أجرى المقابلة: بلال ضاهر
توشك الحرب التي تشنها إسرائيل ضد لبنان على دخول أسبوعها الخامس فيما لا تبدو بوادر حل في الأسابيع القريبة القادمة. وفي وقت صعّدت فيه إسرائيل هجماتها التي تلحق أضرارا في الأساس بالمدنيين والبنى التحتية المدنية في لبنان، ورغم إعلان المسؤولين الإسرائيليين عن توجيه ضربات مؤلمة ضد حزب الله، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع يبدو مناقضا. فقد كثف حزب الله، في الأيام الأخيرة، قصفه الصاروخي ضد إسرائيل وكبدها المزيد من الخسائر البشرية والمادية. وبدت معادلة الحرب متوازنة في مقياس الرعب رغم عدم تكافؤ القوة. ففي لبنان أكثر من مليون لاجئ نزحوا عن بيوتهم وفي إسرائيل هناك قرابة مليونين يعيشون في أجواء رعب وذعر في الملاجئ احتماء من صواريخ حزب الله. لكن كفة الميزان مالت لصالح إسرائيل من حيث عدد القتلى في كلا الجانبين حيث يبلغ عدد القتلى اللبنانيين (قرابة الألف)، أي عشرة أضعاف عدد القتلى الإسرائيليين (حوالي مائة قتيل).
في ظل هذا الوضع بدأت الأسبوع الماضي مساع دولية لوقف الحرب من خلال صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، تبين من تسريب معلومات من صيغة مسودته أنه يفتقر إلى التوازن بين جانبي الحرب. فالقرار المتوقع صدوره هذا الأسبوع يقضي بـ"وقف العمليات العدائية" من دون وقف إطلاق النار ولا ينص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان.
واعتبر المحاضر في جامعة تل أبيب والخبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، رؤوفين بدهتسور، في مقابلة خاصة مع "المشهد الإسرائيلي"، أن "وقف القتال في هذه المرحلة لا يعني شيئا. إذ ليس واضحا كيف ستسير الأمور والقرار الدولي ليس واضحا ولم يتم اتخاذه بعد. وبعد اتخاذه وإذا لم تصل إلى جنوب لبنان قوات أخرى دولية فإن إسرائيل لن تنسحب بالضرورة من لبنان. وبالتأكيد، إسرائيل لن تنسحب بعد ما جرى يوم الأحد الماضي (مقتل 12 جنديا إسرائيليا من قوات الاحتياط بصاروخ كاتيوشا أطلقه حزب الله على منطقة كريات شمونه والقصف المكثف في مساء اليوم ذاته على حيفا ومقتل 3 مواطنين وإصابة أكثر من 100). ولذلك فإن مسودة القرار لا تقول شيئا في هذه الأثناء. وأعتقد أن القصف المكثف لحزب الله، يوم الأحد الماضي، سيطيل أمد الحرب لأنه أصبح الآن واضحا، لإسرائيل على الأقل، أنه لا توجد طرق أخرى سوى بالتوغل نحو الشمال أكثر في جنوب لبنان. أما من ناحية المسار السياسي والدبلوماسي، فهناك مسودة غير واضحة تماما، إسرائيل تتبناها ولبنان رفضها. وستكون هناك مفاوضات طويلة حولها".
(*) "المشهد الإسرائيلي": هل ترى أن الحرب ستستمر لأسابيع وربما أكثر؟
- بدهتسور: "نعم، أخشى أن الحرب ستطول لفترة ما".
(*) لقد تسربت في الأسبوعين الأخيرين انتقادات كثيرة من داخل الجيش على شكل العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في لبنان. فقد وجه ضباط في الجيش الإسرائيلي انتقادات حول "التأخر" في التوغل البري في جنوب لبنان، وحول أن الجيش يعتمد أكثر مما ينبغي على سلاح الجو. كيف تنظر إلى هذه الانتقادات؟
- بدهتسور: "توجه الجيش في الأسابيع الماضية لم يكن صحيحا. فقد اعتقد الجيش أنه سيتمكن من القضاء على حزب الله خلال أربعة أيام وبذلك ينتهي الأمر. هذا لم يحدث والجيش لم يُعد بديلا. فقط بعد ذلك بدأ الحديث عن إدخال قوات برية. لقد آمن الجيش حقا بأنه قادر على إنهاء الأمر في لبنان بواسطة القوة العسكرية الجوية".
(*) كانت هناك أيضا انتقادات تجاه الحكومة الإسرائيلية وتجاه طريقة اتخاذ القرارات، التي كانت متسرعة للغاية، وحتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت اتخذ القرار بشن الحرب بسرعة قياسية؟
- بدهتسور: "لقد دخلت إسرائيل هذه الحرب من دون أن تعرف كيف ستخرج منها. وهذا أخطر شيء حدث. دخلوا الحرب مع أهداف لا يمكن تحقيقها لأن الجيش وعد بأنه سيحقق هذه الأهداف، ولم يعدوا الطريق للخروج. ونحن نشهد ذلك الآن. حتى أنهم لم يعدوا مخرجا سياسيا. باختصار، دخلت إسرائيل هذه الحرب وهي غير مستعدة لها".
(*) كيف يحدث أمر كهذا؟
- بدهتسور: "هذا يحدث لأنه لا توجد في إسرائيل هيئة أخرى غير الجيش تخطط السياسات. ولذلك تكون هناك مشكلة، فإن الطريق الوحيدة للعمل هي ما يقوله الجيش وما يعرفه الجيش. والجيش يعرف استخدام القوة".
(*) هل تعني أن أولمرت نفّذ ما قاله الجيش له؟
- بدهتسور: "ليس أولمرت فقط. فكل رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، باستثناء ثلاث أو أربع حالات، نفذ ما اقترحه الجيش. الوضع هو أن الجيش يقترح على الحكومة، وكل شيء يتم بصورة ديمقراطية، لكن المشكلة هي أنه لا توجد بدائل للحكومة غير اقتراح الجيش. لا أقول إنه في حالتنا اليوم لا يتوجب استخدام القوة، لكن يتوجب طرح بدائل أخرى والبحث في كيفية استخدام القوة وما هي الأهداف التي نسعى لتحقيقها من وراء ذلك".
(*) وهل أهداف إسرائيل من هذه الحرب واضحة بالنسبة لك؟
- بدهتسور: "أولا هناك ما قاله أولمرت في بداية الحرب وهناك ما يقوله الآن. وقد تراجع عن أهداف وضعها في بداية الحرب، لأن الأهداف التي حددها في البداية كانت غير واقعية ولا يمكن تحقيقها بالقوة العسكرية. وقد اعتقد أولمرت أنه يمكن تحقيق تلك الأهداف، وبينها استعادة الجنديين المخطوفين، لأن الجيش قال له إن ذلك ممكنا".
(*) تستخدم إسرائيل القوة، وحتى بصورة مفرطة، ضد المدنيين في لبنان وتعمل على هدم البنى التحتية مثل الشوارع والجسور والمطار. ما المنطق في ضرب المدنيين؟
- بدهتسور: "هنا أيضا يوجد لدى الجيش والحكومة في إسرائيل منظور خاطئ. وهذه ليست المرة الأولى التي تخوض إسرائيل الحرب فيها من خلال هذا المنظور. هذا المنظور يقضي بأن يتم ممارسة الضغط على المدنيين في لبنان وعلى الحكومة اللبنانية وهؤلاء بدورهم يمارسون ضغوطا على حزب الله ليوقف إطلاق النار. هذا المنظور لم ينجح بتاتا في الماضي ولن ينجح اليوم".
(*) من جهة أخرى فإن شعبية حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله في العالم العربي كبيرة للغاية. هل يمكن الاستنتاج من ذلك أنه لا وجود لما يسمى بـ"قوة الردع" الإسرائيلية؟
- بدهتسور: "أولا، إسرائيل لم تردع. فنحن نعلم بأنه حتى اليوم لم تجرؤ أية دولة عربية على إطلاق صواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية... تقريبا، باستثناء صدام حسين (في حرب الخليج العام 1991)، وكانت هناك محاولة للسوريين في حرب العام 1973. وها نحن نرى الآن أن منظمة صغيرة (حزب الله) جعلت نصف الدولة تقبع في الملاجئ منذ أربعة أسابيع. وبهذا المفهوم، صحيح أنه لا توجد قوة ردع إسرائيلية".
(*) إلى أي مدى تعتقد أن الولايات المتحدة ضالعة في هذه الحرب ضد لبنان؟
- بدهتسور: "الولايات المتحدة ليست ضالعة في هذه الحرب. وإسرائيل هي التي تتخذ القرارات. لكن هناك، طبعا، مصالح أميركية. والأميركيون سيكونون سعداء إذا وجهت إسرائيل ضربة قوية ضد حزب الله، لأن الأميركيين يعتبرون أن هذه الحرب هي جزء من الحرب ضد الإرهاب في العالم".
(*) هل يمكن القضاء على القوة العسكرية لحزب الله؟
- بدهتسور: "لا. يمكن توجيه ضربات له، لكن القضاء على هذه المنظمة هو أمر ليس ممكنا، إلا إذا خضنا حربا لثماني سنوات وقتلنا جميع نشطاء حزب الله".
(*) كيف ترى نهاية هذه الحرب؟
- بدهتسور: "النهاية ستكون من خلال التوصل إلى اتفاق تحت رعاية دولية. وآمل أن يتم نشر قوة دولية قوية تهتم بألا يعود حزب الله إلى منطقة الحدود مع إسرائيل وربما يكون هناك أيضا إشراف على صواريخه، لأنه بالنسبة لإسرائيل لا يمكن احتمال العيش في ظل هذه الصواريخ".
(*) وكيف ستؤثر هذه الحرب على إسرائيل، خصوصا أنها لم تعد تملك "قوة ردع"؟
- بدهتسور: "إذا انتهت الحرب كما هو الوضع الآن فإنها ستنعكس بشكل سلبي على صورة إسرائيل. لكن تأثير هذه الحرب من شأنه أن يكون سلبيا للغاية على العالم العربي، لأن نصر الله أخذ يتمتع بشعبية واسعة جدا. وهذا يعزز كثيرا الحركات الإسلامية المتطرفة. ومن الناحية الفعلية فإن خروج حزب الله، أو حتى إظهار خروج حزب الله منتصرا في هذه الحرب، يشكل خطرا كبيرا جدا على الأنظمة العربية. ولذلك رأينا في بداية الطريق على الأقل أن السعوديين والمصريين كانوا مهتمين جدا، رغم أنهم لم يقولوا ذلك بصورة علنية، بأن تنجح إسرائيل في توجيه ضربة لحزب الله. وبهذا المفهوم أيضا، فإن كل من يهتم في العالم العربي بمستقبل الأنظمة عليه أن يأمل بأن تنتهي الحرب بشكل لا يخرج حزب الله منها منتصرا".