وقع المئات من الشخصيات من عشرات الدول بينهم العشرات من إسرائيل على عريضة جديدة وجهوها إلى الأكاديمية الملكية للعلوم في السويد، يطالبون فيها بإلغاء منح جائزة نوبل في الاقتصاد للبروفيسور الإسرائيلي يسرائيل أومان وللبروفيسور الأميركي توماس شيلينغ، وذلك لأنهما شجعا المفاهيم الحربية بواسطة أعمالهما العلمية.
ومما كتب في العريضة التي يجري نشرها حاليا في الانترنت "إن التبريرات التي قدمت لإعطائهما الجائزة وبموجبها ساهم البروفيسور أومان والبروفيسور شيلينغ في زيادة التفاهم وتعميقه خلال الصراع والتعاون المشترك بواسطة نهج ومفاهيم الألعاب هي أمر مذهل، وعمليا فإن الأكاديمية منحت الجائزة لشخصين يشجعان الحرب، وأي واحد منهما لم يسهم بشيء في تحسين أوضاع بني البشر، إنما في معاناة الملايين. فالبروفيسور أومان يستعمل تحليلاته ليسوغ ويشرعن الاحتلال الإسرائيلي وقمع الفلسطينيين، وقد وصف وعرف إخلاء المستوطنين من قطاع غزة بعملية طردهم منه. ووصف سياسة شارون بأنها متأثرة من هرولة سريعة لانجاز سلام، وحسب مفهوم نظام الألعاب لأومان فإنه كلما انتظرت إسرائيل أكثر فإن الفلسطينيين يضطرون لتنفيذ تنازلات أكثر، وبكلمات أخرى فإن على إسرائيل أن تنتظر أكثر وتجري مفاوضات سياسية قد تجلب السلام العادل"!.
ومما كتب عن البروفيسور شيلينغ "إن أفكاره كانت بمثابة وحي ملهم للإستراتيجية الأميركية في فيتنام وللقصف المتتابع، وتلك الإستراتيجية تسببت في موت مليوني شخص وفشلت تماما في تحقيق أهدافها".
وقالت د. روحاما مورطون، رئيسة رابطة الأطباء لحقوق الإنسان في إسرائيل، مسوغة توقيعها على العريضة: "هناك ثقافة دبلوماسية وهناك ثقافة عنف، وأفكار أومان وشيلينغ تقول عمليا إنه لا يجب العمل في الدبلوماسية وإنما يجب إلزام الطرف الثاني بالتنازل أكثر ما يمكن. إن تلك الأفكار ليست غير أخلاقية فقط وإنما هي أيضا ليست حقائق واقعية".
وأكدت مورطون أنها لا تستوعب كل هذا الاحتفال باللذين حصلا على جائزة نوبل، وأنه بدلا من شجب أفكارهما كليا حصلا على جائزة وهذا مؤلم ومعيب. وقالت "جائزة نوبل جاءت بهدف خدمة الإنسانية، وأفكار شيلينغ وأومان لا تخدم الإنسانية. وقرار إعطائهما الجائزة هو مثال على خطأ أساسي وأخلاقي للجنة الجائزة".
يذكر أنه بعد الإعلان عن فوزه بالجائزة قال البروفيسور أومان: "يجب عدم دمج وخلط آرائي عن الانفصال عن غزة مع الجائزة". ورفض التعقيب على العريضة التي تطالب بإلغاء منحه الجائزة.
وكان الأستاذ الجامعي والناشط السياسي سامي سالوم شطريت قد أكدّ في حديث مع "المشهد الإسرائيلي" (العدد السابق) أن البروفيسور الإسرائيلي يسرائيل أومان، هو ناشط فعّال في معسكر اليمين الديني المتطرف "من أجل سلامة شعبه وبلاده، وهو يجنّد في سبيل ذلك قوته الرياضية والعقلانية".
وأوضح شطريت أن المذكور طوّر، على سبيل المثال، موديلاً علميًا يوضح "بالصورة الأكثر عقلانية أن نزع سلاح إسرائيل النووي هو حل غير مرغوب فيه"، من قبل قادة إسرائيل.
وأضاف شطريت: عندما سمعت اسم البروفيسور أومان فور الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل للاقتصاد ورأيت لحيته البيضاء المحترمة، توجهت للبحث عن إسهام هذا الاقتصادي الجهبذ في المجهود الإنساني عامة أو في الشؤون الإسرائيلية الداخلية. وكان أول ما تبادر إلى ذهني عبارة "نظرية الألعاب". فإن الشخص المذكور هو أحد مؤسسي هذا المجال الجديد نسبيًا، والمحبوب أساسًا على رجال الاستخبارات والجنرالات ورؤساء المنظومات السياسية الكبرى والمسؤولين عن إدارة مفاوضات سياسية وأصحاب المجمعات والشركات التجارية الكبرى وكذلك المحللين في أسواق الرأسمال وغيرهم. وليس من الصعب الاستدلال فورًا على أن ما يجمع هؤلاء جميعًا من قاسم مشترك هو غياب الأخلاق كقيمة فاعلة في احتساب خطواتهم. وقد قادني هذا البحث إلى النتيجة التالية: إن الإسهام الرئيسي للبروفيسور أومان هو نجاحه في تطبيق عمله على ميدان سوق المال والبورصة- أي القدرة على توقع سلوك سهم ما أو سوق معين. وقد أسهم في شبابه أيضًا في تطوير منظومات توجيه إستراتيجية لصواريخ باليستية عابرة للقارات.
أما بالنسبة لمواقفه السياسية فقد أكد شطريت أن البروفيسور أومان اعتبر مؤخرًا أن الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة "هو عمل غير أخلاقي، غير إنساني وأحمق. لم نربح من ذلك أي شيء وهناك احتمال كبير بأننا خسرنا كثيرًا". وإلى جانب ذلك قال إن إسرائيل تحتاج إلى رؤيا للمدى البعيد، وبموجب هذه الرؤيا "ينبغي علينا (أي على إسرائيل) القول حسنًا، إننا على استعداد لدفع الثمن، لدينا وقت كاف، وفقط هذا الأمر يجلب السلام".
وأعاد شطريت إلى الأذهان نصّ إعلان نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية عشية الانسحاب من غزة وقع عليه أعضاء ما يسمى بـ"طاقم البروفيسوريين من أجل المناعة السياسية والاقتصادية" (جماعة يمينية متطرفة) بمن فيهم البروفيسور أومان نفسه.
ومما جاء في هذا الإعلان:
"الهروب من أمام العدو وطرد يهود من بيوتهم يشكلان ليس فقط رياحًا لأشرعة الإرهاب وإنما رياح لأشرعة اللاسامية. هدم الكنس من قبل شارون- بتأييد جهاز القضاء- من شأنه أن يشجع المسّ باليهود والكنس والمقابر اليهودية في أرجاء العالم، كما من شأنه أن يضرّ بالهجرة اليهودية إلى إسرائيل وأن يقوّض أكثر فأكثر ثقة الجمهور بجهاز القضاء في إسرائيل. ويقرّر طاقم البروفيسوريين من أجل المناعة السياسية والاقتصادية أن المسّ بجهاز القضاء والثقة فيه هو ضرر آخر من أضرار الانفصال، التي تمس بكل مجالات الحياة في إسرائيل. وإن إسرائيل شارون قد خسرت حقها الأخلاقي في الاحتجاج على مظاهر اللاسامية في البلدان الأخرى".
وختم شطريت بالقول: لماذا ينبغي أن تهمني رياضيات هذا الشخص ونظرياته، مهما تبلغ عبقريته، إذا كان تفكيره في القضايا التي يوجد لها تأثير على البشر الذين يعيشون في هذه البلاد هو تفكير رهيب ومدمّر، يقدّس الحروب وتقديم الضحايا البشرية إلى ما لا نهاية.
يذكر أن أكاديمية العلوم السويدية أعلنت عن منح البروفيسور الإسرائيلي يسرائيل أومان، البالغ من العمر 75 سنة، جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2005، مناصفة مع البروفيسور الأميركي توماس شيلينغ من جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة. وقال بيان للأكاديمية السويدية إنه تقرر منح أومان وشيلينغ الجائزة "تقديراً لمساهمتها في تحسين الفهم للمواجهات والتعاون بواسطة تحليل نظرية الالعاب". وأضاف البيان أن أبحاث أومان وشيلينغ "توفر شرحاً أفضل للخلافات على خلفية اقتصادية. كما أن نظرية الألعاب تفسر سبب نجاح بعض الدول أكثر من غيرها في استغلال ثرواتها الاقتصادية".
وقد ولد البروفيسور أومان في مدينة فرانكفورت الألمانية عام 1930 وهاجر في صباه إلى الولايات المتحدة وحصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات عام 1955. ثم هاجر إلى إسرائيل عام 1956 وبدأ يعمل محاضراً في كلية الرياضيات في الجامعة العبرية في القدس.