صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية مدار ، التقرير الاستراتيجي للعام 2007: المشهد الاسرائيلي 2006. يلخص تقرير "مدار" الإستراتيجي 2007، أحداثاً مفصلية ساخنة شهدتها الساحة الإسرائيلية على امتداد العام 2006، تركت بصمات واضحة جداً على الأجندات السياسية بكافة تفرعاتها الداخلية والخارجية، وعلى الأجندات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية أيضاً، تاركة الباب مشرعاً على تغييرات دراماتيكية محتملة، خاصة على مستوى الحراك الحزبي الداخلي في إسرائيل، وبالتالي على الآفاق المحتملة فيما يتعلق بفرص إحياء مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني.
بدأ العام 2006 بفوز "حماس" في الإنتخابات الفلسطينية، الذي اتخذته إسرائيل رافعة لمواصلة فرض الحل الأحادي الجانب، ومرّ بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي كرست "الأغلبية الجديدة" المتمركزة في الوسط، ليبلغ ذروة جديدة في الحرب الفاشلة على لبنان، التي أسفرت، فيما أسفرت عنه، عن سحب إيهود أولمرت لمشروعه الأحادي الجانب، الذي انتخب وشكل حكومته على أساسه، عن الطاولة.
يرصد التقرير، في ملخصه التنفيذي الموسّع، وفصوله الخمسة، تفاصيل هذه الحرب ونتائجها المباشرة وتداعياتها الكثيرة، ويراقب النقاشات التي أثارتها إسرائيلياً، تحت عناوين عريضة تتسع لتستوعب مواضيع: الردع الإسرائيلي، جاهزية الجبهة الداخلية، المناعة الوطنية، النظرية الأمنية، الملفات الإقليمية (إيران وسورية تحديداً)، وطبيعة الإنشباك مع الأجندات الأميركية في زمن أميركي مأزوم شرق أوسطياً (معضلة العراق)، وانعكاسات ذلك كله على إسرائيل.
وقد صنفت التغييرات والأحداث في العام 2006، بمفردات الإعلام الإسرائيلي، كهزات أرضية ما زالت آثارها الإرتدادية تتواصل حتى كتابة هذا التقرير، على شكل أزمات واسعة داخل البنية الحزبية (كديما فقد مقومات وجوده، وحزب العمل بقيادة بيرتس يعيش مأزقاً بالغ الصعوبة)، ويُسمع صوتها أيضاً في أروقة المؤسستين السياسية والعسكرية، حيث أُطيح مؤقتاً برئيس هيئة الأركان العامة للجيش دان حالوتس، والجميع وأولهم أولمرت في انتظار "هزّة" تقرير فينوغراد عن أسباب الفشل في الحرب على لبنان.
على المستوى الفلسطيني يرصد التقرير التعاطي الإسرائيلي مع نتائج الإنتخابات الفلسطينية، والإتكاء عليها لتكريس الأحادية وإقناع القوى الدولية بها؛ العدوان على غزة، والتهرب من استحقاقات السلام، وفرض الحصار على الشعب الفلسطيني وحكومته، والتعامل السلبي مع دعوات الرئيس الفلسطيني المستمرة للسلام.
على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، تم تسديد ضربات إضافية لـ "دولة الرفاه"، ورغم تحقيق نمو، إلا أن توزيعه ينسجم مع التركز المتراكم للثروة في يد مجموعة عائلات وأثرياء (حوالي 20 عائلة)، وفي يد شريحة صغيرة متعولمة، وفق تقارير إسرائيلية. هذا إلى جانب تكهنات بأن تسدد الشرائح الضعيفة جزءاً كبيراً من فاتورة الحرب، كما بينته موازنة 2007.
على صعيد الفلسطينيين في إسرائيل، ارتفعت النبرة العدائية تجاههم، وصارت تتخذ مزيداً من الشرعية، وتصل لدوائر سياسية جديدة، في حين طوّر الفلسطينيون في إسرائيل ورقة تصور حول طبيعة وضعهم السياسي، ومستقبلهم في إسرائيل، أثارت جدلاً أكاديمياً وإعلامياً وسياسياً متوتراً في الدوائر الإسرائيلية.
وشهد العام 2006، وفقاً للتقرير، ظواهر إجتماعية تثير أسئلة كبيرة حول منظومة القيم الإسرائيلية، تمثلت بمقاضاة عدد كبير من الواقفين في رأس الهرم السياسي، (بل والرأس تماماً – موشيه قصاب) في قضايا فساد أخلاقي وإداري ومالي، وزيادة ثقل المشبوهين مالياً في الحياة الحزبية والعامة، الأمر الذي تتوج بنشاط الثري الروسي غايداماك (المطلوب دولياً في قضايا مالية) وتلويحه بـ "شراء" 12 مقعداً في الكنيست.
تقرير معّّمق عن عام غني بالتحولات، يأمل "مدار" بأن يسهم به في إثراء المعرفة بالشأن الإسرائيلي وتغيراته، بما يساعد صنّاع القرار والسياسيين والإعلاميين وذوي الاهتمام.