دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت الإسرائيليين عشية الاحتفال بـ «يوم الاستقلال» الـ 59، إلى الكف عن «جلد الذات» والسجال في شأن إسقاطات الحرب الثانية على لبنان و«التي كشفت بلا شك إخفاقات وعيوباً وأخطاء تستدعي معالجتها»، بل حضهم على التفاؤل والتباهي بـ «انجازات دولتهم الاقتصادية والتكنولوجية والحياتية، والنظر إلى المستقبل بأمل لا بجلد الذات المتواصل»، مضيفاً أن متغيرات كثيرة حصلت بعد الحرب تصب في مصلحة إسرائيل، ومكرراً أن الظروف لم تنضج بعد لاستئناف محادثات السلام مع سورية. وللتخفيف من أرقهم، أعلن اولمرت أن إيران ما زالت بعيدة عن «العتبة التكنولوجية» لبلوغ قدرات نووية، منتقداً مسؤولين إسرائيليين يتبنون سياسة الترويع والهستيريا في هذا الملف.
وجاءت تصريحات اولمرت في مقابلتين مع الإذاعتين العامة والعسكرية رفض فيهما التطرق إلى أزماته الداخلية في أعقاب فشل حرب لبنان والتحقيقات معه في قضايا فساد مالي، مكتفياً بالقول إن يديه نظيفتان.
وقال أحد محاوريه رازي بركائي إنه لمس خلال المقابلة «أننا بصدد رئيس حكومة في حصار، يتظاهر بالهدوء وبرود الأعصاب لكنه يشعر بأنه وحيد... وأن الجميع يحاول إفشاله». وأضاف انه يفهم الآن ماذا عنى اولمرت قبل أشهر عندما قال إنه يفيق يومياً على «معترك من السموم». وزاد ان اولمرت يحتقر عملياً الإعلام الإسرائيلي ويرى فيه أساس البلاء الذي يعيشه.
وتأتي المقابلات قبل أيام من نشر التقرير المرحلي للجنة فحص مجريات الحرب على لبنان (لجنة فينوغراد) المتوقع أن يشير إلى مسؤولية أولمرت عما يُجمع الإسرائيليون على اعتباره فشلا في الحرب. ورفض أولمرت التطرق إلى عمل اللجنة أو توصيات متوقعة قد تشمل الدعوة إلى تنحيه، وفضّل العودة إلى إبراز ما وصفه بـ «تغيير المعادلة» الذي جاءت به الحرب.
ودافع اولمرت عن قراره شن الحرب وسائر القرارات الأخرى التي اتخذها خلال الحرب، وقال إن الحكومة صوتت بإجماع وزرائها الـ24 على شن الحرب، ثم أيد جميع نواب الكنيست باستثناء نواب الأحزاب العربية، البيان الذي قدمه للكنيست في اليوم الخامس من الحرب وتناول فيه أهدافها. وأضاف: «لا أعرف شخصية سياسية أو اعتبارية إعلامية نافذة لم تكن شريكة لرأينا بوجوب الرد بقوة على حزب الله». وقال إنه لم يعارض نشر إفادته أمام اللجنة على الملأ، لكنه يخشى من أن يؤدي النشر إلى الإساءة لعلاقات إسرائيل بعدد من زعماء المنطقة (أجروا اتصالات معه خلال الحرب).
وتابع اولمرت ان الحرب حققت لإسرائيل أهدافاً كثيرة، أبرزها أن الحدود مع لبنان لم تعد تتعرض لتهديدات «حزب الله» بفعل انتشار قوات دولية والجيش اللبناني في الجنوب. وأضاف أن إسرائيل نجحت في تغيير المعادلة التي كانت قائمة لسنوات كثيرة، «وتخلصنا من التهديد المتواصل بخطف جنود وقصف مدنيين والعيش بشعور من انعدام الأمان اليومي على حدودنا الشمالية»، مقراً بأن الحرب كلفت إسرائيل ثمناً باهظاً في ظروف ليست سهلة.
ورداً على سؤال هل كان سيتخذ قراراً بالحرب لو كان على علم بعدم جهوزية الجيش، قال اولمرت إن المسألة خاضعة للنقاش، «لكن ربما لولا هذه الحرب لما انكشفت العيوب والإخفاقات، ولتكبدنا ثمناً أفدح في المستقبل». وزاد أنه من الحكمة الاستفادة من العبر "بجرأة واستقامة، لا بالجلد الذاتي والاستفزازات المتبادلة (داخل إسرائيل) والخصومة الشخصية"..
وعن رفض إسرائيل استئناف المفاوضات السلمية مع سورية، قال اولمرت إن أياً من الزعماء الرئيسيين في العالم يرى في سورية دولة تبحث عن السلام، لا الولايات المتحدة ولا دول اوروبا أو أي دولة محورية أخرى. وأضاف ان «كلمات ضبابية من الرئيس بشار الأسد لا تؤشر إلى نيات استراتيجية للتوصل إلى سلام مع إسرائيل». وتابع أن إسرائيل أجرت خلال 12 عاماً ثلاث جولات من المفاوضات مع سورية فشلت كلها. وقال إن السلام لا يتحقق بتصريحات علنية عن الرغبة للتوصل إلى سلام، «إنما عبر العمل بذكاء وبحذر واختيار الطريق الصحيح كما نفعل نحن». وزاد أن إسرائيل لن تفوت أي فرصة للسلام مع سورية او غيرها "إذا نضجت الظروف لذلك ونشأت فرصة حقيقة... ومثل هذه الظروف تنضج عبر خطوات لا ينبغي أن تكون علنية حتماً".
ورداً على سؤال عن «التهديدات السورية العسكرية»، قال اولمرت إنه على يقين من أن سورية و «حزب الله» يدرسان نتائج الحرب الأخيرة، «ولا أعتقد ان نتائج الحرب تفتح شهية كبيرة لدى أي منهما لفتح جبهة قتال مع إسرائيل». وأضاف: نرجو جداً أن لا تعدو سورية نحو الحرب، لكننا مستعدون لكل الاحتمالات، وأكرر وجوب الحذر من أخطاء في التقدير يقود إلى حرب.
وعن ايران، قال اولمرت إنها لا تزال تشكل تهديداً جدياً للغاية، «لكنني أرفض الانضمام إلى ذوي النبوءات السوداوية الذين يتبنون سياسة هستيرية من ترويع وتخويف ذاتي لا تفيد في شيء». وقال إن الموضوع قيد معالجة المجتمع الدولي «الذي يتعاطى معه بجدية متناهية وفرض عقوبات سيكون لها مفعولها على ايران». وأضاف ان طهران ما زالت بعيدة عن «العتبة التكنولوجية» للوصول إلى قدرات نووية و"كلي ثقة بأن الجهود الدولية التي نشارك فيها ستؤتي ثمارها المرجوة".
[أسعد تلحمي]