. فمراقب الدولة يقدم التقارير عن عمله واستنتاجاته إلى الكنيست والجمهور، وأولاً لممثلي الجمهور، والمقصود لجنة مراقبة الدولة التابعة للكنيست والتي تبت في شأن أجزاء التقرير التي يجب أن تبقى سرية، والأجزاء التي يمكن نشرها.
في المقابل فإن المراقب الداخلي يقدم تقاريره فقط للوزير أو المسؤول المكلف وللهيئات التي تخضع لعملية الرقابة في مؤسسته، وتبقى تقارير المراقبة سرية وبعيدة في معظمها عن أنظار الجمهور.
هيئات الرقابة وقدرة التطبيق
تحتل مسألة قدرة المراقب على التطبيق أو الإلزام أهمية مركزية، إذ ما فائدة المراقبة إذا لم يجر تطبيقها وترجمة نتائجها. وفي الواقع، فلا شك في أن للمراقبة في إسرائيل تأثيرًا حاسمًا على عملية تحسين وتفعيل أداء الهيئات والمؤسسات الخاضعة للمراقبة، على الرغم من أن المراقب لا يمتلك أدوات إلزام وتطبيق ومحاسبة بموجب القانون (ما عدا في حالات تمويل الأحزاب وهو مجال لا يمت لموضوعنا بصلة).
فكيف تطبق الرقابة إذاً؟.
هناك عدة طرق ووسائل في هذا الصدد. أولاً، يقوم المراقب بعملية مراقبة معادة (ثانية) يتابع في نطاقها الهيئات التي راقبها في الماضي. ثانياً، تمتلك لجنة رقابة الدولة وكذلك اللجنة الوزارية للإدارة في مكتب رئيس الحكومة صلاحية الفحص والتفتيش على الهيئات التي خضعت لعملية المراقبة والتحقق فيما إذا كانت الثغرات والنواقص قد أصلحت. ثالثاً، يلزم القانون المراقبين الداخليين بالتحقق من تصحيح وإصلاح الأخطاء والثغرات التي وجدها المراقب.
وبالإضافة إلى هذه الوسائل، فإن لوسائل الإعلام أيضاً دورًا هامًا إذ باستطاعتها ممارسة ضغط للكشف عن أوجه الخلل والثغرات وتصحيحها. وتعتبر وسائل الإعلام عاملاً ذا قوة تأثير هائلة على ميل الهيئات والمؤسسات المراقبة لتصحيح الأخطاء والنواقص. وكل ذلك صحيح ولا غبار عليه، ولكن بدون التعاون من جانب الوزراء والمدراء والموظفين يمكن أن تبقى مساهمة الرقابة هامشية.
مواضيع الرقابة الأساسية
إن لتحديد المواضيع المركزية الجديرة بالرقابة أهمية بالغة ذلك لأن هذا الأمر يمنع تشتت وبعثرة الطاقات ويتيح حشد واستقطار الجهود. ومن المواضيع البارزة: جهوزية الحرب لأحوال طارئة، أهلية واستعداد الوحدات العسكرية، عمليات تطوير الأسلحة والذخائر، عمليات التخطيط السنوي والمتعدد السنوات، عمليات مشتريات السلاح والمعدات، استكمال وتفعيل نظريات القتال، عمليات استيعاب الطاقة البشرية وتأهيلها، النظام والانضباط، ميزانية الأمن وميزانيات الهيئات والأجهزة الأمنية.
وتشمل هذه القائمة مواضيع من اختصاص رقابة الدولة كالميزانيات والأجهزة الأمنية، إضافة إلى مواضيع من اختصاص المراقبة الداخلية كالجاهزية والتفتيش المفاجىء في الوحدات.
الجاهزية للحرب ولحالات الطوارىء: يتم في هذا المجال تحري درجة الجهوزية وسرعة الرد لدى الوحدات والأطر المختلفة كما تجري مراقبة عمليات التحضير والتهيئة التي تحتاج لوقت طويل: هل تستجيب الوحدات المختلفة لمتطلبات الجاهزية التي حددت لها ولعمليات استكمالها سواء أكان الأمر يتعلق بمستودعات الطوارىء أم بقسم الاستخبارات أو أية هيئة مركزية أخرى؟
وكمثال على هذه المسألة، مراقبة جاهزية واستعداد جهاز حالات الطوارىء، وهو جهاز يغطي سائر التجمعات السكانية وجميع وزارات الحكومة تقريباً ويشمل الكثير من المصانع والمنشآت والخدمات ولذلك فإن عملية استعداده وجاهزيته تحتاج لوقت طويل جداً.
أهلية الوحدات: على عكس البند السابق، فإن موضوع أهلية الوحدات يتعلق بالعمليات العميقة التي تشمل جميع المراحل، من مرحلة تخطيط وإقامة الوحدة وحتى مرحلة تحولها إلى وحدة تنفيذية.
وتتحرى الرقابة في هذا المجال جوانب مختلفة منها قرارات إقامة الوحدات – تشكيلها، قوامها، تسلحها، والبنى اللازمة لتفعيلها وإلى أي حد جرى التخطيط بشكل سليم وبالصورة المطلوبة.
ويجري هذا النوع من المراقبة على سبيل المثال في سلاح الجو في عملية استيعاب أسراب الطائرات الجديدة وعملية دمج دبابة "مركفاه 3" في سلاح المدرعات.
عمليات تطوير السلاح والذخيرة: يتعين على المراقب التركيز على مسألة نجاعة العملية الشائكة لتطوير وإنتاج منظومات السلاح والذخيرة، والتركيز على إدارة مراحل التطوير وانتظام التجارب ومراحل استيعاب هذه المنظومات كسلاح تنفيذي. هناك مسألة حساسة تتعلق بقرارات وقف مشاريع معينة، وفيما إذا اتخذت هذه القرارات في الوقت المناسب؟ وكمثال، ففي غضون العقد الممتد من 1985 حتى 1995 تم إلغاء مشاريع بحجم (تكلفة) يزيد عن نصف مليار دولار، عدا عن مشروع طائرة "لافي" الذي قدرت تكلفته بأكثر من مليار دولار.
عمليات التخطيط السنوي والمتعدد السنوات: تنصب مراقبة عمليات التخطيط على منهج التخطيط وطرق إتخاذ القرارات ومسألة درجة الإسهام الفعلي لعملية التخطيط في مواضيع التخطيط. مثل هذه المراقبة لعمليات التخطيط المتعدد السنوات والتي جرت على سبيل المثال في فترة عمل إيهود باراك كرئيس للأركان، ساهمت في تصويب عملية التخطيط التي اجتازت اختبار التنفيذ.
عمليات المشتريات: ينطوي هذا الموضوع على أهمية قصوى بحكم حجم النشاط وتأثيره على نظام وحجم القوات والميزانيات الموظفة في العملية. وتستوجب المصلحة العامة مراقبة ما يحدث في هذا المجال. وتركز الرقابة على الصفقات ذاتها وعلى إجراءات إعدادها.
استكمال وتفعيل نظرية القتال: على الرغم من كل الجدل المتصل بهذا الجانب، فإن لمراقبته أهمية قصوى وكذلك نتائج هذه المراقبة. على سبيل المثال، اتضح في أواخر التسعينيات أن الجيش الإسرائيلي لم يمتلك طوال سنوات وجوده نظرية عسكرية إسرائيلية مكتوبة متكاملة، وإنما نتف وأجزاء دون تكامل أو اتساق فيما بينها. وقد ساهم تقرير المراقبة في حث الجيش نحو العمل من أجل استكمال هذه العملية.
وفيما يتعلق بتفعيل النظرية الأمنية (العسكرية) فحصت الرقابة أيضاً درجة تطبيق مبدأ القتال الليلي. ويؤكد هذا المبدأ على القتال المتصل، ليلاً ونهاراً، إلى حين إلحاق الهزيمة بالعدو. وقد تبين من خلال فحص المراقب أنه لم يجر في معظم الحالات، في السابق، تفعيل أو تطبيق هذا المبدأ. رئيس الأركان احتج من جهته على تدخل المراقب في موضوع من هذا القبيل بدعوى أن قرار تطبيق أي مبدأ قتالي يقع ضمن صلاحيته واختصاصه فقط. إن باستطاعة المراقبة، دون المس بصلاحية رئيس الأركان، كشف الثغرات والعيوب في الاستعدادات لتطبيق المبدأ القتالي والإسهام في تصحيحها.
عمليات استيعاب الطاقة البشرية وتأهيلها ... تنصب المراقبة في هذه المواضيع على عملية تأهيل القوى البشرية للجيش، ابتداء من عمليات التجنيد والتتلمذ العسكري ودورات الضباط الأحداث وانتهاء بعمليات الترقية. إضافة إلى ذلك تركز الرقابة على تأهيل القوة البشرية المهنية وظروف الخدمة وأوضاع وحدات الاحتياط. هناك مثال بارز وهو المراقبة التي جرت في موضوع وحدات الاحتياط والتي تبين وجود مشكلات تعتريها في مجالين مركزيين، الأول استخدام وحدات الاحتياط في النشاطات الأمنية الجارية، والثاني تحضير قوات الاحتياط للحرب. وقد كشف المراقب فيما يتعلق بالمجال الأخير على سبيل المثال عن أن قادة ألوية وفرق الاحتياط لم يخدموا في منصبهم سوى فترة قصيرة لا تمكنهم من تمثّل واستيعاب دروس التدريب المتعلقة بقواتهم، نظراً لانتقالهم السريع من منصب إلى منصب، وهو ما يعني أن الدروس والعبر المستخلصة من التدريب الأول مثلاً لم تطبق في التدريب الثاني.
النظام والانضباط: تحققت على هذا الصعيد الهام إنجازات عديدة كان للمراقبة أيضاً مساهمة فيها. ويبرز في شكل خاص انخفاض حوادث التدريب وحوادث الطرق في الجيش. خلال عمليات المراقبة التي جرت في الثمانينيات تبين أن جزءاً لا يستهان به من قرارات رئيس هيئة الأركان العامة لم ينفذ بل ولم يصل إلى الأسفل (المراتب الدنيا) عبر "القناة البيروقراطية" وذلك بسبب ضعف الانضباط الذي يشكل مشكلة دائمة ومستحكمة تتطلب معالجة مستمرة.
ميزانية الأمن: تجري في هذا المضمار رقابة متواصلة على عمليات تخطيط الميزانيات في المؤسسة الأمنية وعلى طرق وضعها موضع التنفيذ. وهو موضوع شائك يصعب حصره أو الإحاطة به ويتطلب قوى بشرية كفؤة وملمة.
مصاعب ومعضلات في عمل المراقب
تصاحب عملية المراقبة مصاعب تقيد وتعيق مهمتها. المشكلة الأولى تتمثل في ضعف الموارد المخصصة لهذا الغرض. وللتدليل فإن شعبة مراقبة المؤسسة الأمنية في مكتب مراقب الدولة تضم خمسين موظفاً فقط، وهي مجموعة مقلصة لا تستطيع ممارسة رقابة دائمة بصورة مرضية على جميع هذه الأجهزة والهيئات المركبة ومن هنا تنشأ فجوات وانقطاع بين عملية مراقبة وأخرى.
المعضلة الثانية تتمثل في المهنية. فقد ترسخ في إسرائيل عرف مؤداه أن المراقب لا يقوم بمراقبة مهنية الجهات والهيئات التي تخضع للمراقبة وإنما فقط الطرق التي تعمل بها وتطبق من خلالها استنتاجات المراقبة. والسؤال المطروح: ما هي حدود المهنية وهل من المحبذ أن ينشغل المراقب أيضاً بجوانب مهنية؟ في الولايات المتحدة مثلاً توصلوا لإجابة إيجابية على هذا السؤال حيث تشمل الرقابة في المؤسسة العسكرية الأميركية مسألة المهنية أيضاً. هناك نقطة أخرى في هذا الخصوص تتعلق بخلفية المراقبين. في الشعبة الأمنية بمكتب مراقب الدولة تم التوصل لاستنتاج بأنه على الرغم من أن الأشخاص المؤهلين يستطيعون مواجهة أية مسألة إلاّ أن ذلك لا يكفي، بل هناك ضرورة أيضاً لأشخاص ذوي خلفية أمنية – عسكرية. وبالفعل عمدت الشعبة المذكورة خلال العقد الأخير إلى تشغيل مجموعة تضم نحو عشرة ضباط كبار ليشاركوا في عملية الرقابة الموكلة إليها.
وتشكل مسألة حدود المراقبة معضلة أخرى. ينص "قانون أساس: مراقب الدولة" على حق المراقب في مراقبة أي موضوع يرتئيه مناسباً. غير أن مواضيع من قبيل عملية اتخاذ القرارات، ونظرية القتال ومنطق السياسة التنظيمية ومراقبة الحكومة، كانت ولا تزال موضع خلاف بشأن ما إذا كان مراقب الدولة مخولاً ببحثها والطريقة أو الكيفية التي يتعين عليه إتباعها في التعامل مع مثل هذه المواضيع.
وفي سياق معارضة توسيع المراقبة طرح إدعاء مفاده أن المراقبة تولد أحياناً قيداً على حرية اتخاذ القرارات من جانب المسؤولين. بيد أن هذا الرأي لا يصمد بوجه عام أمام اختبار الواقع.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك عملية المراقبة، التي تحولت إلى فضيحة سياسية، فيما يتعلق بنوعية حماية السكان بواسطة القناعات الواقية من الغازات خلال حرب الخليج الأولى عام 1991. وقد كان هناك من أدعى أن نتيجة المراقبة ستكون استثمار موارد أكثر من اللازم في تزويد السكان بوسائل وقاية وذلك على حساب الموارد الموظفة في تعزيز القدرة القتالية. وأضاف هؤلاء المعارضون أن تدخل الرقابة سيؤثر سلباً ويثقل على قدرة اتخاذ القرار لدى صانع القرارات. غير أن الأحداث التي حصلت فيما بعد أثبتت أن التخلف في تهيئة الجبهة الداخلية سيتسبب، في وقت لاحق، بعمليات إنفاق متسرعة وكبيرة.
هناك معضلة أخرى تتناول توقيت إجراء المراقبة. ويقضي التوجه "التدخلي" بأن على المراقب أن يتدخل وأن يقوم بإجراء الرقابة في وقت صيرورة العملية، أي خلال العمل والنشاط. في حين يقول التوجه "السلبي" إنه لا يجوز التدخل في العملية وإنما التريث والانتظار حتى تنتهي، بمراقبة نتائجها واستخلاص العبر من ذلك. غير أن هذا التوجه غير منطقي في الحالات التي يمكن فيها للمراقبة منع حدوث تطورات سلبية. ثمة مثال بارز على الجدل حول مسألة توقيت المراقبة، ورد في تقرير مراقبة إدارة مشروع طائرة "لافي" والذي نشر قبل شهر واحد من اتخاذ القرار بإلغاء المشروع في صيف العام 1987.
وقد عارض وزير الدفاع وقتئذٍ، موشيه آرنس، الذي كان من المؤيدين المتحمسين للمشروع حتى أنه استقال من منصبه الوزاري عقب إلغاء المشروع، عارض بشدة نشر التقرير المذكور قبل القرار نظراً لأنه (آرنس) رأى في ذلك محاولة للتأثير على عملية اتخاذ القرار، لا سيما وأن الأمر يتعلق – حسب رأيه – بقرار خاطىء من أساسه.
خلاصة القول، يمكن الإشارة إلى أن الرقابة العامة والداخلية على حد سواء سارتا خلال العقدين الأخيرين خطوات كبيرة إلى الأمام، حيث تقدم التشريع ولم تبق مجالات خارج نطاق المراقبة، كذلك فقد ازداد حجم وعمق عملية المراقبة. ولعل الأهم من كل ذلك هو الوعي المتزايد في صفوف الهيئات والمؤسسات المراقبة والقائمين على إدارتها، بأن فائدة المراقبة أهم بما لا يقاس من الشعور بعدم الارتياح الناجم عن العملية، وأنها – الرقابة – تغدو في يد المدراء والمسؤولين وسيلة إدارة ناجعة وهامة.
(*) جنرال في الاحتياط، المراقب الداخلي السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي.
المصطلحات المستخدمة:
مراقب الدولة, لجنة الخارجية والأمن, لجنة مراقبة الدولة, مجلس الأمن القومي, باراك, لافي, الكنيست, رئيس الحكومة