العمليات العسكرية الأخيرة في غزة هي بأوامر من القيادة السياسية الاسرائيلية. والفكرة الكامنة وراء مثل هذه الاعمال هي استراتيجية شارون وجماعته، القاضية بالرد على العمليات التفجيرية بعمليات تفتيش عنيفة ينتج عنها سقوط عشرة قتلى فلسطينيين او أكثر خرج الخلاف بين رئيس الحكومة الاسرائيلي، ارئيل شارون، وقائد هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، الاسبوع الماضي، الى العلن. وذلك بعد أن قرر شارون توجيه توبيخ الى يعلون عبر وسائل الاعلام، بسبب المواقف التي عبر عنها هذا الأخير حيال خطة شارون المسماة )فك الارتباط( والتي تقضي بانسحاب الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة واخلاء مستوطنات في القطاع، وعدد قليل من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. فقد اعلن يعلون معارضته للانسحاب الاحادي الجانب. ونسبت الصحف الاسرائيلية ليعلون قوله إنه )يجب الا نستبعد وجود علاقة بين تصاعد العمليات المسلحة التي ينفذها الفلسطينيون والاحاديث حول الانسحاب(. من جهة أخرى، قال رئيس جهازالامن العام (الشاباك)، آفي ديختر، الذي استدعي الى واشنطن لكي تستمع الادارة الاميركية لوجهة نظره من خطة شارون، قال إن >كل من يعتقد ان خطة فك الارتباط ستؤدي الى انخفاض ارادة الفلسطينيين بتنفيذ عمليات تفجيرية، فهو مخطئ
. وبعد توبيخ يعلون علناً، قالت مصادر في الجيش الاسرائيلي ان جهات سياسية في اليمين الاسرائيلي تستخدم اقوال يعلون التي ادلى بها في >مؤتمر هرتسليا< قبل سنة ونصف السنة، من اجل مصلحة اهداف اليمين، لكن يعلون كرر الاسبوع الماضي اقواله بأنه يجب عدم اجراء انسحاب من جانب واحد، وان ذلك )لن يحل المشاكل الأمنية(. وفيما يتعلق بالخلاف بين شارون ويعلون، الذي يبدو أنه خلاف بين شارون والقيادة العسكرية الاسرائيلية، قال المؤرخ العسكري الاسرائيلي والجنرال المتقاعد، مائير بعيل، في هذا اللقاء مع )المشهد الاسرائيلي(، >ان ثمة مشكلة سياسية ومشكلة عسكرية. فقد صرح شارون بأنه، كرئيس لحكومة اسرائيل، مستعد لاخلاء الجيش والمستوطنات اليهودية من قطاع غزة. وان يتم ذلك على شكل: )اخلاء وحسب(. وأنا اضيف الى ذلك: )ليس مهماً ما سيحدث(. وانا اؤيد الاخلاء، كما انني اؤيد اخلاء الضفة والانسحاب حتى الخط الاخضر، ولا يهمني اذا تم اجراء تعديلات على المناطق التي يتم اخلاؤها، وذلك من خلال مفاوضات بين الجانبين. كذلك لا يهمني الانسحاب من القدس الشرقية. ولكن كل هذا يجب أن يتم من خلال مفاوضات والاتفاق على ترتيبات سياسية بين الدولتين: دولة اسرائيل، ودولة فلسطينية، تقرر القيادة الفلسطينية أين تكون عاصمتها، ولتكن في القدس الشرقية. عندها يتم اخلاء المستوطنات والجيش<
. >ولكن ان تنفذ عملية اخلاء وانسحاب للجيش من دون اتفاق سياسي، أضاف، فهذا يعني الانسحاب فيما الذيل بين الرجلين. وانا اتساءل: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا سيفهم الفلسطينيون الذين يقاتلوننا؟ لا شك انهم سيقولون ان الارهاب الذي مارسناه ضد الاسرائيليين على مدار ثلاث سنوات ادى الى ان يلفوا ذيلهم ويهربوا. ولا يوجد اي سبب يمنعهم من مواصلة عملياتهم. اضافة الى ذلك، فإن النظرية الفلسطينية من الناحية الفعلية هي انه يجب اعادة كافة اللاجئين الذين نزحوا في العام 1948، ولذلك، فانني ارى ان الاخلاء هو امر جيد للغاية، لكن يجب الاعلان عن ذلك، ويجب مد اليد اليمنى باتجاه الفلسطينيين. كان على شارون أن يقوم بذلك تجاه ابومازن، وبالامكان القيام بذلك مع عرفات<. - ولكن إحدى مشاكل خطة >فك الارتباط<، التي يطرحها شارون، تكمن في انها غير واضحة؟ ü >سأقول لك ما أعتقده حيال هذه الخطة. ارئيل شارون ليس الشخص الذي يفكر للمدى البعيد. وهو في هذه الأثناء يريد التخلص من القطاع. ويعتقد انه، بواسطة ذلك، ربما يخفف ضغط الاميركيين عليه. وما الذي سيحدث بعد ذلك، الله كبير. وانا اعرف تماماً ما الذي سيحدث في المستقبل: اذا بقي الوضع السياسي على حاله، فستستمر العمليات الارهابية. ولن يسود الهدوء ولا السلام. واذا لم نقم بعملية اخلاء بالشكل المناسب، في إطار اتفاق سياسي مع حكومة فلسطينية، تحكم في الضفة والقطاع، وفي هذه الحالة يكون لدينا عنوان لمن يتحمل المسؤولية في الاراضي الفلسطينية، اذا لم نقم بذلك فان الوضع سيبقى على حاله، كما هو الان. وما يطرحه شارون هو الفوضى بعينها<.
- الرأي الذي تطرحه هنا شبيه الى حد كبير برأي يعلون؟ * >هذا صحيح، وأنا أؤيد يعلون في هذه القضية. وأعتقد أن كل رجل عسكري يرى الامور على هذا النحو<. - ثمة من يقول إن شارون هو رجل عسكري في الاصل، ولا شك انه يعرف الرأي العسكري في هذه القضية؟ * >هو يتصرف بهذا الشكل لأنه يرفض الضغوط الاميركية حول ضرورة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الجهة التي يجب التفاوض معها. فهو لم ينضج كفاية في هذه الناحية. وانا لا اعرف اذا كان سينضج. ولذلك قرر الاعلان عن نيته باخلاء قطاع غزة لصد الضغوط الاميركية، واذا استمر العرب في المقاومة فإنني (أي شارون) سأجتاح القطاع مرة اخرى. وهذه الخطة التي يطرحها هي خطة غير جدية بتاتاً. وهي في هذه الاثناء تلحق اضراراً. وهو يقوم بذلك وفي مخيلته عملية الهروب من لبنان التي نفذها إيهود باراك، ولكن الحالتين مختلفتان. في لبنان يوجد نظام حكم. ولكن هنا، في قطاع غزة، تسود الفوضى<. - ما تقوله هو ان الخلاف بين شارون والقيادة العسكرية وليس بينه وبين يعلون فحسب؟ * >لا تجرؤ القيادة العسكرية على القول لشارون أن يقوم بطرح حل سياس وانا اجرؤ على ذلك.
والحل السياسي يكون بين حكومة اسرائيل وبين منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الشعب الفلسطيني، بواسطة الحكومة الفلسطينية أو حتى عرفات<. - ما تقوله يهدم نظريته التي تزعم عدم وجود شريك في الجانب الفلسطيني؟ * >ما يزعمه غير صحيح، لان ثمة شريكا. وبالمناسبة، حتى لو لم يكن هناك شريك في الجانب الفلسطيني، اعتقد ان على اسرائيل ان تبحث عن هذا الشريك وحتى ان توجده. على كل حال الشريك الفلسطيني موجود. فهناك شعب فلسطيني، ولديه قيادة، وهذه القيادة لن نختارها نحن. واذا كان يقول انه ليس هناك شريك فهو غبي. وخطة فك الارتباط التي يتحدث عنها، هي خطة في غاية الغباء، وهو لا يرى الصورة الشاملة. وما يقلق يعلون، وهو الرجل العسكري، هو أن تقييمات الوضع التي يجريها الجيش تشير الى ان القتال سيتواصل، وسيستمر الفلسطينيون في التسلل الى داخل الاراضي الاسرائيلية. كذلك سيستمر الفلسطينيون في اطلاق قذائف >القسام< على بلدات اسرائيلية، وبعد اشهر سيعود الجيش الى احتلال القطاع من جديد. ويعلون يعتقد أن خطة شارون هي خطأ كبير من الناحية العسكرية، كما انها خطأ كبير من الناحية السياسية<. - هل تعتقد انه مقابل الانسحاب من القطاع، يريد شارون فرض واقع معين في الضفة؟ * >من الواضح لي، انه يعتقد بأن الاميركيين سوف يقولون له انه مقابل اخلاء القطاع بامكانك فعل ما تشاء في الضفة، وهو يفعل، حقا، ما يريد في الضفة. مثلاً: مسار الجدار. هذا أمر فظيع. فالجدار يغلف القدس كلها من الشرق.
الجدار الذي بني في ابو ديس، مثلاً، يعني ان القدس كلها، مع الاماكن المقدسة، ستكون داخل الجدار... الى الغرب من الجدار. وهو يريد بذلك فرض امر واقع نهائي، انه اذا قامت دولة فلسطين فستكون دون القدس، ومع (مستوطنة) اريئيل داخل المنطقة الاسرائيلية. واريئيل لن تتزحزح من مكانها، وانما الحدود هي التي ستتزحزح من مكانها. وهو عندما يبني هذا السور فان ذلك ينطوي على مؤامرة لضم هذه المناطق الواقعة غرب الجدار... ليست لدى شارون رؤية سياسية بعيدة المدى وعقلانية بل لديه رؤية لضم اراضٍ فلسطينية لاسرائيل. وانا اعتقد أنه يجب التعامل مع العدو بقدر من الاستقامة، لأن هؤلاء هم جيراني الى الابد. وقد ينجح شارون في تحقيق اهدافه مؤقتاً، لأن الرئيس جورج بوش منهمك الآن في الانتخابات الرئاسية الاميركية وهو يريد كسب رضى اليهود في الولايات المتحدة. وبوش لا يفكر بشارون بل باليهود في الولايات المتحدة. واعتقد ان الاميركيين، فيما يتعلق بتأييدهم لخطة شارون، هم اغبياء الى أبعد حد<. - هناك ادعاءات في اسرائيل مفادها ان المذابح التي نفذها الجيش الاسرائيلي في غزة أخيرًا لم تكن بموافقة شارون، ويريدون القول بذلك إن الجيش يريد من خلالها افشال خطة شارون المسماة >فك الارتباط<؟ * >لا يمكن ان يحدث أمر كهذا في الجيش الاسرائيلي. هذه العمليات هي بأوامر من القيادة السياسية الاسرائيلية.
والفكرة الكامنة وراء مثل هذه الاعمال هي استراتيجية شارون وجماعته، القاضية بالرد على العمليات التفجيرية بعمليات تفتيش عنيفة ينتج عنها سقوط عشرة قتلى فلسطينيين او اكثر. فالجيش الاسرائيلي هو >القبضاي< بالنسبة للفلسطينيين. وماذا بامكان الفلسطينيين ان يفعلوا؟عمليات ارهابية، حرب عصابات...ونحن نرد عليهم بارهاب نظامي وتوجيه ضربات اكبر نحوهم. لكن ما تقوم به اسرائيل هو استراتيجية ارهابية<. - جرى الحديث في الايام الاخيرة الماضية عن اتباع الجنود الاسرائيليين >شيفرة اخلاقية جديدة< في التعامل مع الفلسطينيين. هل هذا ممكن في ظل الاحتلال؟ * >هذه >شيفرة اخلاقية< غير اخلاقية، ومصطلح الشيفرة الاخلاقية يهدف الى التمويه ليس اكثر. يجب أن تكون هناك اخلاقيات. ولكن هذه الشيفرة تتضمن عدداً كبيراً من البنود ولا أحد يعرف ماذا كتب فيها. فاذا ذهب الجيش الى مخيم اللاجئين لاجراء تفتيش، والفلسطينيون هناك يطلقون النار على الجنود فان الجنود سوف يردون على اطلاق النار وبهذا يصبح مسموحاً للجنود ان يتعاملوا ويتصرفوا بقسوة. وهذه ثقافة العنف مقابل العنف<. - كانت هناك تلميحات في الايام الاخيرة، ايضاً، الى امكانية استقالة قائد هيئة اركان الجيش الاسرائيلي هل هذا وارد؟ * >ليس من المقبول ان يدلي قائد هيئة الاركان علناً بتصريحات ضد الحكومة. ولكن بعد أن صرح يعلون ضد خطة الانسحاب من قطاع غزة، بدأ الكثيرون يفكرون بامكانية ان يستقيل. هذا ممكن. حدث مثل هذا الامر في السابق. يغئال يدين استقال من قيادة هيئة الاركان على خلفية نقاش مع دافيد بن غوريون على شراء اسلحة. ومن الوارد أيضاً أن تتم اقالة قائد الاركان، لكن هذا لم يحدث في الماضي ابداً، آمل الا يحدث، ولكن من الصعب التنبؤ بما سيفعله شارون. وهو في ضائقة، اذ انه اراد إعادة احتلال الضفة والقطاع وتكريس الاحتلال لجيلين قادمين.الا ان الضغوط التي تمارس عليه من الولايات المتحدة وغيرها، منعته من ذلك، وهذا يفسر ايضاً سياسة العنف التي ينتهجها ضد الفلسطينيين<.
المصطلحات المستخدمة:
اريئيل, هرتسليا, باراك, دولة اسرائيل, رئيس الحكومة, موشيه يعلون, آفي ديختر